أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - بشار مرشد - الاستعمار بالمدافع... والاستحمار بالعقول














المزيد.....

الاستعمار بالمدافع... والاستحمار بالعقول


بشار مرشد
كاتب وباحث

(Bashar Murshid)


الحوار المتمدن-العدد: 8498 - 2025 / 10 / 17 - 10:26
المحور: الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
    


مقدمة:

لم يعد الغزو بحاجة إلى جيوش؛ على مدار التاريخ اعتمد الاستعمار على القوة العسكرية لكسر الأرض والناس، لكن قوته الحقيقية تكمن فيما يحدث بعد المعارك. تنتقل السيطرة إلى النفوس والعقول، تُزرع فيها الخوف وتُعاد صياغة القناعات، حتى يتحول الرفض تدريجيًا إلى قبول، والتمرد إلى طاعة عن اقتناع.

بعد رحيل المستعمر، تبدأ المرحلة الأخطر: كي الوعي. هنا لا يُستهدف الأفراد فحسب، بل المجتمع بأسره كجسد واحد، والمؤسسات التي تدعمه. تُزرع الخوف والمعايير والسلوكيات تدريجيًا، ويعاد تشكيل الأفراد من منتجين وواعين إلى مستهلكين عاجزين، منهكين نفسيًا، يعتمدون على الخارج في كل شيء. المؤسسات التي وُجدت لتدعم المجتمع تتحول إلى مزارع وحظائر فاسدة تُورَّث من فاسد لآخر، وتُعيّن القيادات فيها في غير أماكنها المناسبة، فتفقد فعاليتها وهدفها الحقيقي، ويصبح كل شيء يخدم إعادة إنتاج ثقافة الخضوع والاستهلاك.

مثلما ينهك المرض الجسد البشري شيئًا فشيئًا، تعمل أدوات كي الوعي — الإعلام، المناهج التعليمية، الإعلانات، السياسات الاقتصادية، وحتى الهيكل المؤسسي — على شلل القدرة الجماعية، وتفشي العجز، وتدمير التفكير النقدي والإبداع، فتبدو الأمة طبيعية ومنتظمة على السطح، لكنها داخليًا تعاني من مرض مزمن يقتل قدرتها على المبادرة والمقاومة.


أدوات الاستحمار ومجالاته المدمجة:

الإعلام والإعلانات: تشوش على وعي الفرد، تشوه المعايير الاجتماعية للمجتمع، وتدفع المؤسسات الإعلامية لتكرار الرسائل التي تدعم الخضوع.

التعليم والمناهج: يشكل عقول الأفراد، ويعيد برمجة الثقافة الجماعية، ويحوّل المؤسسات التعليمية إلى أدوات لإعادة إنتاج القيم المستوردة والخضوع الفكري.

الاقتصاد الاستهلاكي والتبعية: يقيد قدرة الأفراد على الإنتاج المستقل، ويحوّل المجتمع إلى مستهلك دائم، ويضعف المؤسسات الإنتاجية، ليصبح كل الاقتصاد خاضعًا للسيطرة الخارجية.

الهيكل المؤسسي والقيادات: زرع الرجل في غير مكانه المناسب يجعل المؤسسات عاجزة، وتتحول إلى مزارع وحظائر فاسدة، تُوزع وتُورَّث بين الفاسدين، وتصبح جزءًا من آلية الاستحمار الجماعي.



آلية التصدي:

1. إعادة بناء التعليم النقدي: التركيز على التاريخ المحلي، مهارات التفكير النقدي، الإنتاج، والوعي المدني.

2. دعم الإنتاج المحلي والاقتصاد المستقل: تشجيع الصناعات الصغيرة والتعاونيات لتعزيز القدرة الجماعية.

3. محو الأمية الإعلامية: تعليم الأفراد تحليل الإعلام والإعلانات وتمييز الرسائل الموجهة.

4. تعزيز الصحة النفسية الجماعية: مبادرات دعم نفسي واجتماعي لتعزيز الصمود.

5. إصلاح المؤسسات: وضع الأشخاص المناسبين في أماكنهم، استعادة الهدف الحقيقي للمؤسسات، منع الفساد الموروث، وتحويلها إلى أدوات فعالة لخدمة المجتمع.

6. إحياء الثقافة والهوية الوطنية: النشاطات الفنية، الأدبية، التعليمية، التي تعيد بناء الوعي الوطني والمقاومة الفكرية.

7. السيادة الاقتصادية: تقليل الاعتماد على القروض والمساعدات المشروطة، وتعزيز الاستقلال المالي الوطني.



الخاتمة:

الاستعمار بالمدافع يزول، لكن الاستحمار يظل صامتًا وفعالًا، يحوّل الأمة إلى مستهلكة عاجزة داخليًا بينما تبدو حرة على السطح. التصدي له يتطلب وعيًا جماعيًا، تعليمًا نقديًا، اقتصادًا منتجًا، مؤسسات قوية، وثقافة راسخة تعيد بناء «جسد الأمة» ككل. السيادة الحقيقية تُقاس بالقدرة على التفكير والفعل المستقل، وباستعادة المؤسسات والمجتمع لقدرتهم على الإنتاج والمبادرة، لا بالحدود أو المدافع وحدها.



#بشار__مرشد (هاشتاغ)       Bashar_Murshid#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فلسفة الحكم الرشيد... ترسخ العقد الوطني
- بين الفلسفة والصفات والإدراك... مسارات تكوين الشخصية والفكر
- قراءة في رحلة البحث عن الحقيقة
- الإعلام الرقمي… من منبرٍ للمعرفة إلى ساحةٍ للفوضى
- التعسف الوظيفي: كيف يحوّل المؤسسات من إنتاجية إلى ضغط؟
- حين يصبح الفاسد قديسًا... جمهورية النزاهة الوهمية
- فلسفة التنكّر والجحود… هندسة اليأس وتدمير الأمم
- الزمن الرقمي… يفضح النفاق
- الضمير والأخلاق... صمام الأمان بين التقلب الانتهازي والتكيف ...
- كلمة حق أُريد بها باطل... قراءة تحليلية
- الأحزاب...من الوسيلة النبيلة إلى الانحراف والتحزب
- الفصل بين الفكرة وذات الإنسان... جدلية النقد والتجريح
- مستقبل الصحافة... بين الحياد والإيحاء الموجَّه
- ادعاء الحكمة بلا تجربة… كالجعجعة بلا طحن
- الدولة الحاكمة وحاكم الدولة… من يواجه العواصف؟
- رواية الحق والتاريخ... الأمواج تهدم قصور الرمل
- التحيّز المعرفي... قصة خيالية هادفة
- رب ضارة نافعة...الغطرسة بداية التهاوي
- دول الاقليم بين التبعية... واستراتيجية التحالف
- الدراما العربية وتشويه التاريخ... عندما يتحول الفن إلى أداة ...


المزيد.....




- إسرائيل تستأنف وقف إطلاق النار في غزة بعدما -انتهكته- حماس
- مقاومة و-برغماتية متأخرة-.. إيران على مفترق طرق
- إيطاليا: قتيلان وإنقاذ العشرات على متن مركب مهاجرين قبالة جز ...
- فايننشال تايمز: ترامب دعا زيلينسكي للقبول بشروط بوتين
- هل ينجح اتفاق الدوحة بإنهاء عقود من الصراع الحدودي بين أفغان ...
- هل تشير احتجاجات -لا ملوك- إلى أزمة شرعية في إدارة ترامب؟
- تحضيرات مصرية لاستضافة مؤتمر إعمار غزة
- عمر عبد المنان طبيب في بريطانيا يحمل على عاتقه قضية فلسطين
- ما فرص اتفاق الدوحة في وقف التصعيد العسكري بين كابل وإسلام آ ...
- هل ستنقل إسرائيل الحرب إلى سوريا؟


المزيد.....

- علاقة السيد - التابع مع الغرب / مازن كم الماز
- روايات ما بعد الاستعمار وشتات جزر الكاريبي/ جزر الهند الغربي ... / أشرف إبراهيم زيدان
- روايات المهاجرين من جنوب آسيا إلي انجلترا في زمن ما بعد الاس ... / أشرف إبراهيم زيدان
- انتفاضة أفريل 1938 في تونس ضدّ الاحتلال الفرنسي / فاروق الصيّاحي
- بين التحرر من الاستعمار والتحرر من الاستبداد. بحث في المصطلح / محمد علي مقلد
- حرب التحرير في البانيا / محمد شيخو
- التدخل الأوربي بإفريقيا جنوب الصحراء / خالد الكزولي
- عن حدتو واليسار والحركة الوطنية بمصر / أحمد القصير
- الأممية الثانية و المستعمرات .هنري لوزراي ترجمة معز الراجحي / معز الراجحي
- البلشفية وقضايا الثورة الصينية / ستالين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - بشار مرشد - الاستعمار بالمدافع... والاستحمار بالعقول