أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - حمدي سيد محمد محمود - التحرر من الهيمنة الرقمية: نحو سيادة معرفية وتقنية عادلة














المزيد.....

التحرر من الهيمنة الرقمية: نحو سيادة معرفية وتقنية عادلة


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8417 - 2025 / 7 / 28 - 12:01
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


د.حمدي سيد محمد محمود
في ظل التغلغل المتسارع للتقنيات الرقمية في تفاصيل الحياة اليومية، والسياسات العامة، والاقتصادات العالمية، تبرز الحاجة المُلِحّة إلى التفكير في مشروع تحرري شامل لا يواجه الاستعمار الرقمي كأداة تقنية فقط، بل بوصفه منظومة هيمنة شاملة تعيد إنتاج التبعية بأساليب ناعمة ومقنعة. فالهيمنة الرقمية المعاصرة لا تكتفي بالسيطرة على البنية التحتية للمعلومات، بل تتجاوزها إلى إعادة تشكيل الوعي الجمعي، والتحكم في أنماط التفكير والسلوك، وصياغة تصورات الأفراد عن العالم من خلال أدوات رقمية خفية ومؤثرة.

الاستعمار الرقمي، بهذا المعنى، ليس مجرد اختراق إلكتروني أو تحكم في البرمجيات، بل منظومة عابرة للحدود تُكرّس تمركزًا غير مسبوق للسلطة في يد مؤسسات وشركات خوارزمية عظمى. هذه الكيانات تستغل البيانات التي تُستخرج من المستخدمين بشكل دائم لتحليل سلوكهم والتأثير عليهم وتسليعهم ضمن منظومة رأسمالية مراقبة، تجعل من الإنسان رقما قابلا للقياس والتنبؤ والتوجيه. وفي هذا الإطار، تصبح إرادة الشعوب مختزلة في معادلات رياضية، والمجال العام أداة لإعادة إنتاج الامتيازات القائمة بدلًا من كونه فضاءً للنقاش والاختلاف والتعبير.

التحرر من هذه الهيمنة الرقمية يتطلب أولًا الوعي بطبيعتها البنيوية المتشابكة، التي تمتد إلى ما هو أبعد من مجرد أدوات رقمية، لتطال النسيج الثقافي والسياسي والمعرفي للمجتمعات. إن الخوارزميات لا تُنتج من فراغ، بل تُبنى على رؤى وقيم ضمنية غالبًا ما تعكس مصالح قوى السوق، وتتغذى على الأنماط الاجتماعية القائمة، وتُعيد إنتاجها بأشكال أكثر ترسيخًا للتمييز والامتياز. ومن هنا تبرز الحاجة لإعادة بناء البنية التحتية الرقمية على أسس منفتحة وغير احتكارية، تعتمد على تقنيات مفتوحة المصدر، وتضمن سيادة الدول على بياناتها كحق سيادي لا يقل أهمية عن الحدود الجغرافية.

تُعد مقاومة الاحتكار الرقمي شرطًا لازمًا لهذه الرؤية، حيث تشكل المنصات العالمية الكبرى أدوات ناعمة لتكريس الهيمنة، تفرض من خلالها معاييرها التقنية والثقافية على المجتمعات، وتعيد تشكيل الفضاء العام بشكل يفرغ السيادة الوطنية من مضمونها. لذلك فإن بناء قاعدة تقنية وطنية، وتعزيز التعليم الرقمي والبحث العلمي المحلي، وتطوير الكفاءات البشرية في مجال التكنولوجيا، يعد جزءًا لا يتجزأ من هذا المسار التحرري.

إلى جانب ذلك، لا بد من بناء خطاب نقدي قادر على مساءلة الأيديولوجيات التي تُغلّف التقنية الحديثة، والتي غالبًا ما تُقدَّم كحيادية ومحايدة في حين أنها تحمل في طياتها نماذج قيمية معينة تستند إلى رؤى السوق والربح والتفوق. هذا الخطاب ينبغي أن يفتح المجال لتصورات بديلة تقوم على العدالة الرقمية، والانفتاح المعرفي، والتنوع الثقافي، والحق في المعلومة والخصوصية، بدلًا من الخضوع لصيغة أحادية للعولمة التقنية.

ويُكمل هذا التصور بعده التشريعي، من خلال سن قوانين وطنية واضحة وصارمة تحمي المواطنين من أشكال الاستغلال الرقمي، وتُعيد ضبط العلاقة بين الفرد والدولة من جهة، وبين الدولة ومزودي الخدمات الرقمية الدوليين من جهة أخرى. كما يصبح من الضروري بناء تحالفات إقليمية ودولية بين الدول التي تشترك في المعاناة من هذه الأنماط الجديدة من التبعية، لتبادل الخبرات والدفاع عن مصالحها في ساحات الحوكمة الرقمية العالمية.

إنّ تجاوز الاستعمار الرقمي لا يمكن أن يتم بمجرد إصلاح تقني سطحي أو تغييرات جزئية، بل يتطلب مقاربة عميقة تعيد التفكير في جذور العلاقة بين التكنولوجيا والسيادة والإنسان، وتعيد رسم ملامح السيادة في عصر تتداخل فيه الحدود المادية بالافتراضية، ويتحول فيه التحكم في المعلومة إلى أداة للهيمنة السياسية والاقتصادية والثقافية. فالمعركة من أجل الاستقلال الرقمي ليست معركة برمجيات فحسب، بل هي معركة من أجل استرداد حق الشعوب في أن ترسم مساراتها التقنية والمعرفية بأدواتها وقيمها، وبما يخدم مصالحها لا مصالح الآخرين.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرتزقة السيبرانية وحروب الظل بالوكالة
- القيادة الإبداعية في عصر الذكاء الفائق: التحول من الكاريزما ...
- العقل المستبدّ: جنوح التيار العلماني المتطرف لتفكيك ثوابت ال ...
- حين تتكلم الخوارزميات: المؤسسة السياسية في زمن التفاعل الذكي
- التواصل المفقود: كيف اغترب الإنسان عن الإنسان في عصر الذكاء ...
- السرديات القُطرية وعقبة الوحدة العربية
- فلسفة ما بعد الإنسان: تحولات الذات في عصر الكائنات المعززة
- إدارة الأزمات بعد الإنسان: الدولة الخوارزمية، والمجتمع تحت ا ...
- الفلسفة في مواجهة المستقبل: تأملات عميقة في وعي الآلة، أخلاق ...
- المؤسسات في زمن الذكاء الفائق: من البيروقراطية إلى الخوارزمي ...
- التكامل الذكائي: من سيادة العقل إلى خوارزمية السيطرة
- أنقاض المعنى: الفلسفة الأوروبية بين مشروع العقل وانهيار اليق ...
- الكسب في الفكر الأشعري: فلسفة التوفيق بين الجبر والاختيار
- الفلسفة الأوروبية المعاصرة وتحديات العصر الحديث: بين العلمنة ...
- الأمن القومي في زمن السيادة الرقمية: الذكاء الاصطناعي والخوا ...
- الفلسفة في مواجهة الزمن : قراءة عميقة في تحولات العقل الأورو ...
- الفاتيكان والسردية الاستعمارية: من بركات الغزو إلى مباركة ال ...
- العلمنة النقدية في فكر محمد أركون: بين تحرير المقدّس ونقد ال ...
- هندسة السمعة في عصر الذكاء الاصطناعي : من الإدراك البشري إلى ...
- ما وراء اللفظ: نظرية الصفر اللغوي ومقامات الإعجاز في القرآن


المزيد.....




- البورصة المصرية تسجل أعلى مستوى في تاريخها تزامنا مع ارتفاع ...
- إيران بين أفضل عشر دول في إنتاج صمامات القلب من الأنسجة البش ...
- الأوروبيون بين الارتياح والقلق حيال الاتفاق التجاري مع أميرك ...
- كيف تتأثر تركيا بعقوبات ترامب الثانوية المحتملة على روسيا؟
- رواندا وتنزانيا توقعان اتفاقيات لتعزيز التعاون الاقتصادي وال ...
- رحلة استسلام الاتحاد الأوروبي لسياسة ترامب الجمركية
- -سوريا تعيد تشكيل اقتصادها سرا-، تقرير لرويترز يكشف عن لجنة ...
- 4 إشارات على أنك تتحمل مخاطر استثمارية زائدة.. كيف تتصرف؟
- أكبر 10 دول منتجة ومصدرة للإجاص في العالم.. الجزائر الأولى ع ...
- ايران: زيادة طاقة إنتاج الغاز في حقل -بارس الجنوبي-


المزيد.....

- دولة المستثمرين ورجال الأعمال في مصر / إلهامي الميرغني
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / د. جاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - حمدي سيد محمد محمود - التحرر من الهيمنة الرقمية: نحو سيادة معرفية وتقنية عادلة