يحيى نوح مجذاب
الحوار المتمدن-العدد: 8488 - 2025 / 10 / 7 - 04:51
المحور:
الادب والفن
لا تعوزه التجربة، ولا القدرة على امتلاك ناصية الحديث، فالكلمات قد يتلاعب بمفرداتها ويطوعها حسبما يمليه عليه فكره، أو تسبح فيه أحلامه في فضاءاته اللانهائية، لكنه كان دوماً يضع للأخلاق، وعرف المجتمع المعايير الكثيرة.
إنه يحس أحياناً أنه معرّى من ملابسه عندما تقفز من بين شفتيه كلمات يتوق لإلقائها في أذن الأنثى، لكن حرمة المكان تقشر جسده وتنزع عنه كل رداءاته كبصلة يابسة.
لقد بنى الكثير مع هذه المرأة البلهاء، ولم يدخل معها كما يفعل الفاسقون المحترفون، بل أقام العلاقة معها لبنة لبنة حتى لا يتهدَّم البناء، ولا تصاب على حين غرة، لكنها تبدو أنها لا تفهم الأشياء إلاّ بمسمياتها، والطريق من نهايته.
لقد صعق حقاً عندما أرادته أن يرجع القهقرى إلى الوراء،
والذي بناه؟!
وأحلامه؟!
إنه لن يكترث ـ رغم ألمه ـ فلقد عركته التجارب، ولم يعد في قلبه مكان هوة ليسقط فيه.
طلبت منه الجلوس فأبى، فهناك عيون تتربص وأصابع تشير. كررت عليه القول مرات ومرات، لكنه أصرّ أن يقف بجانبها فقط، فعلى الأقل ستكون أنفاسها قريبة منه في لقائهما الأخير.
كان وجهها شاحباً، فقد خلا تماماً من مساحيق التجميل.
إنها تنظر بلا اكتراث رغم مجاملتها المتصنعة.
لقد كان حسّاساً، وهو الرجل الذي يأبى أن يكون ثقيل الظل.
بعد حديث مقتضب أيقن أنها راجعت نفسها واختطت لنفسها طريقاً آخر، وأن ما سيفعله لن يوصله سوى إلى البداية من جديد.
ألقى عليها تحية الوداع وغادر دون أن ينظر إلى عينيها.
إنه يتجنب ضعفه عندما تمتلئ مآقي العيون بلآلئ الدمع في لحظة القطيعة.
كان يريد أن يسبق الطريق بخطواته المحتدمة،
فعند حافة المسافات البعيدة هناك امرأة أخرى تنتظر من جديد.
-------------------------------------
* كتبت قبل أكثر من نصف قرن
#يحيى_نوح_مجذاب (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟