محمد بسام العمري
الحوار المتمدن-العدد: 8490 - 2025 / 10 / 9 - 02:52
المحور:
الفساد الإداري والمالي
الفساد الإداري والمالي ظاهرة متفشية في غالبية الدول، لكن تأثيرها يختلف بحسب السياق السياسي، الاقتصادي، الثقافي، وقدرتها على التأثير في مؤسسات الدولة والخدمات العامة. الفساد لا يقتصر على اختلاس الأموال، بل يشمل إساءة استغلال السلطة، والمحسوبية، والرشوة، والتلاعب في العقود والمناقصات، والتهرب الضريبي، وغيرها من الممارسات.
الفساد المالي: يشير إلى استغلال السلطة أو المركز المالي لتحقيق مكاسب مادية غير مشروعة، مثل اختلاس المال العام، الغش المالي، التهرب الضريبي، التورط في معاملات مشبوهة.
الفساد الإداري: أكثر اتساعًا، ويشمل استغلال النفوذ في الوظيفة العامة، المحسوبية، المحاباة، استغلال المنصب، تجاهل الضوابط، التعيينات غير المبنية على الكفاءة، وغيرها.
أسباب الفساد الإداري والمالي
من الدراسات الأكاديمية، يمكن تلخيص بعض الأسباب الرئيسة:
ضعف الشفافية والمساءلة
عندما تكون آليات الرقابة ضعيفة، والقوانين غير مطبقة بصرامة، عندما لا يُحاسب المسؤول الفاسد.
ضعف مؤسسات الرقابة والقضاء
نقص في استقلال القضاء، أحيانًا ارتباط بين السلطة التنفيذية ومراكز القرار القضائي، مما يقلل من قدرة القضاء على الملاحقة القانونية.
غياب الكفاءة والاعتماد على العلاقات
توظيف على أسس غير مهنية (القبلية، الحزبية، تنفيذيّة)، مما يقلل الالتزام بالأداء والنزاهة.
الفقر والأجور المنخفضة في القطاع العام
حين لا يكفي الراتب لتغطية تكاليف الحياة، يكون هناك دافع أكبر للبحث عن مصادر دخل إضافية غير مشروعة.
الثقافة الاجتماعية والنظرة المجتمعية للفساد
وجود تسامح اجتماعي مع الممارسات الفاسدة، أو اعتبارها جزءًا من "ما يُضطر إليه الناس" يساعد في استمراريتها.
التعقيد البيروقراطي
الإجراءات الطويلة، الروتين الشديد، الحاجة للإذن من جهات متعددة؛ كل ذلك يوفر فرصة لتقديم الرشاوى لتسريع الأمور.
ضعف الرقابة المالية والإدارية الداخلية
قلة استخدام تقنيات المحاسبة الجنائية، عدم وجود تدقيق فعّال، وقلة التوظيف الكفء للمفتشين والرقّبين.
مظاهر الفساد
الرشوة في المعاملات الحكومية: للتراخيص، الخدمات، المناقصات.
اختلاس الأموال العامة أو تحويلها بطرق غير مشروعة.
المحاباة والنفوذ الشخصي في التعيينات والترقيات.
تزوير التقارير المالية وتحريف الحصائل والإيرادات.
الفساد في العقود والمناقصات العامة: أسعار مفرطة، عقود مع شركات مقربة، عدم الالتزام بالمواصفات.
دراسات أكاديمية مختارة
“Administrative and financial corruption: Its effects on economic development … in Algeria” لموراد سيساوي: تحليل لتأثيرات الفساد على التنمية الاقتصادية وكيفية مكافحته في الجزائر. (ijeponline.org)
دراسة تحليلية لظاهرة الفساد الإداري والمالي في بعض المؤسسات الصحية لمحافظة القادسية (العراق): تظهر كيف أن الفساد في القطاع الصحي يقلّل قدرة المؤسسات على تقديم الخدمات، ويُضعف الأداء العام. (jpgiafs.uobaghdad.edu.iq)
دراسة عن أثر الفساد على الإيرادات الضريبية لتمويل الموازنة العامة للدولة (العراق): تُبيّن أن الفساد المالي والإداري له تأثير سلبي مباشر على تحصيل الضرائب وبالتالي على تمويل ميزانية الدولة. (scholarsdigest.org)
Financial and Administrative Corruption and its Political and Economic Effects on the state of Algeria (2010-2020): دراسة تحليلية تظهر كيف أنّ ارتفاع مستوى الفساد أثر على الاستقرار السياسي والاقتصادي. (digitalcommons.aaru.edu.jo)
Corruption and health outcomes: دراسة على مستوى عالمي تربط بين درجات الفساد والصحة البدنية والعقلية للسكان (مثل معدّل الوفيات، العمر المتوقع، الشعور بالسعادة) في حوالي 185 دولة. (PubMed)
قضايا فساد واقعية
قضية رئيس وزراء غينيا السابق الذي سُجِن بسبب اختلاس أموال برامج الرفاه أثناء جائحة كوفيد-19. (AP News)
قضية التزوير والضغط على القروض في فيتنام والتي بلغت أعدادًا ضخمة من الأموال عبر تعاملات مصرفية ضخمة – قضية رأي عام أثرت على ثقة المواطنين في النظام المالي. (The Guardian)
الأخبار عن قضايا فساد كبيرة في الهند مثل تزايد عدد قضايا الرشوة في ولاية Andhra Pradesh في 2023. (The Times of India)
________________________________________
التداعيات والإنكاسات على الدولة والمجتمع والمواطن
على مستوى الدولة
تآكل الموازنة العامة: الأموال تُسرق أو تُحوّل، الضرائب تُهدر، الأموال المخصصة للخدمات تتقلّص.
ضعف الاستثمارات: المستثمرون، خاصة الأجانب، ينفرون من الدول ذات الفساد المرتفع بسبب المخاطرة العالية وعدم ضمان العدالة.
انخفاض النمو الاقتصادي: الدراسات (مثلاً في العراق) تُظهر أن زيادة بسيطة في الفساد يمكن أن تُقلِّل من معدّل النمو الاقتصادي بنسب معتبرة. (iaiest.com)
هدر الموارد: مشاريع تنموية لا تنجز جيدًا، مواد ومعدات سيئة الجودة، صيانة غير كافية، مما يكلف الدولة أضعاف ما يُنفق.
على مستوى المجتمع والمؤسسات
فقدان الثقة في المؤسسات: المواطن لا يثق في الحكومة أو القضاء أو الشرطة إذا يرى أن المسؤولين يفلتون من العقاب.
تراجع الخدمات العامة: الصحة، التعليم، البنية التحتية تتضرر؛ جودة الخدمات العامة تنخفض.
عدم المساواة وتفاقم الفقر: الفئات الأكثر هشاشة تدفع الثمن الأكبر؛ فقر مكتسب نتيجة لعدم وصول الخدمات الأساسية والبُنى التحتية إليها.
على مستوى المواطن الفردي
تأخر أو ضعف الخدمات الصحية والتعليمية؛ المرضى قد يعانون من نقص الأدوية أو سوء الرعاية.
ارتفاع تكاليف المعيشة: الرشوة، التعقيد الإداري، أسعار الخدمات المرتفعة نتيجة فساد في المناقصات.
الضغط النفسي: شعور بالعجز، الظلم، الإخلال بالحقوق؛ انخفاض في جودة الحياة والشعور بالرضا.
زيادة المخاطر الصحية: دراسة تربط الفساد بارتفاع معدلات الأمراض المزمنة مثل السكري وارتفاع الضغط. (PMC)
آليات المواجهة: تجارب واستراتيجيات
من الدراسات والممارسات العالمية، هذه بعض المقترحات التي أثبتت فاعليتها:
تعزيز الشفافية والمساءلة
ـ نشر المعلومات المالية والعقود والموازنات بشكل مفتوح.
ـ تفعيل دور منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام في مراقبة الأداء الحكومي.
تقوية القضاء ومؤسسات الرقابة
ـ استقلال القضاء والمفتشين العامين.
ـ العقوبات الصارمة لمن يثبت تورطه في الفساد.
التدقيق المالي والمحاسبة الجنائية (Forensic Accounting)
ـ كما في دراسة من جامعة تكريت التي رصدت أن المحاسبة الجنائية تقلّل من الفساد المالي. (tjaes.org)
إصلاح الإجراءات الإدارية وتقليل البيروقراطية
ـ تبسيط الإجراءات، الرقمنة، تقليل التداخل الإداري.
تحسين أجور وتعويضات القطاع العام
ـ ضمان أن يكون دخل الموظف كافياً لتغطية احتياجاته الأساسية، حتى لا يكون مبررًا للفساد.
غرس ثقافة النزاهة
ـ تعليم القيم الأخلاقية والنزاهة في المدارس والجامعات.
ـ حملات توعية عامة لدى المواطنين بأن الفساد مضر للجميع وليس فقط للمتضررين المباشرين.
إشراك المواطنين والمجتمع المدني
ـ آليات الشفافية المجتمعية: مشاركة المواطنين في مراقبة المشاريع.
ـ القنوات الشكوى الفعلية والآمنة لمن يريد الإبلاغ عن الفساد.
سياسات اقتصادية منفتحة تقلل الاحتكار والمنافع الخاصة
ـ تشجيع المنافسة الحرة، فتح الأسواق، تقليل الفرص للاحتكارات غير القانونية.
الفساد الإداري والمالي ليس مجرد مشكلة أخلاقية، بل هو عامل مركّب ومتداخل يؤثر على جميع جوانب الحياة الوطنية: الاقتصادية، الاجتماعية، الصحية، النفسية. الدول التي لا تتعامل معه بجدية قد تواجه تراجعًا في التنمية، انهيار الثقة الشعبية، وتفاقم الفقر واللامساواة.
لكي تُحارب هذه الظاهرة، يلزم:
التزام رسمي قوي وحقيقي من الطبقة السياسية
إصلاح تشريعي وقضائي عاجل
مشاركة مجتمعية وشفافية
بناء مؤسسات قوية مستقلة
#محمد_بسام_العمري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟