أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - بشار مرشد - الزمن الرقمي… يفضح النفاق














المزيد.....

الزمن الرقمي… يفضح النفاق


بشار مرشد
كاتب وباحث

(Bashar Murshid)


الحوار المتمدن-العدد: 8485 - 2025 / 10 / 4 - 17:22
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


مقدمة: المسرح الرقمي للأقنعة

لم يعد النفاق يحتاج إلى مهارة في التمثيل أو براعة في تبديل الوجوه، فقد وفّر له الزمن الرقمي شاشة وفلترًا وصندوق تعليقات. في الماضي، كان المنافق يتعب قليلًا ليبدو صالحًا أمام الناس، يختار كلماته بعناية، ويتظاهر بالاتزان. أما اليوم، فيكفيه "تغريدة" ليُعلن مبدأه، و"منشور" ليُلغي تصريحاته بعد ساعة، ثم "اعتذار" ليعود محبوبًا كأن شيئًا لم يكن.

وقد أصبح الإعلام الرقمي المرئي والمسموع والمكتوب، بما فيه السوشال ميديا، السوق الأكبر لتجارة الأقنعة. يبيعون فيها المواقف كما تُباع الصور المعدّلة: ضوء ناعم، زاوية مناسبة، وإخفاء للعيوب بخاصية الحذف. لكن المفارقة أن هذا الفضاء، رغم كل ما فيه من تزوير، لا ينسى شيئًا؛ فذاكرته حديدية، وأرشيفه لا يرحم. كل تلوّنٍ مسجّل، وكل تناقض محفوظ، وكل "أنا" قديمة تنتظر لحظة فضيحتها القادمة.

النفاق الجماعي:

في هذا العالم الرقمي، لم يعد النفاق حكرًا على الأفراد؛ بل أصبح رياضة جماعية. الجماعات، والصفحات، وحتى الحسابات الوهمية، تتقافز على موجة المواقف، تتبدل مع كل هاشتاغ، وتتناوب على دعم القضايا أو مهاجمتها بحسب "التيار السائد". لم تعد هناك مبادئ ثابتة، بل "مبادئ حسب المزاج"، وحين تنقلب الريح، ينقلبون معها بابتسامة مصطنعة وصورة ملف شخصي جديدة.

محترفو النفاق:

أما في طبقة النفاق الاحترافي، فالأمر صار عرضًا فنيًا متقنًا: كالسياسيين السابقين والوزراء الذين لم يعد لهم صوت إلا حين يلتقطهم ميكروفون، والإعلاميين المتنقلين من محطة لأخرى وكأنهم يقفزون بين محطات وقود، والفنانين والخبراء والمحللين الجدد الذين يحدّدون مواقفهم بحسب من يدفع أكثر أو حسب نغمة الترند السائدة. وحتى صانعو المحتوى على يوتيوب وتيك توك، كلهم يرقصون على إيقاع الإعجاب والتصفيق الافتراضي، ويقدّمون عرضًا شبه مسرحي من الإيماءات المبالغ فيها والتصريحات المفتعلة، كما لو أننا في مسرح فضائي وهمي، كل شخص يصفق لنفسه، وكل متابع يضحك ويهتف بلا وعي.

البهرجة والأتباع والمبررون:

والمضحك حقًا أن هناك طبقة إضافية من المتابعين، أولئك الذين يبررون كل تصرف وانتهازية، إذا صح التعبير، كأنهم أعضاء في رابطة سيكولوجية سرية تربطهم بالمنافقين. يبدأون التبرير الانتهازي السخيف: ربما فعلها عن قصد، ربما لم يفهم، ربما الظروف أجبرته… وربما… وربما… وهكذا تصبح كل مفارقة، وكل تناقض، مبرّرًا كافيًا لاستمرار النفاق الرقمي. هؤلاء الأتباع يضيفون طبقة جديدة من الهزلية إلى المسرحية، يصطفون خلف الأقنعة الرقمية كما لو أنهم حراس لشبكة من الأوهام، بينما الحقيقة واضحة لكل من يرفع رأسه قليلًا عن الإعجاب الافتراضي.

تناقضات وفضائح لا تُمحى:

المفارقة الكبرى أن الزمن الرقمي محفوظ في السيرفرات بلا رحمة. هؤلاء الانتهازيون يظنون أن لديهم حرية الإبداء والتصريح، لكنهم ينسون شيئًا أساسيًا: لا خيار لهم في التعديل النهائي أو المسح الكامل. إذا بحثت عن أي تصريح لهم، ستكتشف تناقضات مذهلة: مرة يقولون إن الصورة حمراء، ثم في مكان آخر يصرّون أنها زرقاء، هنا بيضاء، وهناك سوداء. يتحول وجههم الرقمي إلى لوحة ألوان متبدلة، كلٌّ حسب المزاج أو المصلحة، ويصبح التناقض فنًا بحد ذاته، حيث كل متابعة ذكية ترى الحقيقة المخبأة خلف أقنعة المسرح الرقمي.

الخاتمة: المرآة الرقمية لا تكذب

وفي النهاية، يكشف الزمن الرقمي كل الأقنعة، ويعرّي كل الانتهازيين دون رحمة. كل تغريدة، كل منشور، كل فيديو، وكل تعليق محفوظ، مثل شريط تسجيل لا ينام، يسجّل كل تناقض وكل تحول، وكل تصفيق افتراضي مبتذل. السياسيون الذين يتلونون ويترنحون حسب الريح، والإعلاميون الذين يقفزون من محطة لأخرى، والفنانون والخبراء والمحللين وحتى صانعو المحتوى الرقمي الذين يبيعون مواقفهم حسب الترند، كلهم يظهرون كلوحات ألوان متغيرة، تُعرض على شاشة غير مدركين انها لا تكذب.

المفارقة الكبرى أن الجمهور، المشارك في هذه المسرحية الافتراضية، يصفق ويضحك وكأنه يشاهد عرضًا حيًا، بينما الحقيقة واضحة: كل انطباع مزيف، كل نفاق، وكل محاولة للتمويه، محفوظة للأبد… فالزمن الرقمي لا يرحم أحدًا.



#بشار__مرشد (هاشتاغ)       Bashar_Murshid#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الضمير والأخلاق... صمام الأمان بين التقلب الانتهازي والتكيف ...
- كلمة حق أُريد بها باطل... قراءة تحليلية
- الأحزاب...من الوسيلة النبيلة إلى الانحراف والتحزب
- الفصل بين الفكرة وذات الإنسان... جدلية النقد والتجريح
- مستقبل الصحافة... بين الحياد والإيحاء الموجَّه
- ادعاء الحكمة بلا تجربة… كالجعجعة بلا طحن
- الدولة الحاكمة وحاكم الدولة… من يواجه العواصف؟
- رواية الحق والتاريخ... الأمواج تهدم قصور الرمل
- التحيّز المعرفي... قصة خيالية هادفة
- رب ضارة نافعة...الغطرسة بداية التهاوي
- دول الاقليم بين التبعية... واستراتيجية التحالف
- الدراما العربية وتشويه التاريخ... عندما يتحول الفن إلى أداة ...
- الهجاء المستتر بالمديح… بهرجة وسط الدياجير
- الوعي غربال... بين المجاملة واللباقة والتملق
- حروب الوكالة... من يدفع الثمن في لعبة الأمم؟
- حوار المعالجات الرقمية...الجزء الثامن
- النظرة السطحية للسياسة... سراب لبعض الكتاب والمحللين
- ريشة ابن خلدون الثاقبة… تكشف زيف أقلام التلوين
- الصبر بين الفضيلة والانتظار القسري...مأساة الإنسان أمام الظل ...
- الانتهازية والغطرسة والنفاق... قراءة عبر العصور


المزيد.....




- فضل شاكر يسلم نفسه إلى مخابرات الجيش اللبناني
- كاميرا ترصد مُسيّرات روسية تضرب قطاري ركاب في أوكرانيا
- نعيم قاسم: حزب الله لم يرد على ضربات إسرائيل لمنعها من -التو ...
- هل التظاهرات في المغرب مرشحة للاستمرار؟
- الملابس المبتكرة تستقطب المزيد من الناس لأريحيتها واعتباراته ...
- حزب الله يحذر من -أخطار جسيمة- في خطة ترامب بشأن غزة
- 7 قتلى بهجوم على سجن في مقديشو تبنته حركة الشباب
- شاروخان يتصدر قائمة المليارديرات في بوليود.. كم تبلغ ثروته؟ ...
- غزة وجهة سياحية ضائعة بين البحر والتاريخ والركام
- يوم مفتوح للمساجد في ألمانيا يسعى للتعريف بالإسلام


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - بشار مرشد - الزمن الرقمي… يفضح النفاق