أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - طبع الذهب حين تحترق القصيدة بنار الحب.. علي الشباني ومرآة الخيبة














المزيد.....

طبع الذهب حين تحترق القصيدة بنار الحب.. علي الشباني ومرآة الخيبة


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8481 - 2025 / 9 / 30 - 12:01
المحور: سيرة ذاتية
    


في قلب تجربة الشاعر العراقي الراحل علي الشباني، تختبئ حكاية حب جارحة كانت أشبه بريح سوداء أطاحت بأركانه النفسية والجسدية في سنواته الأخيرة، لتتحوّل إلى شرارة ألهمته واحدة من أجمل قصائد الشعر الشعبي الحديث: "طبع الذهب". يروي الكاتب سلام إبراهيم بعضًا من تلك الفصول المؤلمة، مشيرًا إلى أن عليًا ظلَّ طوال تلك السنوات يتأرجح بين الجنون والعشق والخذلان، إثر علاقة مع امرأة أرملة – رمزها "نون" – اجتاحت حياته في منتصف التسعينيات، ثم هجرته وهو على عتبة الستين، في خيبة عاطفية لا تُحتمل.
لم تكن تلك المرأة مجرد طيف عابر في حياة الشاعر، بل كانت عاصفة قلبية غيّرت مجرى روحه، وفتحته على أوجاع لم يشف منها حتى النهاية. ورغم ما خلفته من ألم، كانت هذه العلاقة سببًا في كتابة قصيدته الشهيرة "طبع الذهب"، التي تبدو اليوم وثيقة شعريّة عن الحب حين يتحوّل إلى رماد، والروح حين تتفتّت على أعتاب الأمل الكاذب.
قصيدة من نار ومطر وذهب
في قصيدة "طبع الذهب"، لا يبوح الشباني بحكاية الحب مباشرة، بل يصوغها بلغة مشبعة بالرمز والإيحاء الحسي، حيث يبدأ باستعارة الذهب والمطر ليرسم طباع المحبوبة:
من أول ليل
طبعك ينطبع بالذهب
وأفرك بالأيام
تندلّك بطاري المطر
... وشفت المطر بعيونك الوسعة... مطر
وأيامنا الگمرة... ذهب
منذ البداية، يربط الشاعر بين صفاء الذهب ورقة المطر، لكنه لا يلبث أن يضع هذا الصفاء تحت مطرقة الزمن، حيث يتهشم الحب، ويذوب الإشراق في لوعة الخيبة. يظهر العاشق في القصيدة منكسرًا، مفرط الحساسية، متشظيًا بين الرجاء واليأس:
بس خلّك حرز للروح
يومية تلوّع بيك روحي، وتحزن وتفرح
وتشوفك فرح مضموم... وليمته حبيبي الضم؟
وتتصاعد في القصيدة درجات الألم والحنين، حتى تبلغ الذروة في النهاية، حيث يتحوّل الحب إلى لهبٍ يصعد من الأصابع، وينصهر في الجسد كجمر مشتعل:
كلّما تمطر الأيام... بالهم... والحزن... والتعب
يلهب بين أصابيعي شعر
ويصعد بطولي لهب
وهذا طبعك... يالذهب
القصيدة الشعبية في ثوب وجودي
تحتلّ "طبع الذهب" موقعًا خاصًا في مسيرة القصيدة الشعبية الحديثة، كونها خرجت من عباءة البوح العاطفي البسيط، ودخلت في مساحة التأمل الشعوري العميق. لم تكن القصيدة مجرد وصف لحالة حب، بل صراع داخلي بين ذاكرة تنهش الروح، وحاضرٍ تتكسر فيه الأحلام. ولهذا أصبحت نموذجًا يُحتذى في كيفية تطويع اللغة الشعبية لبناء مشهد شعري شديد الكثافة والصدق.
في زمنٍ كانت القصيدة الشعبية تميل إلى الغنائية التقليدية أو التوظيف السياسي، جاءت "طبع الذهب" قصيدة شخصيّة حميمية، تتكلم بلسان العاشق لا المناضل، وبقلب الشاعر لا شعار الجماعة. لقد صنعت القصيدة أسلوبًا خاصًا، فيه اللغة الشعبية مطعّمة برموز وجودية، وفيه الحب مصاغٌ بلغة الجرح، لا الزينة.
علي الشباني... شاعر الإحساس العاري
ينتمي علي الشباني إلى جيلٍ من الشعراء الذين لم يتخذوا من اللغة قناعًا، بل جعلوها مرآةً تعكس وجعهم بكل وضوح. كان شاعرًا مفرط الحس، يقيم في تخوم العاطفة لا في يقين الأيديولوجيا، ويكتب بروحه لا بقلمه.
وقد ترك أثرًا لا يُقاس بعدد دواوينه، بل بعمق ما زرعه من عاطفة إنسانية صادقة في وجدان المتلقين. لم يجامل الحياة، بل كشف هشاشته أمامها، وأحبّ حتى الانكسار، فكانت قصائده مرآة لهذا العشق الحارق، ولعل "طبع الذهب" أصدق شاهد على ذلك.
الذهب الذي لا يصدأ
"طبع الذهب" ليست فقط قصيدة حب، بل تجربة إنسانية كاملة، كتبت من قلب رجل انكسر، لكنه لم يفقد صوته. بقيت القصيدة مثل ختمٍ من ذهب على تجربة حبٍّ أودت بالشاعر، لكنها أنقذت الشعر. وهكذا يكون الذهب، في النهاية... هو ما لا يصدأ، حتى حين يُغمر بالدمع والتعب.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شاكر نصيف الشاعر الشهيد الذي اشتعل بالشعر وانطفأ برصاص الطغا ...
- سعد الشريفي شاعر الغربة والجمرات
- جبر داكي شاعر غنّى للحياة حتى رحيله
- جابر القاري صوت السدة الذي ذاب في الحسين
- كريم النور... شاعر الطين والنخوة والكرامة العالية
- رياض أبو شبع شاعر الغربة والتمرد النبيل
- صباح العسكري: الشاعر الذي أضحك القمر وبكى العراق
- راسم الخطاط شاعر الومضة ومهندس القصيدة
- الراحل كاظم الرويعي بين الأغنية الملتزمة والاغتراب الموجع
- شاكر ميم.. شاعر الغفوة والابتسامة العابرة
- عبد الستار شعابث شجرة الشعر التي نبتت على ضفاف الحلة
- الناقد والقاص سلام حربة صوتٌ نقدي وقلمٌ سردي في المشهد الثقا ...
- حامد كعيد الجبوري شاعرٌ خرج من رحم الحلة ومضى ليكتب للوطن وا ...
- علي السباك الكاتب الذي جعل من الحلة سطرًا أول في دفتر الحكاي ...
- عماد الطالباني طبيب الحرف وروح الباحث
- الباحث محمد هادي رحلة في آفاق البحث والتأليف
- الشاعر إبراهيم الشيخ حسون صائغُ الحرف الشعبي ومغني الروح الح ...
- عبد الأمير خليل مراد شاعر يُمسك بجمر القصيدة ويشعل بها خيمة ...
- مهدي المعموري ضفاف الحرف ومرافئ الذاكرة
- الدكتور عدنان العوادي حكمة الأكاديمي وروح الأديب


المزيد.....




- أمل كلوني تخطف الأنظار بفستان مخملي أحمر في نيويورك
- شاهد.. عشرات المحاصرين تحت أنقاض مدرسة بعد انهيارها في إندون ...
- إسرائيل تتهم -أسطول الحرية- بمساعدة حماس.. وثونبرغ: نحمل مسا ...
- تقرير خاص يكشف حجم الدمار في غزة | بي بي سي تقصي الحقائق
- -لماذا تُعتبر خطة ترامب بشأن غزة ضرورية، وما العقبات التي تع ...
- قطر تعقد اجتماعاً يضم الوفد المفاوض في حماس بحضور تركي لدراس ...
- عاجل: إصابة ثلاثة إسرائيليين في حادث دهس قرب بيت لحم و-تحييد ...
- بفضلكم يا شباب جيل #GENZ212!
- يُستخدم لإطلاق المُسَيّرات في أجواء الدول الأوروبية وفق زيلن ...
- الولايات المتحدة: ترامب سيعقد اجتماعا غير مألوف مع قادة عسكر ...


المزيد.....

- أعلام شيوعية فلسطينية(جبرا نقولا)استراتيجية تروتسكية لفلسطين ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - طبع الذهب حين تحترق القصيدة بنار الحب.. علي الشباني ومرآة الخيبة