أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - بشار مرشد - الهجاء المستتر بالمديح… بهرجة وسط الدياجير














المزيد.....

الهجاء المستتر بالمديح… بهرجة وسط الدياجير


بشار مرشد
كاتب وباحث

(Bashar Murshid)


الحوار المتمدن-العدد: 8473 - 2025 / 9 / 22 - 09:42
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


​المقدمة:
​الجاحظ، في كتابه البيان والتبيين، أدرك خدعة الكلمات: المديح الذي يُراد به التمجيد فقد يصبح هجاءً مستترًا. فالزيف يطلّ بوجهه الحقيقي خلف اللمعان، وتهوي الهيبة المزيفة تحت ستار الثناء.
​اليوم، لا يختلف المشهد كثيرًا. فالهجاء المستتر بالمديح ليس سوى بهرجة وسط الدياجير. ما يلمع أمام العيون ليس إلا خدعة ذكية، اغتيالًا مجازيًا للشخصية عبر اختلاق منجزات وصفات وهمية مزيفة، وزينة بلا مضمون حقيقي. تلك التهكمات تتحول إلى سكين سلخ في جسد الضحية، أو قشة تكسر ظهر البعير، مكشوفة لمن يملك بصيرة في عالم المظاهر الزائفة، وبين الكلام والواقع، بين ما يُقال وما يُراد به فعلاً.

​البهرجة كسلاح ناعم: من العلاقات الشخصية إلى الساحات السياسية
​هذه الطريقة القديمة المستجدة لم تختفِ مع الزمن، بل تطورت واستُحدثت لتُستخدم على عدة مستويات: من العلاقات الشخصية إلى المؤسسات وحتى الدول. هنا، يُستعمل المدح المبهرج كسلاح ناعم، أشد فتكًا من غيره من الطرق، خاصة مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وما تمنحه من مساحة شاسعة للتعليق والنقد.
​عندما تتصفح التعليقات، تجد الضحك والتهكم والازدراء، وأحيانًا إبراز عكس ما يقصده المقال تمامًا، وهو ما يرغب الناشر أو الكاتب في تسليط الضوء عليه بشكل غير مباشر. فتتحول الشخصية المستهدفة إلى فريسة في مهب السخرية، بمعنى عامي: "اللي ما يشتري يتفرج"، بينما المشاهدون يضحكون على المسرحية، ويقفون متفرجين على التزييف والواجهة الزائفة، والضحية تتلألأ وسط الدياجير بلا مضمون حقيقي، وتفضح نفسها في كل حركة وكلمة أو تعبير.

​دور الشخصية المستهدفة: مواجهة البهرجة بالوعي والصراحة
​على صعيد الشخصية المستهدفة، إذا ما امتلكت أي حس من الوعي والإدراك، فعليها أن تضع حدًا لتلك البهرجة فورًا، وتصارح المجتمع بحقيقة الإنسان: أن البشر يصيبون ويخطئون، وأن كل إنجاز تحقق هو جزء من واجباتها ومسؤولياتها، وما قصّرت فيه تتحمل تبعاته. الصراحة في الاعتراف بالإنجازات والحدود الواقعية للقدرات، والإيمان بتداول السلطة، يفسح المجال للآخرين ويخفف من وقع التهكم المستتر.
​بهذه الطريقة، تتحول الشخصية من فريسة في مهب السخرية إلى شخص واعٍ، قادر على تحويل التهكم والهجاء المستتر إلى فرصة للتوضيح والشفافية وإعادة بناء الثقة مع المجتمع. فالتعامل الصادق مع الزيف المبهرج يعيد للخطاب مصداقيته ويحد من استغلاله كسلاح هجائي.

​أما إذا كانت الشخصية فظة وتعشق التملق والمدح الزائف، فهي بالطبع تفتقر إلى الوعي والإدراك للمخاطر المحدقة. في هذه الحالة، ستجد نفسها في السيل الجارف الذي يلقي بالجيف على هامش المستنقع، عاجزة عن مواجهة السخرية المستترة والهجاء المموه. وهكذا، يتحقق الهدف الحقيقي لكاتب المسرحية، الذي يسعى من خلال البهرجة والمدح الزائف إلى فضح الفجوة بين المظهر والواقع، وبين الكلام والنية، ويحوّل الثناء إلى أداة هجاء قاتلة للشخصية المستهدفة. إضافة إلى أداة الانتفاع والاسترزاق.

​الخلاصة: بين الجاحظ وواقع البهرجة المعاصرة
​من خلال ما رصده الجاحظ منذ قرون، نجد أن المدح الزائف والهجاء المستتر ليس مجرد لعب بالكلمات، بل أداة تكشف هشاشة الشخصيات والمجتمعات. اليوم، مع انتشار وسائل التواصل وتضخيم المظاهر، تتكرر نفس اللعبة، لكن بوتيرة أسرع وأثر أكبر، حيث يصبح المدح المبهرج سلاحًا مزدوجًا: يزيّن الكلام ويفضح الواقع في الوقت نفسه.
​العين الثاقبة للشخصية الواعية تدرك ببساطة من خلال المقارنة بين الإنجاز والإخفاق، وتفهم حقيقة الهدف وراء كل بهرجة أو تملق أو امتداح زائف. الوعي والإدراك وحدهما ما يقي الشخص من الانجرار خلف البهرجة الزائفة، ويحوّل التهكم والهجاء إلى فرصة للتوضيح وإعادة المصداقية.

أما من يفتقد هذه الحساسية، فسيظل عاجزًا أمام السيل الجارف للتهكم المستتر، خاضعًا لمسرحية الكلمات الزائفة، فريسة سهلة للأوهام والمدح المزيف.
​الخاتمة:
​ختامًا، يظل هذا درسًا خالدًا في فهم البشر والكلمات والسلطة والمظاهر. نعم، البهرجة والهجاء المستتر لن يزولا، لكن من يدرك قواعد اللعبة ويحتكم للصدق والتواضع، يظل سيد موقفه وسط الدياجير، قادرًا على مواجهة الزيف وتوضيح الحقيقة وبناء الثقة مع الآخرين.



#بشار__مرشد (هاشتاغ)       Bashar_Murshid#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوعي غربال... بين المجاملة واللباقة والتملق
- حروب الوكالة... من يدفع الثمن في لعبة الأمم؟
- حوار المعالجات الرقمية...الجزء الثامن
- النظرة السطحية للسياسة... سراب لبعض الكتاب والمحللين
- ريشة ابن خلدون الثاقبة… تكشف زيف أقلام التلوين
- الصبر بين الفضيلة والانتظار القسري...مأساة الإنسان أمام الظل ...
- الانتهازية والغطرسة والنفاق... قراءة عبر العصور
- التواصل الاجتماعي كأداة استخباراتية… والوعي المفقود
- حوار المعالجات الرقمية...الجزء السابع
- قبول المذلّة… إقرار بالمزيد
- ندم شاهين ...وتهكّم الممعوط
- حين تتوحد الأعراق... ويتشرذم الأعراب
- الحرية الكَيِّسَة...والحياد الجَري
- حوار المعالجات الرقمية... الجزء السادس
- حوار المعالجات الرقمية... الجزء الخامس
- حوار المعالجات الرقمية....الجزء الرابع
- حوار المعالجات الرقمية.... التسريب الثالث
- حوار المعاجات الرقمية... التسريب الثاني
- حوار مسرب بين معالجات ألفا وبيتا
- الأقنعة والحقائق... مسرحية الانتصار عبر المنصات الاجتماعية


المزيد.....




- أبكت الجمهور وهزت القاعة.. شاهد أرملة تشارلي كيرك تعلن مسامح ...
- صور مذهلة توثق حياة صيادات الأسماك في جزيرة قبالة إيران
- مسلسل -بالدم- في الصدارة.. القائمة الكاملة للفائزين بجوائز ا ...
- بيان سعودي بعد اعتراف 4 بلدان بـ-دولة فلسطينية-
- ترامب يصف تشارلي كيرك بـ-عملاق جيله- وأرملته تسامح القاتل
- عريضة للمطالبة بإجراء استفتاء حول الهجرة تثير الجدل في فرنسا ...
- علم فلسطين يرفرف فوق بلدية -مالاكوف- في ضواحي باريس
- غزة: هل يقلب الرأي العام العالمي موازين سياسات الحكومات؟
- نتنياهو: لن تكون هناك دولة فلسطينية
- ماذا بعد فرض الاحتلال تصاريح دخول قرى شمال غرب القدس؟


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - بشار مرشد - الهجاء المستتر بالمديح… بهرجة وسط الدياجير