أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - بشار مرشد - الاحتواء السياسي ومشتقاته...انتداب ووصاية جديدة















المزيد.....

الاحتواء السياسي ومشتقاته...انتداب ووصاية جديدة


بشار مرشد
كاتب وباحث

(Bashar Murshid)


الحوار المتمدن-العدد: 8508 - 2025 / 10 / 27 - 14:33
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


مقدمة: الاحتواء السياسي

في المشهد السياسي المعاصر، تتجلّى ظاهرة الاحتواء السياسي بوصفها أداة لإدارة التناقضات لا لتسويتها، وآلية لإبقاء الأزمات حيّة ولكن مضبوطة الإيقاع. فبدلاً من معالجة الجذور، تُوجَّه الجهود نحو ضبط السطح؛ تُهدَّأ الانفجارات دون تفكيك أسبابها، وتُعالج الأعراض دون المساس بالمرض ذاته.

الاحتواء السياسي هو سياسة “التنفيس المحسوب”: السماح بقدر من التوتر يمنع الانفجار، مع الحفاظ على ميزان القوى القائم لا تغييره. في جوهره، هو شكل من أشكال السيطرة الناعمة التي تُلبس الإكراه ثوب التوافق، وتحوّل الصدام إلى حوارٍ محدود السقف.

ويقف قريباً منه — بل هو أحد تجلياته المتقدمة — ما يمكن تسميته بـ نظام الإدارة بالأزمة. فبينما تُعنى “إدارة الأزمة” بتجاوزها أو احتوائها مؤقتاً للوصول إلى حلٍّ دائم، فإن “الإدارة بالأزمة” تقوم على توظيف الأزمة ذاتها كأداة حكم واستقرار. تُصبح الأزمة مورداً سياسياً واقتصادياً، وسلاحاً لتبرير العجز وإدامة الولاءات.

في الحالة الفلسطينية على وجه الخصوص، يمكن رؤية الاحتواء السياسي بنسخته الدولية وقد تحول إلى بديل عن القرار الوطني المستقل. تُدار القضية في غرف المؤتمرات وممرات التمويل، بينما يبقى جوهرها — الاحتلال وحق تقرير المصير — مؤجلاً أو مُفرَّغاً من مضمونه تحت شعارات “السلام”، “الاستقرار”، و“الشرعية الدولية”.



الاحتواء كوصاية جديدة:

إذا تعمّقنا أكثر في طبيعة هذا الاحتواء السياسي، نجد أنه لم يعد مجرد إدارة للعلاقات أو ضبط لموازين القوى، بل تحوّل إلى نظام وصاية حديث، أو لنقل انتداب جديد بوسائل ناعمة وأسماية مختلفة.
فما كان في القرن العشرين يُمارس بالقوة المباشرة والاحتلال العسكري، يُمارس اليوم عبر أدوات التمويل، والدبلوماسية، والتنسيق الأمني الاستخباري بين دول الانتداب، وشبكات “الشرعية الدولية”.

الاحتواء المعاصر أعاد إنتاج فكرة الانتداب، لكن بطابع إقليمي ودولي مشترك.
لم تعد السيطرة تنبع من دولة استعمارية واحدة، بل من منظومة كاملة تتقاطع فيها مصالح القوى الكبرى والإقليمية، بحيث يُعاد تعريف “القرار الوطني” ليصبح جزءاً من “التوافق الدولي”. وهنا يكمن الخطر الأكبر: فبدل أن تكون الإرادة الوطنية هي الأصل والتنسيق الخارجي تابعاً لها، أصبح العكس هو القاعدة، الداخل يُدار بقرار خارجي مبرَّر بالشرعية الدولية والضرورة الإنسانية.

المفارقة أن هذا النمط من الوصاية الجديدة يأتي متخفياً تحت خطاب “التمكين الذاتي” و“بناء المؤسسات”، بينما جوهره إدامة التبعية عبر التحكم في القرار.
فما كان يُسمّى يوماً “الحكم الذاتي” بوصفه خطوة نحو تقرير المصير، يُستبدل اليوم بنظام تدويل يُدار بالتعيين لا بالانتخاب.
الممثلون السياسيون لا يُفرَزون من إرادة الناس، بل من توازنات المانحين،
والسلطة لا تُشتقّ من الشرعية الشعبية بل من قبول المنظومة الإقليمية والدولية.

بهذا الشكل يتحوّل الشعب من صاحب قرار إلى موضوع إدارة،
وتُختزل الوطنية في وظيفة،
ويُختصر التحرر في “التنمية تحت الاحتلال”.
إنه الانتداب في نسخته الرقمية البيروقراطية،
وصاية تُمارَس لا باسم السيطرة بل باسم “المساعدة”،
وتُمنَح شرعيتها لا بالسلاح بل بالتمويل والاعتراف الدبلوماسي.

الاحتواء السياسي ومشتقاته: انتداب ووصاية جديدة


أدوات الانتداب الجديد

يعمل هذا الانتداب الجديد عبر شبكة متكاملة من الأدوات تُقدَّم في ظاهرها كوسائل “بناء”، لكنها في حقيقتها أدوات ضبط.
في مقدمتها التمويل الخارجي الذي تحوّل من وسيلة دعم إلى أداة توجيه. فالمشاريع والموازنات تُربط بشروط سياسية واقتصادية محددة، تُعيد رسم أولويات السلطة والمجتمع بما يخدم استقرار النظام القائم لا تحرره. وهكذا يصبح التمويل بديلاً عن القرار، والمساعدة بديلاً عن السيادة.

أما التنسيق الأمني الاستخباري بين دول الانتداب، فيشكّل الضمانة الصلبة لبقاء هذا الترتيب. إذ يُعاد تعريف “الأمن” لا باعتباره حمايةً للمواطن أو الوطن، بل باعتباره حمايةً للنظام من أي تغيير يهدّد البنية التي صُمّمت دولياً. تُنسَّق المعلومات، وتُحدَّد الأهداف، وتُدار الأزمات ضمن حدود تضمن ألّا يخرج المشهد عن السيطرة.

ويُكمَّل المشهد عبر المؤسسات المدنية والمنظمات الدولية التي تعمل بوصفها أذرعاً ناعمة لإدارة الوعي وتوجيه الخطاب. فهي تُعيد تعريف “المواطنة” و“المشاركة” ضمن أطر آمنة سياسياً، تُحوّل العمل الوطني إلى نشاط تنموي أو حقوقي منزوع الدسم الثوري. بهذا الشكل تُستبدل السياسة بالإدارة، والمقاومة بالتقارير، والقرار الوطني بورقة مشروع مموّل.

إنها منظومة ثلاثية: التمويل يضبط الاقتصاد، الأمن يضبط الفعل، والمجتمع المدني يضبط الوعي.
وعند اجتماع هذه الأذرع في يد منظومة دولية إقليمية متشابكة، يصبح الشعب نفسه محكوماً بلغة “الشراكة” التي لا تمنحه شراكة حقيقية، بل دوراً محدوداً في مسرح أُعيدت كتابة نصوصه مسبقاً.



خاتمة وتوصيات:

الخلاص من هذا الانتداب الجديد أو نظام الاحتواء السياسي لا يمكن أن يتحقق إلا عبر إرادة شعبية حقيقية وقوية. لا تكفي البيانات أو المؤتمرات أو القرارات الدولية، لأنها غالباً ما تُعيد إنتاج شروط السيطرة نفسها، مهما كانت نواياها ظاهرياً.

السبيل يكمن في المطالبة بحق التعبير الشعبي عن إرادته، وأوضح أدوات ذلك هي إجراء انتخابات حرة وعامة. الانتخابات ليست مجرد عملية شكلية، بل اختبار حقيقي للسيادة: من يختار الشعب، من يمثل تطلعاته، ومن يُحاسب على الأداء. إنها وسيلة لكسر المنظومة الثلاثية للسيطرة — التمويل، الأمن، المجتمع المدني التابع — وإعادة السلطة إلى أصحابها الشرعيين.

الإرادة الشعبية تخلق حقيقة ميدانية: السلطة التي تنبع من الشارع لا يمكن للتمويل أو التنسيق الأمني أو المنظمات الدولية أن تُعيد صياغتها بالكامل. إنها تعيد حق تقرير المصير إلى مكانه الطبيعي، وتحوّل أي إدارة بالأزمة إلى إدارة وطنية حقيقية تُعالج المرض لا الأعراض فقط.

بهذا المعنى، التحرر الحقيقي يبدأ بالانتخاب الشعبي، وبالمطالبة الفعلية بممارسة الشعب لحقه في تقرير مستقبله. أي تأجيل لهذا الحق يعني استمرار الأزمة، واستمرار الاحتواء، واستمرار الوصاية الدولية والإقليمية تحت أسماء جديدة.



#بشار__مرشد (هاشتاغ)       Bashar_Murshid#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطريق الأقصر إلى الحضارة والتقدُّم... حين يصبح العقل هو الث ...
- وراثة الأحزاب… موت الفكرة وخلود الكرسي
- فلسطين... طائر الفينيق والبراق
- الثراء السريع… حين يصبح المال علامة استفهام
- النظام العالمي... تعدد شكلي للدول تحت مظلة الخمسة
- المؤسسات... المرآة الحقيقية للدولة
- الاستعمار بالمدافع... والاستحمار بالعقول
- فلسفة الحكم الرشيد... ترسخ العقد الوطني
- بين الفلسفة والصفات والإدراك... مسارات تكوين الشخصية والفكر
- قراءة في رحلة البحث عن الحقيقة
- الإعلام الرقمي… من منبرٍ للمعرفة إلى ساحةٍ للفوضى
- التعسف الوظيفي: كيف يحوّل المؤسسات من إنتاجية إلى ضغط؟
- حين يصبح الفاسد قديسًا... جمهورية النزاهة الوهمية
- فلسفة التنكّر والجحود… هندسة اليأس وتدمير الأمم
- الزمن الرقمي… يفضح النفاق
- الضمير والأخلاق... صمام الأمان بين التقلب الانتهازي والتكيف ...
- كلمة حق أُريد بها باطل... قراءة تحليلية
- الأحزاب...من الوسيلة النبيلة إلى الانحراف والتحزب
- الفصل بين الفكرة وذات الإنسان... جدلية النقد والتجريح
- مستقبل الصحافة... بين الحياد والإيحاء الموجَّه


المزيد.....




- زفاف حاتم صلاح وزواج منّة شلبي و-رد الاعتبار- لمحمد سلّام.. ...
- -لم نصل إلى نقطة اللاعودة-.. هل غيّر رئيس الجزائر لهجته تجاه ...
- أمجد الشوا: من هو الفلسطيني الذي يُتداول اسمه كمرشح لرئاسة ح ...
- بعد العقوبات على النفط الروسي.. أوربان: ترمب أخطأ وسأتحدث مع ...
- عائلات الرهائن تدعو لتعليق تطبيق خطة غزة حتى استعادة الرفات ...
- برشلونة.. 3 دروس قاسية بعد هزيمة الكلاسيكو المخيبة!
- ما الجديد في إعلان تولي نائب الرئيس الفلسطيني رئاسة السلطة ح ...
- عاجل| رئيس مجلس السيادة السوداني: قواتنا قادرة على تحقيق الن ...
- خبير إيطالي: -حرب بلا أضرار- هي خيار الصين في مواجهة تايوان ...
- مطالب أممية بفتح الوصول للفاشر ومستشار ترامب يدعو لهدنة إنسا ...


المزيد.....

- النظام الإقليمي العربي المعاصر أمام تحديات الانكشاف والسقوط / محمد مراد
- افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار ... / حاتم الجوهرى
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - بشار مرشد - الاحتواء السياسي ومشتقاته...انتداب ووصاية جديدة