|
الشاعر المنتمي في زمن المحو: قراءة في كتاب -أكتب موتي واقفاً- للشاعر جواد العقاد
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 8475 - 2025 / 9 / 24 - 01:11
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
الأدب من أهم وسائل المقاومة، به نؤكد حضورنا الوطني والإنساني، ونثبت للآخرين بأننا موجودين ثقافياً، وما ننتجه من أدب خير دليل على إبداعنا، وأن يلتزم الأديب بالشروط الفنية واللغوية والأدبية في وقت تفشي الموت وانتشاره، وأثناء التهجير والتشرد، وعدم وجود أدنى متطلبات الاستقرار: البيت، الطعام، الشراب. وحتى الفِراش، فهذا يؤكد نبوية الأديب الفلسطيني، وقوة إيمانه التي لم تتزحزح قيد أنملة، رغم استحالة صمود/ بقاء الإنسان إنساناً في مقتلة غزة.
الشاعر والناقد الشاب "جواد العقاد" تدفعه كل الصفات السابقة لأن ينهار ويكفر بكل القيم والمفاهيم الإنسانية، فهو شاب، والشباب حيوية واندفاع، ولا يمتلك القدرة على الجلد وضبط الانفعال، كما أنه شاعر، والشاعر إحساسه مرهف، يتأثر بأي قول/ فعل، فما بالنا عندما يرى ويعيش مقتلة أهله وشعبه في كل دقيقة.
الكتابة والشاعر
إذن نحن أمام معجزة أدبية وإنسانية تستوجب التوقف عندها وعند ما تقدمه من أدب، فالنصوص التي بين أيدينا تشير إلى أننا أمام شاعر من خلال اعترافه بعدم قدرته على اللجوء إلى المرأة، التي تعتبر أهم عنصر يلجأ إليها الشعراء وقت الشدة/ الألم:
"هذه الحرب أخرجت الشعر من المكاتب والمهرجانات، فنزل إلى الحفر والخيام والجنازات لنعيشه قبل أن نكتبه، نحمله كأكفان مؤجلة، ونمضي به إلى الغد، هذه هو الشعر الذي لا يموت لأنه لا ينافق، والشاعر، إن كان حراً، يرى في غزة أمه وأخته وحبيبته، ومن يرى أمه وأخته وحبيبته تقتل في كل لحظة لا يستطيع أن يتغزل. ...كيف أكتب عن أم تجمع أشلاء أولادها في كيس نايلون؟ كيف أترجم رعشة طفل يحاول أن ينام وهو محاط بركام مدينته؟" ص94
نلاحظ حقيقة ألم الشاعر وموضوعيته. الإنسان الفلسطيني في هذا المقطع، قد عزف عن المرأة/ الحبيبة، والتجأ إلى أهله/ شعبه ليكتب عنهم، فهم أولى بالكتابة في زمن المحو والإزالة الجغرافية والسكانية.
"جواد العقاد" يتماهي مع آلام شعبه ومعاناتهم، متحدثاً عنهم من خلال تناول مأساته/م، ما يمرون به ويعيشه يومياً:
"ليس باللغة وحدها يولد النص ويتشكل، بل لا بد من انصهار اللغة بالعاطفة والذاكرة والأحلام حتى تغدو لغة ذات لون ورائحة، لغة كالعاصفة والطوفان، رقيقة كالعطر، لغة مخلوقة من وجع الإنسان وأمله، الحروف مظهرها الخارجي، وينبع وجودها الحقيقي من مقدار انتمائها للإنسان وعلاقته بالمكان والذاكرة، والتاريخ، وبهذا المعنى، صارت الكتابة والقراءة بالنسبة لي تعويضا عن خسارات الذاكرة" ص21
اللافت في هذا المقطع وجود ألفاظ بيضاء: "رقيقة كالعطر" في وقت لا يسمح باستخدامها بتاتاً، وهذا يشير إلى أن الشاعر داخله ما زال مؤمناً بالحياة، لهذا وجدناه يكثر من استخدام ألفاظ متعلقة بالكتابة التي تعد وسيلته لتأكيد صدقه وإيمانه وانتمائه لشعبه وتماهيه مع المأساة التي يعيشونها.
الشاعر النبي
النبي/ القائد بالضرورة أن تكون أفعاله منسجمة مع أقوله، وإلا سيكون مجرد (قائل/ منظر) ليست له أية علاقة بالحياة/ بالواقع. "جواد العقاد" يؤكد هذه الحقيقة بقوله: "فالأديب الحق لا يعيش في عالم منفصل بعيد عن واقعه، إنه أول من يستشعر الخطر ويستجيب له، وأول من يقف في وجه الظلم، مستعيناً بوعيه وعزيمته، حتى وإن كان الثمن حياته، فالأديب يضع نفسه قائداً وصانعاً للوعي لا يعرف للاستسلام طريقاً، حتى لو كانت المعركة غير متكافئة". ص22.
نلاحظ أن "جواد العقاد" لا يتحدث عن قائد سياسي، أو عسكري، أو مقاوم، بل يتحدث عن الشاعر المنتمي، الشاعر النبي الذي يتماهي مع شعبه. لهذا نجده يضع أسساً، لكن شاعر/ كاتب/ أديب، فمن يريد أن يكون (نبياً حقيقياً) عليه الالتزام بهذه الصفات.
التعاطي مع الكتابة
الكتابة الوسيلة الوحيدة التي اعتمدها "جواد العقاد" ليبقى حاضراً/ موجوداً/ فاعلاً/ مؤثراً، ويدون مأساته ومأساة شعبه. لهذا يقدسها ويحافظ عليها كما يحافظ على حياته: "تسهم الكتابة في منح الإنسان شعوراً بالحرية والأمان اللحظي، ولذلك فهي ليست فعلاً هامشياً في حياتي، بل هي جوهر رؤيتي للحياة، من خلالها أعبر عن ذاتي، وأعكس تجربتي في هذا العالم المليء بالقسوة، وبالمقدار نفسه هي أداة أواجه بها العالم، إذ تصبح وسيلة لترميم الشروخ وإخماد الانفجارات الكبرى التي تحدث حولنا وفي دواخلنا". ص29.
فالكتابة هنا وسيلة بقاء الشاعر كإنسان، ووسيلته للمحافظة على الأمل: "الحرية"، ووسيلته لإيصال رسالته للآخرين. بمعنى أنه الأداة التي يكون بها الشاعر اجتماعياً/ إنسانياً، فبها يقوم بدوره كغرد/ شاعر، ودوره كفلسطيني، ودوره الإنساني/ عالمي. وما استخدامه لصيغة نحن في "حولنا وفي دواخلنا" إلا صورة عن البعد الإنساني الذي يحمله جواد العقاد.
الكتابة قوة/ طاقة تمنح من يمارسها القدرة على التقدم للإمام رغم وعورة الطريق، يحدثنا "جواد العقاد" عنها بقوله: "أنا محاصر ولا أستطيع فعل شيء، وحين أكتب، أشعر بالحرية، الكلمات تمنحني قدرة على تحرير ذاتي من الخوف واليأس مؤقتاً". ص29.
إذا علمنا الظرف الذي يعيشه الشاعر في غزة، والموت الذي يلاحقه في كل دقيقة، نتأكد أهمية ودور الكتابة كمخلص من حالة الاضطراب/ اليأس. فالشاعر هنا يدعونا لتكون "الكتابة/ القراءة" الهواء الذي نتنفس، والماء الذي نشرب، لأننا دونها نفقد الحياة.
يؤكد الشاعر هذه الحقيقة، حقيقة الكتابة كخالق/ كموجد للحياة/ للأمل، من خلال نقل محادثة بينه وبين أحد الأصدقاء: "كيف تستطيع الكتابة في هذه الأوضاع: كيف يمكنك أن تكتب تحت النار؟ فأجبته ببساطة: "أنا أخوض حرباً وجودية، والكتابة برهاني الوحيد على أنني لا أزال حياً". ص41.
فرغم أن السؤال بسيط والإجابة واضحة، إلا أنها تشير بطريقة غير مباشرة إلى قسوة الظرف الذي يمر به الشاعر، وإلى وحشية العدو، وإلى أن الكتابة تتجاوز كونها مجرد كتابة، فهي وسيلة حياة ونجاة ورفعة.
المقتلة في غزة
قال الشاعر آنفاً إنه يستخدم الكتابة أداة يواجه بها العالم، ويحدثنا عن المقتلة في غزة من خلال مشهد يومي يعيشه كل فلسطيني متواجد في القطاع: "أتذكر إحدى الليالي حين قررنا الخروج تحت القصف العشوائي، كان كل شيء من حولنا مظلماً ومخيفاً، الموت يحلق فوق رؤوسنا والطائرات لا تهدأ، كان الخروج قراراً بعد عناد، تمسكنا بالبقاء حتى اللحظة الأخيرة، لكننا وجدنا أنفسنا مضطرين إلى الرحيل، مشيت مع جدتي في عتمة خانقة، نخشى حتى أن نشعل ضوء الهاتف خوفاً من أن يفضحنا بصيصه الصغير أمام عيون الموت، كان الخوف يتغلغل في عظامي، ومشيت، وكأن كل خطوة أشبه بمغامرة غير محسوبة، لا تعرف إن كانت ستقودك إلى النجاة أم إلى الفقدان الأبدي". ص31-32.
فكرة المقطع مهمة لتبيان حجم وحشية العدو البربرية التي يستخدمها ضد ناس عزل، لكن الأهم اللغة الأدبية التي صيغ بها المشهد، فالشاعر قدمه بصورة لافتة: "نخشى حتى أن نشعل ضوء الهاتف خوفاً من أن يفضحنا بصيصه الصغير أمام عيون الموت".
فهو لم يسم القاتل المجرم، وهذا بحد ذاته إبداع يضاف إلى فنية المشهد، فمن خلال عدم تسمية العدو القاتل، أشار إلى نفوره/ قرفه واشمئزازه من هذا المجرم، فبدا وكأنه لا يريده أن يلوث نصه كما لوث حياته وحياة أهله وشعبه.
الحرب
يقول "قسطنتين سيمانوف" في رواية "رحى الحرب": إنها أبشع عمل يقدم عليه البشر. هذا في حالة الحرب المتكافئة، الحرب التي تكون بين جيوش، لكن (الحرب) في غزة من طرف واحد، من جيش تعد قوته السادسة عالمياً، في المقابل هناك عشرات من المقاتلين يقاتلون بأدوات محلية الصنع، بمعنى أنها إبادة مدنين وليس حرباً بين مقاتلين.
يحدثنا "جواد العقاد" عن أثر (الحرب) عليه بقوله: "يا أيتها الحرب، في يدي جمر الغياب وقلبي الرماد، في قلبي قصائد عشق وأناشيد عن البلاد، أبحث عن منى لك وأنت الهلاك، أخذت كل شيء مني حتى طريقتي في الحزن والشقاء، أحرقت أوراقي وأشعاري وكياني... أحمل شظية في جسدي متراساً لمعناك واحتراقي، وأنا الشاهد على احترافك القتل والتدمير، فلم يبق في المدينة شوارع أو بيوت كلها سقطت مع سقوط القيمة الأولى الإنسانية!". ص33.
إذا علمنا حجم وحشية العدو وما يقوم به، وأخذنا واقع الفلسطينيين في غزة وما يتعرضون له، نصل إلى الانضباط الذي يميز "جواد العقاد"، فرغم كل ما يمر به، نجده يتحدث بأدبية عن كائن/ عن أداة/ عن فعل/ عن مجرم، مستخدماً لغة أدبية عالمية بعيدة عن تقوقعها الجغرافي أو السكاني. فقوله يمس كل قارئ في العالم وليس في فلسطين أو المنطقة العربية فحسب. بهذا الشكل يؤكد "جواد العقاد" أنه صاحب رسالة عالمية، ويريد إيصالها لكل الناس، أينما كانوا، فرسالته كرسالة النبي محمد، كرسالة المسيح، لا يخص بها قوماً بعينه، بل لكل البشر.
وفي مشهد آخر يرسم الشاعر حال الفلسطيني في غزة: "تجمعنا في البيت كما تتجمع القرابين أمام المذبح، نبحث عن وجوه بعضنا في عتمة الخوف، ونعد ما تبقى من الأشياء المهمة، وكأننا نحمل بيتاً بكامله في كف اليد، نصف ساعة من جحيم مستمر، ثم قيل إنها وحدة خاصة دخلت عمق خان يونس لأداء عملية، أي عملية؟ لماذا تدفع مدينة بكاملها ثمن هذه الكلمات الباردة؟ منذ متى صار وجودنا قابلاً للإزاحة بكبسة زر على جهاز لاسلكي؟". ص63.
نلاحظ أن الشاعر يتجنب تسمية العدو، فهو يتحدث عنه كنكرة، متناولاً أعماله القذرة والقبيحة، فبها يدينه، يكشف جرائمه ووحشيته التي يمارسها تجاه مدينة آمنة، ومدنيين آمنين.
وإذا توقفنا عند حجم وعدد الوحدة الخاصة للعدو، وبين حجم المدينة وعدد سكانها، نصل إلى أننا أمام حيوان مفترس ينقض على كل ما يراه متحركاً، ويريد المنطقة له وحده، وعلى الآخرين مغادرتها، وهذا ما نجده في مضمون المقطع، وفيما بين سطوره.
العرب
الواقع العربي بائس، إن كان رسمياً أم شعبياً، وقد أكدت المقتلة في غزة حجم الخراب/ العجز/ الكسح الذي تمر به الأنظمة والأحزاب والشعوب العربية، فهي أسوأ ما يكون في تاريخها القديم وواقعها الحديث والمعاصر.
وبما أن الشاعر يرى/ ينظر إلى الشعراء على أنهم أنبياء العصر، فقد توجه لهم بهذا الخطاب: "والشاعر العربي اليوم، في ظل هذه الفوضى التاريخية والسياسية، يقف أمام مسؤولية إنسانية قومية عظمى لا مفر منها، فالصمت في هذه الحظة التاريخية عار، والحياد خيانة للإنسان قبل أن يكون خيانة للانتماء العربي، وهنا لا يجد الشاعر مكاناً للهرب أو الصمت لأن ذلك من باب "التولي يوم الزحف" ص40.
نلاحظ أن الشاعر يتجاهل كل شرائح/ مكونات المجتمع، ويتوجه إلى فئة محددة، إلى الشعراء دون سواهم. فقد خصهم لأنهم أنبياء العصر، فهم من يقدم للشعب/ للأمة الأمل/ الرفعة، والتخلص من البؤس والذل. من هنا كان الخطاب موجهاً لهم.
لا يكتف الشاعر بالخطاب السابق، بل يخاطبهم في موضع آخر، مؤكداً أهمية دورهم في تغيير الواقع: "طفي الحرب، يتحول الشعر إلى ملاذ للروح، ومساحة لاكتشاف الذات والهروب من واقع مرير إلى أفق أرحب من المقاومة بالكلمة، فالشاعر العربي اليوم يقف على مفترق طرق، بين الماضي المليء بالنكسات والمستقبل الواعد بالأمل". ص47.
لا أدري كيف يتم صياغة هذه المقاطع! يبدو أن قائلها من خارج غزة، من خارج فلسطين، من خارج المنطقة العربية، من خارج الأرض، قادماً من السماء! وإلا كيف يتحدث عن الماضي المليء بالنكسات والمستقبل الواعد؟ فالماضي والحاضر والمستقبل أزمنة بائسة، وواقع مذل، وأمل مفقود/ لا وجود له، خاصة بعد أن ضاع العراق وسوريا وليبيا واليمن والسودان والصومال، وقد تأكد التيه العربي في عهد الأمريكي ترامب، صاحب موسوعة دنس في الجابية/ الجزية.
بعد أن يشتعل وطيس الحرب، (يتخلى) الشاعر عن الإيحاء ويخاطب الشعراء (مباشرة): "أيها الشعراء... أرخوا أوجاعنا، أكتبوا المجد والصمود والشفاء، تمترسوا على جبهة الكلمة، يا رفاقي، العدو من أمامكم والخيانة في الجهات كلها، أما الوطن فهو في القلوب، ستغدو أشعاركم ملحمة طويلة تتوارثها الأجيال، نحن هنا نصنع الأسطورة، صدر عار أمام دبابة، وردة أمام مدفع، أغنية وحيدة في سماء الحرية بين حشد الطائرات". ص69-70.
اللافت في هذا المقطع ثنائية الخطاب، ففي البداية جاء (المباشرة والوضوح)، وهذا يقودنا إلى الواقع المرير الذي يعيشه الشاعر، لكنه عندما تحدث عن الأمل/ الصمود/ المستقبل، تحدث بلغة أخرى، لغة تحمل معنى الحياة، وألفاظ بيضاء تنبض بالنصاعة: "وردة، أغنية، سماء، حرية".
فالعقل الباطن فيه أشار إليه بضرورة أن تكون فكرة الأمل مقدمة بلغة وألفاظ بيضاء، وهذا ما يجعل المقطع واقعيًا وأيضًا أدبيًا. فالشاعر يقوم بدوره الأدبي إلى جانب دوره الاجتماعي والسياسي.
يختم الشاعر خطابَه للشعراء متخذاً من قول "معين بسيسو" أيقونة يجب الاسترشاد بها: "أنت أن نطقت مت، وأنت سكت مت، قلها ومت" ص93.
كضرورة على أن يقوم الشاعر بدوره في مجتمعه، وكضرورة لأن يكون الشاعر منسجماً مع نفسه.
العدو
إذا ما توقفنا عند "أكتب موتي واقفاً" سنجد أن الشاعر يتجاهل المحتل ولا يذكره، ويبقى محافظاً على هذه الوتيرة إلى أن يتناول واقع الفلسطيني: "لا أريد أن أكون لاجئاً جديداً، أنا أحلم بالدولة والاستقلال، أحلم بالتنقل بين مدن بلادي بلا حواجز أو تصاريح، دون أن يسألني جندي جاء من بولندا عن هويتي، أحلم بأن أعيش في وطن يليق بأحلامي، حيث لا تكون الخيمة جزءاً من مشهد حياتي، بل ذكرى تروي لتوثق الألم الذي تجاوزناه نحو الحرية". ص73.
اللافت في هذا المقطع أن الشاعر يوثق حال الفلسطيني ويلخص المأساة الفلسطينية منذ قيام دولة الاحتلال وحتى الآن. فدول الاحتلال أنشأت على الأرض الفلسطينية، وعلى تهجير الفلسطينيين وقتلهم، وما زالت قائمة على هذه المعادلة.
كما يعري الشاعر الغرب الذي أنشأ الدولة، ويعري الأنظمة العربية التي حرست دولة الاحتلال وحمتها من أي (اعتداء)، مبيناً أن هناك شعباً يمارس أرقى أشكال الإبداع الإنساني من خلال كتابة الأدب، وما وجود "أكتب موتي واقفاً" إلا شاهداً ودليلاً على الجريمة التي اقترفها ويقترفها الغرب وحماية العدو.
وفي مقطع آخر نجد حضور العدو بهذا الشكل: "أنا أريد وطناً بحجم أحلامي وتعب سنيني، وطناً أتنفس فيه دون أن تفزعني أصوات الطائرات أو تخيفني روائح الموت، أريد بلادي زاهية مكتملة، لأعيشها وأشعر بنقاء هوائها ينساب في عروقي". ص88.
نلاحظ غياب العدو، والإشارة إلى أدواته: "طائرات" وأفعاله القتل/ "الموت"، لكنه يركز على الأمل/ على المستقبل من خلال: "بلادي زاهية، لأعيشها".
ونتوقف هنا عند صيغة الخطاب، حيث استخدم الشاعر "أنا" المتكلم، و"بلادي" التي تؤكد أن البلاد له وليس للعدو، كما نجده يتماهى مع بلاده من خلال "لأعيشها" التي تؤكد العروة الوثقى بينه وبين بلاده.
الانبعاث
السوري/ الفينيقي/ الفلسطيني قدماً وحديثاً، مؤمن بالحياة مهما ساءت الأحوال، يبقى متعلقاً بالأمل. هذا ما فعله أجدادنا الذين أوجدوا "البعل وعشتار" ليكونا أملهم في الحياة.
"جواد العقاد" يعطينا صورة عن هذا الإيمان بقوله: "أنا شاعر بلغة ممزقة، لكني أومن بأن اللغة تولد من الحطام، كما تولد الوردة من الرماد، وأن القصيدة، حتى لو نزفت، فستظل تحاول أن تقول: "نحن هنا". ص66.
هذا القول يشير بطريقة غير مباشرة إلى استمرار عقيدة الخلود التي اعتنقها أجدادنا منذ آلاف السنين. فالشاعر يقدمها بلغة جديدة، لكن مضمونها يقودنا إلى "البعل وعشتار"، رمز المادي والجمالي/ الروحي. وما تركيز الشاعر على الشعر إلا تأكيد للخير/ للنماء/ للخصب الروحي/ الثقافي/ الجمالي.
الكتاب من منشورات دار الشروق للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، رام الله فلسطين، الطبعة الأولى 2025.
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفوتوغراف في كتب على مد البصر صالح حمدوني
-
التجديد النقدي في كتاب - الإنقاص البلاغي: المفهوم والتطبيق-[
...
-
الاشتعال والانطفاء في سيرة -تحت ظل خيمة- مهند طلال الأخرس
-
الصراع الاجتماعي والاحتلال في رواية -شرفة الرمال- منى بشناق
-
-أسلاك كهرباء مكشوفة للريح والمطر، دفاتر ليليات- ياسمين كنعا
...
-
المثقف
-
التألق في مجموعة من تحت الركام كاملة صنوبر
-
الأدب المنتمي في -الخيمة في الغابة- باسل عبد العال
-
الأدب والمنتمي في -الخيمة في الغابة- باسل عبد العال
-
الإيمان في -يا رب الأرباب- أمين الربيع
-
الشكل والمضمون في مجموعة -ما وراء الغموض- أحمد دياب
-
كتاب -كن جرينا- همام الطوباسي
-
المنطقة العربية في رواية اشتباك حسين ياسين
-
التخفي في قصيدة -متى تصفو السماء- سامي عوض الله البيتجالي
-
رواية توابيت وقبر واحد عمر أبو الهيجاء
-
الشكل والمضمون في رواية توابيت وقبر واحد عمر أبو الهيجاء
-
لصوت الندي في ميزان النقد: هل يعكس النقد شخصية الناقد؟ فراس
...
-
-من غزة إلى الشتات... نقش فلسطيني يجمع أطياف الشعر- تقرير: ف
...
-
الحب والحرب في ديوان صهيل السنابل جميل طرايره
-
مجموعة -الكوخ- محمد حافظ
المزيد.....
-
مسؤول أمريكي يوضح ما سيتم حال توصل سوريا وإسرائيل لاتفاق أمن
...
-
عبدالله بن زايد: ندعم جهود إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي
...
-
زيلينسكي: واشنطن ستدفع موسكو نحو السلام
-
غزة.. 20 قتيلا وعشرات الجرحى في قصف إسرائيلي
-
توم براك: سوريا وإسرائيل تقتربان من اتفاق -خفض التصعيد-
-
أخنوش يشدد على ضرورة إيصال المساعدات إلى غزة دون قيود
-
ترامب يؤكد قدرة أوكرانيا على استعادة أراضيها وزيلينسكي يعتبر
...
-
ماذا يعني الاعتراف بفلسطين لمن غادروها منذ عقود؟ شهادات من م
...
-
إدانة -راين روث- بمحاولة اغتيال الرئيس الأمريكي ترامب في فلو
...
-
ماكرون يحذر من -قانون الأقوى- ويؤكد أن -العالم يعيش لحظة مفا
...
المزيد.....
-
قراءة تفكيكية في رواية - ورقات من دفاتر ناظم العربي - لبشير
...
/ رياض الشرايطي
-
نظرية التطور الاجتماعي نحو الفعل والحرية بين الوعي الحضاري و
...
/ زهير الخويلدي
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|