أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - الثورة الاشتراكية - نضال من أجل مجتمع حر وعادل - الوطنية الجوفاء كأداة للهيمنة: إحدى أوراق التضليل في إعادة تشكيل الوعي الجمعي















المزيد.....

الوطنية الجوفاء كأداة للهيمنة: إحدى أوراق التضليل في إعادة تشكيل الوعي الجمعي


الثورة الاشتراكية - نضال من أجل مجتمع حر وعادل
منظمة سياسية

(Socialist Revolution - Struggle For A Free And Just Society)


الحوار المتمدن-العدد: 8496 - 2025 / 10 / 15 - 00:18
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


محمد السايس

النزعة الوطنية الفارغة التي تتجلى على السطح في الأشهر الماضية تدفعنا للتساؤل من أين نبتت كل تلك الأصوات المعرصة إنها بالتأكيد ليست وليدة اللحظة الآنية أنما هي وما يماثلها من ما يطفو على السطح اليوم من عَفن وخراب وتخريب اجتماعي، نتيجة مباشرة لما شهدته مصر خلال العقود الأخيرة من تحوّلًا بنيويًا في علاقة الدولة والنظام والسلطة بالمجتمع.

هذا الخلل المتأصل في منظومة الحكم المصري انعكس بوضوح في طريقة توظيف الخطاب الوطني. لم تعد الوطنية منظومة قيمية تعبّر عن ارتباط المواطن بالأرض والمجتمع والتاريخ، بل أصبحت أداة سياسية تُستخدم لتثبيت شرعية السلطة وتبرير إخفاقاتها. هذا التحول أدّى إلى تفريغ مفهوم الوطن من مضمونه الاجتماعي والإنساني، وتحويله إلى شعار دعائي خالٍ من المعنى الفعلي للانتماء.

النظام المصري، في سعيه الدائم للحفاظ على الاستقرار السياسي وسط أزمة اقتصادية واجتماعية متفاقمة، لجأ إلى تسييس العاطفة الوطنية بشكل منهجي. فحين تعجز الدولة عن تحقيق العدالة الاجتماعية أو الحد الأدنى من الرفاه الاقتصادي، تُستدعى رموز الوطن ولغته العاطفية لتغليف الفشل. يتكرر الخطاب الإعلامي الذي يربط “حب الوطن” بالصبر على الفقر، ويحوّل التضحية الاقتصادية إلى واجب وطني، حتى يصبح الحرمان فضيلة والانصياع بطولة. بهذا المعنى، تتحول الوطنية إلى غطاء أيديولوجي لإدامة التفاوت الاجتماعي والاقتصادي بدلًا من معالجته، لتمرير القمع بدل من الحرية.

العوامل البنيوية التي تسمح بترسيخ هذا الخطاب عديدة؛ في مقدمتها ضعف منظومة التعليم وسيادة الأجهزة الأمنية على الإعلام وغياب النقد من المشروع السياسي المصري بكل أطيافه، التعليم القائم على التلقين لا يُنمّي الوعي النقدي أو الحس المدني، بل يُنتج مواطنًا منفصلًا عن الواقع السياسي، يرى في السلطة مصدرًا للحقيقة والوطنية معًا. أما الإعلام، الخاضع بدرجات متفاوتة لتوجيه الدولة، فيعيد إنتاج صورة الوطن ككيان مقدس لا يُنتقد، بدلًا من كونه عقدًا اجتماعيًا حيًّا بين الدولة والمجتمع. بهذا الشكل، يُعاد تعريف الانتماء ليصبح ولاءً للسلطة لا للمجتمع، ويُفصل الوطن عن المواطن.

إن فصل الوطن عن المواطن عملية مدمّرة على المدى الاجتماعي البعيد. فحين يُغرس في وعي الأفراد أن الوطن هو النظام، وأن الاعتراض خيانة، يفقد الناس إحساسهم بالملكية المشتركة للوطن. تتحول العلاقة بين المواطن والدولة من علاقة مشاركة إلى علاقة تبعية وخوف. هذه الديناميكية تضعف النسيج الاجتماعي، لأنها تغرس الشك بدل التضامن، وتُعمّق الانقسام بين من يصفون أنفسهم بـ “الوطنيين” ومن يُوصمون بـ “الخونة”، حتى وإن كان هؤلاء مجرد منتقدين لسياسات الدولة.

ومع مرور الوقت، يتآكل المعنى الحقيقي للوطنية. لم تعد تعني العمل المشترك لبناء مجتمع عادل أو الدفاع عن المصلحة العامة، بل غدت مجرد شعور عاطفي أجوف يُفرغ من مضمونه الأخلاقي والسياسي. حين يختزل الوطن في العلم والنشيد واسم مصر وصورة الرئيس ، ويُفصل عن المواطن كفاعل اجتماعي واقتصادي، تتحول الوطنية إلى طقوس شكلية تُمكّن السلطة من إنتاج مواطن مُطيع، لا مواطن حرّ. وهكذا تتحول الدولة إلى كيان متضخم يستمد شرعيته من الرموز لا من الأداء، بينما يتراجع الحس الجمعي بالمصلحة المشتركة.

وكنتيجة اجتماعية لهذا التفريغ الخطير تتآكل الثقة بين المواطنين، و يضعف التضامن الطبقي، وتنتشر اللامبالاة العامة، وينسحب الأفراد من المجال العام خوفًا أو يأسًا. ومع كل أزمة اقتصادية جديدة، يُستدعى خطاب “الوطن أولًا” لتبرير مزيد من الإفقار، ومع تفاوت نجاحه وإخفاقه في تحقيق الاستقرار التي تنشده منظومة الحكم، فإن هذا الخطاب يعمّق الانفصال بين الناس ووطنهم الحقيقي – وطنهم الذي يعيشون فيهم لا الذي يُفرض عليهم كشعار يطنطنون بفخره.

وحين تُفرغ الوطنية من معناها الاجتماعي والإنساني، تتحول إلى شعور زائف بالذات القومية يقوم على الوهم لا على الوعي على الكذب لا على الحقيقة ، فتغذي لدى الأفراد إحساسًا هشًا بالتفوق والانتماء المغلق. ومع الوقت، تُنتج هذه الوطنية الفارغة وعيًا استعلائيًا يرى في “الآخر” – سواء كان مختلفًا في العرق أو الدين أو الرأي – تهديدًا وجوديًا للوطن، لا جزءًا من نسيجه. وبدل أن تكون الوطنية أداة لبناء التضامن، تصبح آلية لإقصاء المختلف وتبرير العنف باسم حماية البلاد. في هذا المناخ، يتراجع التفكير النقدي لصالح الشفوية والانفعال، ويتضخم الشعور بالذات على حساب إدراك الواقع. فتتحول الوطنية إلى طقوس لفظية تُمارس بالعاطفة لا بالفعل، وبالصوت لا بالفعل الاجتماعي. وهكذا يُعاد تعريف “حب الوطن” كولاء للسلطة وعداء للآخر مصري كان أو سوداني، سوري، مسيحي، إسلامي، نسوي. لا كالتزام بالمصلحة العامة والعدالة. ومع ترسخ هذا النمط، يتفكك النسيج الاجتماعي ويتراجع الإحساس بالمواطنة المشتركة، ليحلّ محله وعي زائف يستمد شعوره بالقوة من كراهية المختلف لا من قوة المجتمع نفسه.

إن إعادة بناء مفهوم “الوطن” تتطلب تحرير الوطنية من قبضة السلطة والسلطوية، وردّها إلى معناها الاجتماعي: علاقة متبادلة من الحقوق والواجبات، ومسؤولية جماعية في مواجهة الفقر والفساد والاستبداد. فالوطن بلا مواطنين أحرار لا معنى له، والوطنية التي لا تُترجم إلى عدالة وكرامة ومساواة ليست سوى ستارٍ لتبرير القهر.

كاشتراكي ثوري أممي، أؤمن أن الوطن ليس حدودًا على الخريطة ولا شعارات تُرفع في الإعلام، بل الناس الذين يعيشون ويعملون ويقاومون القهر فيه. الوطنية الفارغة ليست إلا وسيلة لتفتيت النسيج الاجتماعي، وإدامة الفقر والفساد، وحماية مصالح نخبة ضيقة على حساب الغالبية.

أن التحرر الحقيقي لا يتحقق إلا بتوحيد العاملين والمضطهدين عبر الحدود القومية، بالوعي المشترك ضد الاستغلال والقمع، لا بالولاء الأعمى للسلطة أو الرموز الوطنية المجردة العلم والنسر والقلادة. حب الوطن الحقيقي هو حب الإنسان والعدالة في وطنك وحول العالم، هو دفاع عن كرامة الناس وحرياتهم، ليس مجرد ترديد شعارات ورفع صور وأعلام.

https://soc-rev-egy.org/



#الثورة_الاشتراكية_-_نضال_من_أجل_مجتمع_حر_وعادل (هاشتاغ)       Socialist_Revolution_-_Struggle_For_A_Free_And_Just_Society#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أشهد أننا خُلقنا لنُقتل، فدماؤنا هي الأسهل والأرخص ثمنًا
- الإصطفاف غطى على أي إنحراف
- من اشتري الذل بدم الشهداء؟ رحلتنا من عبور العزة إلى انكسار ا ...
- مقتل طفلة عاملة بشركة بالإسكندرية.. جرائم الرأسمالية في حماي ...
- قافلة الصمود المصري: العدو أمامك وحولك فلا تنخدع.. أو على ال ...
- رسالة معتقل: كل منشور “حرز” وكل تعاطف “جريمة”
- حادث قطار مطروح.. إسقاط النظام ضرورة للنجاة
- النجم الساطع ليس إلا العار الساطع
- يا تجهزوا جيش الخلاص… يا تقولوا على المسكن خلاص
- جريمة جديدة في سلخانة قسم شرطة المنشية بالإسكندرية
- أما أن تكون أنسًا شريفًا.. وأما أن تكون أثر حذاء على تراب ال ...
- من الجون إلى نيرون: كيف يحرق السيسي المصريين بالغاز الإسرائي ...
- الغاز ممزوج بدم غزة
- مفيش محكمة هتحميك من ديكتاتور… اللي هيحميك هو نضالك مع جارك ...
- انتخابات الشيوخ : الكوميديا الأمنية في موسم العبث الوطني
- الجمهورية الأمنية: كل مواطن ضابط وكل خلاف جنحة
- من يحاصر شعبة لا يؤتمن على قضية
- ضحية تعذيب جديدة في قسم بلقاس..النظام يقتل المصريين ويحاصر ا ...
- عن عملية قسم المعصرة - حين يُغلق المجال العام لا يبقى سوى ال ...
- انتخابات الشيوخ: نظام يعزف منفردًا ومعارضة أتلفها القمع


المزيد.....




- نتنياهو: إذا لم تلتزم حماس بالاتفاق -ستفتح أبواب الجحيم-
- غزة بعد الاتفاق مباشر.. ترامب يعلن بدء المرحلة الثانية والعش ...
- محللون: إسرائيل تضع 3 سيناريوهات لقضية نزع سلاح حماس
- -مسار الأحداث- يناقش سيناريوهات نزع سلاح حماس
- المستشار الإعلامي للأنروا: أولويتنا إعادة 140 ألف طالب للدرا ...
- تحالف دفاعي إثيوبي كيني يعيد تشكيل القوى بالقرن الأفريقي
- إسرائيل تعلن تسلم الصليب الأحمر رفات 4 رهائن من غزة
- الرئاسة الفلسطينية: الإعدامات الميدانية في غزة جرائم بشعة
- ترامب: إنفاق إسبانيا العسكري -مهين- للناتو
- مصدر إسرائيلي يوضح لـCNN آخر تطورات مفاوضات شرم الشيخ بشأن م ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - الثورة الاشتراكية - نضال من أجل مجتمع حر وعادل - الوطنية الجوفاء كأداة للهيمنة: إحدى أوراق التضليل في إعادة تشكيل الوعي الجمعي