أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فريد بوكاس - سياسة الريع في المغرب: مقاربة تحليلية في الاقتصاد السياسي للامتيازات















المزيد.....

سياسة الريع في المغرب: مقاربة تحليلية في الاقتصاد السياسي للامتيازات


فريد بوكاس
(Farid Boukas)


الحوار المتمدن-العدد: 8501 - 2025 / 10 / 20 - 00:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ألمانيا: فريد بوكاس ، صحفي باحث و ناشط سياسي

ملخّص

تسعى هذه الدراسة إلى تحليل ظاهرة الريع في المغرب من منظور الاقتصاد السياسي، باعتبارها أحد أهم العوائق البنيوية أمام التنمية والعدالة الاجتماعية. يُظهر التحليل أنّ الريع في المغرب ليس مجرد ظاهرة اقتصادية مرتبطة بسوء توزيع الموارد، بل هو بنية اجتماعية-سياسية متجذّرة تشكّلت تاريخياً في سياق بناء الدولة الحديثة. ويركّز المقال على تطوّر هذه البنية، وآثارها على الاقتصاد والمؤسسات، ومحاولات الدولة الحدّ منها عبر الإصلاحات القانونية والمؤسساتية.

1. مقدّمة

تُعدّ سياسة الريع من أبرز الإشكاليات التي واجهت الاقتصاد المغربي منذ الاستقلال إلى اليوم. فهي تعبّر عن نمط من العلاقات بين الدولة والنخب الاقتصادية والسياسية، يقوم على منطق الامتيازات بدل الكفاءة، وعلى التوزيع الزبوني للثروة بدل الإنتاجية والمساءلة.

ويكتسي موضوع الريع أهمية خاصة في السياق المغربي لكونه يمسّ جوهر العلاقة بين السلطة والثروة، ويؤثر بشكل مباشر على فعالية السياسات العمومية ومصداقية النموذج التنموي.

إنّ تحليل هذه الظاهرة يقتضي تجاوز المقاربة الاقتصادية الضيقة نحو مقاربة سوسيولوجية وسياسية تأخذ بعين الاعتبار البنية التاريخية للعلاقات الريعية، وطبيعة الدولة المغربية كدولة ريعية هجينة تجمع بين آليات السوق وآليات الامتياز السلطوي.

2. الإطار المفاهيمي: تعريف الريع وتمظهراته

يُعرّف الريع، في الأدبيات الاقتصادية، بأنه كل دخل يتحقق من دون مساهمة إنتاجية فعلية، أو من خلال استغلال موقع احتكاري، أو امتياز يمنحه النظام السياسي أو الإداري لفئة معينة.
وفي السياق المغربي، يمكن التمييز بين ثلاثة مستويات أساسية للريع:

ريع اقتصادي: يتمثل في الامتيازات المرتبطة برخص النقل، واستغلال المقالع، والصيد البحري، والعقار العمومي، وصفقات الدولة.

ريع سياسي: يقوم على منح الامتيازات والمناصب مقابل الولاء السياسي أو الصمت تجاه السلطة.

ريع اجتماعي وإداري: يظهر في آليات التوظيف غير العادل، وتوزيع الدعم العمومي، وتخصيص الأراضي أو المناصب دون معايير موضوعية.

تُنتج هذه الأشكال شبكةً معقدة من المصالح المتداخلة التي تُفرز طبقة من “المنتفعين” تهيمن على الموارد وتتحكم في مسارات التنمية.

3. الجذور التاريخية لسياسة الريع في المغرب

يرتبط أصل الريع في المغرب بمرحلة بناء الدولة الوطنية بعد الاستقلال (1956)، حين اعتمدت السلطة المركزية سياسة توزيع الامتيازات الاقتصادية والاجتماعية من أجل ضمان الاستقرار السياسي واحتواء مراكز النفوذ التقليدية.

فقد كانت الدولة، في سياق هشاشة المؤسسات الديمقراطية وضعف البنية الإنتاجية، بحاجة إلى خلق تحالفات مع النخب المحلية والاقتصادية عبر تبادل المنافع.

ومع مرور العقود، تحوّل هذا النمط إلى بنية متجذّرة تتوارثها الأجيال داخل النخب، بحيث أصبح الريع آلية لإعادة إنتاج النفوذ الاقتصادي والسياسي في آنٍ واحد.

كما ساهمت مرحلة التقويم الهيكلي في الثمانينيات في توسيع دائرة الريع، حيث انفتح الاقتصاد المغربي على الخصخصة والتحرير التجاري دون إطار مؤسساتي صارم، مما مكّن فئات محدودة من الاستفادة من ثروات الدولة دون منافسة حقيقية.

4. الريع كعائق بنيوي للتنمية

تُظهر المعطيات الاقتصادية أنّ الريع يشكّل أحد أهم العوامل التي تُضعف الإنتاجية والتنافسية في الاقتصاد المغربي.
فهو يؤدي إلى:

ـ تشويه آليات السوق من خلال منح الامتيازات على أسس غير تنافسية؛

ـ إضعاف الاستثمار المنتج بسبب انحراف رأس المال نحو أنشطة ريعية سريعة الربح؛

ـ تفكك الثقة المؤسسية نتيجة إدراك المواطنين أنّ النجاح لا يرتبط بالكفاءة بل بالعلاقات الشخصية والسياسية؛

ـ توسيع الفوارق الاجتماعية والمجالية، إذ يتركّز الريع في أيدي أقلية من المستفيدين.

وبالتالي، فإن اقتصاد الريع لا يقتصر ضرره على المستوى الاقتصادي، بل يُضعف كذلك المشروعية السياسية للدولة ويكرّس منطق “الزبونية” على حساب المواطنة.

5. العلاقة البنيوية بين الريع والسياسة

إن العلاقة بين الريع والسياسة في المغرب علاقة تبادلية ووظيفية، فالسلطة تستخدم الريع كأداة لإعادة إنتاج الولاءات السياسية وضمان الاستقرار، بينما تعتمد النخب الاقتصادية والسياسية على الريع كوسيلة للحفاظ على النفوذ.
وهكذا، يصبح الريع آلية للضبط الاجتماعي والسياسي أكثر منه انحرافاً اقتصادياً فقط.
وتتجلى هذه العلاقة في ظواهر متعددة مثل:

~ تمويل الحملات الانتخابية عبر الأموال الريعية؛
~ خلق “اقتصاد ظلّ” متداخل مع أجهزة الدولة؛
~ مقاومة اللوبيات لأي إصلاحات تمسّ امتيازاتها.

6. الريع والعدالة الاجتماعية

يتناقض منطق الريع جذرياً مع مشروع العدالة الاجتماعية والمجالية. فهو يكرّس اللامساواة في الولوج إلى الموارد، ويُضعف الحراك الاجتماعي، ويُفرغ السياسات العمومية من بعدها التوزيعي.
إنّ تحقيق العدالة الاجتماعية في المغرب لا يمكن أن يتم دون تحرير الاقتصاد من منطق الريع، وربط الثروة بالمجهود والإبداع، لا بالقرابة والولاء.

7. نحو اقتصاد إنتاجي قائم على الشفافية

إن تجاوز منطق الريع يتطلب رؤية استراتيجية شاملة تقوم على ثلاثة مستويات مترابطة:

~ مؤسساتي: عبر تفعيل مبدأ المحاسبة، واستقلالية القضاء، والشفافية في تدبير المال العام.
~ اقتصادي: من خلال تشجيع الاستثمار المنتج، ودعم المقاولات الصغيرة والمتوسطة، وإعادة توجيه الدعم نحو القطاعات ذات القيمة المضافة.
~ ثقافي وقيمي: بتعزيز ثقافة الاستحقاق والكفاءة، ونشر الوعي المجتمعي بمخاطر الامتيازات غير المشروعة.

إن بناء اقتصاد إنتاجي لا يتحقق إلا بفكّ الارتباط بين الثروة والسلطة، وجعل السوق تحكمها قواعد العدالة والمنافسة.

8. خاتمة

تُظهر دراسة سياسة الريع في المغرب أنّها ليست ظاهرة عرضية أو ظرفية، بل بنية تاريخية متجذّرة في طبيعة الدولة والمجتمع.

وإذا كانت الدولة قد حقّقت خطوات مهمة في كشف بعض مظاهر الريع، فإن التحدي الحقيقي يكمن في تفكيك أسس المنظومة الريعية عبر إصلاح سياسي ومؤسساتي عميق.

فلا يمكن الحديث عن تنمية مستدامة أو عدالة اجتماعية أو ديمقراطية اقتصادية في ظل اقتصاد قائم على الامتياز لا الإنتاج.

إن التحرر من الريع هو المدخل الضروري لبناء مغرب جديد، يقوم على الشفافية والمساءلة والمواطنة الاقتصادية.



#فريد_بوكاس (هاشتاغ)       Farid_Boukas#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التدخل الإماراتي في الشأن الداخلي للدول المغاربية: النفوذ ال ...
- المؤسسة الملكية في المغرب وديناميات الأزمة الاقتصادية: مقارب ...
- خصخصة التعليم والصحة في المغرب: من خدمة المواطن إلى تجارة ال ...
- الملكية في المغرب واستحواذها على السلطات الثلاث: قراءة نقدية ...
- المغرب 2025: أزمة هيكلية في الاقتصاد والسياسة وحقوق الإنسان
- إمكانية سقوط النظام الملكي في المغرب: تحليل أكاديمي للعوامل ...
- الخطاب الملكي بين الواقعية والإنكار: لماذا يرى جيل Z 212 أن ...
- الاعتقالات السياسية في عهد محمد السادس: أرقام قياسية في تكمي ...
- الملك الغائب عن الحوار : أزمة تواصل تكشف عمق المأزق السياسي ...
- جيل زيد: بين المطالب والطموحات في ظل سلطة الملك المطلقة
- مقال أكاديمي: حراك جيل زد-212 في المغرب
- وكالة المغرب الكبير للأنباء ، هل تحول إعلامي مغاربي ؟
- حين اختلط الحبل بالنابل ، فريد بوكاس تحت مجهر التشهير
- لماذا يلجأ البعض إلى التشهير بالآخر ؟
- المملكة المغربية وأساليب التعذيب
- المغرب والكعكة المفقودة
- المغرب: محمد السادس ملك التناقضات
- الديكتاتورية في المغرب وكيفية التخلص منها
- الإعلام المغربي والدعارة المخزنية، جريدة الخبر بريس نموذجا
- هل محمد السادس مصاب بورم الغدة النخامية ؟


المزيد.....




- إسرائيل تستأنف وقف إطلاق النار في غزة بعدما -انتهكته- حماس
- مقاومة و-برغماتية متأخرة-.. إيران على مفترق طرق
- إيطاليا: قتيلان وإنقاذ العشرات على متن مركب مهاجرين قبالة جز ...
- فايننشال تايمز: ترامب دعا زيلينسكي للقبول بشروط بوتين
- هل ينجح اتفاق الدوحة بإنهاء عقود من الصراع الحدودي بين أفغان ...
- هل تشير احتجاجات -لا ملوك- إلى أزمة شرعية في إدارة ترامب؟
- تحضيرات مصرية لاستضافة مؤتمر إعمار غزة
- عمر عبد المنان طبيب في بريطانيا يحمل على عاتقه قضية فلسطين
- ما فرص اتفاق الدوحة في وقف التصعيد العسكري بين كابل وإسلام آ ...
- هل ستنقل إسرائيل الحرب إلى سوريا؟


المزيد.....

- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فريد بوكاس - سياسة الريع في المغرب: مقاربة تحليلية في الاقتصاد السياسي للامتيازات