أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة النوارزمية : فصلُ النورِ وحُجَّةُ الخوارزمِ .














المزيد.....

مقامة النوارزمية : فصلُ النورِ وحُجَّةُ الخوارزمِ .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8487 - 2025 / 10 / 6 - 13:31
المحور: الادب والفن
    


حدثنا شيخنا أبو الفنون فقال : سِرْتُ في هذا الزمانِ الذي تَهادى فيهِ النورُ عن القُلوبِ , وغَدَتْ فيهِ الخوارزمياتُ تُطاردُ الفنَّ في كُلِّ الدروبِ , فإذا بي أَرى العُقولَ في حَيرةٍ وجدال , بينَ سُلطانِ الآلةِ وسِرِّ الجَمالِ , فَهَلْ ما تَنسُجُهُ الشاشةُ يُسمَّى فَنّاً , أمْ يَبقى الفنُّ مَنسوجاً بِالرُّوحِ , ولو كانَ مُنهالاً منَّا ؟ وقالَ أبو الفنونِ: وبينما الأسئلةُ تتسارعُ كالأكوادِ وتتشابكُ كالأورادِ , ظَهَرَ لنا مشروعٌ مِن صَميمِ القَلَقِ الإنسانيِّ , وهو ما سُمّيَ بِـ (( النوارزميةِ )) التي تَجمعُ النورَ الأبديَّ والخوارزميةَ في فُلكٍ سَرمديِّ , لِتُعيدَ للرَّسمِ والبَيانِ توازنَهُ المَفقودَ , وَوَعيَهُ المَشهودَ , وَمَعناهُ المَعهودَ , فانعَقَدَ المَجلسُ في دِيارِ ديالى الأثيرةِ , بجَمعيةِ الدكتور تحسين طه أفندي الكَبيرةِ , واجتمعَ فيهِ الحَشْدُ من أربابِ البلاغةِ والقلمِ , والفَنِّ والريشةِ , مُصغينَ إلى رُؤيةِ الأستاذِ الدكتورِ سَقاهُ اللهُ مِن مَنهَلِ العِلمِ صافي العَذْبِ والوَلَفِ , فما كانَ الدكتورُ داعياً إلى نَبْذِ التقنيةِ العَمياءِ , ولا مُنادياً بِرَفْضِها في صَميمِ الأحشاءِ , بلْ دَعا إلى ترويضِها بِالوعيِ الجَماليِّ المُطْلقِ , لِيَبقى الإنسانُ هو المِحورَ الذي لا يَخْتلِقُ , ولِيَظلَّ الفَنُّ فِعْلاً من أفعالِ الرُّوحِ الحَيَّةِ , لا نَتيجَةً من نتائجِ الخوارزمياتِ الآلِيَّةِ.

حدثنا أبو الفنون, راوي الزمانِ, عن حالِ العصرِ وبيانِ الأكوانِ, قال : أَلفيتُ نفسي أَطوفُ في زَمنٍ عَجيبٍ , غَدَتْ فيهِ التَّقنيةُ للرُّوحِ قَريبٌ , فاجتاحتِ الخوارزمياتُ دِيارَ الإبداعِ بجيوشِها المَرْمَوقَةِ , وتَشابكتِ الأكوادُ على الأفكارِ المَرمُوقَةِ , حتى باتَ السَّائِلُ يتساءلُ بِلَسانِ الهَمِّ والقَلَقِ : هَلْ ما تَصنعُهُ الآلةُ يُحسَبُ في سجلِّ الفنِّ الخَلُقِ؟ وأينَ مَنزِلَةُ الرُّوحِ الإنسانيةِ الوَقورِ , مِن هذا الفيضِ الرَّقميِّ الجَسورِ؟ ثم أضاف أبو الفنونِ : فتَسارَعَ القومُ بَعدَ المَقالةِ بِالخَواطِرِ, وتَنادَوْا بينَ مُتفائلٍ وخائفٍ ومُكابِرٍ, فَفَريقٌ تَملَّكَتهُ الرَّهبَةُ من سَيلِ الذكاءِ المُصْطَنَعِ الطاغي, وخَشُوا هيمنتَهُ على الإبداعِ الباقي , وفريقٌ آخرُ رأى في الآلةِ يداً مُساعِدةً وخَزائِناً مَمدودةً , لِتَسْخيرِ إمكاناتِها الواسعةِ لِصالِحِ الرُّوحِ الإنسانيةِ المَوعودةِ , وَلإطْلاقِ الخَيالِ إلى مَدياتٍ سابِقةٍ وخَلفِيَّةِ , فيا لَهُ مِن جَدَلٍ مُحتَدِمٍ , في زَمنٍ قدْ أضحى فيهِ الإبداعُ إمّا نوراً بَصيراً , أوْ خوارزميةً تَحسِبُ وتُديرُ وتباركَ الذي جَمعَنا على هذا الحَديثِ , في مَحْفِلٍ بَيِّنٍ لا يَشوبُهُ البَخيثُ.

فلمَّا عَظُمَ الهَمُّ واشتدَّ الجدالُ على المَدى , في مَحْفِلُ ديالى ونَشأةُ الرُّؤيةِ , نَزَلَ الرَّكْبُ مَنزلَ الدكتور تحسين بَغيةَ الهُدى , في صَرحِ الفنّانينَ المُشَرِّفِ الشَّأنِ , مُصغِينَ إلى مَقالَةٍ زَلْزَلَتْ أركانَ البُنيانِ , خُطبةُ الأستاذِ الدكتورِ ذي الباعِ الواسعِ في العِلمِ والمَعرفةِ والجَنَفِ , أذ جاءَ الدكتورُ بِبِكرةٍ سَمَّاها (( النوارزميةَ )) المُشرِقةَ الوَجْهِ , وهيَ لَقاءُ النورِ الأزليِّ بالخوارزميةِ المُنيرَةِ لِلوَجهِ , هيَ المُوازَنةُ بينَ الإلهامِ الصَّاعِدِ مِن أعماقِ النُّفوسِ , وبينَ المُعادلةِ الهندسيةِ التي تَخْضَعُ لِكُلِّ دُروسِ , طَامِحاً في إِعادَةِ التَّوازُنِ إلى الفنِّ الذي مالَ وَجنَبَ , وإلى إحياءِ وَعيِهِ الذي كادَ أن يَذهبَ.

ولم يكنْ دعاؤهُ إلى عَدَمِ القَبولِ بالآلاتِ والمَعادِ , أو إلى رَفضِ التَّقنيةِ في حَضرِ البلادِ , بَلْ كانَ نِداءَهُ إلى مَركزيةُ الرُّوحِ وتَرويضُ التَّقنيةِ بِسَوطِ الوَعيِ الجَماليِّ الرَّفيعِ , لِيَظلَّ الإنسانُ هو القُطبَ الذي يَجمَعُ ولا يَضيعُ , فالفنُّ عندَهُ ليسَ نِتاجَ صَناعةٍ رَقْميةٍ بارِدَةٍ , ولا خُطواتٍ مَنطِقيةٍ مُتَوالِيةٍ شَاردَةٍ , بَلْ هو فِعلٌ رُوحيٌّ يَصدُرُ عن جوهَرٍ, ونَفْخَةُ إبداعٍ تَسْكُنُ في أعمَقِ مَخْبرٍ.

ولمَّا انقضَتْ مَقالةُ الحكيمِ , وانقسم النَّاسِ بينَ الفَزعِ والأملِ , وماجَ المَجلسُ بالفَهمِ السَّليمِ , انبرى الحُضورُ في جَدَلٍ لا يَنقَضي , بينَ خَوفٍ مُتَرَسِّخٍ ورَجاءٍ مُفْضي , فَريقٌ تَملَّكتهُ هواجِسُ الهَيمنَةِ والغَلَبَةِ , وخَشيَ أنْ يَصيرَ الإبداعُ أسيرَ بَرْمَجَةٍ ورَقَبَةٍ , وأنْ تَفقدَ البَشَريةُ زِمامَ قُدْرَتِها , وتُسلِّمَ الفنَّ إلى الآلةِ في حُجْرَتِها , وفريقٌ آخرُ رأى في الذَّكاءِ الاصطناعيِّ سبيلاً مَفْتوحاً , ورُوحاً جديدةً للعَقلِ مَمنوحاً , يَسعى إلى تَسخيرِ هذهِ القوَّةِ الهائِلةِ , لِإطلاقِ الخَيالِ إلى مَدياتٍ شاسِعَةٍ ونائِلَةٍ , جاعِلاً من الآلةِ خادِماً لِلإنسانِ ومُعينَهُ , لا سَيِّداً يُحرِّكُهُ ويُهيمنُ على يَمينِهِ ويَمينَهُ , وختامُ القَولِ, فيا لَها من رُؤيةٍ جمعتْ بينَ النورِ والخوارزمِ , رُؤيةٌ تُنيرُ لنا دَربَ التَّحدّي في هذا الزَّمنِ المُلغَزِ والمُبهَمِ .

صباح الزهيري .






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة (( لعم )) .
- مقامة الخطو وحيدا .
- مَقَامَةُ إِخْوَانِ الصَّفَا وَخِلَّانِ الوَفَا .
- مقامة رماد القدر.
- مقامة الأباطيل والأكاذيب : حين يكتب السيف .
- مقامة مال السُّوَّال .
- مقامة معادن غريبة .
- مقامة الخذلان .
- مقامة حب كونفوشيوس .
- مقامة المهذب الرقيق .
- مقامة نباح المناهج وذبابها : أدب المقاومة الفكرية.
- مقامة أموت نظيفًا .
- مقامة حمالة الحطب : من شرر الشوك إلى رماد الأمة .
- مقامة عروس غاندي .
- مقامة حكمة قَعْنَب .
- مقامة الدگة الخزعلية : بين الوشم والغدر.
- مقامة ديالى شقائق النعمان .
- مقامة الطروس .
- مقامة النقيق في قاع بئر: العراق بعد 2003.
- مقامة فلسفة الفقر .


المزيد.....




- اليونسكو تختار مديرا عاما يقودها في مرحلة بالغة الصعوبة
- فيلم تايلور سويفت يعتلي صدارة شباك التذاكر متفوقا على -معركة ...
- لوحاته تجوب أوروبا.. لماذا لجأ فنان من غزة للرسم على الكراتي ...
- لوحاته تجوب أوروبا.. لماذا لجأ فنان من غزة للرسم على الكراتي ...
- جغرافيون مجتمعون في فرنسا يناقشون ترامب و-إعادة كتابة الجغرا ...
- سوريا: تشكيل أول برلمان منذ إطاحة الأسد وسط انتقادات لآلية ا ...
- ثقافة الامتحانات.. أما آن الأوان لإعادة التفكير فيها
- الجبهة الثامنة.. حرب الرواية
- مسرحية لمحمد هنيدي و3 مسرحيات سورية في موسم الرياض 2025
- هل ينجح برلمان سوريا الجديد في اختبار الشرعية والتمثيل؟


المزيد.....

- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت
- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة النوارزمية : فصلُ النورِ وحُجَّةُ الخوارزمِ .