أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زهير الخويلدي - أنطونيو غرامشي بين الثوري عابر للثقافات وتغيير المحاور نحو عضوانية غير تابعية - مقاربة ما بعد كولونيالية















المزيد.....

أنطونيو غرامشي بين الثوري عابر للثقافات وتغيير المحاور نحو عضوانية غير تابعية - مقاربة ما بعد كولونيالية


زهير الخويلدي

الحوار المتمدن-العدد: 8441 - 2025 / 8 / 21 - 14:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مقدمة
"كلما كان تاريخ أي بلد أقدم، كلما كانت هذه الطبقات المتراكمة من الكسالى والطفيليات الذين يعيشون على "التراث القديم"، هؤلاء المتقاعدين من التاريخ الاقتصادي، أكثر عددا وأكثر عبئا."
أنطونيو غرامشي (1891-1937)، المفكر الماركسي الإيطالي، يُعد أحد أبرز الشخصيات الفكرية في القرن العشرين، حيث قدم إسهامات نظرية عميقة في الفكر السياسي والثقافي والاجتماعي. تتجاوز أفكاره حدود السياق الإيطالي لتصبح أدوات تحليلية عالمية، خصوصًا في إطار الدراسات ما بعد الكولونيالية. تتمحور هذه الدراسة حول قراءة غرامشي كثوري عابر للثقافات، مع التركيز على مفهومه للهيمنة، الفكر العضوي، والتحولات الثقافية-السياسية التي يمكن أن تسهم في بناء عضوانية غير تابعية. من خلال مقاربة ما بعد كولونيالية، تهدف الدراسة إلى استكشاف كيفية توظيف أفكار غرامشي لفهم ديناميات القوة في سياقات ما بعد الاستعمار، مع التأكيد على إمكاناتها في إعادة صياغة العلاقات الاجتماعية والسياسية في العالم غير الغربي. فكيف يعرف غرامشي ظاهرة الهيمنة الثقافية الامبريالية على الثقافات التابعة؟ وماهو دور المثقف العضوي عند أنطونيو غرامشي في سياق مقاومة الهيمنة ضمن مقاربة ما بعد كولونيالية؟ وهل هناك استراتيجيات ينبغي للمقاومة الثقافية أن تتبعها من اجل التحرر السياسي التام؟
غرامشي وما بعد الكولونيالية
ولد غرامشي في سردينيا، إحدى المناطق المهمشة في إيطاليا، مما منحه حساسية خاصة تجاه قضايا الهامش والمركز. كان ناشطًا سياسيًا في الحزب الشيوعي الإيطالي، وقضى سنوات سجنه تحت النظام الفاشي (1926-1937) في كتابة "دفاتر السجن"، وهي مجموعة من الملاحظات الفلسفية والسياسية التي شكلت أساس إسهاماته النظرية. أفكاره حول الهيمنة، المثقف العضوي، والحرب المناورة/الموضعية قدمت أدوات تحليلية لفهم العلاقات الطبقية والثقافية في المجتمعات الرأسمالية. على هذا النحو تسعى الدراسات ما بعد الكولونيالية إلى فهم وتفكيك الهياكل الاستعمارية التي استمرت في التأثير على العلاقات الاجتماعية والثقافية بعد نهاية الاستعمار الرسمي. مفكرون مثل إدوارد سعيد، هومي بابا، وغاياتري سبيفاك استخدموا أفكار غرامشي لتحليل الهيمنة الثقافية والسياسية في سياقات ما بعد الاستعمار. مفهوم الهيمنة عند غرامشي، الذي يشير إلى سيطرة الطبقة الحاكمة من خلال القبول الثقافي بدلاً من القوة القسرية، يتماشى مع فكرة الاستعمار الثقافي والسيطرة على "المنطق العام" في المجتمعات المستعمرة.
غرامشي كثوري عابر للثقافات
مفهوم الهيمنة وتطبيقاته ما بعد الكولونيالية
يُعد مفهوم الهيمنة أحد أبرز إسهامات غرامشي. يرى غرامشي أن الهيمنة تتحقق عندما تتمكن الطبقة الحاكمة من فرض رؤيتها العالمية كجزء من "المنطق العام" للمجتمع، بحيث يتقبلها الأفراد كأمر طبيعي. في سياق ما بعد الكولونيالية، يمكن قراءة الهيمنة كآلية لاستمرار السيطرة الغربية من خلال الثقافة، التعليم، والإعلام. على سبيل المثال، يمكن رؤية تأثير الهيمنة الغربية في استمرار النماذج الثقافية والاقتصادية الغربية كمعيار عالمي، حتى في المجتمعات التي نالت استقلالها.
تعريف الهيمنة عند غرامشي
يُعرّف غرامشي الهيمنة بأنها عملية يتم من خلالها فرض رؤية الطبقة الحاكمة العالمية على المجتمع بأسره، بحيث تصبح هذه الرؤية جزءًا من "المنطق العام" الذي يتقبله الأفراد طوعًا بدلاً من القوة القسرية. على عكس السيطرة المباشرة التي تعتمد على القمع، تعتمد الهيمنة على القبول الثقافي والأيديولوجي، مما يجعلها أكثر استدامة. تتحقق الهيمنة من خلال مؤسسات المجتمع المدني مثل التعليم، الإعلام، الدين، والثقافة، التي تشكل الوعي الجماعي وتُكرس قيم الطبقة الحاكمة.
مكونات الهيمنة:
القبول الطوعي: الهيمنة لا تعتمد فقط على القوة، بل على قدرة الطبقة الحاكمة على إقناع الطبقات الأخرى بأن مصالحها تتطابق مع مصالح المجتمع ككل.
في سياق ما بعد الكولونيالية، يظهر القبول الطوعي في تبني النخب المحلية للنماذج الثقافية والاقتصادية الغربية كمعايير "عالمية".
المؤسسات الثقافية:
تُعد المؤسسات مثل المدارس، الجامعات، وسائل الإعلام، والمؤسسات الدينية أدوات رئيسية لنشر الهيمنة. فهي تشكل الطريقة التي يرى بها الأفراد العالم.
مثال: في دول ما بعد الاستعمار، تُستخدم اللغات الاستعمارية (مثل الإنجليزية) في التعليم لتكريس تفوق النموذج الغربي.
المنطق العام: يُشير إلى المعتقدات والقيم التي تُصبح "طبيعية" في المجتمع. غرامشي يرى أن المنطق العام ليس محايدًا، بل يُشكّل ليعكس مصالح الطبقة الحاكمة.
في سياق ما بعد الكولونيالية، يظهر المنطق العام في قبول النماذج الغربية للحداثة والتنمية كالمسار الوحيد للتقدم.
التوازن بين القوة والقبول: الهيمنة لا تستبعد القوة القسرية تمامًا، بل تجمع بين القبول الثقافي والقوة السياسية/العسكرية. عندما يفشل القبول، تلجأ الطبقة الحاكمة إلى القمع.
آليات الهيمنة في سياق ما بعد الكولونيالية
في المجتمعات ما بعد الاستعمار، تستمر الهيمنة الغربية من خلال عدة آليات:
اللغة: تُعد اللغة أداة رئيسية للهيمنة الثقافية. تبني اللغات الاستعمارية (مثل الإنجليزية أو الفرنسية) في التعليم والإدارة يُكرس تفوق الثقافة الغربية ويُهمّش اللغات المحلية.
مثال: في الهند، أصبحت الإنجليزية لغة النخبة التعليمية والإدارية، مما أدى إلى تهميش لغات مثل الهندية أو التاميل في بعض السياقات.
التعليم: النظم التعليمية في دول ما بعد الاستعمار غالبًا تتبنى مناهج غربية تركز على الروايات التاريخية الاستعمارية، مما يُقلل من قيمة الثقافات المحلية.
مثال: في أفريقيا، تُركز المناهج الدراسية على التاريخ الأوروبي على حساب التاريخ الأفريقي المحلي.
الإعلام والثقافة الشعبية: تُروج وسائل الإعلام العالمية للقيم الغربية مثل الفردانية والاستهلاكية، مما يؤثر على الهوية الثقافية للشباب في المجتمعات ما بعد الاستعمار.
مثال: هيمنة هوليوود ووسائل الإعلام الغربية في تشكيل معايير الجمال والنجاح في آسيا وأفريقيا.
النخب المحلية: تلعب النخب المحلية دورًا في تعزيز الهيمنة من خلال تبني النماذج الغربية في السياسة، الاقتصاد، والثقافة. غرامشي يُشير إلى هؤلاء كـ"مثقفين تقليديين" يخدمون مصالح الطبقة الحاكمة.
المثقف العضوي والتحرر الثقافي
يُعتبر مفهوم المثقف العضوي أحد الركائز الأساسية في فكر أنطونيو غرامشي، حيث يُمثل أداة مركزية لمقاومة الهيمنة الثقافية والسياسية. على عكس المثقف التقليدي الذي يخدم مصالح الطبقة الحاكمة، يرتبط المثقف العضوي ارتباطًا وثيقًا بالطبقات أو الجماعات المهمشة، ويعمل على تعزيز وعيها الثقافي والسياسي لبناء هيمنة مضادة. في سياق ما بعد الكولونيالية، يتجاوز دور المثقف العضوي حدود الطبقة ليشمل الهويات الثقافية والقومية المهمشة، مما يجعله محوريًا في مقاومة الهيمنة الغربية. تهدف هذه الدراسة إلى تفصيل دور المثقف العضوي، مع التركيز على وظائفه، استراتيجياته، تطبيقاته العملية، والتحديات التي تواجهه في سياقات ما بعد الاستعمار. من هذا المنظور يُميّز غرامشي في "دفاتر السجن" بين نوعين من المثقفين:
المثقف التقليدي: ينتمي إلى النخب الفكرية التقليدية (مثل الأكاديميين والكهنة) ويعمل على تكريس الهيمنة الثقافية للطبقة الحاكمة، غالبًا بشكل منفصل عن الصراعات الطبقية.
المثقف العضوي: ينشأ من داخل طبقة اجتماعية أو جماعة معينة، ويُعبّر عن مصالحها، ويعمل كمنظم ومُعبئ لها. المثقف العضوي ليس بالضرورة أكاديميًا، بل قد يكون كاتبًا، فنانًا، ناشطًا، أو معلمًا يرتبط ارتباطًا وثيقًا بمجتمعه.
في سياق ما بعد الكولونيالية، يتسع دور المثقف العضوي ليشمل تمثيل الجماعات المهمشة ثقافيًا وقوميًا، مثل السكان الأصليين، الفلاحين، أو الأقليات اللغوية، في مواجهة الهيمنة الثقافية الغربية.
وظائف المثقف العضوي
تنظيم الوعي الجماعي: يعمل المثقف العضوي على رفع الوعي الثقافي والسياسي للجماعات المهمشة، مما يساعدها على فهم جذور تهميشها وتطوير رؤية نقدية للهيمنة.
مثال: في سياق ما بعد الاستعمار، يقوم المثقف العضوي بتفكيك الروايات الاستعمارية التي تُقدم الثقافة الغربية كمعيار للحداثة.
إنتاج المعرفة المحلية: يُسهم في إنتاج معرفة تعكس التجارب والقيم المحلية، مثل الأدب، الفن، أو الدراسات التاريخية، لمواجهة الهيمنة الثقافية.
مثال: إنتاج أعمال أدبية باللغات المحلية لتعزيز الهوية الثقافية.
التنظيم والتعبئة: يعمل كوسيط بين الجماعات المهمشة والمؤسسات السياسية والثقافية، مما يُساعد على بناء حركات اجتماعية مقاومة.
مثال: تنظيم حركات ثقافية أو سياسية للمطالبة بحقوق اللغات المحلية أو إصلاح التعليم.
بناء هيمنة مضادة: يسعى المثقف العضوي إلى بناء هيمنة مضادة من خلال تعزيز القيم والروايات الثقافية المحلية، مما يتحدى "المنطق العام" الذي تفرضه الهيمنة الغربية.
استراتيجيات المثقف العضوي في سياق ما بعد الكولونيالية
إحياء الهوية الثقافية: يركز المثقف العضوي على إعادة إحياء العناصر الثقافية المهمشة، مثل اللغات، الفنون، والتقاليد المحلية.
تطبيق عملي: نغوغي وا ثيونغو في كينيا دعا إلى كتابة الأدب باللغات الأفريقية مثل الكيكويو، معتبرًا أن اللغة الإنجليزية تُكرس الهيمنة الثقافية الاستعمارية. كتابه إزالة الاستعمار من العقل (1986) يُعد بيانًا لدور المثقف العضوي في استعادة الهوية الأفريقية.
إعادة كتابة التاريخ: يعمل على استعادة الروايات التاريخية المحلية التي طُمست خلال الاستعمار، لتعزيز الفخر الثقافي والقومي.
تطبيق عملي: في الهند، قادت مجموعة دراسات التابع بقيادة راناجيت غوها جهودًا لإعادة كتابة تاريخ الفلاحين والطبقات المهمشة، مما تحدى الروايات الاستعمارية البريطانية التي ركزت على النخب.
التثقيف والتوعية: ينظم ورش عمل، محاضرات، وبرامج تعليمية لنشر الوعي حول الهوية الثقافية والتاريخية.
تطبيق عملي: في جنوب أفريقيا، لعب ستيف بيكو، زعيم حركة "الوعي الأسود"، دور المثقف العضوي من خلال تنظيم برامج توعية لتعزيز الفخر بالهوية الأفريقية في مواجهة الفصل العنصري.
إنتاج أعمال ثقافية: يُسهم في إنتاج أعمال أدبية، فنية، وسينمائية تعكس تجارب الجماعات المهمشة.
تطبيق عملي: في غرب أفريقيا، ساهم إيمي سيزير وليوبولد سنغور في حركة "النيغريتود" من خلال كتابة الشعر والمسرحيات التي تُمجد الهوية الأفريقية وتتحدى الهيمنة الفرنسية.
التنظيم السياسي والثقافي: يعمل على بناء حركات اجتماعية وسياسية تُطالب بحقوق الجماعات المهمشة، مثل الحق في التعليم باللغات المحلية أو حماية التراث الثقافي.
تطبيق عملي: في بوليفيا، لعب مثقفون عضويون من السكان الأصليين، مثل أعضاء حركة "باتشاكوتي"، دورًا في تنظيم المطالبات السياسية لتعزيز حقوق السكان الأصليين واللغة الكيتشوا.
الحرب المناورة والحرب الموضعية
يميز غرامشي بين "الحرب المناورة"، وهي الثورة المباشرة ضد النظام الحاكم، و"الحرب الموضعية"، وهي استراتيجية طويلة الأمد لبناء هيمنة مضادة من خلال الثقافة والتعليم. في سياقات ما بعد الكولونيالية، تُعد الحرب الموضعية أكثر ملاءمة لمقاومة الهيمنة الثقافية، حيث تتطلب بناء مؤسسات ثقافية وتعليمية محلية تعزز الهوية الذاتية وتتحدى النماذج الغربية.
نحو عضوانية غير تابعية
تُشير العضوانية عند غرامشي إلى الارتباط العميق بين المثقف والطبقة الاجتماعية التي يمثلها. على عكس المثقف التقليدي الذي ينفصل عن السياق الاجتماعي، يعمل المثقف العضوي على تعزيز الوعي الطبقي وتمكين الطبقات المهمشة. في سياق ما بعد الكولونيالية، يمكن توسيع مفهوم العضوانية ليشمل بناء هوية ثقافية وسياسية مستقلة عن الهيمنة الغربية.
العضوانية غير التابعية تتطلب إعادة صياغة العلاقة بين المركز والهامش، بحيث لا تكون الثقافات غير الغربية مجرد تابع للنموذج الغربي. يمكن تحقيق ذلك من خلال:
إعادة كتابة التاريخ: استعادة الروايات التاريخية المحلية التي تم تهميشها أو طمسها خلال الاستعمار.
تعزيز اللغات المحلية: مقاومة الهيمنة اللغوية الغربية من خلال إحياء اللغات المحلية واستخدامها في التعليم والإعلام.
بناء مؤسسات ثقافية مستقلة: إنشاء فضاءات ثقافية تعكس الهوية المحلية وتعزز الوعي الذاتي.
تطوير الوعي الجماعي
الأهمية: يرى غرامشي أن بناء الوعي الجماعي هو أساس مقاومة الهيمنة. في سياق ما بعد الكولونيالية، يتطلب ذلك تمكين الجماعات المهمشة من فهم تاريخها وهويتها.
الاستراتيجية: تنظيم ورش عمل وبرامج توعية حول الهوية الثقافية والتاريخ.
استخدام وسائل الإعلام المحلية لنشر الوعي الثقافي.
إشراك المجتمعات المحلية في الحركات السياسية والثقافية.
تطبيق عملي: جنوب أفريقيا: حركة "الوعي الأسود" بقيادة ستيف بيكو ركزت على تعزيز الفخر بالهوية الأفريقية من خلال التثقيف الشعبي.
فلسطين: المراكز الثقافية المقاومة تُنتج أدبًا وفنًا يُعزز الوعي بالهوية الفلسطينية في مواجهة الهيمنة الإسرائيلية.
في سياق أفريقيا ما بعد الاستعمار، يمكن رؤية محاولات بناء عضوانية غير تابعية في أعمال كتاب مثل نغوغي وا ثيونغو، الذي دعا إلى استخدام اللغات الأفريقية في الأدب والتعليم، أو في حركات تحرر ثقافية مثل حركة "النيغريتود" في غرب أفريقيا. كذلك، يمكن تطبيق أفكار غرامشي على حركات مقاومة ثقافية في أمريكا اللاتينية، مثل حركات السكان الأصليين في بوليفيا والإكوادور، التي تسعى إلى استعادة الهوية الثقافية والسياسية المحلية. تحديات تطبيق أفكار غرامشي في سياق ما بعد الكولونيالية.
التعددية الثقافية: تتميز المجتمعات ما بعد الاستعمار بتنوع ثقافي كبير، مما يجعل بناء هيمنة مضادة موحدة أمرًا صعبًا.
العولمة: تفرض العولمة تحديات جديدة على العضوانية غير التابعية، حيث تستمر الهيمنة الثقافية الغربية من خلال الإعلام والاقتصاد.
السلطة المحلية: في بعض السياقات، قد تستخدم النخب المحلية أفكار غرامشي لتعزيز سلطتها بدلاً من تمكين المهمشين.
خاتمة
"يجب أن تكون على دراية كاملة بحدودك الخاصة، خاصة إذا كنت تريد توسيعها."
يُظهر أنطونيو غرامشي، من خلال مفاهيمه حول الهيمنة، المثقف العضوي، والحرب الموضعية، قدرة فكرية استثنائية على تجاوز السياقات المحلية والتاريخية. في إطار ما بعد الكولونيالية، تُعد أفكاره أدوات قوية لفهم ديناميات القوة الثقافية والسياسية، ولبناء عضوانية غير تابعية تتحدى الهيمنة الغربية. من خلال تعزيز الوعي الثقافي والسياسي، يمكن للمثقفين العضويين في المجتمعات ما بعد الاستعمار أن يلعبوا دورًا محوريًا في إعادة صياغة الهوية الذاتية وتحقيق التحرر الثقافي والسياسي. ومع ذلك، يتطلب تطبيق هذه الأفكار مواجهة تحديات العولمة والتعددية الثقافية، مما يستدعي إبداعًا في تكييف أفكار غرامشي مع السياقات المحلية. مفهوم الهيمنة عند غرامشي يُقدم أداة تحليلية قوية لفهم كيفية استمرار السيطرة الثقافية والسياسية الغربية في المجتمعات ما بعد الاستعمار. من خلال اللغة، التعليم، والإعلام، تُكرس الهيمنة النماذج الغربية كمعايير عالمية، مما يُهمّش الهويات المحلية. ومع ذلك، توفر استراتيجية الحرب الموضعية إطارًا لمقاومة الهيمنة عبر بناء هيمنة مضادة تعتمد على إحياء اللغات، استعادة التاريخ، وإنشاء مؤسسات ثقافية مستقلة. رغم التحديات مثل التعددية الثقافية والعولمة، يظل مفهوم الهيمنة مرنًا وقادرًا على إلهام حركات التحرر الثقافي والسياسي في سياقات ما بعد الكولونيالية. كما تُقدم أفكار غرامشي، خاصة الهيمنة، المثقف العضوي، والحرب الموضعية، أدوات تحليلية قوية لفهم ومقاومة الهيمنة الثقافية في سياقات ما بعد الكولونيالية. من خلال بناء عضوانية غير تابعة، يمكن للمثقفين العضويين تعزيز الهوية المحلية وتحدي النماذج الغربية عبر استراتيجيات مثل إحياء اللغات المحلية وإعادة كتابة التاريخ. رغم التحديات مثل التعددية الثقافية والعولمة، تظل أفكار غرامشي مرنة وقابلة للتكيف، مما يجعلها أداة حيوية للتحرر الثقافي والسياسي في العالم ما بعد الاستعمار. ان استراتيجيات مقاومة الهيمنة في سياق ما بعد الكولونيالية، المستمدة من أفكار غرامشي، تُركز على بناء هيمنة مضادة من خلال دور المثقف العضوي، إحياء اللغات المحلية، استعادة الروايات التاريخية، بناء مؤسسات ثقافية مستقلة، وتطوير الوعي الجماعي. تُظهر أمثلة من فلسطين وأفريقيا، الهند، وأمريكا اللاتينية فعالية هذه الاستراتيجيات في تحدي الهيمنة الثقافية الغربية. ورغم التحديات مثل التعددية الثقافية والعولمة، تظل هذه الاستراتيجيات مرنة وقابلة للتكيف، مما يجعلها أدوات حيوية للتحرر الثقافي والسياسي في المجتمعات ما بعد الاستعمار. فكيف يمكن تنضيج المعارك الثورية في الساحة العربية والفلسطينية ضد الاحتلال الاستيطاني وفي مواجهة الهجمة الصهيوامبرالية من اجل تحقيق الانعتاق الجذري من التبعية؟
المصادر والمراجع
Gramsci, A. (1971). Selections from the Prison Notebooks. International Publishers.
Said, E. (1978). Orientalism. Pantheon Books.
Bhabha, H. (1994). The Location of Culture. Routledge.
Fanon, F. (1963). The Wretched of the Earth. Grove Press.
Ngũgĩ wa Thiong o. (1986). Decolonising the Mind: The Politics of Language in African Literature. James Currey.
Spivak, G. C. (1988). Can the Subaltern Speak? In C. Nelson & L. Grossberg (Eds.), Marxism and the Interpretation of Culture. University of Illinois Press.
كاتب فلسفي



#زهير_الخويلدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفلسفة هي فن طرح الأسئلة الصحيحة، بدلاً من الحصول على إجابا ...
- مقاربة فلسفية للتنوير والتراصف والمقاومة في السياق الحضاري
- توحش وبؤس الليبرالية الجديدة ومخاطرها على الشعوب الضعيفة وال ...
- دراسة مقارنة بين جوديت بتلر ونانسي فريزر حول الفكر النسوي وم ...
- المقاومة الفلسفية ضد الهيمنة الصهيوامبريالية، مقاربة ما بعد ...
- الفكر الاستراتيجي عند مهدي المنجرة بين الاقتصاد وعلم الاجتما ...
- دازاين المقاومة عند مارتن هيدجر من خلال مكوث الشعب على الأرض ...
- التفكير النقدي في الفلسفة كأداة للابتكار والتطوير المستمر
- الكتابة الفلسفية في الثقافة السياسية فعل مقاومة والتزام وجود ...
- جورج إبراهيم عبد الله رمز النضال الأممي وحرية طال انتظارها
- التجديد الفني والنضال الملتزم عند زياد الرحباني: رحلة كفاح م ...
- غسان كنفاني والأدب المقاوم والقضية الفلسطينية، مقاربة مابعد ...
- ريمون آرون بين بين قذارة الحروب، واستحالة السلام بين الدول
- طريق الفيلسوف حسب جان فال من مقالة في الميتافيزيقا إلى التفك ...
- تجربة الفنان وعلاقته بجمهوره
- من أجل فلسفة ملتزمة مقاومة
- الايروس المقاوم في حضارة اقرأ في مواجهة الثاناتوس في العولمة ...
- مستقبل العالم في صراع الحضارات والحروب بين الدول
- فلسفة المهرجان بين استعراض الابداعات الفنية وافاق انتظارات ا ...
- سياسات الفلسفة السياسية لهربرت ماركوز حسب جوليان فرويند


المزيد.....




- أفضل الطرق لـ-تحييد- حزب الله في لبنان؟- مقال في فايننشال تا ...
- الشرطة البرازيلية تكشف رسائل تُظهر محاولة بولسونارو الفرار و ...
- مقابل 29 مليون يورو... المغربي أمين عدلي يغادر ليفركوزن
- فيديو المتحف المصري يفجر نقاشًا حول تشريعات الذكاء الاصطناعي ...
- وفاة رجل ببث مباشر بعد تعرضه للضرب والإهانة علنا لمدة 12 يوم ...
- سوريا: من هو ضياء سمّوط... المصور الذي خلّد رعب الغاز الأصفر ...
- تونس: الاتحاد العام للشغل يتظاهر دفاعا عن استقلاليته والحق ا ...
- هل بدأت إسرائيل باجتياح مدينة غزة.. ما الوضع الميداني والإنس ...
- حماس تدعو لتحرك عربي وإسلامي جاد لحماية الأقصى في ذكرى إحراق ...
- بين ضغط نتنياهو وحذر زامير.. احتلال غزة -مقامرة- مكتملة الأر ...


المزيد.....

- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زهير الخويلدي - أنطونيو غرامشي بين الثوري عابر للثقافات وتغيير المحاور نحو عضوانية غير تابعية - مقاربة ما بعد كولونيالية