مزهر جبر الساعدي
الحوار المتمدن-العدد: 8504 - 2025 / 10 / 23 - 15:02
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
(تعين مارك سافيا كوفد للرئيس الامريكي ترامب في العراق: الاهداف الظاهر منها والخفي)
العلاقات الامريكية العراقية، علاقة يشوبها الغموض؛ دائما تقع في المنطقة الرمادية، تفتقر الى أقل قدر، من الوضوح، في الاجراءات السياسية او الدبلوماسية او الاقتصادية وما الى ذلك، وفي التحركات السياسية والاقتصادية وما يرافقها من تصريحات متناقضة لكلا الدولتين. الآن، ومنذ عدة سنوات، بصرف النظر عن كل شييء؛ العراق يشهد استقرارا نسبيا. الحكومة العراقية الحالية التي جاءت بها صناديق الاقتراع، على الرغم من انها او ما قامت به حتى الآن، لم يكن؛ في مستوى طموح الشعب العراقي، لكنها مع كل هذا؛ قامت بأعمال لم تقم بها الحكومات العراقية التي سبقتها. في صدد ذي صلة؛ ان الاتفاق الذي تم بعد مفاوضات بين الجانب العراقي والامريكي حول تواجد القوات الامريكية؛ والذي حدد عام 2026؛ اخر موعد لانسحاب كامل للقوات الامريكية؛ كما تقول الحكومة العراقية، لانعدام الحاجة إليها، لكنها عادت قبل ايام واكدت من بقاء وحدة امريكية صغيرة او محدودة لغرض الاستشارة والتنسيق وتبادل المعلومات وغير هذا مما قالت عنها الحكومة العراقية. في وقت سابق، وقتا ليس بالقليل؛ كانت السفيرة الامريكية قد غادرت العراق لانتهاء مهامها كسفيرة امريكية في العراق، لكن لم تقم الحكومة الامريكية في تعين سفير لها في العراق، بل قامت بتعيين قائم بأعمال السفارة الامريكية في بغداد في وقت كما يقول الامريكيون والمسؤولون العراقيون بان العلاقة بين الدولتين هي علاقة متينة وتنمو باستمرار وعلى مختلف الصعد، وان امريكا تدعم العراق، بكل ما هو بحاجة له سواء في تقوية جيشه او قواته الامنية اوفي كل الحقول الأخرى، وهذا ينقاض الواقع كليا في حقلي تقوية الجيش وقوات الامن، كما ان التمثيل الامريكي بهذا المستوى ينزل بالعلاقة الامريكية العراقية الى مستوى اقل مما هو معلن. ان هذا التعين، تعين قائم بأعمال السفارة وليس سفيرا معتمدا يتعارض كليا مع كل التصريحات سواء الامريكية او العراقية المنوه عنها في اعلاه. يفاجأ المتابع بان امريكا لم تكتف بعدم تعين سفيرا لها في بغداد، بل قائم بأعماله في عاصمة الرشيد والحضارة والتاريخ، بل تعين موفودا رئاسيا امريكيا، ممثل للرئيس الامريكي دونالد ترامب في العراق، مارك سافيا، عراقي من اصول مسيحية، كلدانية. تقول الصحافة او الاخبار الصحيفة عنه من انه مقرب جدا من ترامب مع ان كاتب هذه السطور المتواضعة؛ يستبعد هذا الامر؛ فالاختيار الامريكي، لهذه المهمات، لا يتم على هذا الاساس، بل على اساس اخر؛ وهو ان يكون من البلد العربي المستهدف اصلا، اي انه اصلا من العراق؛ كي يكون مقبولا من العراقيين هذا اولا وثانيا له القدرة على فهم التفكير العراقي في الحقل السياسي او في غيره، اضافة الى تفهم الصراعات والتخندقات السياسية والدينية والعرقية، اساسها ومآلها، وحاضنتها الشعبية؛ في الساحة السياسية العراقية. هذه الطريقة الامريكية في اختيار ممثليهم او موفد رؤسائهم الى دول المنطقة العربية فهي ليست جديدة بل هي قديمة؛ من فليب حبيب، امريكي من اصول لبنانية ومسيحية، موفود الرئيس كارتر في الاجتياح الاسرائيلي لجنوب لبنان وللعاصمة بيروت، ومحاصرة القوات الاسرائيلية مقر منظمة التحرير الفلسطينية فتح في عام 1982. فقد كان يقوم بجولات مكوكية بين بيروت وتل ابيب، التي نتج عنها؛ اجلاء قادة منظمة التحرير الفلسطينية الى تونس العاصمة، الى توم براك وهو ايضا من اصول لبنانية مسيحية؛ موفود الرئيس ترامب الى لبنان لمساعدة الحكومة اللبنانية في نزع سلاح حزب الله؛ الذي لم ينجح في مهمته هذه حتى هذه اللحظة، وربما لاينجح في نهاية المطاف. مارك سافايا موفود الرئيس الامريكي الى العراق؛ ليكون بديلا عن السفير الامريكي في العراق والذي لم تعينه امريكا حتى الآن. هذا تطور خطير يحمل في جعبته ما يحمل وما سوف تكشفه الايام او الاسابيع او الاشهر المقبلة. ان هذه الخطوة الامريكية عادت بالعراق الى الاشهر الاولى من الاحتلال الامريكي لوطن الحضارة والتاريخ والكرامة التي يعتز بها كل عراقي انجبته الام العراقية على ارض بابل؛ الى بول برايمر سيء الخطة والاهداف والسمعة والصيت . هذه الخطوة تدفع المتابع الى التساؤل عن اهداف امريكا ترامب منها؟ وهي خطوة وفي كل الاحوال لها اهداف معلنة وربما أخرى غير معلنة في الغرف المظلمة في البيت الابيض الامريكي لايعرف بها ربما سوى ساكن هذا البيت والمحيطين به من سكنة الغرف الأخرى. إنما من الجانب الثاني؛ هذه الخطوة الامريكية الخطيرة والتي لها ابعاد استراتيجية وليست تكتيكية؛ تتجاوز نزع سلاح بعض الفصائل المنضوية تحت الحشد الشعبي او الأخرى المقاومة.. بل انها جزء من مخطط كوني يتم تنفيذه على مراحل في الدول المنطقة العربية او في دول قارة العرب وفي جوارها، ايران على وجه التحديد الحصري، وفي غزة وفي كل ارض فلسطين، الضفة الغربية والقطاع، وفي سوريا وفي اليمن وفي السودان وفي بقية دول قارة العرب، وفي ايران المجاورة للوطن العربي التي ترتبط مع دول قارة العرب في الجيرة والتاريخ والدين والمصالح المشتركة. حتى تكون اسرائيل دولة كبرى في التأثير والاقتصاد والتجارة والمال والاعمال وفي القوة، بعد عمليات التطبيع المرتقبة؛ لتكون اداة للإمبريالية الامريكية للتحكم بمصادر الطاقة، من غاز ونفط وخطوط نقلهما. في اتصال بين رئيس الوزراء العراقي، السيد محمد شياع السوداني، ووزير خارجية امريكا، روبيو؛ قالت الاخبار عن هذا الاتصال بانه تناول افساح المجال لعمل الشركات الامريكية في العراق، ونزع سلاح (المليشيات) والمقصود هنا؛ سلاح الفصائل في الحشد الشعبي، او الفصائل الأخرى المقاومة؛ حتى تعمل الشركات وهي في حالة اطمئنان بالإضافة الى العراقيين كما جاءت به الاخبار المتلفزة. هذا غطاء تختفي تحته؛ عملية السيطرة التامة على الاقتصاد العراقي وبالذات مصادر الطاقة من نفط وغاز من جهة ومن الجهة الأخرى؛ محاصرة ايران اقتصاديا وتجاريا وماليا وحتى سياسيا، ومن الجهة الثالثة؛ فدرلة العراق في الامد ما بعد المنظور، وهي ليست فدرلة كما هي الفدراليات في العالم، بل هي كونفدرالية وربما ابعد منها كما هو حال ووضع كردستان العراق، فهي في الحقيقة تقسيم للعراق وليس نظاما اتحاديا متعارف عليه في كل دول العالم. إنما هذا المشروع، لم يباشر فيه بسرعة، بل ان البداية تكون؛ بوضع الاسس لإنضاجه في المقبل من السنين؛ كجزء مهم جدا من عملية إعادة هيكلة دول قارة العرب سياسيا وجغرافيا؛ في سوريا وفي السودان وفي ليبيا وفي اليمن وفي الاردن كوطن بديل لفلسطين الضفة والقطاع. في هذا الاتجاه في الذي يخص الاردن فقد قال دهاقنة الصهيونية في تل ابيب وكر الدبابير؛ ان الاردن هي الوطن الفلسطيني وليس القطاع والضفة هذا القول لم يكن جديدا، بل انه قديما ويجري اعادته في كل مرة يجري الحديث عن دولة فلسطينية مستقلة. في النهاية اقول ان دول المنطقة العربية وجوارها ايران؛ تمر بأخطر مرحلة في حياتها لسوف ترسم شكلها مستقبلا ايجابيا او سلبيا وهذا يتوقف على وعي شعوبها وقادتهم واحزابهم و بقية القوى السياسية سواء كان لها وعاءا تنظيميا او مجموعات نشطة ومستقلة في مقاومة هذه المشاريع الامريكية الاسرائيلية، وكشف خدعها وكذبها وغشها. وهي مهمة كل شرفاء الامة العربية والاسلامية في تحشيد قوى الخير والشرف والوطنية في مواجهة هذا المشروع الاستعماري بثوب الحداثة والعولمة الجديدين، وان لا يترك الأمر للأجيال المقبلة في النضال ضد هذا الاستعمار حين يستتب له البنيان؛ لتدفع هذه الاحيال من اعمارها الكثير كما دفع الاباء والاجداد والاجيال الحالية الكثير من اعمارها ومن احلامها ومن توقها الى الحرية والكرامة والسلام المجلل بالكرامة والعز الشخصي والوطني وعزة الامة العربية والاسلامية، وليس العيش في وطن تسلب منه الإرادة السياسية والاقتصادية وسيادة مجروحة بجروح عميقة تصل الى قلب الوطن الذي يكون عندها ضعيفا يواصل حياتها ببطارية الاستعمار؛ يموت ان اوقف الاستعمار بطاريته.
#مزهر_جبر_الساعدي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟