مروان صباح
الحوار المتمدن-العدد: 8482 - 2025 / 10 / 1 - 23:05
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
/ تفرض التداخلات بين النفوذ والعلاقات الدولية نفسها على المراقب ، مما يستدعي طرح تساؤلات أساسية ، في مقدمتها : ما الفائدة من هذه التداخلات ؟ وهل تكمن في الإلتقاء عند منتصف الطريق ، أم في التناقض ، أم ربما في تحقيق التكامل في القضايا الاقتصادية والسياسية ؟ ، هذه الأسئلة تبقى مفتوحة أمام كثافة وتشابك الملفات بين القوى الفاعلة في المنطقة والعالم ، (قنديل، 2020) ، فعلى سبيل المثال ، يمتلك الموقع الجغرافي لتركيا 🇹🇷 دوراً محورياً في صياغة إستراتيجيتها ، حيث يسعى الرئيس التركي أردوغان إلى تعزيز مكانة بلاده إقليمياً وأوروبياً ودولياً ، ومن هذا المنطلق ، تتعدد أشكال التبادل مع واشنطن ، سواء كان اقتصادياً ، استخباراتياً ، أو حتى على مستوى النفوذ السياسي ، في المقابل ، نظر الرئيس الأمريكي ترمب 🇺🇸 إلى العلاقة مع أنقرة بإعتبارها امتداداً لعلاقاته مع دول يعتبرها حليفة له على الصعيد الشخصي ، وهو ما أنعكس في عبارات الإطراء المتكررة التىّ خصّ بها أردوغان ، وعلى الصعيد الإقتصادي ، وبعيداً عن إتفاق إستيراد الغاز الأمريكي ، وقّعت تركيا اتفاقيتين بارزتين : الأولى مع شركة “بوينغ” لتزويد أسطولها الجوي بـ 225 طائرة ركاب ، والثانية مذكرة تفاهم للتعاون الإستراتيجي في مجال الطاقة النووية المدنية ، وهو ما يشكّل أولوية إستراتيجية لأنقرة ، إلا أن الخلاف ظل قائماً حول رفع الحظر المفروض على تزويد تركيا بمقاتلات F-35 الشبحية وF-16 ، خصوصاً بعد إخراجها من برنامج المقاتلات الأمريكية إثر شرائها منظومة الدفاع الروسية “إس-400” ، (The New York Times, 2017؛ BBC, 2019) ، وعلى المستوى السياسي ، ورغم إصرار إدارة ترمب ، كما الإدارات الأمريكية السابقة ، على تصنيف حركة “حماس” والفصائل الفلسطينية المقاومة كمنظمات إرهابية ، فإن أردوغان رفض هذا التصنيف ، مؤكداً أنها حركات وطنية تقاتل ضد الإحتلال من أجل تحرير الشعب الفلسطيني ، بل تجاوز ذلك إلى قطع العلاقات التركية مع إسرائيل على جميع المستويات ، وهو ما يعكس مرونة الدبلوماسية التركية وقدرتها على المناورة في إدارة الملفات الحساسة . (Al Jazeera, 2020؛ Yavuz, 2021)
في المحصلة ، نجحت تركيا في إستثمار اللقاءات المتعددة بين أردوغان وترمب في البيت الأبيض ، حيث وُضعت أسس للتفاهم والتعامل بين الطرفين ، وقد ألتزم الرجلان بهذه التفاهمات إلى حد بعيد ، بما حافظ على أجواء إيجابية سادت العلاقات الثنائية ، رغم الخلافات الجوهرية في بعض الملفات.(Öniş, 2020 …
وتشير التطورات الأخيرة في غزة 🇵🇸 إلى أن حجم الدمار والعمليات العسكرية تجاوز الوصف التقليدي للصراعات المحدودة ، بحيث باتت التقديرات تشير إلى إستخدام قوة نارية تقترب من تلك التىّ شهدها العالم في الحروب الكبرى (الأمم المتحدة، 2023) ، إن النتائج الإنسانية المترتبة على هذا التصعيد – من ضحايا مدنيين وتشريد واسع – مرشحة لأن تترك آثاراً طويلة الأمد ، ليس فقط على المستوى الفلسطيني ، بل على الإقليم بأسره ، هذا الواقع يفسر المخاوف الأمريكية من إعادة إنتاج الظروف التىّ مهّدت لظهور تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) وغيره من التنظيمات المسلحة في العراق وسوريا ، فقد أظهرت التجربة العراقية 🇮🇶 أن غياب العدالة السياسية والدمار الناجم عن الإحتلال وفّر بيئة مثالية لتصاعد موجات الجماعات(Gerges, 2016) ، والمقارنة بين التجربة العراقية وما يجري حالياً في فلسطين تكشف أن السياسات الإسرائيلية ، وما يصاحبها من دعم غربي ، قد تعيد إنتاج دوامة مشابهة (Pappé, 2006) من الإقتتال والعلميات .
إن إستمرار غياب موقف عربي–إسلامي موحّد قادر على فرض “فيتو” فعّال ضد الإنتهاكات الإسرائيلية ، يفتح المجال لخيارات أكثر راديكالية في مواجهة الإحتلال وأطماعه في المنطقة ، ويُفسَّر هذا جزئياً بالمساعي الأمريكية في سوريا ، حيث تسعى واشنطن إلى الحفاظ على قدر من الإستقرار عبر دعم النظام القائم في دمشق ، منعاً لانفلات الأوضاع في مناطق مثل شرق الفرات والجنوب السوري (Lynch, 2016) ، في المقابل ، أفضى غياب الدور العربي الفعّال عن العراق بعد 2003 إلى نشوء أربعة ملفات إقليمية مترابطة : تصاعد الحركات الجهادية في بلاد الشام والعراق ، تمدد النفوذ الإيراني عبر “الهلال الشيعي”، تفاعلات الربيع العربي ، وبروز القوى الانفصالية (Hinnebusch, 2020) ، هذه الديناميات الإقليمية تحاول دمشق استثمارها عبر تأكيد خطاب “وحدة سوريا” ومنع تكوين بيئة حاضنة للانفصال سواء لدى قوات سوريا الديمقراطية أو بعض المكوّنات الطائفية والإثنية الأخرى .
غير أن المعضلة المركزية تبقى في غياب إلتزام واضح من الولايات المتحدة وحلفائها بإنهاء الدعم العسكري والسياسي للقوى الانفصالية ، وفي الوقت نفسه منح الفلسطينيين حقوقهم الوطنية المشروعة (Khalidi, 2020) ، فإذا ما استُحضر العراق كنموذج ، نجد أن إنتقاله من “الخندق العربي” إلى “الخندق الإيراني 🇮🇷 ” لم يغيّر من موقفه العدائي تجاه إسرائيل 🇮🇱 ، ما يبرز أن معضلات المنطقة الأساسية تتمحور حول ثلاث قضايا : الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي ، مسألة وحدة الدول الوطنية ، وأزمة الفساد السياسي–الاقتصادي–المالي (Dodge, 2018) …
لم يكن الأمر مألوفاً لدى السوريين في السابق ، إذ كان من الصعب تصور حدوثه ، غير أن زيارة أحمد الشرع إلى الولايات المتحدة شكّلت خطوة مهمة نحو تعزيز مكانة النظام السوري الجديد على المستوى الدولي ، ومع ذلك ، فإن إبرام إتفاق أمني مع الإسرائيليين يبدو غير ممكن قبل إنهاء العدوان على قطاع غزة أولاً ، وهو ما يضع شرطاً أساسياً أمام أي مسار تفاوضي محتمل ، (انظر: تقرير مركز الدراسات الدولية، 2023؛ رويترز، 2024) ، من جهة أخرى ، يسعى الإسرائيليون إلى ضمان إستمرار إحتلالهم للأراضي السورية بالتوازي مع تحقيق إستقرار أمني طويل الأمد ، الأمر الذي يمنحهم مساحة زمنية أوسع لتغيير الوقائع الميدانية لمصلحتهم ، في المقابل ، يجد الشرع والأتراك أن هذا الإتفاق ضروري لترتيب الوضع الداخلي السوري ، بما يضمن تقليل الضغوط الإقليمية والدولية . (انظر: معهد الشرق الأوسط، 2022).
وفي سياق متصل ، إذا كان المجتمع الدولي يتحدث عن خطر الفصائل الفلسطينية دون التطرّق إلى الإرهاب الاستيطاني ، أو يناقش الجماعات الجهادية المسلحة في سوريا دون الإلتفات إلى ممارسات القوى الانفصالية ، فإن ذلك كله يصبّ في مصلحة إسرائيل ويخدم المشروع الاستعماري في المنطقة ، وتؤكّد التقارير الإستخباراتية أن قوى انفصاليّة مثل “قسد” وبعض المجموعات الدرزية الموالية لتل أبيب تعمل على إتباع إستراتيجية جديدة تقوم على تجنيد عناصر إضافية لتعزيز قوتها البشرية ، بالإعتماد على الدعم المالي القادم من الإحتلال ، وذلك بترتيب مع شخصيات مرتبطة سابقاً بنظام الأسد ، (انظر: الأمم المتحدة، 2023؛ الغارديان، 2024) …
بين النبرة التصعيدية أو التهديدية ، وما يقابلها من أصوات تحمل الخنوع واليأس أو حتى العتاب ، يبقى المشهد العربي–الإسلامي أقرب إلى إستعراض مواقف متناقضة أكثر من كونه امتلاكاً لأوراق ضغط حقيقية ، وفي المقابل ، ما زالت الولايات المتحدة تتربع على المسرح الدولي ، ممسكة بخيوط المصالح ومتحكمة في مسارها بما يخدم استراتيجياتها (فوكوياما، 2020) ، وعلى سبيل المثال ، سعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى إغلاق ملف بنك 🏦 “خلق” الحكومي ، الذي يواجه إتهامات أمام القضاء الأمريكي بخرق العقوبات المفروضة عبر التعامل مع إيران 🇮🇷، غير أنّ هذا المسعى فتح المجال لواشنطن لإستثمار الملف سياسياً ، حيث أعاد البيت الأبيض تسليط الضوء على قضية معهد “هالكي” الأرثوذكسي اليوناني في إسطنبول ، وما إرتبط به من جدل حول لقب البطريرك برثلماوس ودوره بين اليونانيين في تركيا (BBC، 2021؛ الجزيرة، 2020) ، ومع ذلك ، فإن مثل هذه الملفات ، على أهميتها السياسية والاقتصاديّة ، لا تضاهي في خطورتها الخطوات الأمريكية المتعلقة بالقضية الفلسطينية والعربية ، فقد أعترفت واشنطن بالقدس والجولان كأراضٍ إسرائيلية ، ووفرت غطاءً سياسياً لتوسّع المستوطنات في الضفة الغربية والعدوان على قطاع غزة ، في خرق واضح للقانون الدولي والإنساني والقرارات الأممية ذات الصلة (الأمم المتحدة، 2019؛ بروكنجز، 2021).
يتضح أنّ المشهد العربي–الإسلامي ما زال أسير ردود الأفعال ، بينما تتحرك الولايات المتحدة بمرونة في إدارة الملفات الدولية وفق مصالحها ، وبينما تنشغل الدول الإقليمية في قضايا ثانوية مثل “بنك خلق” أو “هالكي”، تمضي واشنطن في ترسيخ سياسات أكثر خطورة على القضايا المصيرية ، وعلى رأسها القضية الفلسطينية ، وهذا التباين يكشف الحاجة الملحّة إلى موقف عربي–إسلامي موحد وفاعل ، بعيداً عن التشتت بين نبرات التصعيد والخضوع ، وبعيداً عن الإستمرار بالمراوحة داخل الفوضى دون أن يجد مساره خارج حدودها … والسلام 🙋♂ ✍
#مروان_صباح (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟