|
طوفان حماس.. بين تحرير الأراضي والمقدسات والوصاية على غزة
سليم يونس الزريعي
الحوار المتمدن-العدد: 8487 - 2025 / 10 / 6 - 09:51
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عامان وشعبنا تحت النار فيما هو يواجه حرب إبادة موتا مجانيا وتجويعا وتهجيرا ، جراء ما عاشته غزة من نكبة مستمرة وما تزال، وصولا للضفة الغربية، وإذا كان استمرار المحرقة مرتبطا بشكل أساسي بقضية الرهائن، أليس مثيرا للاستغراب أنها قد انتهت بهذه السهولة، بأن وافقت حماس على إطلاق سراح كل الرهائن أحياء وأمواتا مرة واحدة دون مماطلة أو مراوغة، وفق خطة السمسار ترمب؟. مقارنة بتعاملها مع الخطط السابقة. ألم تكن تعي أن الوقت من دم؟!
سؤال مشاكس.. هذا التصرف يستدعي سؤالا أخلاقيا مشاكسا قد يبدو سؤالا افتراضا ، لكنه ضروري أكثر وأهم وهو، ماذا لو أطلقت حماس سراح الرهائن منذ عام ونصف أو أكثر، كما طالبها البعض بذلك على قاعدة درء المفاسد أولى من جلب المصالح ؟ ولماذا لم تقم حماس بذلك منذ البداية وتجنب أهل غزة هذه النكبة غير المسبوقة التي أعادت القطاع وأهله على كل الصعد عقودا إلى الوراء؟ هنا وبعيدا عن أي سوء فهم في سياق هذا العصف الذهني نتساءل، إذا كانت كل الأمور تقاس بنتائجها مقارنة بأهدافها، فكيف نوصف وضع القطاع تحت الوصاية الدولية وفق خطة ترمب؟ كأحد النتائج المبهرة لطوفان حماس، هل نضعه في خانة الإنجازات؟ أم الخسائر؟ وماذا عن أهداف الطوفان؟ وهل كانت القدس والأقصى ستحرر من أنفاق عزة؟ ثم هل تحررت الضفة والقدس والأقصى؟! أم دمرت غزة؟
الخطة وحتى نقارب أهداف طوفان حماس كما أعلنت يوم 7 أكتوبر، بما ستؤول إليه الأمور في القطاه باعتباره غنيمة حرب، يجب أن نعرف ماذا تقول هذه الخطة؟ تنص خطة السمسار ترمب أنه ”بعد إطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين، سينسحب جيش الاحتلال من مناطق القتال، لكنه سيبقى في قطاع غزة، ووفقًا للخطة، ستقف قوات الجيش الصهيوني على “الخط الأصفر”. وبعد دخول القوات الأجنبية إلى القطاع (قوات الوصاية)، وهي عملية ستستغرق شهورًا وفقًا للخطة، سينسحب الجيش الإسرائيلي إلى ما يُسمى “الخط الأحمر”، مع تسليم السيطرة إلى قوة عربية أجنبية تعمل بتكليف أمريكي. وفي المرحلة النهائية، سينسحب الجيش الإسرائيلي من القطاع ويتمركز في المنطقة العازلة التي تحيط بالقطاع، على امتداد 62 كم²، لتشمل مناطق حدودية لمنع عودة السكان وتعزيز سيطرة الكيان. أي أن (17% من مساحة غزة)، ذهبت غنيمة حرب للكيان الصهيوني من الطوفان. وتشمل، المساحة المحيطة بالقطاع، ومحور فيلادلفيا على الحدود المصرية.، وتلة السبعين. (المعروفة باسم تلة المنطار شرق غزة)،
أهداف الطوفان هنا يبدو مهما أن نستحضر أهداف طوفان حماس التي أعلن عنها رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، الذي قال "هو تحرير الأراضي الفلسطينية والمقدسات والأسرى، وأن غزة اليوم تمسح عن الأمة عار الهزائم وعار السكون والهزيمة. وتنبأ هنية، أن عملية "طوفان الأقصى" بدأت من غزة وسوف تمتد إلى الضفة والقدس والـ48 وأيضا إلى شعبنا في الشتات". لكن خطاب هنية الشعبوي العاطفي الذي يعكس حالة غير موضوعية من تضخيم الذات لم يكن يستند إلى معطيات واقعية، وإلى تقدير علمي صارم للموقف، وتعامل مع الأمر كأنه "فزعة" وفي اتجاه واحد، ليبقى خطاب هنية مجرد هتاف، لكنه تحول بصرف النظر عن النوايا إلى خراب غير مسبوق شمل الضفة وغزة ودول الجوار ، ويبدو هنا صائبا تماما وتجاوز لحالة التقديس المراوغ لمفهوم المقاومة، ما قيل إلى حماس في أحد اجتماعات الفصائل في أغسطس الماضي في القاهرة، من أنه حتى الآن "لم نستطع استثمار(الطوفان) في تحقيق أي إنجاز لشعبنا، ويجب ألا تتحول الى نكبة بفعل الانقسام والتشظي وسوء الحالة العربية وعدم التقاط الفرصة باللحظة المناسبة". بل إنه تجاوز ما كان يعتبر خطا أحمر لدى حماس، عندما قال إن العدو "حول الطوفان ، من تهديد إلى فرصة للكيان الصهيوني لحسم الصراع، وتهجير شعبنا وتصفية القضية الفلسطينية، ويسعى لتحويل 7 أكتوبر إلى لعنة".
فرصة ولعنة نعم كانت للأسف فرصة للعدو، لكنها في الوقت نفسه لعنة على أهل غزة والضفة، تؤكدها وقائع تدمير غزة بشرا شجرا وحجرا وبنية تحتية وما لحق بالضفة ولبنان وسوريا وإيران، توجت بخطة وصاية على عزة، قبلت من طرف حماس بكل ما بها في زمن قياسي خلافا لكل الخطط السابقة، مع أن الخطة تعاملت مع حوامل المقاومة من الفصائل كقوى إرهابية، لكن يبدو أن عرابي حماس من الدول التي تقوم بدور الوساطة قد اقنعتها أن الحصول على مقعد على مائدة الرئيس ترمب الافتراضية هو الاستثمار الأمثل، وأنه لا عزاء إلى عشرات الآلاف من شهداء غزة الذين اعتبرهم أحد سكان الدوحة من قادة حماس "خسائر تكتيكية" للأسف.
الأهداف والخطة ومع ذلك من غير الممكن الإحاطة ببؤس الواقع دون قراءة مشاكسة لخطة ترمب، التي تهدف إلى هندسة وضع العقل الغزي، كأحد التجليات المباشرة للطوفان، دون مقارنتها بأهداف الطوفان المعلنة صباح 7 أكتوبر التي كانت مجرد هتاف بلا معنى ، وللأسف وقع بعض الشعب على ضوئها ضحية خدعة تضخيم الذات، فصدق ما قيل عن التحرير والعودة، وهو يرفض حتى الآن النزول عن الشحرة ، في حين أن غزة تعيش نكبة غير مسبوقة، ومع ذلك، قإن النقطة الأولى في خطة ترمب تستهدف وعي الشعب وذاكرته، كي تُصبح غزة وفق ما زعمت الخطة منطقة خالية من التطرف والإرهاب، ولا تشكل تهديدًا على جيرانها.
غزة تحت الوصاية..! لكن غزة الحرة المستقلة التي هي جزء من الدولة الفلسطينية التي كانت أول الرصاص، وأول الحجارة، ستفقد حريتها واستقلالها، وبدل التحرير للضفة والقدس والأقصى، ستوضع غزة الحرة تحت الوصاية حيث ستُدار مؤقتًا عبر لجنة فلسطينية مهنية غير سياسية، تتولى إدارة الخدمات العامة والبلدية. ستتألف اللجنة من فلسطينيين مؤهلين وخبراء دوليين، وتخضع لإشراف كيان دولي جديد – “مجلس السلام” – برئاسة الرئيس ترمب، إلى جانب زعماء آخرين، من بينهم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير. سيتولى هذا الكيان وضع الإطار العام وتنسيق التمويل لإعادة إعمار غزة حتى تُنجز السلطة الفلسطينية برنامج الإصلاح وتتمكن من استعادة السيطرة على غزة.
لا لحماس والمفارقة أنه حتى حماس نفسها وكل الفصائل ستلتزم بعدم المشاركة في الحكم في غزة. وستُدمّر كافة البنى التحتية لما سمته الخطة "الإرهاب والقتال"، بما في ذلك الأنفاق ومرافق تصنيع السلاح، ولن يُسمح بإعادة بنائها. وسيُنفَّذ نزع السلاح تحت رقابة دولية، ويشمل تدمير الأسلحة ضمن آلية متفق عليها، إلى جانب برنامج شراء الأسلحة وإعادة دمج المقاتلين، بتمويل دولي. وستعمل الولايات المتحدة مع شركاء عرب ودوليين على تشكيل قوة استقرار دولية مؤقتة (ISF) تبدأ عملها فورًا في غزة. ستقوم هذه القوة بتدريب ودعم قوات شرطة فلسطينية مختارة، بالتنسيق مع الأردن ومصر. وستكون هذه القوة حلًا أمنيًا داخليًا بعيد المدى، وتعمل مع إسرائيل ومصر لتأمين الحدود ومنع تهريب السلاح. ليس هذا فحسب ، وإنما سيجري وفق الخطة تخطي حماس أفي حال أخرت أو رفضت الاقتراح، فسيُوجَّه الدعم فقط إلى المناطق التي نُزِعت منها الأسلحة، والتي تُسلَّم من الجيش الإسرائيلي إلى ISF.
كي وعي وفي سياق كي الوعي سيُنشأ إطار حوار ديني بين الأديان قائم على التسامح والسلام، لتغيير المفاهيم والسرديات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتسليط الضوء على فوائد السلام. وهذا أخطر ما في مؤامرة ترمب، كونها تستهدف محو التاريخ والذاكرة الفلسطينية، ولكن هيهات، فغزة هي فلسطين، وفلسطين هي غزة.
سؤال المسؤولية وهنا أظن أنه يجب استحضار السؤال الأهم، وهو من يتحمل مسؤولية نتائج نكبة غزة؟ وبالطبع ليس فقط الأداة التي نفذت وهي العدو الصهيوني، ولكن أيضا من منحها الفرصة بسوء تقديره، وعدم قيامة بما يلزم لحماية أهل غزة، وهو الذي كان سلطة الأمر الواقع، الذي مكن العدو من هذه الفرصة، دون بحث لكل السيناريوهات المتوقعة، وربما بؤس منطق حماس يكشفه ما قاله موسى أبو مرزوق "لو كنا نعرف أن هذا سيحصل، ما كنا لنوافق على عملية الطوفان" والسؤال أليس هذا المنطق يعكس استهتارا، وغياب للحس بالمسؤولية والكفاءة؟، نقول هذا ليس من أجل تصفية حساب ما مع جهة معينه، وإنما حتى لا تتهم المقاومة وحواملها بأنهم بدون عقل عاقل، ولأن شرط النزاهة الفكرية والسياسية والأخلاقية يقول ذلك، لأن الأمر يتعلق بالشعب والقضية، وحتى لا يخرج علينا بعد ذلك، من يصور الطوفان أنه كان انتصارا للشعب والقضية، في حين أن الوقائع تكذب ذلك، كون المعطيات بعد عامين على طوفان حماس، تقول إن إحدى نتائج الطوفان ليس فقط هو ما حل بالشعب الفلسطيني في غزة والضفة، بل وفي انقلاب صورة المشهد الجيوسياسي في المنطقة رأسا على عقب، مما جعل الكيان الصهيوني يتبجح بأنه غير منطقة الشرق الاوسط لصالح مشروعه التوراتي، أي ما يسمى اسرائيل الكبرى.
كلمة أخيرة من المهم هنا التأكيد أن المقاومة بكل أشكالها ليست هدفا في حد ذاتها، وإنما هي تُمارس من أجل تحقيق هدف سياسي مشروع، وهذا ما يميز المقاومة عن أي فعل عنف آخر. وإلا جرى توصيف الفعل بأنه فعل عبثي وربما وُسم الفعل بالإرهاب. وقد يكون تحقيق الهدف السياسي ضمن سياق سقف زمني منظور، وقد يكون هدفا استراتيجيا ويتحقق فيه الهدف عبر قانون التراكم. والمقاومة وفق هذه المقاربة، ليست قيمة في ذاتها، ولكنها قيمة بتحقيق أهدافها، ولذلك ستبقى المقاومة الفعل والأدوات خيارا وليس قرارا فلسطينيا دائما ما دام الاحتلال قائما حتى يحقق الشعب الفلسطيني أهدافه كاملة غير منقوصة .
#سليم_يونس_الزريعي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طوفان حماس.. أي حصاد؟!
-
حماس بين خياري إنقاذ الذات.. أو إنقاذ أهل غزة
-
أهل غزة ما بين حرب الإبادة وخطة الوصاية..!
-
في التضاد بين الدولة المدنية والمجتمعات الريعية
-
إعلان نيويورك.. بين الدولة القيمة المطلقة، والدولة الافتراضي
...
-
جدلية العلاقة بين ثابت المقاومة ومتغير الحوامل
-
شرط الاحتلال..يستوجب شرط المقاومة.. حتى النصر
-
صمت قاعدة العيديد يكشف أن.. -المتغطي بأمريكا عريان-
-
الوعي النقدي يحرر الإنسان
-
مقاربة في القضية الفلسطينية وثوابت الأرض والإنسان والمقاومة
-
القضية الفلسطينية وثابت الأرض والإنسان والمقاومة
-
ماذا سيبقى من القضية لو ضاعت الضفة الغربية؟
-
هل فات الوقت على تجنيب غزة -أبواب جحيم كاتس-؟
-
حتى لا تكون غزة رفح أخرى.. الكرة في ملعب حماس
-
مفاوضات الدوحة.. تجربة لبنان كاشفة!
-
المثقف.. النقد دور وليس خيارا
-
هل يكون العدوان على إيران حافزا.. عِوض أن يكون رادعا؟
-
بين دراما النووي الإيراني.. وترسانة الكيان الصهيوني النووية.
...
-
نتنياهو.. لا أعرف متى ستنتهي العملية العسكرية في إيران؟
-
فلسطين هي القبلة.. وإن طالت الهجرة
المزيد.....
-
مسيرة أحمد طالب الإبراهيمي من جمعية العلماء المسلمين إلى وزا
...
-
من هو المصري الذي فاز برئاسة اليونسكو؟
-
نزوح جديد في غزة.. عائلات تُقيم خياماً على شاطئ دير البلح هر
...
-
فريق دراجات إسرائيلي يتخلى عن هويته عقب تصاعد الاحتجاجات الم
...
-
ما أبرز إنجازات وإخفاقات إسرائيل بعد عامين من حربها على غزة؟
...
-
أسطول -الضمير- يواصل إبحاره نحو غزة رغم التهديدات باعتراضه
-
أولمرت: ترامب يمكنه وقف الحرب إن أراد ونتنياهو لا يستطيع مخا
...
-
ورشة عمل في الدوحة تناقش خطة العمل الوطنية للأمن الصحي
-
عامان من الإبادة.. أطفال غزة بقبضة الموت تجويعا ومرضا
-
منظمة الصحة: 15 مليون قاصر في العالم يدخنون السجائر الإلكترو
...
المزيد.....
-
حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
جسد الطوائف
/ رانية مرجية
-
الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025
/ كمال الموسوي
-
الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة
/ د. خالد زغريت
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|