أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - زهير الخويلدي - غاستون باشلار والتحليل النفسي للمعرفة العلمية بين القطيعة الابستيمولوجية والعقلانية التطبيقية، مقاربة معرفية تاريخية















المزيد.....

غاستون باشلار والتحليل النفسي للمعرفة العلمية بين القطيعة الابستيمولوجية والعقلانية التطبيقية، مقاربة معرفية تاريخية


زهير الخويلدي

الحوار المتمدن-العدد: 8469 - 2025 / 9 / 18 - 11:07
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


مقدمة
يُعتبر غاستون باشلار ( 1884 -1962)، الفيلسوف الفرنسي، أحد أبرز المفكرين في مجال فلسفة العلوم والإبستمولوجيا في القرن العشرين. من خلال أعماله مثل تكوين العقل العلمي (1938) والعقلانية التطبيقية (1949)، قدم باشلار رؤية مبتكرة لفهم تطور المعرفة العلمية عبر مفهومي "القطيعة الإبستمولوجية" و"التحليل النفسي للمعرفة العلمية". مقاربته المعرفية التاريخية تجمع بين تحليل التحولات التاريخية في العلم ونقد العوائق النفسية والثقافية التي تعيق تقدمه. يرى باشلار أن العقل العلمي يتطور عبر قطائع جذرية مع المعرفة السابقة، مدعومًا بعقلانية تطبيقية تركز على التجريب والإبداع. تهدف هذه الدراسة إلى تحليل إسهامات باشلار في التحليل النفسي للمعرفة العلمية، القطيعة الإبستمولوجية، والعقلانية التطبيقية، مع التركيز على مقاربته المعرفية التاريخية ودورها في مقاومة العوائق المعرفية، وربطها بجدلية القوة والضعف في السياقات العلمية والاجتماعية. فكيف تصور باشلار تاريخ العلوم؟ وماهي الرؤية الثورية التي حملها الى مسار المعرفة العلمية؟
التحليل النفسي للمعرفة العلمية
في تكوين العقل العلمي، يقترح باشلار مفهوم "التحليل النفسي للمعرفة العلمية" كأداة لفهم العوائق النفسية والثقافية التي تعيق تقدم العلم. يرى أن العقل البشري يتأثر بالصور الخيالية والمعتقدات البديهية التي تشكل "عوائق إبستمولوجية" ، مثل الاعتماد على الحدس أو التفسيرات الأنثروبومورفية (التشخيصية) للظواهر الطبيعية. يدعو باشلار إلى تحليل هذه العوائق لتطهير العقل العلمي وتعزيز الموضوعية.
القطيعة الإبستمولوجية
مفهوم القطيعة الإبستمولوجية هو جوهر فلسفة باشلار، حيث يرى أن التقدم العلمي لا يحدث بشكل تراكمي، بل عبر انقطاعات جذرية مع المعرفة السابقة. في تكوين العقل العلمي، يوضح أن العلم الحديث يتطلب التخلي عن المفاهيم القديمة التي تعتمد على الحدس أو التفسيرات التقليدية، مثل الانتقال من الفيزياء الأرسطية إلى الفيزياء النيوتنية. هذه القطيعة تمثل تحولًا في الهياكل العقلية التي تحكم التفكير العلمي.
العقلانية التطبيقية
في كتابه العقلانية التطبيقية، يقدم باشلار مفهومًا للعقلانية يجمع بين النظرية والتجريب. يرى أن العقل العلمي ليس مجرد تطبيق للمنطق النظري، بل عملية إبداعية تعتمد على التجربة والتكنولوجيا. يؤكد أن العلم الحديث يتطلب تعاونًا بين العقل النظري والتطبيق العملي، مما يسمح ببناء معرفة ديناميكية قادرة على التكيف مع التحديات الجديدة.
المقاربة المعرفية التاريخية
مقاربة باشلار المعرفية التاريخية تجمع بين تحليل تطور العلم عبر التاريخ ونقد العوامل النفسية والثقافية التي تؤثر على هذا التطور. يرى أن فهم المعرفة العلمية يتطلب دراسة السياقات التاريخية التي تشكل العقل العلمي، مع التركيز على القطائع التي تميز التقدم العلمي عن المعرفة التقليدية.
التحليل النفسي للمعرفة العلمية
في تكوين العقل العلمي، يقدم باشلار مفهوم التحليل النفسي للمعرفة العلمية كأداة لكشف العوائق الإبستمولوجية التي تعيق تقدم العلم. يرى أن العقل البشري يتأثر بالصور الخيالية والمعتقدات البديهية التي تشكل عقبات أمام الموضوعية العلمية.
تشمل هذه العوائق:
الحدس المباشر: الاعتماد على التجربة الحسية دون تحليل نقدي، مثل الاعتقاد بأن الشمس تدور حول الأرض بناءً على الملاحظة البسيطة.
التعميم المفرط: استنتاج قوانين عامة من ملاحظات محدودة، مثل تعميم خصائص مادة واحدة على جميع المواد الأخرى.
التفسيرات الأنثروبومورفية: إسقاط الخصائص البشرية على الظواهر الطبيعية، مثل وصف النار بأنها "حية" أو "غاضبة".
العائق اللفظي: الاعتماد على لغة غامضة أو شعرية تعيق الدقة العلمية، مثل استخدام مصطلحات غير محددة في وصف الظواهر.
يدعو باشلار إلى "التطهير النفسي" للعقل العلمي من خلال تحليل هذه العوائق والتخلي عنها. على سبيل المثال، يحلل كيف أعاقت فكرة "الجوهر" في الكيمياء القديمة تقدم العلم حتى تم استبدالها بمفاهيم أكثر دقة في الكيمياء الحديثة. هذا التحليل النفسي يعكس مقاربة معرفية تاريخية تركز على كيفية تشكل العقل العلمي عبر التاريخ.
احداث القطيعة الإبستمولوجية
مفهوم القطيعة الإبستمولوجية هو أحد أهم إسهامات باشلار، حيث يرى أن التقدم العلمي يحدث عبر انقطاعات جذرية مع المعرفة السابقة بدلاً من تراكم تدريجي. يوضح باشلار أن العلم الحديث يتطلب التخلي عن المفاهيم القديمة التي تعتمد على الحدس أو التفسيرات التقليدية. على سبيل المثال:
في الفيزياء: الانتقال من الفيزياء الأرسطية (التي ترى أن الأجسام تسقط بسرعات مختلفة بناءً على وزنها) إلى الفيزياء النيوتنية (التي أثبتت أن الأجسام تسقط بتسارع متساوٍ) يمثل قطيعة إبستمولوجية.
في الكيمياء: استبدال نظرية الفلوجستون (التي تفسر الاحتراق بوجود مادة خيالية) بنظرية الأكسجين للافوازييه يمثل قطيعة أخرى.
يؤكد باشلار أن هذه القطائع تتطلب تغييرًا في الهياكل العقلية للعلماء، مما يسمح ببناء معرفة أكثر دقة وموضوعية. يقول: "العقل العلمي يجب أن يُشفى من أوهامه من خلال القطيعة مع الماضي". هذا المفهوم يعكس مقاربة معرفية تاريخية تركز على التحولات الجذرية في تاريخ العلم.
اعتماد العقلانية التطبيقية
في العقلانية التطبيقية، يقدم باشلار رؤية للعقلانية تجمع بين النظرية والتجريب. يرى أن العقل العلمي الحديث يعتمد على التفاعل بين العقل النظري والتطبيق العملي، حيث تلعب التكنولوجيا دورًا أساسيًا في بناء المعرفة. على سبيل المثال، يشير إلى أن تطور أدوات القياس الدقيقة، مثل المجهر أو المسرع الجزيئي، سمح باختبار النظريات العلمية وتطويرها. يقول: "العقلانية التطبيقية هي عقلانية تعمل، تنتج، وتبتكر".هذه العقلانية تختلف عن العقلانية التقليدية (مثل عقلانية ديكارت) التي تركز على المنطق النظري فقط. يؤكد باشلار أن العلم الحديث يتطلب إبداعًا مستمرًا وتكيفًا مع التحديات الجديدة، مما يجعل العقلانية التطبيقية أداة ديناميكية للتقدم العلمي.
تحديات ونتائج المقاربة المعرفية التاريخية
رغم إبداعها، واجهت مقاربة باشلار تحديات:
النقد الأكاديمي: أثار مفهوم القطيعة الإبستمولوجية نقاشات، حيث يرى بعض الفلاسفة، مثل توماس كون، أن التقدم العلمي يحدث عبر ثورات علمية وليس بالضرورة قطائع جذرية. كما انتقد البعض تركيز باشلار على العوائق النفسية على حساب العوامل الاجتماعية والاقتصادية التي تؤثر على العلم.
التحديات العملية: تطبيق التحليل النفسي للمعرفة العلمية يتطلب وعيًا عميقًا بالعوائق الإبستمولوجية، وهو أمر صعب في سياقات تعليمية تهيمن عليها الأساليب التقليدية.
الاتهام بالمثالية: يرى بعض النقاد أن تركيز باشلار على الخيال العلمي والتحليل النفسي قد يبدو مثاليًا، بعيدًا عن الواقع العملي للعلم الحديث.
رغم ذلك، حققت مقاربة باشلار نتائج ملموسة. أصبحت أعماله، خاصة تكوين العقل العلمي، مراجع أساسية في فلسفة العلوم والإبستمولوجيا. ساهمت أفكاره في إلهام فلاسفة مثل لوي ألتوسير وميشيل فوكو، الذين طوروا مفهوم القطيعة الإبستمولوجية في سياقات مختلفة. في إطار جدلية القوة والضعف، قدمت مقاربة باشلار أداة للعلماء والمجتمعات (الأضعف في مواجهة العوائق المعرفية) لتعزيز قوتهم المعرفية من خلال التطهير النفسي والقطائع الإبستمولوجية.
خاتمة
يُعد غاستون باشلار رائدًا في فلسفة العلوم من خلال مقاربته المعرفية التاريخية التي تجمع بين التحليل النفسي للمعرفة العلمية، القطيعة الإبستمولوجية، والعقلانية التطبيقية. هذه المقاربة تقدم رؤية متكاملة لفهم تطور العقل العلمي عبر التاريخ، مع التركيز على مقاومة العوائق النفسية والثقافية التي تعيق التقدم المعرفية. من خلال مقاومته الفكرية للحدس البديهي، العلمية للتراكم التقليدي، والاجتماعية للهيمنة الثقافية، ساهم باشلار في تعزيز القوة المعرفية للعلماء والمجتمعات في مواجهة الضعف الناتج عن الجمود الفكري. رؤيته تمثل دعوة ملهمة لإعادة تشكيل العلم كعملية إبداعية ديناميكية، مما يجعله نموذجًا للمفكر الملتزم بقضايا المعرفة في العصر الحديث. فكيف قامة الثورة العلمية في الحقبة المعاصرة على الدمج بين التحليل النفسي للعلم والقطيعة الابستيمولوجية والعقلانية التطبيقية؟
المصادر والمراجع
باشلار، غاستون. (1938). تكوين العقل العلمي. باريس:فران.
باشلار، غاستون. (1949). العقلانية التطبيقية. باريس: النشر الجامعي الفرنسي.
كون، توماس. (1962). هيكل الثورات العلمية. جامعة شيكاغو للنشر.
ألتوسير، لويس. (1974). فلسفة العلوم وتاريخها. باريس: : النشر الجامعي الفرنسي.
كاتب فلسفي



#زهير_الخويلدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثورة في العلم الحديث حسب فيرنر هايزنبرج من خلال دراسة العلاق ...
- الحضارة الغربية في منحدر خطر من منظور ماكس فيبر، مقاربة سوسي ...
- الالتجاء إلى الحرب بين الدوافع اللاشعورية الجمعية والمطامع ا ...
- الضمير الإنساني بين الجرح الفلسطيني والألم العربي - مقاربة إ ...
- الاحتفاء بالفنون بين إقامة المهرجانات الموسمية وتخليد الذكري ...
- ألكسندر كوجيف بين اعادة قراءة فلسفة التاريخ عند هيجل وكتابة ...
- العدالة كأرقى فضائل الحياة السياسية وغياب الوفاق العملي حول ...
- معالم القول السياسي والاجتماعي لما بعد الحداثة الفلسفية
- أزمة المثقف في الوطن العربي وتحديات التكنولوجيا وشروط إمكان ...
- أنطونيو غرامشي بين الثوري عابر للثقافات وتغيير المحاور نحو ع ...
- الفلسفة هي فن طرح الأسئلة الصحيحة، بدلاً من الحصول على إجابا ...
- مقاربة فلسفية للتنوير والتراصف والمقاومة في السياق الحضاري
- توحش وبؤس الليبرالية الجديدة ومخاطرها على الشعوب الضعيفة وال ...
- دراسة مقارنة بين جوديت بتلر ونانسي فريزر حول الفكر النسوي وم ...
- المقاومة الفلسفية ضد الهيمنة الصهيوامبريالية، مقاربة ما بعد ...
- الفكر الاستراتيجي عند مهدي المنجرة بين الاقتصاد وعلم الاجتما ...
- دازاين المقاومة عند مارتن هيدجر من خلال مكوث الشعب على الأرض ...
- التفكير النقدي في الفلسفة كأداة للابتكار والتطوير المستمر
- الكتابة الفلسفية في الثقافة السياسية فعل مقاومة والتزام وجود ...
- جورج إبراهيم عبد الله رمز النضال الأممي وحرية طال انتظارها


المزيد.....




- اكتشاف يذهل العلماء.. فتاة تعثر على صدفة سلحفاة عمرها 32 ملي ...
- مجلس الأمن يصوت ضد مشروع قرار يمنع تفعيل -آلية الزناد- في ال ...
- مقتل قيادي في -داعش- بعملية أمنية عراقية في سوريا.. ما علاقت ...
- كيف تحولت عملية مياه بيضاء بسيطة إلى كابوس يهدد بصر العشرات ...
- غزة: لماذا كانت دائماً ساحة صراع؟
- -سيأتي دورك-.. كاتس يهدد زعيم الحوثيين ويتوعد برفع العلم الإ ...
- الدوحة تستقبل بريطانيين أفرج عنهما من أفغانستان بوساطة قطرية ...
- التجويع الإسرائيلي يحصد مزيدا من أرواح الأجنة والخدج
- الاحتلال يهدد بقصف غير مسبوق لغزة وغاراته توقع عشرات الشهداء ...
- كابل ترفض تصريحات ترامب بشأن السيطرة على قاعدة باغرام


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - زهير الخويلدي - غاستون باشلار والتحليل النفسي للمعرفة العلمية بين القطيعة الابستيمولوجية والعقلانية التطبيقية، مقاربة معرفية تاريخية