أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - الجغرافيا الجديدة للنفوذ: أمن الطاقة وإعادة تشكيل التوازنات الدولية














المزيد.....

الجغرافيا الجديدة للنفوذ: أمن الطاقة وإعادة تشكيل التوازنات الدولية


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8444 - 2025 / 8 / 24 - 10:36
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


د.حمدي سيد محمد محمود
يُعَدُّ أمن الطاقة واحداً من أبرز المحددات الإستراتيجية للسياسة الخارجية في العالم المعاصر، نظراً لكونه عنصراً حيوياً يرتبط بشكل مباشر باستقرار الدول ونموها الاقتصادي واستمرارية أنماط حياتها الحديثة. فالدول لا تنظر إلى الطاقة على أنها مجرد سلعة اقتصادية، بل باعتبارها مورداً سيادياً وأداة قوة في التفاعلات الدولية. ومن هذا المنطلق، باتت قضايا أمن الطاقة جزءاً أساسياً من أولويات صانعي القرار الخارجي، حيث تتقاطع الاعتبارات الاقتصادية مع الأبعاد الجيوسياسية والعسكرية والدبلوماسية. إن ضمان تدفق النفط والغاز والفحم والطاقة النووية والمتجددة بأسعار مستقرة، وبكميات كافية، ومن مصادر متعددة، أصبح شرطاً لبقاء الدولة في موقع تنافسي في النظام الدولي، ما يجعل أي تهديد لأمن الإمدادات أو مسارات النقل أو البنية التحتية للطاقة عاملاً محفزاً لإعادة صياغة السياسات والتحالفات.

لقد برزت أهمية أمن الطاقة بشكل أوضح مع تزايد الاعتماد العالمي على مصادر الطاقة التقليدية، خاصة النفط والغاز الطبيعي، وما يترافق مع ذلك من مخاطر انقطاع الإمدادات أو ارتفاع أسعارها أو وقوعها رهينة لتجاذبات سياسية أو نزاعات مسلحة. لذلك، اتجهت كثير من الدول الكبرى إلى تنويع مصادرها ومورديها، وإلى الاستثمار في الطاقة البديلة والمتجددة، فضلاً عن السعي للسيطرة على الممرات البحرية وخطوط الأنابيب، أو المشاركة في صياغة أطر قانونية دولية تنظّم أسواق الطاقة. ومن هنا أصبح أمن الطاقة دافعاً رئيسياً وراء التنافس على النفوذ في مناطق غنية بالموارد مثل الخليج العربي، وبحر قزوين، وشرق المتوسط، وإفريقيا جنوب الصحراء. كما يفسر إلى حد بعيد بعض أنماط التدخل العسكري أو التحالفات الاقتصادية التي قد تبدو في ظاهرها بعيدة عن قضايا الطاقة، لكنها في جوهرها تهدف إلى حماية إمداداتها وضمان استقرار أسواقها.

ولا يقتصر أثر أمن الطاقة على سياسات القوى الكبرى فحسب، بل يمتد ليشمل الدول المصدِّرة التي تستخدم مواردها كورقة ضغط أو أداة للتأثير في سياسات المستوردين. فالطاقة هنا تتحول من مجرد مصدر للعوائد الاقتصادية إلى وسيلة من وسائل القوة الناعمة والصلبة في آن واحد. وتبرز أمثلة ذلك في اعتماد أوروبا على الغاز الروسي، أو استخدام منظمة أوبك سياسات الإنتاج للتأثير على أسعار النفط بما يخدم مصالح الدول الأعضاء. كما ينعكس الأمر على الدول الصغيرة والنامية التي تجد نفسها مضطرة إلى صياغة سياساتها الخارجية وفق اعتبارات الطاقة، سواء عبر التحالف مع قوى كبرى تؤمن لها الحماية وضمان التدفق، أو عبر الدخول في شراكات اقتصادية طويلة الأمد تحفظ لها الاستقرار.

ومن جانب آخر، يطرح التحول العالمي نحو الطاقة المتجددة وتغير المناخ بعداً جديداً في علاقة الطاقة بالسياسة الخارجية. فالدول التي تستثمر بكثافة في الطاقة النظيفة وتطوير التكنولوجيا المرتبطة بها، تسعى إلى تعزيز مكانتها الجيوسياسية عبر تصدير المعرفة والتقنيات بدلاً من الاعتماد على الموارد الأحفورية. هذا التحول يخلق بدوره خريطة جديدة للتحالفات والتنافسات، حيث تُعاد صياغة أولويات العلاقات الدولية وفقاً لمعادلات الاستدامة، والحد من الانبعاثات، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة. وهنا يظهر مفهوم "التحول الطاقوي" ليس فقط كخيار اقتصادي أو بيئي، بل كمحدد رئيس للسياسات الخارجية المستقبلية، يفرض على الدول إعادة تعريف مصالحها الإستراتيجية وعلاقاتها مع الفاعلين الدوليين.

باختصار، يمكن القول إن أمن الطاقة يمثل نقطة تقاطع بين الاقتصاد والسياسة والأمن، ويتحول إلى محدد محوري في صياغة السياسات الخارجية للدول. فكلما ازدادت أهمية الطاقة في حياة الشعوب وتطور الاقتصاد العالمي، كلما ارتفع وزنها في معادلات القوة الدولية، ما يجعلها أداة لتشكيل التوازنات، ووسيلة لبناء التحالفات، ومصدراً محتملاً للصراع والتنافس. لذا، فإن أي مقاربة لفهم السياسة الخارجية المعاصرة لا يمكن أن تكتمل من دون إدراك عميق لدور أمن الطاقة كأحد أبرز محدداتها وأكثرها تأثيراً.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المؤثرون: بين بناء الثقة وتحديات الشهرة
- ما بعد الإيمان: تحولات فلسفة الدين في العصر الحديث
- السيادة في عصر الشبكات: الأمن الرقمي كدرع للأمن القومي
- أشباه الموصلات وصياغة ملامح القوة في القرن الحادي والعشرين
- حدود العلم بين رؤية كارل بوبر وتأملات محمود كيوان: نحو فلسفة ...
- التخيل الاجتماعي في زمن الذكاء الاصطناعي: صراع السرديات وإعا ...
- اقتصاد الجليد: سباق القوى الكبرى على كنوز القطب وأسرار المست ...
- الحوسبة الاجتماعية: البنية الرقمية الجديدة لسلوك الإنسان الج ...
- من الإنسان إلى الإله: جدلية لاهوت المسيح في القرون الثلاثة ا ...
- الذكاء الاصطناعي والاقتصاد النفسي: عقل بشري في قبضة خوارزمية ...
- الإقناع الخفي في عصر الذكاء الفائق: استعمار اللاوعي وتحرير ا ...
- إمبراطورية الانقسام: كيف أعادت بريطانيا رسم العالم بالصراعات
- إعادة رسم النفوذ: أوروبا و أمريكا في معترك التوازنات الجديدة ...
- من المنطق إلى الوجود: كيف أعادت الفلسفة الإسلامية تشكيل العق ...
- الذكاء الاصطناعي واختبار الديمقراطية: بين التمكين والخطر
- حروب بلا جنود: صعود الذكاء الاصطناعي كقوة ضاربة في أيدي الجم ...
- إعادة رسم خرائط النفوذ : السباق الفضائي وأشباه الموصلات في م ...
- التحرر من الهيمنة الرقمية: نحو سيادة معرفية وتقنية عادلة
- المرتزقة السيبرانية وحروب الظل بالوكالة
- القيادة الإبداعية في عصر الذكاء الفائق: التحول من الكاريزما ...


المزيد.....




- سائق شاحنة ينعطف بطريقة مخالفة ويتسبب بحادث مميت.. شاهد لحظة ...
- زيلينسكي يحتفل بذكرى استقلال أوكرانيا في كييف بحضور المبعوث ...
- -عدوان على سيادة القانون-.. النيابة المصرية تصدر بيانا يجرم ...
- -زوجة الأب وضعت السم في الخبز-.. الداخلية المصرية تكشف سبب و ...
- -صفقات- مثيرة للجدل في شرق رفح.. ياسر أبو شباب يستقطب مجندين ...
- فاديفول يدعو إلى زيادة الدول المانحة ضمانات أمنية لأوكرانيا ...
- قتيلان و5 جرحى بغارات إسرائيلية على صنعاء
- المبعوث الأميركي توم براك يبحث مع نتنياهو ملفي لبنان وسوريا ...
- أمنستي: سلوفينيا سمحت بنقل أسلحة لإسرائيل رغم حظر رسمي مزعوم ...
- ليبراسيون: قرار مثير لحزب ميلانشون برفض اعتماد صحفي من لومون ...


المزيد.....

- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - الجغرافيا الجديدة للنفوذ: أمن الطاقة وإعادة تشكيل التوازنات الدولية