|
جيلُ -زِدْ- الذي يُمثّلني
ادريس الواغيش
الحوار المتمدن-العدد: 8504 - 2025 / 10 / 23 - 09:55
المحور:
الادب والفن
قلم: إدريس الواغيش
يظهر لي والله أعلم، أنه آن الأوان "باش نضمسُو الكرطة" ونبدأ من الأول، ولكن بحسن النية لا بعكسها. لا يهم هنا تسمية الأجيال وأعمارهم، ولا المعاجم المعيارية من "A" إلى "X" ، وصولا إلى جيل "زد" الذي يمثله اليوم أبنائي، وأبناء وبنات كل المغاربة. وسأسرد بعض النماذج والحالات من هذه الأجيال، وهي حالات يمكن تعميمها على خيرة أبناء الشعب المغربي المنتشرين في جميع أنحاء العالم، ويعملون في جميع المجالات، من الفلاحة إلى أعقد العلوم والتكنولوجيا في أوربا وكندا وأمريكا. الحالة الأولى: - ياسين الزبيري، شبل من أشبال الأطلس، حملوا معهم الكأس من الشيلي وجاؤوا بها إلى المغرب، وقد أسقطوا في طريقهم مدارس عتيقة ومتقدمة في كرة القدم، ويكفي أن أذكر هنا فرق: إسبانيا، البرازيل، فرنسا وأخيرا الأرجنتين. لاعب طموح يمثل جيلا بأكمله، آمن مثل غيره من الشباب المغربي بالحلم، وبدل أن ينام مستلقيا على ظهره، اشتغل عليه بجدية، وحققه فوق المستطيل الأخضر رفقة زملائه في الفريق الوطني أقل من 20 سنة. - ناصر بوريطة جاء من أقسى الهامش في تاونات، وأصبح بحنكته وابتسامته أسد الديبلوماسية المغربية. أطلق عليه المغاربة "مول المقص الذهبي"، كيف لا؟ ومدينة الداخلة وحدها، فيها شارع يسميه سكان المدينة بـ " شارع القنصليات"، فتحت فيه وحده ما يناهز عشرين قنصلية، كما قيل لي، ورأيت هناك بأم العين كثيرا من الأعلام الأجنبية المرفوعة، ونتمنى له أن يرفع قريبا جدا كأسًا أخرى أغلى وأهم وأعز في الأمم المتحدة. - كنزة الغالي سيدة مغربية، نعرف أصلها وفصلها ونسبها، ونعرف أنوثتها وصلابة المرأة المغربية فيها. عملت أستاذة في مدينة غفساي، قبل أن تصبح سفيرة للمغرب في الشيلي. أظهرت في كأس العالم للشباب الأخيرة أنها امرأة مغربية بألف، وكم كانت هذه السيدة أصيلة، وهي تتعامل مع الجميع بدفء الأمومة، قبل أن تكون ديبلوماسية مغربية في الميدان، بعيدا عن ديبلوماسية البروتوكولات والمكاتب المكيفة. احتضنت لاعبي المنتخب المغربي وشجعتهم من المدرجات، مثلها في ذلك، مثل أيّ مواطنة مشجعة لمنتخب بلدها. اهتمت بالأطقم المغربية، ووقفت على كل صغيرة وكبيرة تهم الجماهير المغربية، سواء المقيمة هناك بالشيلي أو التي وصلت عبر الطائرة من أجل تشجيع منتخب بلادها. كنزة الغالي أظهرت في الشيلي معدن المرأة المغربية الأصيلة، وعبرت نيابة عن كرم المغاربة وضيافتهم. وقد تابعنا أحداثا كروية عديدة سابقا في عواصم العالم، ولم نر مسؤولا أو سفيرًا مغربيًّا. ولكن كنزة قامت بالواجب وزيادة، وأصبح بيتها طيلة أيام البطولة مسرحا لملحمة مغربية بسانتياغو، ودارا مضيافة لكل المغاربة. - فوزي لقجع جاء إلى الرباط مواطنا لا يعرفه أحد، قادمًا إليها من مدينة بركان الصغيرة، كأيّ شاب أحب كرة القدم في مدينته، وعمل مُسيّرا في فريق النهضة البركانية. وها هو اليوم يعذب الخصوم في كواليس الكاف والفيفا، ويُسكت ضجيج العدميين والانقلابيين والخونة في الداخل والخارج. ما شاهدناه هذه المرة عكس باقي المرات، قلة مغربية صنعت مجدا عالميا، وهي بكل تأكيد تمثل أغلبية تشتغل وراءها في الخفاء، والنتائج كانت مُبهرة، الفوز بكأس العالم كثاني فريق في إفريقيا، والأول في العالم العربي والإسلامي. رُباعي مغربي نموذجي في "تمغربيت"، كل واحد منهم يمثل فريقا متكاملا ومتعاونا، وأعطاه الجميع علامة كاملة من دون تردّد. هذه القلة قليلة خرجت إلينا من "قاع الخابية" في كأس العالم- الشيلي 2025- أقل من عشرين سنة. بنات وأبناء بسطاء من هذا الشعب الأصيل، لا قبيلة تساندهم أو شخصية نافذة اقتصاديا وسياسيا بالعاصمة تقف وراءهم. آمنوا مثل الكثيرين من المغاربة بحظوظهم، اجتهدوا كل على طريقته، وأفرحونا في الرياضة كما في دهاليز السياسة. صحيح أنهم يترجمون عمل فريق متكامل، أغلبية أعضائه لا يظهرون. ولكن باجتهادهم وصدقهم، ظهروا بوجه راقي وحضاري مع أبناء شعبهم، ومثلونا أحسن تمثيل في ظاهرة كونية تابعتها جماهير القارات الخمس عبر العالم. وقد يقول لي قائل، إن القضية فيها سخاء وعطاء في الإمكانيات، ولو أعطينا التعليم والصحة نفس ما أعطيناه لكرة القدم والخارجية، لكنا رأينا تعليما أحسن وصحة أفضل. وننسى الصدق في العمل، والإخلاص والوفاء في تنزيل الرؤية على أرض الواقع. هناك بعض المسؤولين لو وضعت التيجان على رؤوسهم، وأعطيتهم مال قارون وميزانية البنتاغون، لن يزيدهم ذلك إلا جشعًا وطمعًا ونهبًا وسرقة وتبذيرًا. ولكن هؤلاء الأربعة، كانوا أحسن ممثلين وسفراء للمغرب في المحافل الدولية، وهناك آخرون في مجالات علمية مختلفة بهذا البلد أعطوا بسخاء، ولكنهم بطبعهم وطبيعتهم لا يحبون الظهور، لأنهم يفضلون العمل في صمت والبقاء في الظل. الحالة الثانية: وأنا في الحافلة أطوي الطريق الطويل بين مدينة الداخلة ومعبر الكركرات الحدودي، بعيدا قليلا عن قرية العركوب، نزلنا من الحافلة لتناول الفطور، استرحنا قليلا، ثم انطلق السائق بالحافلة ينقضُّ على ما تبقى من مسافة تقدر بـ 320 كلم. أغلب المسافرين في الحافلة كانوا خليطا من المغاربة وجنسيات إفريقية أخرى. ذكور وإناث مع أسرهم وعائلاتهم، ومعهم عدد قليل من المغاربة. كنا نستمتع بصمتنا إلا من هدير محرك يعلو حينا وينخفض في أخرى، ترافقنا على جنبات الطريق صفرة صحراء فاقعة، وزرقة المحيط الأطلسي تظهر في قربها وبعدها، وأحيانا تختفي عن أنظارنا. كان يجلس إلى جانبي شاب لطيف بشوش، عرفت من لكنته أنه من نواحي خريبكة، وصح تخميني. شاب يعمل في الطب العسكري، ويسكن قرية بئر كندوز. أعطاني رقم هاتفه، وقال لي في بادرة طيبة منه: - أستاذ، هذا رقم هاتفي، إن لم تجد وسيلة نقل عند الرجوع من الكركارات، مرحبا بك ضيفا عزيزا عندي. قبل ذلك، نزل من الحافلة شباب عسكري في خلاء مُقفر، لا أثر فيه للحياة، لا شجر أو حجر إلا من كثبان رملية صمّاء تميل إلى الحُمرة. أخرجوا معهم عددا من قنينات ماء معدني كبيرة الحجم. استفسرت الشاب الجالس إلى جواري، قال لي إن ماء المنطقة مرتفع الملوحة، وهو غير صالح للشرب. ولذلك، يستعمل أفراد الجيش المغربي المرابطين في هذه المنطقة قنينات ماء معدني للشرب. أما الماء المتوفر في الآبار، فإنهم يستعملونه في باقي الأغراض. وحدث أن حصل ما لم نكن نتوقعه جميعا، عطل أصاب فجأة محرك الحافلة، لم يكن أمامنا إلا النزول في انبساط صحراوي، لا أول له يبتدئ منه، ولا آخر له ينتهي إليه، كنت أول مرة أعرف فيها معنى الصحراء حقا وحقيقة. تعرفت في هذا الوقوف الاضطراري على موريتانيين، سينغاليين، وغامبيين وإفريقيين من جنسيات مختلفة، بعضهم يتكلم الإنجليزية وآخرون الفرنسية. كانوا كلهم في الطريق إلى بلدانهم عبر معبر الكركارات المغربي، وطبعا كان فينا مغاربة، كنت أنا واحدا منهم، ولكن أغلبهم يعملون في الجندية والدرك الملكي. استعنت بمهاجر غامبي يعمل في فرنسا للوصول إلى الكركرات، امتطينا سيارته أنا وسينغالي آخر. عند الوصول، وبعد استراحة خفيفة صحبة براد شاي صحراوي في أحد المقاهي، قمت بجولة في مرافق الكركارات دامت قرابة ساعة، وإذا بثلاث شبان يقتربون مني في لباسهم المدني، ويسلمون علي في أدب. انتبهت بسرعة إلى أنهم كانوا يركبون معي نفس الحافلة. سألتهم عن عملهم في الكركارات، وقد ظننتهم يعملون في فندق، وكالة بريدية أو بنكية، وقد يكون عملهم بإحدى محطات الوقود هناك، وإذا بهم جنود في إحدى الثكنات العسكرية القريبة من المعبر. قلت مع نفسي، ربما كان هؤلاء الشباب من بين الجنود الذين قاموا بتطهير الكركارات من جرذان المرتزقة قبل سنوات قليلة، فما كان مني إلا أن حييتهم بحرارة، وأنا منحي الرأس على استحياء من حالي أمامهم...!!
#ادريس_الواغيش (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل كان المغرب في حاجة إلى حركة gen- z..؟
-
مِنَ الكُولونيل الغُجدامي.. إلى Gen-z
-
في مخاطبة حكومة-Z- الرقمية بالمغرب
-
الأفضلية للحَياة في رواية -أحلام مُنكسِرَة-
-
مَا فائدَة صيحَة الدّيك بعدَ طلوع الشّمس...؟
-
أراك بين أصابعي
-
يَومِيَاتُ مُياوم في بركان
-
في محبة القصة القصيرة
-
مهرجان بلقصيري للقصة يحتفي بتجربة أبو يوسف طه
-
أورَاقُ الرّومي المَنسِيّة
-
إسرائيل وإيران.. الموت من أجل الحياة
-
فاس تحتفي بمؤسس جائزتها للثقافة والإعلام عبد السلام الزروالي
...
-
حُجَا وسُوء تنظيم احتفاليَة فاس الكروية
-
ملتقى فكري حول جمالية البيئة بفاس
-
مهرجَان السّرد يُنهي أشغاله في أبركان
-
مهرجان أبركان للسرد يصل نسخته الثامنة
-
الزين، في الثمانين..!!
-
الكُرْهُ بالتّرَاضي في عَالم لا يُحتمَل...!!
-
مَعهدُ صُروح بفاس يَحتفي بتجربَة السّفير الشّاعر الشّميري
-
في حَضْرَة مَولانا الشّاعر عبد الكريم الطّبال
المزيد.....
-
سرديات العنف والذاكرة في التاريخ المفروض
-
سينما الجرأة.. أفلام غيّرت التاريخ قبل أن يكتبه السياسيون
-
الذائقة الفنية للجيل -زد-: الصداقة تتفوق على الرومانسية.. ور
...
-
الشاغور في دمشق.. استرخاء التاريخ وسحر الأزقّة
-
توبا بيوكوستن تتألق بالأسود من جورج حبيقة في إطلاق فيلم -الس
...
-
رنا رئيس في مهرجان -الجونة السينمائي- بعد تجاوز أزمتها الصحي
...
-
افتتاح معرض -قصائد عبر الحدود- في كتارا لتعزيز التفاهم الثقا
...
-
مشاركة 1255 دار نشر من 49 دولة في الصالون الدولي للكتاب بالج
...
-
بقي 3 أشهر على الإعلان عن القائمة النهائية.. من هم المرشحون
...
-
فيديو.. مريضة تعزف الموسيقى أثناء خضوعها لجراحة في الدماغ
المزيد.....
-
المرجان في سلة خوص كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
بيبي أمّ الجواريب الطويلة
/ استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
-
قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي
/ كارين بوي
-
ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا
/ د. خالد زغريت
-
الممالك السبع
/ محمد عبد المرضي منصور
-
الذين لا يحتفلون كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
شهريار
/ كمال التاغوتي
-
مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
شهريار
/ كمال التاغوتي
-
فرس تتعثر بظلال الغيوم
/ د. خالد زغريت
المزيد.....
|