أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمدي سيد محمد محمود - كوبرنيكوس: حين تحدّى الإنسان مركزية الكون فاهتزت عروش اليقين














المزيد.....

كوبرنيكوس: حين تحدّى الإنسان مركزية الكون فاهتزت عروش اليقين


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8457 - 2025 / 9 / 6 - 09:22
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


في قلب أوروبا القرن السادس عشر، وبين جدران العصور التي كانت الكنيسة فيها تمسك بزمام الحقيقة المطلقة، برز رجل واحد ليقلب الموازين ويضع العالم أمام سؤال لم يكن يتصوّر أحد جرأته. نيكولاس كوبرنيكوس، الكاهن والفلكي البولندي، لم يكن يسعى إلى المجد ولا إلى إثارة الفتن، بل إلى الحقيقة كما يراها في حركة الأفلاك. في زمن كان الاعتقاد السائد يعتبر الأرض محور الكون ومركز كل شيء، تجرأ كوبرنيكوس على القول إن الأرض ليست سوى كوكب صغير يدور مع سائر الكواكب حول الشمس، وإن المركز لم يكن لنا نحن البشر بل لذلك النجم المشتعل البعيد. لقد حملت كلماته قوة الزلزال، لأنها لم تمسّ علماً فحسب بل مسّت صورة الإنسان عن ذاته وموقعه في الوجود.

الكنيسة الكاثوليكية، التي كانت تضع تحت سلطتها كل ما هو روحي وعلمي ومعرفي، رأت في أطروحة كوبرنيكوس تهديداً مباشراً لسلطانها ونظامها الفكري. فالفلك في نظر رجال الدين لم يكن علماً مجرداً، بل كان سنداً لعقائدهم وتصوراتهم اللاهوتية، والقول بأن الأرض تتحرك في فضاء شاسع كان كفراً بحد ذاته لأنه يتعارض مع تأويلاتهم للنصوص المقدسة. إن غضب الكنيسة لم يكن وليد رفض نظري علمي وحسب، بل وليد خوف عميق من أن تهتز صورة السلطة التي بنت شرعيتها على كون ثابت ومنظم وضع الإنسان في مركزه. لقد تحولت أفكار كوبرنيكوس إلى طعنة في قلب المنظومة الفكرية التي دعمتها الكنيسة على مدى قرون، ولذا لم يكن مستغرباً أن تواجهها بحزم وريبة وتهديد.

كوبرنيكوس نفسه عاش هذه المحنة في صمت طويل، إذ كان يدرك خطورة ما توصل إليه على حياته ومكانته، فآثر أن يكتب في الخفاء وأن يحجب بعض أعماله عن النشر العلني حتى لا يواجه العاصفة مباشرة. ومع ذلك، فإن تأجيل المواجهة لم يلغِ وقع الصدمة حين ظهرت مؤلفاته للعالم، فقد أيقظت عقلاً جديداً وفتحت نافذة نحو عصر آخر، رغم كل ما واجهه من غضب، ومقاومة، واتهام بالهرطقة. لقد كان كوبرنيكوس يجسد نموذج الباحث الذي يدرك أن الحقيقة قد تكون مكلفة، وأن التاريخ لا يتحرك إلا على أكتاف من يجرؤون على تحدي الثابت وكسر دائرة الخوف.

إن مأساة كوبرنيكوس لم تكن مجرد خلاف فكري بين عالم وكنيسة، بل كانت صراعاً رمزياً بين العقل والسلطة، بين حرية البحث وقيد العقيدة، بين رؤية كونية مفتوحة وحدود ضيقة أرادت أن تحصر الكون في مدارات تبرر سلطانها. ومع مرور الزمن، تحولت تلك المحنة إلى نقطة تحوّل كبرى في تاريخ العلم، إذ مهّدت لثورات معرفية لاحقة رسّخت مكانة العقل وحررت البحث من قيود الوصاية. وهكذا بقي اسم كوبرنيكوس محفوراً في ذاكرة الإنسانية لا كمنجم أو راهب عادي، بل كصوت تجرأ على كسر السكون، وأشعل شرارة نور غيّرت مسار الفكر البشري إلى الأبد.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المستعربون العرب: جسرٌ مُزيّف يعيد إنتاج السردية الإسرائيلية ...
- العدالة الاقتصادية في عصر الذكاء الفائق: نحو عقد اجتماعي جدي ...
- النفوذ الرقمي: إعادة تشكيل خرائط القوة في القرن الحادي والعش ...
- الوجودية: من قلق الفرد إلى عبء الحرية وصناعة المعنى
- إسرائيل كذراع استراتيجية للولايات المتحدة: بين المصالح العمي ...
- القيادة التحويلية في زمن الأزمات: من احتواء التحديات إلى صنا ...
- هندسة الجاذبية: إدارة القوة الناعمة كرافعة للنفوذ الدولي
- الجغرافيا الجديدة للنفوذ: أمن الطاقة وإعادة تشكيل التوازنات ...
- المؤثرون: بين بناء الثقة وتحديات الشهرة
- ما بعد الإيمان: تحولات فلسفة الدين في العصر الحديث
- السيادة في عصر الشبكات: الأمن الرقمي كدرع للأمن القومي
- أشباه الموصلات وصياغة ملامح القوة في القرن الحادي والعشرين
- حدود العلم بين رؤية كارل بوبر وتأملات محمود كيوان: نحو فلسفة ...
- التخيل الاجتماعي في زمن الذكاء الاصطناعي: صراع السرديات وإعا ...
- اقتصاد الجليد: سباق القوى الكبرى على كنوز القطب وأسرار المست ...
- الحوسبة الاجتماعية: البنية الرقمية الجديدة لسلوك الإنسان الج ...
- من الإنسان إلى الإله: جدلية لاهوت المسيح في القرون الثلاثة ا ...
- الذكاء الاصطناعي والاقتصاد النفسي: عقل بشري في قبضة خوارزمية ...
- الإقناع الخفي في عصر الذكاء الفائق: استعمار اللاوعي وتحرير ا ...
- إمبراطورية الانقسام: كيف أعادت بريطانيا رسم العالم بالصراعات


المزيد.....




- دب أسود يهاجم رجلًا في أركنساس .. وخبير: سلوك نادر وغير طبيع ...
- شاهد لحظات وداع أرماني.. الآلاف يصطفون لتأبينه في ميلانو
- شواطئ مغلقة وبحر جائع: لماذا يبتلع بحر الإسكندرية ضيوفه كل ص ...
- ترامب يوقع أمرا تنفيذيا بتغيير تسمية وزارة الدفاع إلى وزارة ...
- فرنسا: تحمل جنسية غرينادا ودرست في دبي.. طفلة بعمر 9 سنوات ت ...
- كيليان مبابي يسير بثبات نحو -لقب- أفضل هداف في تاريخ المنتخب ...
- باسل رمسيس من أسطول الصمود: هذه رسائلنا للعالم عن غزة
- إعلام إسرائيلي: الأعمال المعادية لنا في العالم تحوّلت لأمر ا ...
- دراسة: إزالة الغابات خفضت هطول الأمطار بنسبة 75% بمنطقة الأم ...
- موجة الحر عام 2023 قلصت امتصاص المحيطات للكربون بنسبة 10%


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمدي سيد محمد محمود - كوبرنيكوس: حين تحدّى الإنسان مركزية الكون فاهتزت عروش اليقين