أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - الذكاء الاصطناعي واختبار الديمقراطية: بين التمكين والخطر














المزيد.....

الذكاء الاصطناعي واختبار الديمقراطية: بين التمكين والخطر


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8418 - 2025 / 7 / 29 - 15:10
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في عالم يتسارع فيه تطور الذكاء الاصطناعي على نحو غير مسبوق، لم تعد الديمقراطية بمنأى عن تأثيرات هذه التكنولوجيا الفائقة. فبينما تسعى المجتمعات إلى تنظيم استخدامات الذكاء الاصطناعي ووضع الأطر الأخلاقية والقانونية الحاكمة له، فإن الواقع يكشف عن فجوة متنامية بين قدرات الخوارزميات على إعادة تشكيل البيئة السياسية والاجتماعية، وبين قدرة النظم الديمقراطية التقليدية على التكيف مع هذا التحول. إذ لم يعد التحدي مقتصرًا على تطوير أدوات أكثر كفاءة، بل أصبح التحدي الحقيقي في ضمان ألا تتحول هذه الأدوات إلى أدوات تحكم وهيمنة تُعيد إنتاج التفاوتات وتخنق الإرادة الشعبية.

تتسلل نماذج الذكاء الاصطناعي إلى عمق العملية الديمقراطية من خلال استخدامها في تحليل بيانات الناخبين، وتوقع سلوكهم، وتصميم رسائل دعائية مخصصة ذات طابع نفسي فردي، بل وتوجيه حملات انتخابية بكفاءة تُربك قدرة الناخب على التفاعل الحر مع المعلومات السياسية. وتُستخدم هذه النماذج في بناء ملفات رقمية شديدة الدقة عن الأفراد، تسمح بتوجيه الخطاب السياسي بطريقة تجعل التلاعب بالوعي الجمعي أكثر سلاسة وأقل وضوحًا. وبهذا، يتحول الناخب من فاعل مستقل في العملية الديمقراطية إلى متلقٍ سلبي لخطاب صُمم خصيصًا لميوله ومخاوفه، مما يُقوِّض أسس النقاش الحر والتعددي الذي يفترض أن الديمقراطية تقوم عليه.

ولا يقف الأمر عند حدود الانتخابات، بل يمتد إلى صناعة السياسات العامة نفسها. إذ تُستخدم خوارزميات الذكاء الاصطناعي اليوم في تقييم احتياجات المواطنين، وتخصيص الموارد، ورصد الاتجاهات الاجتماعية والاقتصادية. ورغم أن ذلك قد يبدو في ظاهره تعظيمًا للكفاءة الإدارية، إلا أن الخطر يكمن في تحويل الخوارزمية إلى سلطة غير مرئية تتخذ قرارات تُغيّب فيها الاعتبارات الأخلاقية أو السياسية لصالح منطق حسابي بارد، قد يُفضي إلى مخرجات غير عادلة أو تُكرّس التحيزات المتوارثة في البيانات. وتزداد هذه الإشكالية عمقًا حين تكون نماذج الذكاء الاصطناعي نفسها مملوكة لجهات خاصة عابرة للحدود، ما يعني احتكارًا متناميًا للأدوات التي تشكل الفضاء السياسي، وتآكلًا ضمنيًا لسيادة الدولة الديمقراطية.

في المقابل، لا يمكن إغفال الفرص التي يتيحها الذكاء الاصطناعي لإعادة إحياء الممارسات الديمقراطية بأساليب أكثر شمولًا وانفتاحًا. فهذه التكنولوجيا قادرة، إن أُحسن توجيهها، على تمكين الفئات المهمشة، وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية، وتيسير الوصول إلى المعلومات، وتحليل احتياجات المواطنين بدقة تُمكِّن صناع القرار من تبني سياسات أكثر استجابة وتكيّفًا مع الواقع المتغير. كما يمكن استخدام نماذج الذكاء الاصطناعي في كشف التضليل الإعلامي، وتعزيز الشفافية، وتسهيل التفاعل بين الدولة والمجتمع على نحو غير مسبوق في التاريخ الحديث.

لكن هذا الأمل مرهون بمدى وعي المجتمعات الديمقراطية بخطورة اللحظة، ومدى قدرتها على ابتكار أطر تنظيمية وأخلاقية تضمن ألا تتحول التكنولوجيا إلى أداة للقمع أو الإقصاء أو الهندسة السياسية الخفية. فلا بد من بناء حوكمة ديمقراطية للذكاء الاصطناعي، تُراعي العدالة، والمساءلة، وحق المواطن في الفهم والمشاركة والاعتراض، وتُعيد تعريف العلاقة بين التكنولوجيا والسياسة من منطق السيطرة إلى منطق الشراكة.

إننا أمام لحظة مفصلية في تاريخ الديمقراطية الحديثة، لحظة تختبر فيها هذه الأنظمة ليس فقط قدرتها على الصمود، بل قدرتها على التجدد. فالذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أداة تمكين هائلة، أو سلاحًا خفيًا لإعادة إنتاج السيطرة. وما يحدد المسار ليس التقنية ذاتها، بل الوعي السياسي بها، والخيارات المجتمعية التي تُتخذ في مواجهتها.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حروب بلا جنود: صعود الذكاء الاصطناعي كقوة ضاربة في أيدي الجم ...
- إعادة رسم خرائط النفوذ : السباق الفضائي وأشباه الموصلات في م ...
- التحرر من الهيمنة الرقمية: نحو سيادة معرفية وتقنية عادلة
- المرتزقة السيبرانية وحروب الظل بالوكالة
- القيادة الإبداعية في عصر الذكاء الفائق: التحول من الكاريزما ...
- العقل المستبدّ: جنوح التيار العلماني المتطرف لتفكيك ثوابت ال ...
- حين تتكلم الخوارزميات: المؤسسة السياسية في زمن التفاعل الذكي
- التواصل المفقود: كيف اغترب الإنسان عن الإنسان في عصر الذكاء ...
- السرديات القُطرية وعقبة الوحدة العربية
- فلسفة ما بعد الإنسان: تحولات الذات في عصر الكائنات المعززة
- إدارة الأزمات بعد الإنسان: الدولة الخوارزمية، والمجتمع تحت ا ...
- الفلسفة في مواجهة المستقبل: تأملات عميقة في وعي الآلة، أخلاق ...
- المؤسسات في زمن الذكاء الفائق: من البيروقراطية إلى الخوارزمي ...
- التكامل الذكائي: من سيادة العقل إلى خوارزمية السيطرة
- أنقاض المعنى: الفلسفة الأوروبية بين مشروع العقل وانهيار اليق ...
- الكسب في الفكر الأشعري: فلسفة التوفيق بين الجبر والاختيار
- الفلسفة الأوروبية المعاصرة وتحديات العصر الحديث: بين العلمنة ...
- الأمن القومي في زمن السيادة الرقمية: الذكاء الاصطناعي والخوا ...
- الفلسفة في مواجهة الزمن : قراءة عميقة في تحولات العقل الأورو ...
- الفاتيكان والسردية الاستعمارية: من بركات الغزو إلى مباركة ال ...


المزيد.....




- بسرعة ودقة.. شاهد لحظة اقتحام مستودع وسرقة مجوهرات بمليون دو ...
- زلزال عنيف بقوة 8.8 درجة يوقظ المحيط ويهدد قارات العالم في ل ...
- لماذا يُعتبر قرار ستارمر الاعتراف بدولة فلسطينية، تغيّراً في ...
- وسط معارضة إسرائيلية وأمريكية.. بارو يعلن أن 15 دولة أخرى تع ...
- إسرائيل تبدأ ترحيل ناشطي سفينة -حنظلة- بعد محاولتهم كسر الحص ...
- تسعة أشهر على فيضانات فالنسيا.. مظاهرات تطالب باستقالة الحكو ...
- ألمانيا تطلق خطة مشتريات دفاعية ضخمة -بهدف تعزيز قدراتها ال ...
- عمليات إخلاء وتحذيرات من تسونامي عبر دول المحيط الهادي
- هندسة المناخ: باحثون من جامعة واشنطن قاموا -سرا- بتجربة مثير ...
- إسرائيل ومحمد: عرض مسرحي عن علاقة الأبناء بالآباء وصدمات الط ...


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - الذكاء الاصطناعي واختبار الديمقراطية: بين التمكين والخطر