أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زهير الخويلدي - التجديد الفني والنضال الملتزم عند زياد الرحباني: رحلة كفاح موسيقية ضد الرعونة والابتذال والتوحش















المزيد.....

التجديد الفني والنضال الملتزم عند زياد الرحباني: رحلة كفاح موسيقية ضد الرعونة والابتذال والتوحش


زهير الخويلدي

الحوار المتمدن-العدد: 8415 - 2025 / 7 / 26 - 22:11
المحور: الادب والفن
    


مقدمة
رحل عن الدنيا الفنان اللبناني زياد الرحباني يوم 26 جويلية 2025 وهو ابن الفنان الملتزمة فيروز، وهو يعتبر أحد أبرز الأيقونات الفنية في العالم العربي، حيث شكّل علامة فارقة في تاريخ الموسيقى والمسرح العربيين من خلال أسلوبه الفريد الذي جمع بين التجديد الفني والنضال الملتزم. تجاوزت أعمال زياد حدود الترفيه التقليدي لتصبح صوتًا ثوريًا يعكس هموم الإنسان العربي، وخاصة اللبناني، في مواجهة التحديات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. يهدف هذا المقال إلى تحليل التجديد الفني في أعمال زياد الرحباني، مع التركيز على نضاله الملتزم ضد "الرعونة" (التجارية الرخيصة)، "الابتذال" (السطحية الفنية)، و"التوحش" (الهيمنة الثقافية والسياسية)، مع إبراز كيفية تجسيده لهذه القيم في موسيقاه ومسرحياته. فمن هو الرحباني؟ أين عاش؟ وبمن تأثر؟ وما علاقته بالواقع والجمهور؟ وكيف غيّر الفن؟
التجديد الفني عند زياد الرحباني:
إعادة صياغة الموسيقى والمسرح العربي
الجذور الفنية والتأثيرات الأسرية
وُلد زياد الرحباني في أنطلياس، لبنان، عام 1956، لأبوين هما الموسيقار عاصي الرحباني والمغنية نهاد حداد (فيروز)، اللذان شكلا مع منصور الرحباني مدرسة الإخوان الرحباني التي أحدثت ثورة في الفن العربي خلال القرن العشرين. هذه النشأة الفنية أثرت على زياد بشكل عميق، إذ بدأ دراسة البيانو والنظريات الموسيقية في سن مبكرة، مما أتاح له استيعاب التراث الموسيقي العربي والغربي على حد سواء. على الرغم من تأثره بالمدرسة الرحبانية، سعى زياد إلى تجاوزها عبر إدخال عناصر موسيقية جديدة مثل الجاز والموسيقى الغربية الحديثة. فقد تحوّل البيانو في يديه إلى آلة تمزج بين المقامات الشرقية والإيقاعات الغربية، مما أنتج ما يُعرف بـ"الجاز اللبناني"، وهو أسلوب مبتكر يعكس التفاعل بين الشرق والغرب
التجريب الموسيقي: الجاز اللبناني والمقامات المتحركة
ابتكر زياد الرحباني أسلوبًا موسيقيًا يتميز بالتجريب، حيث مزج بين المقامات العربية التقليدية مثل الحجاز والبياتي، وإيقاعات الجاز والموسيقى الغربية. هذا التمازج لم يكن مجرد تقنية موسيقية، بل كان تعبيرًا عن رؤية فنية تهدف إلى تحرير الموسيقى العربية من القوالب التقليدية. على سبيل المثال، في ألبوم "إلى عاصي" (1995)، أعاد زياد توزيع أغاني الأخوين الرحباني بطريقة جديدة، مع الحفاظ على روحها الأصلية ولكن بإضافة لمسات حديثة تعكس هويته الفنية. كما أن أعماله مثل "الله كبير" (2008) أظهرت قدرته على استعادة الخامة الصوتية التقليدية لفيروز مع إدخال عناصر جديدة، مما جعل الموسيقى جسرًا بين الماضي والحاضر. هذا التجديد لم يكن مجرد ابتكار تقني، بل كان جزءًا من نضال فني ضد الابتذال الذي بدأ يهيمن على الموسيقى العربية في السبعينيات والثمانينيات.
المسرح كمنصة للتجديد
في المسرح، ابتعد زياد عن الأسلوب الرومانسي للأخوين الرحباني، مفضلاً نهجًا واقعيًا وساخرًا يعكس الحياة اليومية للشعب اللبناني. مسرحيات مثل "سهرية" و"نازل السرور" قدمت نقدًا اجتماعيًا وسياسيًا حادًا، مستخدمة الفكاهة كأداة لكشف تناقضات المجتمع اللبناني خلال الحرب الأهلية (1975-1990). هذا التحول من المسرح الغنائي إلى المسرح السياسي الساخر يُعد تجديدًا جذريًا، حيث جعل زياد المسرح منصة للتعبير عن هموم الطبقات الشعبية.
النضال الملتزم: صوت الثورة والاحتجاج
النقد السياسي والاجتماعي
كان زياد الرحباني صوتًا ثائرًا ضد الفساد السياسي والاجتماعي في لبنان. مسرحياته مثل "فيلم أميركي طويل" و"شي فاشل" هاجمت الطبقة السياسية التقليدية، مستخدمة السخرية لفضح التواطؤ والفساد خلال الحرب الأهلية اللبنانية. هذا النقد لم يكن مجرد تعبير عن غضب، بل كان نضالاً ملتزمًا يهدف إلى إيقاظ الوعي الجماهيري. على سبيل المثال، في مسرحية "شي فاشل"، استخدم زياد حوارات ساخرة لتصوير الفوضى السياسية والاجتماعية، مما جعل العمل ليس فقط ترفيهيًا، بل أداة للتفكير النقدي. هذا الالتزام جعل زياد رمزًا لليسار العربي والفكر الشيوعي، حيث تبنى قضايا العدالة الاجتماعية والمساواة.
مواجهة الرعونة والابتذال
في سياق الموسيقى العربية، واجه زياد موجة من "الرعونة"، أي التسويق التجاري الرخيص الذي سيطر على الفن في العقود الأخيرة من القرن العشرين. رفض زياد الخضوع للإنتاج الفني الاستهلاكي، مفضلاً تقديم أعمال ذات عمق فكري وجمالي. على سبيل المثال، ألبوم "بلا وعد" وأغاني مثل "مربا الدلال" عكست رفضه للسطحية العاطفية والفنية، مقدمًا بدلاً من ذلك أعمالاً تعبر عن الحياة الواقعية بصدق.
كما أن تعاونه مع فيروز في أعمال مثل "كيفك إنت" و"سألوني الناس" نقل صوتها من الفضاء الأيقوني إلى فضاء أكثر واقعية، معبرًا عن هموم الناس العاديين بدلاً من الرومانسية المثالية التي ميزت أعمال الأخوين الرحباني.
مقاومة التوحش الثقافي
يُمكن اعتبار "التوحش" في سياق زياد الرحباني رمزًا للهيمنة الثقافية والسياسية التي حاولت طمس الهوية العربية واللبنانية. من خلال موسيقاه ومسرحياته، قاوم زياد هذا التوحش عبر التمسك بالهوية المحلية مع فتحها على التأثيرات العالمية. على سبيل المثال، مزجه بين الجاز والموسيقى العربية لم يكن مجرد تجربة فنية، بل كان بمثابة مقاومة للهيمنة الثقافية الغربية من خلال إعادة صياغتها في سياق عربي.
الإرث الفني والتأثير الثقافي
تأثير زياد على الفن العربي
ترك زياد الرحباني بصمة عميقة في الفن العربي، حيث ألهم جيلاً من الفنانين لتبني نهج ملتزم ومبتكر. أعماله مثل "بما إنو" و"حكي الناس" أصبحت رموزًا للموسيقى الاحتجاجية التي تجمع بين الفن والنضال. كما أن مسرحياته شكلت نموذجًا للمسرح السياسي الساخر الذي يعالج قضايا الواقع بجرأة.
التعاون مع فيروز: ثورة فنية ونفسية
كان تعاون زياد مع والدته فيروز نقطة تحول في مسيرتها الفنية. فقد نقل صوتها من الأيقونة المثالية إلى صوت يعبر عن الهشاشة والصدق، مما جعل أغاني مثل "كيفك إنت" تعكس تجربة إنسانية عميقة. هذا التحول لم يكن مجرد تغيير في الأسلوب الموسيقي، بل كان انعكاسًا لنضال زياد ضد القوالب الفنية التقليدية.
زياد الرحباني كثائر فني
يمكن قراءة أعمال زياد الرحباني من خلال عدسة النقد الثقافي، حيث يظهر كثائر ضد الأنماط الفنية التقليدية والقوى السياسية والثقافية المهيمنة. باستخدام السخرية والعمق، استطاع زياد أن يحول الفن إلى أداة للمقاومة، سواء ضد الابتذال الفني أو التوحش الثقافي. هذا النضال لم يكن مجرد تعبير عن آراء سياسية، بل كان محاولة لإعادة تعريف الهوية العربية في سياق عالمي. ومع ذلك، يمكن نقد بعض جوانب أعمال زياد، حيث رأى البعض أن تركيزه على النقد السياسي قد قلل أحيانًا من الجوانب الجمالية في أعماله. كما أن تبنيه للفكر الشيوعي جعل بعض أعماله تبدو موجهة لجمهور محدد، مما قد يحد من شموليتها.
خاتمة
يبقى زياد الرحباني رمزًا للتجديد الفني والنضال الملتزم، حيث استطاع من خلال موسيقاه ومسرحياته أن يقاوم الرهونة والابتذال والتوحش الثقافي. أعماله لم تكن مجرد إنتاج فني، بل كانت صوتًا ثائرًا يعبر عن هموم الإنسان العربي وطموحاته. إرثه الفني سيظل مصدر إلهام للأجيال القادمة، كما أن تجربته تُظهر كيف يمكن للفن أن يكون أداة للتغيير الاجتماعي والثقافي. شكرا جزيلا لك وبورك في عملك. لقد كنت انسانا رائعا ومثقفا عضويا وقمت بالدور الطليعي للفنان على أحسن وجه.
كاتب فلسفي



#زهير_الخويلدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غسان كنفاني والأدب المقاوم والقضية الفلسطينية، مقاربة مابعد ...
- ريمون آرون بين بين قذارة الحروب، واستحالة السلام بين الدول
- طريق الفيلسوف حسب جان فال من مقالة في الميتافيزيقا إلى التفك ...
- تجربة الفنان وعلاقته بجمهوره
- من أجل فلسفة ملتزمة مقاومة
- الايروس المقاوم في حضارة اقرأ في مواجهة الثاناتوس في العولمة ...
- مستقبل العالم في صراع الحضارات والحروب بين الدول
- فلسفة المهرجان بين استعراض الابداعات الفنية وافاق انتظارات ا ...
- سياسات الفلسفة السياسية لهربرت ماركوز حسب جوليان فرويند
- يسارية جيل دولوز بين شيوعية صغرى وفلسفة العالم الثالث
- الوعي والإرادة والثورة الثقافية عند غرامشي وماو
- القوة الفلسفية الإيتيقية للهشاشة البشرية
- المراهنة الفلسفية على المقاومة
- وظيفة الحرب في التاريخ البشري بين تخليف التدمير الكلي والصحة ...
- فلسفة التقنية بين التقدم العلمي والتطور التكنولوجي والمحاذير ...
- النضال الفكري والأدبي عند ادوارد سعيد ومحمود درويش
- ضد الحرب الامبريالية على الشعوب الفقيرة
- نبذ العدمية: هل نكون مخطئين حقًا: العدمية المستنيرة أم الطبي ...
- كتاب الواجبات عند الرواقي شيشرون
- تحليل نظريات السلطة وتطبيقاتها حسب ألكسندر كوجيف


المزيد.....




- إطلاق خطة شاملة لإحياء السينما المصرية.. ما تفاصيلها؟
- رضوان لفلاحي: -لا شيء ممهَّد لشباب الضواحي في فرنسا كي يدخلو ...
- غاليري 54.. بورتريهات من ضوء، ألوان تتسابق وذاكرة تتمهل الزم ...
- رحيل فنان لبناني كبير والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تنعاه!
- احتجاجًا على الرقابة... فنانة أمريكية تُلغي معرضها في المتحف ...
- نصف قرن من الإبداع - وفاة الفنان اللبناني زياد الرحباني
- البشر يتبنون لغة الذكاء الاصطناعي دون أن يشعروا
- وفاة الفنان اللبناني زياد الرحباني ...ظاهرة فنية فريدة
- المغنّي والمسرحي والمؤلف الموسيقي ونجل فيروز.. رحيل الفنان ا ...
- بانكوك تستضيف مؤتمرا دوليا لتعزيز مكانة اللغة العربية


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زهير الخويلدي - التجديد الفني والنضال الملتزم عند زياد الرحباني: رحلة كفاح موسيقية ضد الرعونة والابتذال والتوحش