أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - حمدي سيد محمد محمود - اقتصاد الجليد: سباق القوى الكبرى على كنوز القطب وأسرار المستقبل المتجمّد














المزيد.....

اقتصاد الجليد: سباق القوى الكبرى على كنوز القطب وأسرار المستقبل المتجمّد


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8427 - 2025 / 8 / 7 - 10:34
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


د.حمدي سيد محمد محمود
يمثل "اقتصاد الجليد" أحد المفاهيم الصاعدة في أدبيات الاقتصاد السياسي البيئي، ويتعلق بإمكانات التنمية والاستثمار والاستفادة من الموارد الطبيعية والفرص الجيوسياسية والبيئية في المناطق القطبية التي تغطيها الجليد، وخاصة في القطب الشمالي والجنوب المتجمد. وقد بات هذا الاقتصاد محط أنظار القوى الدولية بسبب التغيرات المناخية التي أدت إلى انحسار الجليد، مما كشف عن إمكانات اقتصادية هائلة كانت مدفونة تحت طبقات الصقيع، وتحديدًا في مجالات الطاقة، والتعدين، والنقل البحري، والصيد، والسياحة، والبحث العلمي، وحتى المجالات الأمنية والعسكرية. ويُعد اقتصاد الجليد اليوم ساحةً لصراع المصالح الاستراتيجية بين الدول القطبية الكبرى مثل روسيا وكندا والنرويج والدنمارك (عبر غرينلاند) والولايات المتحدة، إلى جانب الصين التي تسعى لتعزيز مكانتها عبر مفهوم "القطب الشمالي القريب".

تستفيد الدول القطبية من اقتصاد الجليد عبر عدة مسارات حيوية متشابكة. أولاً، من خلال استغلال الثروات الطبيعية الهائلة التي تحتويها المناطق الجليدية، والتي تشمل احتياطيات ضخمة من النفط والغاز الطبيعي والمعادن النادرة. وتشير تقديرات هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية إلى أن القطب الشمالي وحده يحتوي على حوالي 13% من احتياطي النفط غير المكتشف عالميًا، و30% من احتياطي الغاز الطبيعي غير المكتشف، فضلًا عن احتياطات هائلة من النيكل، والذهب، واليورانيوم، والمعادن النادرة التي تُعد حيوية في الصناعات التكنولوجية الحديثة. هذا الواقع يدفع الدول القطبية إلى تسريع أنشطة الاستكشاف والاستخراج رغم الكُلف البيئية المرتفعة، كما أنه يعزز التعاون بين الحكومات والشركات متعددة الجنسيات التي تسعى للاستثمار في هذه المناطق، ولو عبر شراكات استراتيجية محفوفة بالمخاطر الجيوسياسية.

ثانيًا، تحقق هذه الدول استفادة من الممرات البحرية الجديدة التي انفتحت نتيجة ذوبان الجليد، وعلى رأسها "الممر البحري الشمالي" الذي يمتد على طول الساحل الروسي في المحيط المتجمد الشمالي. هذا الممر يمثل بديلاً واعدًا لقناة السويس، إذ يختصر المسافة بين آسيا وأوروبا بنسبة تصل إلى 40%، ما يقلل من تكاليف النقل الزمني والمادي، ويفتح فرصًا تجارية غير مسبوقة، خصوصًا للدول التي تتحكم في هذه المسارات وتوفر خدمات الملاحة والبنية التحتية الداعمة. كما أن روسيا، على سبيل المثال، سعت إلى تطوير أسطولها من كاسحات الجليد النووية لتعزيز سيطرتها على الممر الشمالي، وتحصيل رسوم مرور، وتقديم خدمات لوجستية لشركات النقل والطاقة، مما يدر عليها دخلًا كبيرًا ويعزز موقعها الاستراتيجي في الشمال المتجمد.

ثالثًا، يمثل قطاع السياحة القطبية أحد فروع اقتصاد الجليد التي تشهد نموًا متسارعًا، مع تزايد الطلب العالمي على السياحة البيئية والمغامرات القطبية. وقد استثمرت دول مثل آيسلندا والنرويج وكندا في تطوير بنية تحتية سياحية تستقطب الزوار لاكتشاف الطبيعة البكر، والحياة البرية القطبية، ومشاهدة الأضواء الشمالية، وزيارة القرى الأصلية، والمشاركة في رحلات السفن الجليدية. هذا النوع من السياحة يولّد دخلًا مباشرًا من خلال الفنادق، والخدمات، والنقل، لكنه أيضًا يعزز التنمية المحلية في المجتمعات القطبية، ويوفر فرص عمل، ويربط المناطق النائية بالعالم الخارجي، مع ما يحمله ذلك من آثار ثقافية واقتصادية وسياسية طويلة الأمد.

رابعًا، يستفيد اقتصاد الجليد من الاستثمارات العلمية والتكنولوجية التي تُضَخُّ في مشاريع البحث القطبي، سواء في مجال التغير المناخي، أو المحيطات، أو الأحياء المجهرية التي تعيش في الظروف القاسية، أو الجيولوجيا القطبية. وتشجع الدول القطبية المؤسسات البحثية على إنشاء محطات علمية في المنطقة، مما يمنحها دورًا قياديًا في تطوير المعرفة القطبية، ويساعدها على صياغة السياسات الدولية المتعلقة بالتغير المناخي، والبيئة، والمحيطات. كما أن الأبحاث القطبية تفتح مجالات الابتكار في تقنيات الطاقة المتجددة، والمواد الحيوية، وحماية البيئة، فضلاً عن تعزيز المكانة الأكاديمية والسياسية للدولة المضيفة.

لكن هذا الاقتصاد لا يخلو من تحديات كبرى تتعلق بالأمن البيئي، والصراعات الجيوسياسية، وحقوق الشعوب الأصلية، ومخاطر عسكرة الفضاء القطبي. فتسارع ذوبان الجليد يهدد التوازن البيئي الهش، وقد يؤدي إلى انقراض أنواع حيوية، وارتفاع مستوى البحار، وتفاقم تغير المناخ. كما أن التنافس على السيادة والسيطرة على الموارد البحرية والبرية يثير توترات بين الدول، ويطرح إشكالات قانونية تتعلق باتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، وتحديد المناطق الاقتصادية الخالصة، والسيادة على الجرف القاري. أضف إلى ذلك التحديات الأخلاقية المرتبطة بحقوق الشعوب الأصلية في القطب الشمالي، كالإينويت والساامي، الذين يواجهون تهديدات لأسلوب حياتهم وثقافتهم بسبب المشروعات الكبرى التي قد لا تراعي مصالحهم أو خصوصيتهم.

في النهاية، يمكن القول إن اقتصاد الجليد يشكل فضاءً ناشئًا ومعقدًا تتقاطع فيه الجغرافيا، والبيئة، والاقتصاد، والسياسة، والتكنولوجيا. وهو ليس مجرد اقتصاد موارد، بل اقتصاد جيوسياسي متعدد الأبعاد، يمثل فرصة ذهبية للدول القطبية لتوسيع نفوذها الجغرافي، وتحقيق مكاسب اقتصادية واستراتيجية، وفرض رؤيتها على مستقبل العالم في زمن المناخ المتغير. غير أن هذا الاقتصاد يطرح أيضًا أسئلة حرجة حول الاستدامة، والعدالة، والأخلاق، والتوازن بين التنمية والحفاظ على البيئة، وهو ما يجعل من الضروري التفكير في نماذج حوكمة جديدة تتجاوز منطق السيادة الوطنية الصلبة نحو منطق التعاون الدولي المسؤول من أجل صون الجليد كمصدر حياة لا كمجرد رصيد استثماري.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحوسبة الاجتماعية: البنية الرقمية الجديدة لسلوك الإنسان الج ...
- من الإنسان إلى الإله: جدلية لاهوت المسيح في القرون الثلاثة ا ...
- الذكاء الاصطناعي والاقتصاد النفسي: عقل بشري في قبضة خوارزمية ...
- الإقناع الخفي في عصر الذكاء الفائق: استعمار اللاوعي وتحرير ا ...
- إمبراطورية الانقسام: كيف أعادت بريطانيا رسم العالم بالصراعات
- إعادة رسم النفوذ: أوروبا و أمريكا في معترك التوازنات الجديدة ...
- من المنطق إلى الوجود: كيف أعادت الفلسفة الإسلامية تشكيل العق ...
- الذكاء الاصطناعي واختبار الديمقراطية: بين التمكين والخطر
- حروب بلا جنود: صعود الذكاء الاصطناعي كقوة ضاربة في أيدي الجم ...
- إعادة رسم خرائط النفوذ : السباق الفضائي وأشباه الموصلات في م ...
- التحرر من الهيمنة الرقمية: نحو سيادة معرفية وتقنية عادلة
- المرتزقة السيبرانية وحروب الظل بالوكالة
- القيادة الإبداعية في عصر الذكاء الفائق: التحول من الكاريزما ...
- العقل المستبدّ: جنوح التيار العلماني المتطرف لتفكيك ثوابت ال ...
- حين تتكلم الخوارزميات: المؤسسة السياسية في زمن التفاعل الذكي
- التواصل المفقود: كيف اغترب الإنسان عن الإنسان في عصر الذكاء ...
- السرديات القُطرية وعقبة الوحدة العربية
- فلسفة ما بعد الإنسان: تحولات الذات في عصر الكائنات المعززة
- إدارة الأزمات بعد الإنسان: الدولة الخوارزمية، والمجتمع تحت ا ...
- الفلسفة في مواجهة المستقبل: تأملات عميقة في وعي الآلة، أخلاق ...


المزيد.....




- 9 أندية كرة قدم إنجليزية تعرضت للإفلاس
- رويترز: إدارة ترامب تحث الدول على رفض سقف لإنتاج البلاستيك
- عائدات لا تقاوم.. هل أصبحت الرسوم -إدمانا ماليا- لأميركا؟
- -أدنوك للتوزيع- تسجل أعلى أرباح نصف سنوية في تاريخها
- 12.5 مليار دولار مبيعات إعمار العقارية في 6 أشهر بزيادة 46% ...
- أرباح قياسية وتوسّع ذكي.. هكذا تبني -أدنوك للغاز- مستقبلها
- صناعة المحتوى.. سوق رقمي يتجاوز التريليون دولار بحلول 2033
- أمريكا تطالب مواطني دولتين إفريقيتين بدفع 15 ألف دولار للحصو ...
- وسط التوتر عقب قرارات ترامب.. أسعار النفط تعود للارتفاع
- التحويلات المالية عبر الهاتف تعيد تشكيل الاقتصاد بأفريقيا جن ...


المزيد.....

- دولة المستثمرين ورجال الأعمال في مصر / إلهامي الميرغني
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / د. جاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - حمدي سيد محمد محمود - اقتصاد الجليد: سباق القوى الكبرى على كنوز القطب وأسرار المستقبل المتجمّد