أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - الثورة الاشتراكية - نضال من أجل مجتمع حر وعادل - من اشتري الذل بدم الشهداء؟ رحلتنا من عبور العزة إلى انكسار القرار















المزيد.....

من اشتري الذل بدم الشهداء؟ رحلتنا من عبور العزة إلى انكسار القرار


الثورة الاشتراكية - نضال من أجل مجتمع حر وعادل
منظمة سياسية

(Socialist Revolution - Struggle For A Free And Just Society)


الحوار المتمدن-العدد: 8488 - 2025 / 10 / 7 - 00:59
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


رفعت عبد الظاهر

في السادس من أكتوبر، لم تكن السماء زرقاء كما في الصور، كانت تشتعل بالدخان، وكانت الأرض تهتزّ تحت أقدام رجالٍ عبروا القناة وهم يحملون على أكتافهم ثقل أمةٍ كاملة.

رجالٌ من طين هذا الوطن، من القرى التي نسيتها السلطة وتذكرتهم الحرب ،عبروا لا لأجل عبد الناصر ولا لأجل السادات، بل لأجل مصر التي وُضعت على المذبح منذ سبعة وستين. رجال معبئين بالأحلام التحرير يناضلون من أجل النصر من أجل الحرب ، كانوا يعلمون أن أمامهم موتًا محققًا، لكنهم عرفوا أن ما بعد الموت حياةٌ أكرم من الهزيمة

فكانت صيحات “الله أكبر” ترتفع فوق ضجيج المدافع، وكانت الدبابات الإسرائيلية تحترق، والجنود يرفعون علم الوطن على ضفةٍ ظنّ العدو أنها مستحيلة العبور.

ذلك اليوم كان نصرًا خرج من عروق الفقراء لا من مكاتب القادة. كانوا أبناء الهزيمة الذين قرروا أن يغسلوا العار بالدم.

لكن، كما في كل فجرٍ وطني، كان الليل ينتظر دوره. في اللحظة التي كان فيها المقاتل يرسّخ قدمه في الأرض المحررة، كانت القيادة في القاهرة ترتجف من فكرة التقدم. جبنٌ سياسيٌّ وعسكريٌّ تَخفّى خلف شعارات “الحكمة” و”تجنّب الخسائر”.

توقّف العبور عند حدود الخوف علي الحفاظ علي السلطة السياسية ونظرتها لبناء جسور مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتجمّد الدم في عروق القيادة وراحوا يلهثون خلف السلام المزعوم.

فبينما كان الميدان يطلب التطوير، كانت القيادة السياسية تُعدّ العدة لاحتوائه، كانت القصور تختار وقف إطلاق النار تلك اللحظة كانت نهاية النصر وبداية الاستسلام المقنّع.

فالسادات، الذي ورث دولة مثقلة بعد هزيمة 67، لم يرَ في الحرب سوى وسيلة تفاوض لا غاية تحرير. كان هدفه من الحرب إعادة ترتيب العلاقة مع واشنطن، لا مع الفلسطينيين.

منذ اللحظة الأولى، كانت الحرب محدودة بقرار سياسي مسبق: عبور لا اجتياح، نصرٌ تكتيكي لا استراتيجي.

الجنود خاضوا حرب التحرير، حين وصل الجيش المصري إلى الضفة الشرقية وبدأ يضغط نحو العمق، ارتبك القصر.

كانت واشنطن تلوّح برسائل التحذير، ومراكز القرار في القاهرة تحسب الخطوات بمنطق “التهدئة” لا “التحرير”.

قرار وقف إطلاق النار لم يكن إكراهًا عسكريًّا، بل اختيارًا سياسيًّا نابعًا من خوف القيادة من النصر الكامل،

لأن النصر الكامل يعني تجاوز الخطوط الأمريكية، وفتح الباب لمعادلة عربية جديدة لا تسيطر عليها واشنطن. كان السادات يدرك أن استمرار الحرب يعني تجاوز الخطوط الحمراء الأمريكية، فآثر الانصياع على التحدي، والاستقرار على الثورة.

وهكذا، من رحم النصر، وُلدت الهزيمة الثانية.

كامب ديفيد لم تكن نتيجة طبيعية للحرب، بل نتيجة طبيعية لرؤية السادات للحرب.

كانت امتدادًا مباشرًا لقراره بوقف النار عند لحظة التفوق، ولرهانه على أن واشنطن يمكن أن تكون “الوسيط العادل”.

ومنذ تلك اللحظة، دخلت مصر مرحلة جديدة من التاريخ:

تحولت من دولة تمتلك جيشًا مستقلاً، إلى دولةٍ يمتلك جيشها عقيدة أمنية أمريكية.

تحت شعار “السلام الاستراتيجي”، أعيد بناء الجيش المصري ليكون جدارًا منضبطًا ضمن ترتيبات إقليمية ترعاها واشنطن وتضمن أمن إسرائيل.

لقد تغيّر دور الجيش من حماية حدود الوطن إلى حماية حدود النظام فقط. ومع أنه لم يكن يوما جيشا يعمل لصالح الشعب بشكل خاص إلا أنه تحول الى جيش الحاكم وأداته للحكم لا لحماية البلاد.

وكلما تعمّقت التبعية العسكرية للولايات المتحدة، تعمّقت معها العزلة بين الجيش والمجتمع، صار التسليح مشروطًا بالرضا الأمريكي، والعقيدة القتالية محكومة بسقف “التهديدات المشتركة” لا “العدو التاريخي”.

تحولت العلاقات العسكرية مع واشنطن إلى شريان حياةٍ سياسي، وبدلاً من أن تُترجم حرب أكتوبر إلى استقلالٍ وطني، صارت جسرًا إلى احتلالٍ ناعم، لا يُرفع فيه علم أجنبي، لكن يُدار فيه القرار من الخارج.

أما إسرائيل، فقد ربحت بالسلام ما لم تربحه بالحرب.

أُعيدت لها سيناء منزوعة السيادة قبل أن تُنزع منها الدبابات.

لم تَعُد تخشى الجبهة المصرية، بل صارت مطمئنة إلى حدودٍ تحرسها اتفاقياتٌ وجيوشٌ تتلقى التدريب والتمويل من نفس الراعي الأمريكي وتحولت القاهرة من عاصمةٍ للمواجهة إلى عاصمةٍ للتنسيق الأمني، ومن قلبٍ للثورة العربية إلى محورٍ لتصفية الوعي القومي.

أما في الداخل، فقد بدأ الانحدار:

تراكمت الثروة في يد الطبقة التي خدمت كامب ديفيد، وتحوّل شعار “العبور الثاني” إلى غطاءٍ للانفتاح الاقتصادي، الذي سلّم الاقتصاد كما سلّم القرار. وما بين القمع الأمني والفساد النيوليبرالي، وُئد الحلم الذي عبر من ضفة القناة، حتى صار الجيش نفسه عبر مجموعة الامتيازات التي حصل عليها من خلال عقود الحكم المتتالية هو الشكل الأعلى للسلطة التي تقمع الشعب باسم الوطن، تحت شعارات الوطنية، وتتاجر بالنصر القديم لتبرير الخضوع الجديد.

لقد كان أكتوبر لحظةٌ كان يمكن أن تعيد بناء الأمة على أسس السيادة والحرية، لكنها تحوّلت إلى صفقةٍ كبرى: باع فيها النظام النصر ليشتري البقاء.

وهكذا، استبدلنا الاستعمار الخارجي بالاستبداد الداخلي، واستبدلنا شعار “تحرير الأرض” بشعار “الاستقرار”.

حتى صار الوطن نفسه محاصرًا، بلا قيدٍ ولا علمٍ يرفرف إلا بإذنٍ من الخارج.

ولم تنقطع خيوط الهيمنة منذ كامب ديفيد، بل كانت تتغلغل عامًا بعد عام، حتى صارت اليوم أكثر رسوخًا ووضوحًا من أي وقت مضى.

فما بدأ باتفاق “سلامٍ مشروط” تحوّل إلى تبعيةٍ أمنيةٍ كاملة، لا تخفي نفسها خلف الشعارات.

وفي أعقاب حرب الإبادة على غزة، تجلّت تلك الهيمنة في أوضح صورها من تنسيق أمني وحصار الفلسطينيين وتقديم مساعدات لوجستية وعسكرية لجيش الاحتلال. وزيادة معدلات التجارة مع العدو إلى مستويات قياسية لم نشهدها من قبل منها بإبرام اتفاقية توريد غاز بقيمة 35 مليار دولار.

أن تجلي أشكال التبعية ظهر بوضوح حين قبلت القاهرة، دون قيدٍ أو تحفظ، خطة ترامب الأميركي لوقف الحرب، وتعاملت معه بوصفه الطريق الوحيد “الواقعي”، فيما مارست أجهزة الدولة ضغطًا منسّقًا على المقاومة الفلسطينية لقبوله كبديلٍ عن التهجير، لا عن التحرير.

لم يكن ذلك انحيازًا تكتيكيًا، بل ترجمةً كاملة لواقعٍ استراتيجي صار فيه القرار العسكري والسياسي المصري يدور في فلك واشنطن وتل أبيب.

فالمؤسسة التي كانت يومًا رمزًا للسيادة الوطنية، أصبحت اليوم أداةً منضبطة داخل منظومة الأمن الإقليمي الأميركي – الإسرائيلي، وظيفتها الأساسية ضبط الإيقاع في المنطقة بما لا يهدد مصالح الكيان المحتل ولا يزعج راعيه الأميركي.

إن الهيمنة لم تتراجع بعد أكتوبر، بل نمت وتعمّقت حتى بلغت نضجها الكامل في زمن الحرب على غزة، حيث لم يبقَ من “الدور المصري” سوى إدارة التهدئة، وتأمين الحدود، واحتواء الغضب الشعبي باسم “الاستقرار”.

وهكذا، يظهر وجهها في أفضل صورة: تبعية مطلقة تتزيّن بعبارات السيادة، وخضوعٌ يُقدَّم في هيئة حكمةٍ سياسية.

ومع ذلك، لا يموت النصر تمامًا ولا تذهب تضحيات الشهداء بلا ثمن. ففي كل ذكرى، نتذكر كل جندي كل عاملٍ بسيطٍ كل فلاح سقطوا على ضفة القناة، ليبقى السؤال حيًّا:

هل خُلق أكتوبر ليكون تمهيدًا لكامب ديفيد؟ أم خُلقت كامب ديفيد لتقتل روح أكتوبر؟

الجواب في وجدان الشعب، لا في خطابات السلطة. فحين ينهض المصري من جديد، ويستعيد بلده من يد الرعاة، سيكتشف أن أكتوبر لم يكن صفحةً من الماضي، بل نداءً مؤجلًا – للعبور الثاني، عبورٍ نحو التحرر الحقيقي، من التبعية ومن الخوف، حين لا تكون أمريكا الحكم، ولا إسرائيل الصديق، حين نتخلص من القيادة العسكرية الحاكمة بالقمع ونبني مجتمع جديد ينادي بالحرية والعدالة.

soc-rev-egy.org



#الثورة_الاشتراكية_-_نضال_من_أجل_مجتمع_حر_وعادل (هاشتاغ)       Socialist_Revolution_-_Struggle_For_A_Free_And_Just_Society#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقتل طفلة عاملة بشركة بالإسكندرية.. جرائم الرأسمالية في حماي ...
- قافلة الصمود المصري: العدو أمامك وحولك فلا تنخدع.. أو على ال ...
- رسالة معتقل: كل منشور “حرز” وكل تعاطف “جريمة”
- حادث قطار مطروح.. إسقاط النظام ضرورة للنجاة
- النجم الساطع ليس إلا العار الساطع
- يا تجهزوا جيش الخلاص… يا تقولوا على المسكن خلاص
- جريمة جديدة في سلخانة قسم شرطة المنشية بالإسكندرية
- أما أن تكون أنسًا شريفًا.. وأما أن تكون أثر حذاء على تراب ال ...
- من الجون إلى نيرون: كيف يحرق السيسي المصريين بالغاز الإسرائي ...
- الغاز ممزوج بدم غزة
- مفيش محكمة هتحميك من ديكتاتور… اللي هيحميك هو نضالك مع جارك ...
- انتخابات الشيوخ : الكوميديا الأمنية في موسم العبث الوطني
- الجمهورية الأمنية: كل مواطن ضابط وكل خلاف جنحة
- من يحاصر شعبة لا يؤتمن على قضية
- ضحية تعذيب جديدة في قسم بلقاس..النظام يقتل المصريين ويحاصر ا ...
- عن عملية قسم المعصرة - حين يُغلق المجال العام لا يبقى سوى ال ...
- انتخابات الشيوخ: نظام يعزف منفردًا ومعارضة أتلفها القمع
- المسؤولية السياسية عن كارثة حريق سنترال رمسيس
- بيان تيار الثورة الاشتراكية حول تعديل قانون الإيجار القديم: ...
- الثقب الأسود المصري


المزيد.....




- ترامب لـCNN: أعتقد أن -حماس- توافق على -أمور بالغة الأهمية- ...
- خلال اتصال مع ترامب.. الملك عبدالله يؤكد على ضرورة -الوقف ال ...
- الشرطة تحقق في جريمة كراهية إثر حريق متعمد استهدف مسجدًا في ...
- المبعوث الأمريكي السابق إلى أوكرانيا: -بوتين خدع ترامب وأظهر ...
- نشطاء دوليون يروون معاناتهم بعد اعتقالهم في إسرائيل خلال محا ...
- ألمانيا: اكتشاف أجسام مضادة قد تغيّر مستقبل مكافحة الإيدز
- إسرائيل وحماس تباشران مفاوضات غير مباشرة في مصر لإنهاء الحرب ...
- الحرب على غزة مباشر.. ترامب يتحدث عن تقدم كبير بالصفقة ويثني ...
- شبكة الجنرال موهوزي.. تداخل الجيش والسياسة بأوغندا
- نيروبي.. -رجل الطيور- يحلّق بحلم التغيير


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - الثورة الاشتراكية - نضال من أجل مجتمع حر وعادل - من اشتري الذل بدم الشهداء؟ رحلتنا من عبور العزة إلى انكسار القرار