أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - حمدي سيد محمد محمود - بيتر هيجز: العقل الذي كشف سر الكتلة وأعاد صياغة فهم الكون














المزيد.....

بيتر هيجز: العقل الذي كشف سر الكتلة وأعاد صياغة فهم الكون


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8467 - 2025 / 9 / 16 - 11:04
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


د.حمدي سيد محمد محمود
يُعَدّ بيتر هيجز واحدًا من أبرز الفيزيائيين النظريين في القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين، ليس فقط بسبب عبقريته العلمية الفذة، بل أيضًا لأنه قدّم للعالم تصورًا رياضيًا وفيزيائيًا شديد العمق والجرأة حول واحدة من أعقد المعضلات التي واجهت الفيزياء الحديثة: مصدر كتلة الجسيمات الأولية. ففي ستينيات القرن الماضي، حين كانت الفيزياء الجزيئية في طور الاكتمال مع بروز النموذج القياسي كإطار شامل يصف القوى والجسيمات الأساسية، كانت هناك ثغرة جوهرية تتمثل في تفسير لماذا تمتلك بعض الجسيمات كتلة بينما تظل أخرى عديمة الكتلة. هذه الثغرة لم تكن مجرد مسألة تقنية أو تفصيل نظري؛ بل كانت تحديًا وجوديًا لمتانة النموذج القياسي بأكمله. وهنا جاء إسهام هيجز عندما افترض وجود حقل كوني غير مرئي وممتد في كل مكان، سُمّي لاحقًا بحقل هيجز، والذي يتفاعل مع الجسيمات ويمنحها كتلتها عبر آلية كسر التناظر.

هذا الطرح النظري كان ثوريًا في زمانه، إذ استند إلى أسس رياضية عميقة، ومع ذلك بدا للكثيرين آنذاك ضربًا من المغامرة الفكرية التي يصعب التحقق منها تجريبيًا. إلا أن ما ميّز هيجز كان إيمانه الراسخ بأهمية الفرضية رغم محدودية الأدوات العلمية حينها لإثباتها. فقد تطلّب الأمر ما يقارب نصف قرن من التقدم في تكنولوجيا المسرعات والجسيمات الدقيقة حتى يصبح من الممكن اختبار تلك الفكرة على نحو مباشر. وبالفعل، كان بناء مصادم الهادرونات الكبير في سيرن بمثابة الخطوة المفصلية التي أتاحت للعلماء تعقّب الجسيمات النادرة والبحث عن البصمة الفريدة لجسيم هيجز. وفي عام 2012، جاء الإعلان التاريخي من سيرن عن رصد جسيم جديد تتوافق خصائصه مع التنبؤات النظرية لهيجز، وهو ما مثّل أحد أعظم لحظات العلم الحديث وأثبت مصداقية الفرضية التي وُضعت قبل عقود.

إن أهمية هذا الاكتشاف لا تكمن في كونه تأكيدًا لفكرة نظرية فحسب، بل في أنه أغلق فجوة أساسية في النموذج القياسي للفيزياء، ورسّخ هذا النموذج بوصفه أنجح إطار لفهم مكونات الكون حتى الآن. فالكتلة ليست خاصية ثانوية، بل هي أساس تشكّل المادة وقيام البُنى الكونية بدءًا من الذرات والجزيئات وصولًا إلى الكواكب والمجرات. ومن دون حقل هيجز وجسيماته، لما استطاع الكون أن يتخذ صورته التي نعرفها اليوم، ولما كان للمادة استقرار أو معنى. ومن هذا المنظور، يمكن القول إن اكتشاف جسيم هيجز ليس مجرد إنجاز أكاديمي، بل هو كشف عن إحدى اللبنات الجوهرية التي تجعل الوجود المادي ممكنًا أصلاً.

عندما مُنح بيتر هيجز جائزة نوبل في الفيزياء عام 2013 مشاركةً مع فرانسوا إنجلير، لم يكن ذلك تكريمًا لشخصيهما فحسب، بل كان اعترافًا بالرحلة الطويلة التي خاضها المجتمع العلمي في سبيل الإجابة عن سؤال جوهري حول طبيعة الواقع. كما جسّد ذلك التكريم درسًا في الصبر العلمي والالتزام بالبحث النظري حتى في مواجهة الشكوك والمعوقات العملية. وقد برزت شخصية هيجز المتواضعة بشكل لافت، إذ كان دائمًا ينسب الفضل إلى العمل الجماعي للعلماء وإلى الجهود الهندسية والتقنية التي جعلت من الممكن التحقق من فكرته.

إن تأثير اكتشاف جسيم هيجز يتجاوز حدود الفيزياء البحتة، فهو يمثل نموذجًا على قدرة العقل البشري على النفاذ إلى أعماق الطبيعة عبر الرياضيات والتجريب، كما يفتح آفاقًا لمزيد من الأسئلة حول ما وراء النموذج القياسي، مثل طبيعة المادة المظلمة، وأصل التناظر الفائق، واحتمالات وجود أبعاد إضافية. وبقدر ما قدم هذا الاكتشاف إجابة عن سؤال قديم، فإنه أعاد صياغة أسئلة جديدة أكثر عمقًا عن طبيعة الكون ومصيره. هكذا أصبح بيتر هيجز ورؤيته النظرية أيقونة علمية خالدة، ليس فقط لأنه وضع حجر الأساس لأعظم اكتشاف في العصر الحديث، بل لأنه مثّل بعمله وعطائه مثالًا حيًا على أن العلم رحلة دائمة في البحث عن الحقيقة، رحلة تبدأ من مجرد فكرة رياضية لتتحول في النهاية إلى حقيقة كونية تهز أركان فهمنا للوجود ذاته.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العقل بين التأسيس والنقد: تحولات المفهوم في الفلسفة الأوروبي ...
- الذكاء الفائق كحاكم خفي: إعادة تشكيل منظومات الحوكمة الاسترا ...
- الهيمنة الرقمية: الإنسان بين التقدم وفقدان المعنى
- من كوبرنيكوس إلى عصر الحداثة: الثورات المعرفية التي غيّرت وج ...
- كوبرنيكوس: حين تحدّى الإنسان مركزية الكون فاهتزت عروش اليقين
- المستعربون العرب: جسرٌ مُزيّف يعيد إنتاج السردية الإسرائيلية ...
- العدالة الاقتصادية في عصر الذكاء الفائق: نحو عقد اجتماعي جدي ...
- النفوذ الرقمي: إعادة تشكيل خرائط القوة في القرن الحادي والعش ...
- الوجودية: من قلق الفرد إلى عبء الحرية وصناعة المعنى
- إسرائيل كذراع استراتيجية للولايات المتحدة: بين المصالح العمي ...
- القيادة التحويلية في زمن الأزمات: من احتواء التحديات إلى صنا ...
- هندسة الجاذبية: إدارة القوة الناعمة كرافعة للنفوذ الدولي
- الجغرافيا الجديدة للنفوذ: أمن الطاقة وإعادة تشكيل التوازنات ...
- المؤثرون: بين بناء الثقة وتحديات الشهرة
- ما بعد الإيمان: تحولات فلسفة الدين في العصر الحديث
- السيادة في عصر الشبكات: الأمن الرقمي كدرع للأمن القومي
- أشباه الموصلات وصياغة ملامح القوة في القرن الحادي والعشرين
- حدود العلم بين رؤية كارل بوبر وتأملات محمود كيوان: نحو فلسفة ...
- التخيل الاجتماعي في زمن الذكاء الاصطناعي: صراع السرديات وإعا ...
- اقتصاد الجليد: سباق القوى الكبرى على كنوز القطب وأسرار المست ...


المزيد.....




- تنظيم مسلح جديد في خان يونس يطرح نفسه بديلًا لحماس.. من هي ج ...
- نعيم قاسم يدعو السعودية إلى فتح صفحة جديدة مع حزب الله: لحوا ...
- محكمة العدل الدولية تعلن تلقيها شكوى من مالي ضد الجزائر
- أيام على السابع من أكتوبر
- رئيس ملاوي ومنافسه يتنازعان الفوز بالرئاسة وسط توتر سياسي
- ترامب يمتنع عن المصادقة على مساعدة عسكرية لتايوان
- 5 نساء يتقدمن في العمر بسرعة والعلم يوضح السبب
- -رحاليستا- الليبي يتحدث لترندينغ عن رحلته في صنع المحتوى وزي ...
- إفتهان المشهري .. اغتيال مسؤولة يمنية رميا بالرصاص في وضح ال ...
- محمد قبنض.. اختطاف منتج مسلسل باب الحارة السوري من دمشق والد ...


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - حمدي سيد محمد محمود - بيتر هيجز: العقل الذي كشف سر الكتلة وأعاد صياغة فهم الكون