مروان فلو
الحوار المتمدن-العدد: 8501 - 2025 / 10 / 20 - 09:58
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مقدمة
منذ عام 2018، تحوّلت المناطق الكُردية في شمال سوريا إلى ساحةٍ مفتوحةٍ لتقاطع النفوذ الإقليمي والدولي، بعد العمليات العسكرية التركية التي أسفرت عن سيطرة مباشرة أو غير مباشرة على مناطق عفرين، رأس العين، وتل أبيض. وفي المقابل، بقيت مناطق داخلية مثل الشيخ مقصود والأشرفية في حلب تحت إدارة كُردية محلية محاصرة من حكومة دمشق المؤقتة.
ورغم تعدد القوى والاتفاقات، لا تزال الانتهاكات تتصاعد، وتغيب الإرادة الحقيقية للتسوية أو إعادة المهجرين، مما يضع مصير سكان هذه المناطق على المحك بين احتلالٍ مباشر، وحصارٍ داخلي، وانقسامٍ سياسي مزمن.
أولاً: خريطة السيطرة والتعقيد الإداري
1. عفرين – نموذج الاحتلال والتفكيك الاجتماعي
بعد عملية “غصن الزيتون” (2018)، سيطرت تركيا وفصائل “الجيش الوطني السوري” على عفرين، ما أدى إلى تهجير عشرات الآلاف من السكان الكُرد وتدمير البنية الاجتماعية والإدارية القائمة قبل الحرب. ومنذ ذلك الوقت، وثّقت منظمات دولية انتهاكات واسعة النطاق شملت مصادرة الممتلكات الخاصة، والاستيلاء على المحاصيل الزراعية، وفرض الإتاوات، وعمليات الخطف والابتزاز بحق المدنيين (1)(2).
ورغم تعيين “الحكومة المؤقتة” مسؤولين محليين، مثل “مسعود بطال” في عفرين، فإن هؤلاء لا يملكون سلطة حقيقية أمام نفوذ الفصائل المسلحة المدعومة من أنقرة (3).
كما كشفت تقارير حقوقية أن فصائل مثل “الحمزات” و“العمشات” استولت على أراضي الزيتون في قرى ناحية راجو (كوليان، عطمانلي، بربند) ومنعت أصحابها من جني المحصول رغم امتلاكهم وثائق ملكية رسمية (4).
2. رأس العين وتل أبيض – استنساخ النموذج ذاته
تشهد منطقتا رأس العين وتل أبيض الوضع ذاته من انتهاكات وعمليات تهجير قسري بحق السكان الأصليين، خصوصًا الكُرد منهم، منذ عملية “نبع السلام” (2019). وتؤكد تقارير حقوق الإنسان أن هاتين المنطقتين تخضعان عمليًا لإدارة تركية عبر مجالس محلية شكلية، بينما الفصائل المسلحة تسيطر على الأرض والممتلكات (5).
وتشير تقارير ميدانية إلى استمرار الخطف وعمليات المصادرة، وحرمان السكان من العودة إلى منازلهم دون موافقة أمنية من الفصائل أو من الجيش التركي (6).
3. الشيخ مقصود والأشرفية – الحصار الداخلي
في داخل مدينة حلب، يُظهر حيّا الشيخ مقصود والأشرفية نموذجًا آخر من الانتهاكات، حيث يعيش السكان الكُرد تحت حصار خانق تفرضه قوات الحكومة السورية منذ أسابيع، مع انقطاع المواد الغذائية والمحروقات، ما يهدّد بكارثة إنسانية حقيقية (7).
ورغم أن الحيين يخضعان إداريًا لقوات “الأسايش” التابعة للإدارة الذاتية، فإن الحكومة السورية تستخدم الحصار كأداة ضغط سياسية لإخضاع الإدارة المحلية وفرض الاندماج القسري تحت مظلتها (8).
ثانيًا: أنماط الانتهاكات في المناطق المحتلة والمحاصرة
الاستيلاء على الممتلكات والتغيير الديموغرافي:
تم تهجير آلاف العائلات الكُردية من عفرين واستبدالهم بعائلات من مناطق أخرى، خصوصًا من ريف دمشق وحمص، في عملية يُنظر إليها كمحاولة لإحداث تغيير سكاني واسع النطاق (9).
النهب الممنهج للموارد الزراعية:
فصائل مدعومة من تركيا تستولي على محاصيل الزيتون والحبوب وتبيعها في الأسواق التركية أو عبر وسطاء، ما يشكّل انتهاكًا صريحًا لاتفاقيات جنيف حول استغلال موارد المناطق المحتلة (10).
الخطف والتعذيب والابتزاز:
وثقت منظمات محلية أكثر من 300 حالة خطف خلال عام 2025 في مناطق عفرين ورأس العين، بهدف تحصيل فدية مالية أو الضغط السياسي، وسط غياب تام للمساءلة (11).
الحصار كأداة للعقاب الجماعي:
في حيّي الشيخ مقصود والأشرفية، أدّى منع دخول الغذاء والوقود إلى تدهور حاد في الوضع الإنساني، وتهديد حياة الأطفال بسبب نفاد الحليب والأدوية (12).
انعدام سلطة القضاء والإدارة المدنية:
السلطات المحلية المعلنة باسم “الحكومة المؤقتة” أو “المجالس المحلية” تفتقر إلى الاستقلالية، إذ تُدار فعليًا من قبل أجهزة تركية أو فصائل مسلحة، ما يجعلها عاجزة عن فرض النظام أو حماية المدنيين (13).
ثالثًا: اتفاق 10 آذار بين عبدي والشرع – خطوة مجمدة
في 10 آذار 2025، تم الإعلان عن اتفاق أولي بين أحمد الشرع (ممثل دمشق في الملف العسكري) ومظلوم عبدي (قائد قوات سوريا الديمقراطية) حول خطوات لتوحيد القوات وضمان “العودة الآمنة للمهجرين”. لكن الواقع الميداني لم يشهد أي تطبيق فعلي لبنود الاتفاق (14).
ففي حين أعلنت دمشق نيتها بدء الدمج من دير الزور “كونها مدينة عربية”، اعتبرت تركيا أن عدم انسحاب وحدات حماية الشعب من المدن العربية “إخلالًا بالاتفاق” (15).
وفي أحدث تصريح له، وصف وزير الخارجية التركي هاكان فيدان الوحدات الكُردية بأنها “فيروسات تهدد استقرار المنطقة”، ما يدل على استمرار الموقف العدائي التركي الرافض لأي تموضع كُردي رسمي في شمال سوريا (16).
رابعًا: أسباب فشل التوافق
تعدد الجهات الفاعلة وتضارب المصالح:
يتنازع على القرار كل من دمشق، أنقرة، الفصائل المسلحة، الإدارة الذاتية، والولايات المتحدة، ما يجعل أي اتفاق هشًا ومعلقًا على تفاهمات خارجية (17).
غياب الثقة المتبادلة:
يرى المهجرون أن العودة غير ممكنة في ظل الانتهاكات اليومية، فيما تعتبر دمشق أن الكُرد يرفضون الاندماج الكامل ضمن مؤسسات الدولة (18).
التحكم التركي الميداني:
التدخل التركي المباشر عبر جهاز الاستخبارات (بقيادة هاكان فيدان) جعل من المجالس المحلية أدوات تنفيذية لأنقرة، لا سلطات مدنية مستقلة (19).
استمرار إدارة الأزمة بدل حلّها:
القوى الدولية والإقليمية تركز على “احتواء” الملف السوري لا حله، عبر اتفاقات جزئية تُدار دون إطار وطني شامل (20).
خامسًا: مقترحات لتسوية واقعية
إنشاء آلية دولية للرقابة:
لجنة مشتركة بين الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان تشرف على وقف الانتهاكات وتوثيقها في المناطق المحتلة والمحاصرة.
فصل العمل العسكري عن الإدارة المدنية:
لا يمكن بناء ثقة دون إدارة مدنية مستقلة عن الفصائل المسلحة.
ضمان العودة الآمنة وتعويض المتضررين:
ينبغي وضع برنامج واضح لإعادة المهجرين إلى منازلهم مع تعويض مالي عادل.
مصالحة مجتمعية محلية:
فتح حوارات داخلية بين المكونات العربية والكُردية والمسيحية لتجاوز الانقسام.
إشراف أممي على الموارد الزراعية:
لمنع سرقة محاصيل الزيتون والحبوب وضمان عوائدها لأصحابها.
رفع الحصار الإنساني عن الأحياء الكُردية في حلب:
كخطوة لبناء الثقة بين الإدارة الذاتية ودمشق تمهيدًا لأي حل وطني شامل.
خاتمة
تكشف الانتهاكات المستمرة في عفرين ورأس العين وتل أبيض، والحصار المفروض على الشيخ مقصود والأشرفية، عن هشاشة البُنى الإدارية وغياب الدولة بمفهومها الجامع. إنّ استمرار إدارة هذه المناطق بقبضة عسكرية أو أمنية لن يؤدي إلا إلى مزيد من الانقسام والتهجير.
الحل لا يكمن في اتفاقات شكلية، بل في إعادة تعريف العلاقة بين المركز والمجتمع المحلي، وإشراك سكان تلك المناطق في تقرير مصيرهم ضمن إطار وطني سوري موحّد، بضمان دولي واضح.
+++++++++++؛++++++&&&
قائمة المراجع
Human Rights Watch, Abuses and Impunity in Turkish-Occupied Territories, 29 Feb 2024.
ECCHR, Crimes in Syria: The Neglected Atrocities of Afrin, 2024.
Al-Monitor, Turkey’s Control Over Syrian Local Councils, March 2025.
Kurdish Peace Institute, HLP Violations and Demographic Change in Afrin, 2024.
Amnesty International, Syria: Turkish-Backed Groups Commit War Crimes in Ras al-Ain and Tel Abyad, 2024.
Syrian Observatory for Human Rights (SOHR), Documented Abductions and Looting in Northern Syria, Sept 2025.
Syria --dir--ect, Siege Tightens on Sheikh Maqsoud and Ashrafieh Neighborhoods, Oct 2025.
ReliefWeb, Aleppo’s Kurdish Neighborhoods Under Humanitarian Pressure, Oct 2025.
UN Human Rights Council, Report on Demographic Changes in Afrin, 2024.
HRW, Everything Is a Power Weapon: Exploitation of Olive Crops in Afrin, 2024.
SOHR, Abductions and Ransom Patterns in Afrin, 2025.
NPA Syria, Humanitarian Alert: Aleppo’s Kurdish Neighborhoods Under Siege, Oct 2025.
Al Jazeera, Inside Turkey’s Occupation Zone in Syria: A Civilian’s View, 2025.
Hawar News, Agreement Between Abdi and Shar’a Remains Frozen, March 2025.
Anadolu Agency, Fidan: YPG Withdrawal Not Implemented Yet, Oct 2025.
Reuters, Turkish FM: YPG Are “Viruses” Threatening the Region, 18 Oct 2025.
Carnegie Middle East, Fragmented Syria: Actors and Conflicts in the North, 2025.
Enab Baladi, Displaced Kurds Still Fear Return to Afrin, Sept 2025.
Al-Araby Al-Jadeed, How Turkey Governs Northern Syria Through Proxies, 2025.
International Crisis Group, Syria’s Frozen North: Managing Rather Than Solving the Conflict, 2025.
#مروان_فلو (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟