أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - ليث الجادر - الوطنية البرجوازية: بين اللاهوت الرمزي والبنية المادية، والمعايير الماركسية














المزيد.....

الوطنية البرجوازية: بين اللاهوت الرمزي والبنية المادية، والمعايير الماركسية


ليث الجادر

الحوار المتمدن-العدد: 8477 - 2025 / 9 / 26 - 15:40
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


الوطنية البرجوازية ليست شعورًا فطريًا أو رابطة أزلية، بل هي نتاج تاريخي طبقي محدد. في لحظة صعود البرجوازية، أدّت الوطنية وظيفة تحررية: وحدت الفئات الاجتماعية المتفرقة، كسرت الامتيازات الإقطاعية، وأرست سلطة جديدة تسمح بتراكم رأس المال وتطوير السوق القومية. مثال واضح على ذلك هو الثورة الفرنسية، حيث استخدمت البرجوازية الوطنية الخطاب القومي لتفكيك النظام الإقطاعي وفرض سيطرتها الاقتصادية والسياسية.

مع تحوّل البرجوازية إلى طبقة سائدة، تغيّر وجه الوطنية. لم تعد مجرد أداة تحررية، بل تحوّلت إلى لاهوت سياسي–رمزي، يرفع مصالح طبقية محددة إلى مستوى القيم المطلقة، ويقدّم الدولة القومية وكأنها حقيقة أبدية فوق التاريخ. هذا اللاهوت يظهر في الخطاب، لكنه يجد تجسيده في البنى المادية: جيش دائم، بيروقراطية، قوانين، جهاز قمعي، وسوق موحدة تديرها الدولة باسم الأمة. مثال على ذلك هو الوطنيّة الألمانية في القرن التاسع عشر، حيث رافق التوحيد السياسي نظامًا اقتصاديًا مركزيًا وخطابًا قوميًا يشرعن الهيمنة البرجوازية.

الاستعارة من قاموس اللاهوت ليست انزلاقًا مثاليًا، بل تكثيفًا نقديًا يكشف كيف تُرفع المصالح الطبقية التاريخية إلى مصافّ المطلق، وكيف يُقدّس ما هو نتاج تاريخي–مادي. الوطنية البرجوازية بهذا المعنى آلية مزدوجة: على المستوى الرمزي، تخلق ولاءً يُخفي الصراع الطبقي، وعلى المستوى المادي، تؤسس بنية تضمن استمرار الهيمنة الاقتصادية والسياسية للبرجوازية.

معايير ماركس في تقييم الوطنية

ماركس لم يتبنَّ موقفًا موحدًا تجاه الوطنية، بل وضع معايير وظيفية–تاريخية:

1. وظيفتها في الصراع الطبقي: الوطنية تُدعم إذا أضعفت القوى الرجعية الإمبراطورية وساهمت في تقدم حركة الطبقة العاملة، كما في بولندا ضد روسيا القيصرية أو أيرلندا ضد بريطانيا.

2. مكانتها في التاريخ العالمي للرأسمالية: الوطنية في المستعمرات مثل الجزائر أو الهند كانت تُقيّم وفق دورها في إدخال هذه المجتمعات إلى مسار الرأسمالية الحديثة، حتى وإن كان ذلك عبر الاحتلال الفرنسي أو البريطاني.

3. الطبقة المنتصبة خلف الوطنية: دعم ماركس كان مرتبطًا بقدرة هذه الطبقة على إنتاج أثر ثوري؛ البرجوازية الأوروبية الصاعدة أو الطليعة الشعبية، بينما غابت هذه القدرة في المستعمرات، لذا كان دعم الوطنية محدودًا.

باختصار، مقياس ماركس كان وظيفيًا، تاريخيًا، وطبقيًا، لا أخلاقيًا أو مجرديًا.

تطور المعايير في ظل الرأسمالية المتأخرة والعولمة

مع رسوخ الرأسمالية وتحولها إلى طغيان عالمي وعولمة اقتصادية وسياسية، فقدت هذه التمايزات السابقة عمليتها. الوطنية اليوم لم تعد تُقاس وفق قدرتها على خدمة الثورة أو إدخال المجتمع في مسار الرأسمالية، بل وفق موقع الدولة ضمن النظام العالمي:

الدول الطاغية–العولمية تفرض وحدتها الوطنية أو توسعها لأغراض الهيمنة الاقتصادية والسياسية، كما يظهر في الولايات المتحدة أو الصين اليوم، حيث تُوظف الوطنية لتثبيت النفوذ الدولي وفرض قواعد السوق العالمية.

الدول الأصغر أو الأضعف تظل معرّضة لتوظيف الوطنية كأداة دفاعية أو إيديولوجية، لكنها لم تعد مرتبطة بالمعايير التاريخية لماركس في أوروبا أو المستعمرات.

بهذا التوسع، تتضح الوطنية البرجوازية كـجهاز مزدوج الطبقات: أداة رمزية تخفي مصالح الطبقة السائدة، وبنية مادية تؤسس للهيمنة، بينما المعايير التاريخية الماركسية لتقييمها قد تطورت مع تغير الواقع الرأسمالي والعولمة.



#ليث_الجادر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوعي الطبقي بين المقاومة والطقس: قراءة في الفخ الايماني...ج ...
- الوعي الطبقي بين المقاومة والطقس: قراءة في الفخ الايماني...ج ...
- الوعي الطبقي بين المقاومة والطقس: قراءة في الفخ الايماني...ج ...
- الوعي الطبقي بين المقاومة والطقس: قراءة في الفخ الايماني...ج ...
- فخ ثوسيديديس.. قناع إغريقي لتبرير الصراع الأمريكي–الصيني
- الحوثيون والدفاعات الإسرائيلية: دقة الهجمات والدعم الدولي
- باراكون..اسمه...عراق
- توازن الردع الجديد: كيف تعيد السعودية رسم موازين القوى الإقل ...
- لا يا سموترتش: غزة ليست كنزًا عقاريًا فقط، إنها كنز غازي أيض ...
- -قلعة وندسور والمروحية: الرمزية البريطانية–الأمريكية والعراق ...
- الليبرالية الأوروبية والإسلام السياسي: من لندن إلى ( الخريف ...
- مشيخة قطر.. دعم مالي وإعلامي لحركة الإخوان المسلمين
- البعد التاريخي لتواجد الإخوان في قطر
- قطر: راعية حماس تختبئ خلف ستار “وساطة سلام”
- فضلات بغداد إلى أوروبا: تجارة غير متوقعة في بدايات القرن الع ...
- الاقتصاد الرقمي: سلعة وهمية بين الرأسمال الوهمي والوهم السيا ...
- الماركسية اللينينية وفهم الصراع الدولي المعاصر...ج3
- الماركسية اللينينية وفهم الصراع الدولي المعاصر...ج2
- الماركسية اللينينية وفهم الصراع الدولي المعاصر...ج1
- إقليم كردستان.. عقدة الصراع الإقليمي بين تركيا وإيران وإسرائ ...


المزيد.....




- حزب التقدم والاشتراكية إثر زيارة التهراوي لتطوان: سبق وحذرنا ...
- فرنسا: اليمين ينتقد -حكما سياسيا- واليسار يشيد بـ-انتصار الع ...
- م.م.ن.ص// تحول الصحة من الحق الى سلعة: التخطيط المنظم لإفقا ...
- الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية يجتمع بالقيادة العامة ل ...
- العدوان الصهيوني الغادر على اليمن يعمق مأزق الاحتلال وفشله ف ...
- اللجنة الوطنية لدعم عاملات وعمال سيكوم/سيكوميك بمكناس: بلاغ ...
- الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع تدعو للمشاركة ال ...
- اضطرابات الأكل تصيب الأثرياء.. لكن الفقراء يدفعون الثمن الأك ...
- محمود عباس يدعو حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى لتسليم سلاحه ...
- رواية -حوريات- للجزائري كمال داود: ضد النظام والإسلامويين وا ...


المزيد.....

- كراسات شيوعية(النمو السلبي: مبدأ يزعم أنه يحرك المجتمع إلى ا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية (من مايوت إلى كاليدونيا الجديدة، الإمبريالية ا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية (المغرب العربي: الشعوب هى من تواجه الإمبريالية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علم الاعصاب الكمي: الماركسية (المبتذلة) والحرية! / طلال الربيعي
- مقال (الاستجواب الدائم لكورنيليوس كاستورياديس) بقلم: خوان ما ... / عبدالرؤوف بطيخ
- الإمبريالية والاستعمار الاستيطاني الأبيض في النظرية الماركسي ... / مسعد عربيد
- أوهام الديمقراطية الليبرالية: الإمبريالية والعسكرة في باكستا ... / بندر نوري
- كراسات شيوعية [ Manual no: 46] الرياضة والرأسمالية والقومية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- طوفان الأقصى و تحرير فلسطين : نظرة شيوعيّة ثوريّة / شادي الشماوي
- الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، تحديات اليسار والبدائل الممكنة: ... / رزكار عقراوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - ليث الجادر - الوطنية البرجوازية: بين اللاهوت الرمزي والبنية المادية، والمعايير الماركسية