أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ادريس الواغيش - الكُرْهُ بالتّرَاضي في عَالم لا يُحتمَل...!!














المزيد.....

الكُرْهُ بالتّرَاضي في عَالم لا يُحتمَل...!!


ادريس الواغيش

الحوار المتمدن-العدد: 8340 - 2025 / 5 / 12 - 04:47
المحور: الادب والفن
    


قلم: إدريس الواغيش

نُحاول عبثا أن نقيّم أنفسنا أحيانًا في هذا العالم بوسائل مُختلفة، ومن زوايا متعدّدة، فلا نرى في الإثنين سوى العدمية والتفاهة. العدمية بشكلها السلبيّ وليس الإيجابي. عدمية سلبية تطبق علينا من كل حدب وصوب، وما عداها مجرد بهرجة. يُحاصرنا "اللاّشيء" وتلفتي التفاهة من كل جهة وفي كل زنقة وشارع، كما في كل موقع، لولا أن أنعم الله علينا بنعمة الإيمان، الإيمانُ بالله تعالى ورُسله وكتبه وملائكته.
كل ما آمنّا به سابقا من قيَم ومبادئ ويقينيات في العالم السّفلي- الدّنيوي، أصبحنا نراه يتلاشى أمام عيوننا، كأنّه الخرابُ ولا شيء غيره. كل ما نراه من أحداث، حرُوب، تطوّرات في التكنولوجيا، تراكمات في مُختبرات العلوم، واختراعات على اليمين وعلى الشمال، تجعلنا نشكّك في كلّ ما آمنا به من يقينيات، وأنا لا أتحدث عن العالم العُلوي، مُتمثّلا في الإيمان بالله تعالى، حتى لا أفهم بشكل خاطئ، إذ لولا هذا الإيمان المُتمَكّن فينا بالقلب والبَصيرة، لأصبحنا ضحية انحراف في التفكير بالعقل. والعقل، كما خبرناه، لم يفض يوما إلى حقيقة ثابتة في عالم مُتغيّر، لا نعرف إن كان واقفا على رأسه، كما كان يراه هيغل أو على قدميه وفق رُؤية ماركس. عالم تتغيّر فيه اليقينيات كل لحظة وحين، كما تتغيّر صيحات الموضة، تسوده الميتافيزيقا وتحكمُه الماوَرائيات.
وفي هذا المنحى، أخبرنا الشاعر محمود درويش في إحدى قصائده أنه: "على هذه الأرض ما يستحق الحياة"، ثم مضى إلى حال سبيله. ولكنه ما لبث أن عاد مرّة أخرى، وقال لنا كلامًا يناقضُ كلامه الأول، في قصيدة أخرى: "لا شيء يُعجبني". كيف؟ لا أدري. الشاعر محمود درويش رحمه الله، وحده من كان له ما يكفي من أسباب لأن يتراجع عن قوله الأول، وهو الوحيد الذي كان يعلم علم اليقين، لماذا انقلب على نفسه. وفي الأخير، غاب دون أن يوضّح لنا شيئا عن انقلابه، وغابت معه أسراره إلى الأبد.
ومن حسن حظنا، أن المسألة فردية، كما رآها محمود درويش. ولذلك، أصرّ على القول في مقام آخر: "ابك وحدك، ما استطعت". والبكاء في هذا القول لا يعنينا جميعًا، ولذلك استعمل درويش ضمير الفرد: "أنت"، وقد يكون قصدُه أناهُ. ولم يستعمل ضمير الجمع: "نحن"، وأكيد أيضًا، هنا كما هناك، كان له ما يكفي من مُبرّرات، لا يعلم بها إلا هو، وهو الوحيد الذي يعرفها، وها هي تجاورُه هناك في قبره بمسكنه الأبدي.
وبالنظر إلى ما يدور حولنا من وقائع وأحداث، نرى أنه لا شيء يستحق الحياة حقيقة، لا شعرًا ولا مَجازًا. أصبحنا نعيش الحياة دون أن نفهم، عن قصد، معناها ومغزاها، علنا نستمتع بطراوتها وحلاوتها، ونستريح من وجع فلسفة ديكارت ومن والاهُ من الفلاسفة. عالم بدأ زراعيّ الملامح والهَويّة، ثم دينيًّا ولا دينيًّا، واشتراكيًّا ورأسماليًّا، قبل أن تغيب ملامحه، ويصبح تافهًا وعدميًّا وغيرَ جدير بالمُتابعة. ولذلك، فضّل أكثرُنا أن يعيش الحياة على أهوائه وأمزجته في عالم نشعر فيه جميعنا، وكأنّنا لا ننتمي إليه. وكم هو جميل ألّا نُخضع الأشياء للتّفكير والتفكّر، ونعمل بمبدأ "laisse tomber"، ونجرب إن كانت الحياة مُحتملة وجديرة بأن تُعاش.
وكم هو أكثر جمالا أيضًا، أن تضع أمامك فنجان قهوة على الرّصيف، وتتأمّل الناس وهم يمرّون أمامك تباعًا، بمُختلف أعمارهم وأجناسهم وجنسياتهم، وتترك الدنيا تدور على هواها ووفق مزاجها، وأنت غير مهتم بها ولا بضحاياها. ولا يهم إن وصفك الفضوليون في هذه الحالة، وقالوا عنك:" سطحيٌّ، وعدميٌّ وسلبيّ"، وهذا واردٌ جدا في عالم الفضوليّين، ولكنه يبقى غير مهم في عالمنا. كثيرا ما نشعرُ بالتّوتر، لأنّنا أفرطنا في الجدّية منذُ الصّغر، ومن فرط إعمال العَقل والمَعقول في سلوكيّاتنا وتصرّفاتنا، وبالتالي أصبحنا نخافُ من عمل أيّ شيء. وقد آنَ الأوانُ اليوم أن نريح ضمائرنا، نتهكّم من كل شيء يدور في المحيط من حولنا، ونتعامل مع العالم من بنوع من اللامبالاة، علنا نستريح من أعباء الحياة وسرعة دوَران طاحونتها.
وقد يتساءل البعض من العَدَميّين أمثالي: هل أصبحت الحياة بلا جدوى إلى هذا الحدّ؟ ونحن نحاول عبثا الاستمتاع بها قدر ما نستطيع، من خلال الاكتفاء والاحتفال بالحصول على فتات الحياة، والتمتع بمباهج صغيرة، ونحن نعرف حق المعرفة، وتعلم علم اليقين أنها تافهة وعابرة. الحقيقة المُرّة، هي أن الواقع لم يعد مُحتملا في عالم الفنّ والأدب والسياسة، كل شيء أصبح تافهًا ومُستنسخًا من سابقه بشكل رديء جدا، وغير جدير بما يُلصق به من صفات. فلا السياسة أصبحت سياسة، ولا الفنّ فنّا، ولا الأدب يحمل صفة الأدَب. ولذلك، صرنا نهربُ من ذواتنا وأنفسنا، ومن واقعنا البئيس إلى شاشات عالم آخر أكثر احتمالا، ولم نجد أمامنا في الطريق من كل هذه العَوالم، أحسنُ ولا أرحمُ من الارتماء في العالم الافتراضي.
كنا ننتقدُ ما حولنا من خلال الانخراط في الأحزاب والعمل السياسي، وإذا بنا أمام موت السياسة وبُؤسها، وغباء السياسيين وسذاجة سياساتهم، ولذلك تركناها لهم عن طيب خاطر، وهربنا منها ومنهم ومن مواجعها وصداع كلامهم. كنا نُربّي المُجتمع من خلال الانخراط في العمل الجَمعوي وتنشيط الجمعيات، وإذا بهذه الجمعيات تتحوّل بدورها إلى مصدر بُؤس وشقاء، وبالتالي تركنا لهم الجَمل بما حَمل. أصبحنا نشعر بأننا بعيدون جدا في هذه الحياة عن بعضنا، حتى ونحنُ جلوسٌ على نفس الطاولة في المقهى، ونعيش تحت نفس السقف في البيت الواحد. أصبحنا غرباء في مجتمع بدأ يميل تدريجيًّا إلى الفردانية المُوجعَة. وأصبحنا نشعر فيه بالوحدة مع ظهور قيَم جديدة، ولكنها فارغة لا تُحتمل، وغريبة كل الاغتراب عن مُجتمعنا. أصبحنا نبحث اليوم في هذا العالم عن الهروب بأيّ طريقة من واقع عالمنا، ولكن إن حدث واجتمعنا فيه، فإننا نكره بعضنا البعض بالتّراضي في عالم لا يحتمل...!!



#ادريس_الواغيش (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مَعهدُ صُروح بفاس يَحتفي بتجربَة السّفير الشّاعر الشّميري
- في حَضْرَة مَولانا الشّاعر عبد الكريم الطّبال
- مَشاهدُ من مَعرض الرّباط للكتاب- 2025
- أَإِلى هذا الحَدّ، بحارُنا تُرهبهُم ومَوانِئُنا تُخيفُهم...! ...
- متى يرفع تلاميذنا الكتاب عوض -الشاقور-..؟
- الطريق إلى الوجه العزيز
- تأشيرة الوداع إلى العزلة
- الأدب المغيب في الأعمال التلفزيونيية
- صوفيا، حفيدتي يا أمي..!!
- مسرحية نكاز تنتهي قبل أن تبدأ في مراكش..!! بقلم: إدريس الواغ ...
- أوريد يحاضر في التغيّرات الجيوسياسية العالمية
- “يَلزَمُني خطيئَة أخرَى“ جديدُ الشّاعر إدريس الواغيش
- فاس، وأسرار لا تنتهي..!!
- لا أجد حرجا إن فضحتني طفولتي
- توقيع كتاب“قضَايا ونُصوص في الأنثروبولوجيا“ بصفرُو
- فاس، عِشقٌ أبَدِيّ وسِحْرٌ لا يَنتهي…!!
- الشّعر يُسابق الرّبيع في تاونات
- الزليج فرادة مغربية
- في الطريق إلى صحرَاء تافيلالت
-         الروائي كفيح ينتصر للغة العربية والهامش في الفقيه بن ...


المزيد.....




- الرئيس والفيلسوف.. سياسات ماكرون و-دموع- بول ريكور؟
- نخبة من المخرجين وجزء ثانٍ من فيلم توم كروز.. كل ما تود معرف ...
- الروائي أحمد رفيق عوض يشارك في ندوة حول الرواية الفلسطينية ب ...
- كل الأولاد مستنيين يظبطوه”.. تردد قناة ماجد كيدز للأطفال وأح ...
- بعد عرض أفلام الشهر”.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على الن ...
- سوريا تحضر بثقلها الثقافي في معرض الدوحة للكتاب من خلال -سوق ...
- رحيل مغني -الراب- كافون.. أبرز الوجوه الفنية التونسية بجيل م ...
- السيرة الذاتية مفتاحٌ لا بدّ منه لولوج عالم المبدع
- من قبوه يكتب إليكم رجل الخيال.. المعتقل السياسي لطفي المرايح ...
- شاهد.. أنثى أسد بحر شهيرة تواكب الإيقاع الموسيقي أفضل من الإ ...


المزيد.....

- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ادريس الواغيش - الكُرْهُ بالتّرَاضي في عَالم لا يُحتمَل...!!