مروان صباح
الحوار المتمدن-العدد: 8489 - 2025 / 10 / 8 - 16:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
/ لم تعد العلاقات الدولية في العقدين الأخيرين ثابتة أو تقليدية ، بل أصبحت خاضعة لتحولات ديناميكية متسارعة نتيجة تغير موازين القوى بين الشرق والغرب ، وفي هذا السياق ، تبرز العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية 🇺🇸 ودولة قطر 🇶🇦 كنموذج معقد ومتشابك يعكس أبعاد الصراع العالمي بين واشنطن وبكين 🇨🇳 من جهة ، والتحولات الإقليمية في منطقة الخليج 🇸🇦 من جهة أخرى ،فلم يكن من المألوف أن يشهد الخليج العربي تذبذباً في مواقف واشنطن تجاه حلفائها ، خاصة بعد أحداث “ضربة الدوحة”، التىّ أثارت جدلاً حول مدى استمرارية التحالف الأمريكي – القطري في ظل المنافسة الصينية والتركية المتزايدة في المنطقة (مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي ، 2023) ، وتتمثل إشكالية البحث في التساؤل الآتي : إلى أي مدى أثرت التحولات الدولية الجديدة ، ولا سيما الصراع الأمريكي–الصيني ، على طبيعة التحالف بين واشنطن والدوحة ، وما إنعكاسات ذلك على مواقف الولايات المتحدة من القضايا الإقليمية ، خصوصاً القضية الفلسطينية 🇵🇸 ، فهذا المقال يعتمد على المنهج التحليلي–الوصفي من خلال تحليل العلاقات السياسية والاقتصادية بين الطرفين في سياق التحولات الجيوسياسية العالمية ، والاستناد إلى تقارير رسمية ودولية صادرة عن مؤسسات بحثية ومنظمات أممية لتوضيح الإتجاهات الراهنة ، ولقد أدركت الولايات المتحدة أن الفراغ الذي يمكن أن تتركه في قطر لصالح الصين سيؤدي إلى تحول استراتيجي في ميزان القوى بالمنطقة ، خصوصاً مع وجود قواعد عسكرية تركية في الأراضي القطرية ، لذلك سارعت واشنطن إلى إعادة تعريف علاقتها بالدوحة بقرار تنفيذي جديد ينظم نوع التحالف بين الطرفين (مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، 2025) ، وفي المقابل ، ما زالت الولايات المتحدة تواجه أزمة اقتصادية داخلية غير مسبوقة ، وفقاً لتقارير صندوق النقد الدولي (2024) ، مما جعلها أكثر حذراً في توزيع التزاماتها الأمنية في الخارج ، ومن هنا 👈 ، أصبحت العلاقة مع قطر تمثل ركيزة للحفاظ على النفوذ الأمريكي في الخليج في مواجهة التمدد الصيني ، حيث تجمع هذه السطور على أن ما يشهده العالم اليوم هو حرب باردة جديدة بين الولايات المتحدة والصين ، غير أنها تختلف عن الحرب الأولى التىّ إنتهت بإنهيار الإتحاد السوفييتي ، فالصين لا تتبع النموذج العسكري المباشر ، بل تستخدم أدوات اقتصادية واستثمارية عابرة للقارات (برزينسكي، 1997) ، وفي المقابل ، تعتمد واشنطن على تحالفاتها الأمنية والعسكرية للحفاظ على هيمنتها ، خاصة في مناطق مثل الخليج العربي وشرق آسيا ، رغم أن العالم يقف مبدئياً ضد الإحتلال الإسرائيلي ، فإن المؤسسات الدولية والشارع الغربي فشلاً في وقف العدوان المتواصل على الشعب الفلسطيني حتى الآن ، والذي بلغ حدّ الإبادة الجماعية وفق توصيف تقارير الأمم المتحدة (2024) ، وقد كشفت تقارير منظمة العفو الدولية (2024) وهيومن رايتس ووتش (2024) أن الانتهاكات الإسرائيلية وصلت إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية ، ومع ذلك ، تواصل الولايات المتحدة تقديم دعم سياسي وعسكري لإسرائيل ، مما جعلها في مواجهة مع الرأي العام العالمي (تشومسكي، 2024) ، ثم ترى هذه السطور أيضاً بأن الحركة الصهيونية نجحت خلال القرنين الماضيين في التغلغل العميق داخل النظام السياسي الأمريكي ، إلى حدّ التأثير في صناعة القرار وفي ثقافة المجتمع (ميرشايمر ووالت، 2007) ، وبالرغم من هذا النفوذ ، فإن صورة إسرائيل تدهورت في الرأي العام الغربي نتيجة الجرائم المستمرة في غزة ، حتى أصبح مصطلح “مجرم حرب” مرتبطاً في الإعلام الشعبي بالصهيونية والإسرائيليين (هيومن رايتس ووتش، 2024) ، ثم تُعدّ “ضربة الدوحة” — وهي العملية التىّ نُسبت إلى تنسيق أمريكي غير معلن في قطر — حدثاً محورياً لفهم حدود النفوذ الأمريكي في الخليج ، فالدول الخليجية ، بما فيها قطر ، تدرك جيداً أن أي عملية بهذا الحجم لا يمكن أن تتم دون علم البيت الأبيض ، غير أن فشل العملية أدى إلى تنصل الرئيس ترمب منها علناً ، كما أوردت نيويورك تايمز (2025)، ما أثار شكوكاً حول مدى تماسك التحالف الأمريكي–الخليجي مستقبلاً .
يمكن القول إن التحالف الأمريكي–القطري يواجه مرحلة إعادة تموضع استراتيجي في ظل التحولات العالمية الراهنة ، فواشنطن لم تعد تمتلك القدرة المطلقة على فرض إرادتها كما في السابق ، بينما تسعى قطر لتعزيز استقلالها عبر تنويع علاقاتها مع الصين وتركيا ودول أخرى ، وفي المقابل ، فإن إستمرار الدعم الأمريكي لإسرائيل ، رغم فداحة جرائمها ، قد يدفع الولايات المتحدة إلى عزلة دبلوماسية متزايدة ، تماماً كما حدث لإسرائيل نفسها ، فإن إدراك واشنطن للتحولات العالمية في موازين القوة لم يعد خياراً سياسياً ، بل ضرورة وجودية لضمان بقائها في موقع القيادة الدولية …
لم تعد العلاقة بين الولايات المتحدة ودول الخليج العربي على حالها السابق ؛ إذ شهدت السنوات الأخيرة تحوّلاً ملحوظًا في موازين الثقة والمصالح الاستراتيجية ، فبينما كانت واشنطن تُعدّ الحليف الأمني الأوثق لدول الخليج ، بدأت ملامح التفضيل الأمريكي لإسرائيل تتكشف بوضوح ، ما أثار تساؤلات حول مستقبل التحالفات التقليدية في المنطقة ، كما أن هذه المقالة تهدف إلى تحليل مظاهر هذا التحوّل ، وبيان انعكاساته على الأمن الخليجي والعلاقات مع القوى العالمية ، خاصة الصين وروسيا 🇷🇺 ، لهذا ، لم تبدأ هذه الحكاية اليوم ، بل برزت ملامحها منذ أن رفضت واشنطن بيع أسلحة قد تُخلّ بالتفوّق النوعي العسكري لتل أبيب على الدول العربية (Congressional Research Service, 2023) ، وقد ظنّت بعض الدول الخليجية أن الإنفاق المستمر على التسليح والتكنولوجيا الحديثة سيجعل أمنها أولوية لدى الولايات المتحدة (Friedman, 2019) ، إلا أن الإنحياز الأمريكي الدائم لإسرائيل أظهر أن المصالح الاستراتيجية لواشنطن لا تتطابق بالضرورة مع أولويات أمن الخليج (Khalid, 2021).
تجلّى هذا الإنحياز في تصريحات الرئيس ترمب ، حين قال لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو: «أفعل ما يجب فعله»، وهو ما عُدّ ضوءًا أخضر لسياسات عدائية تجاه بعض العواصم الإقليمية ، وعلى رأسها الدوحة ، مع تهديدات غير مباشرة لأنقرة 🇹🇷 والقاهرة 🇪🇬(New York Times, 2025) )، كما بدا التفاوت واضحاً في القدرات العسكرية ؛ إذ لا تستطيع مقاتلات F-15 القطرية مجاراة مقاتلات F-35 الإسرائيلية المتقدمة ، فيما تقيّد واشنطن إستخدام بعض منظومات الدفاع الجوي الخليجية عبر تقنيات التشفير (Defense News, 2022) ، هذا الخلل في الثقة دفع دول الخليج إلى تنويع شراكاتها ، لا سيما مع الصين التىّ أصبحت الشريك الإقتصادي الأول للمنطقة ، في حين يظل الخليج المورّد النفطي الأول لبكين ، فأي تهديد لأمن الخليج يُعدّ بالتالي ضربة مباشرة للاقتصاد الصيني والشراكة الخليجية–الصينية (Zhang, 2022).
وفي الوقت نفسه ، تواجه واشنطن الصين في مجالات متعددة داخل الولايات المتحدة نفسها ، وفي أمريكا اللاتينية ، وحتى مع الدول الحدودية ال16 عشرة (Council on Foreign Relations, 2023) ، ولذلك تعمل الصين على تطوير رؤيتها لتشكيل تكتل عالمي يجمع دول الجنوب بهدف موازنة النفوذ الغربي ، وهو ما يظهر في توسع تكتل بريكس (BRICS) وقبول عضوية المملكة العربية السعودية فيه (Reuters, 2024) ، إن انضمام السعودية 🇸🇦 إلى بريكس يعكس تحولاً في تموضعها الدولي وسعيها لتبنّي سياسة خارجية أكثر استقلالية (Reuters, 2024) ، كما أن تراجع الثقة الخليجية في واشنطن — التىّ برزت بوضوح في الموقف القطري خلال الأزمات الإقليمية الأخيرة — يشير إلى توجه أوسع نحو التعددية القطبية (Al Jazeera Centre for Studies, 2023) ، بهذا ، يمكن القول إن ملامح نظام إقليمي جديد بدأت تتشكل ، قوامه التوازن بين الشرق والغرب ، والإعتماد المتبادل بين الإقتصاد والطاقة والسياسة .
توضح هذه الدراسة أن التحولات في العلاقات الأمريكية–الخليجية لم تكن وليدة اللحظة ، بل نتاج مسار طويل من التباينات في المصالح ، فبينما سعت واشنطن للحفاظ على تفوق إسرائيل النوعي ، وجدت دول الخليج نفسها مضطرة لإعادة النظر في تحالفاتها الأمنية والاقتصادية ، ومع صعود الصين وتوسع تكتل بريكس، باتت المنطقة أمام مرحلة جديدة تتسم بتعدد الأقطاب وتبدّل مراكز النفوذ ، فإن إستمرار هذا المسار سيجعل الأمن الخليجي مرتبطاً بدرجة أكبر بالتوازنات الدولية لا بالضمانات الأمريكية وحدها ، تحديداً بأن الصينيون يشتغلون بهدوء ، تماماً كما فعلوا مع حبة فول التى كسرت الإقتصاد أمريكي ! ، فالصين فعلياً توقفت عن شراء فول الصويا ، الأسعار أنهارت ، ومليون مزارع أمريكي على حافة الإفلاس ، خسارة واشنطن: 12 مليار دولار سنوياً ، فالقوة اليوم تُزرع في الحقول… لا تُطلق من المدافع…
منذ بداية العدوان في غزة بعد 7 أكتوبر 2023، خصصت الولايات المتحدة ما لا يقل عن 30 مليار دولار 💵 كمساعدات عسكرية لإسرائيل ، وفقاً لتقرير مشروع “تكاليف الحرب” في جامعة براون ، توزعت هذه المساعدات بين إدارتي بايدن وترمب ، حيث تم تقديم 17.9 مليار دولار في السنة الأولى و3.8 مليار دولار في السنة الثانية وبعدها 8 مليارات ، تشمل هذه المساعدات تمويلاً عسكرياً ، مبيعات أسلحة ، ودعماً إضافياً ، مما يجعلها الأعلى في تاريخ العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية ، فإسرائيل هي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التىّ تمتلك أسلحة نووية ، حيث يُقدّر مخزونها بين 90 و400 رأس نووي ، وتُعتبر إسرائيل 🇮🇱 عضواً غير رسمي في “النادي النووي” العالمي ، حيث تمتلك قدرة على إطلاق هذه الأسلحة عبر طائرات F-15 وF-16، صواريخ باليستية من طراز “جريكوا”، وصواريخ بحرية من غواصات “دولفين” ، في المقابل الأمور في تطور ملحوظ، حيث تسعى كل من الولايات المتحدة والصين وروسيا وأوروبا إلى بناء مفاعلات نووية على سطح القمر 🌑، بالفعل ، لقد أعلنت وكالة ناسا عن خططها لوضع مفاعل نووي على القمر بحلول الربع الأول من السنة المالية 2030، بهدف دعم استكشافات القمر وتوفير الطاقة للمهمات المستقبلية إلى المريخ وتعزيز الأمن الوطني في الفضاء ، في المقابل ايضاً ، صرحت الصين وروسيا عن خطط لبناء مفاعل نووي على القمر في إطار مشروع “محطة البحوث القمرية الدولية”، الذي يهدف إلى إنشاء قاعدة قمرية مأهولة بشكل دائم ، من المتوقع أن يتم تنفيذ هذا المشروع بين عامي 2033 و2035 ، حيث يتم تنّظيم الأنشطة على القمر بموجب معاهدة الفضاء الخارجي 🪐 ، التىّ تنص على أن جميع الأنشطة الفضائية يجب أن تُنفّذ وفقاً للقانون الدولي ، بما في ذلك ميثاق الأمم المتحدة 🇺🇳 ، وتعزيز التعاون الدولي والحفاظ على السلام والأمن الدوليين .
ومع ذلك ، تثير هذه المشاريع تساؤلات حول السيادة على الموارد القمرية ، حيث يُسمح للدول أو الكيانات الخاصة بامتلاك الموارد التىّ يتم استخراجها من الفضاء ، بشرط أن تتوافق مع القوانين الوطنية والالتزامات الدولية …
في عالم الإنسان ، تبدأ أعظم المشاريع بنوايا طيبة ، متعالية ، تهدف إلى خدمة البشرية وتحقيق المنفعة العامة ، لكن التاريخ يعلمنا أن النوايا الطيبة وحدها لا تكفي ؛ فهي غالباً ما تتحوّل مع مرور الوقت إلى أدوات نفوذٍ وقوة ، تعكس إرادة الأقوى أكثر من رغبة الإنسان في الخير ، فالمفاعل النووي السلمي لتوليد الطاقة ليس استثناءً ؛ فقد وُلد كمشروع لإشعال شعلة التقدم العلمي وتوفير طاقة نظيفة للبشرية ، لكنه لم يلبث أن أصبح رمزاً لمعادلات القوة على الأرض 🌍 ، وحتى امتدّ تأثيره إلى الفضاء الخارجي ، حيث أصبح مفتاحاً محتملاً للسيطرة على القمر ومسارات الوصول إليه (Sokolski, 2004) .
إن إمتلاك القدرة على بناء وتشغيل المفاعل النووي لا يعني فقط تفوّقاً تقنياً ؛ بل يفتح أبواباً لنفوذ سياسي واستراتيجي لا يستهان به ، يمنح الدولة صاحبة هذا التفوق سلطة غير مباشرة على مسارات التطور العلمي والاستكشاف الفضائي لعقود قادمة ، هنا ، حيث تتقاطع التكنولوجيا مع السياسة ، تصبح كل شحنة نووية ، وكل مفاعل ، ليس مجرد آلة للطاقة ، بل حجر زاوية في لعبة النفوذ الدولي ، حيث تتعانق المعرفة بالقوة ، ويصبح التقدم العلمي أداة للهيمنة بقدر ما هو وسيلة للرقي بالإنسانية (Rhodes, 1986) … والسلام 🙋♂ ✍
#مروان_صباح (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟