أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - أشباه الموصلات وصياغة ملامح القوة في القرن الحادي والعشرين














المزيد.....

أشباه الموصلات وصياغة ملامح القوة في القرن الحادي والعشرين


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8432 - 2025 / 8 / 12 - 12:00
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



يشهد العالم في العقود الأخيرة تحوّلًا جذريًا في طبيعة الصراعات الدولية، فلم تعد الحروب العسكرية ولا النزاعات الأيديولوجية هي الساحة الرئيسية للتنافس بين القوى العظمى، بل باتت التكنولوجيا – وتحديدًا أشباه الموصلات – المحور الجوهري للصراع العالمي الجديد. فأشباه الموصلات، تلك الرقاقات الصغيرة التي لا يتجاوز حجم بعضها جزءًا من ظفر الإصبع، تمثل العصب المركزي لكافة مظاهر الحياة المعاصرة، بدءًا من الهواتف الذكية والحواسيب، مرورًا بأنظمة الذكاء الاصطناعي والسيارات الكهربائية، وصولًا إلى المعدات العسكرية الأكثر تطورًا. وفي ضوء هذا الاعتماد المطلق على هذه التقنية الدقيقة، صار التحكم في سلسلة توريد أشباه الموصلات بمثابة سلاح استراتيجي يُعيد تشكيل ميزان القوى العالمي ويعيد ترتيب موازين النفوذ السياسي والاقتصادي.

إن من يسيطر على إنتاج وتصميم وتوزيع أشباه الموصلات يمتلك فعليًا مفاتيح الاقتصاد العالمي، وهو ما يفسر تصاعد حدة التنافس بين الولايات المتحدة والصين على هذه الجبهة. فبينما تسعى الولايات المتحدة إلى الحفاظ على هيمنتها التقنية من خلال إحكام سيطرتها على الشركات الرائدة في تصميم الرقائق مثل "NVIDIA" و"Intel" و"AMD"، وتعزيز علاقاتها مع تايوان، التي تنتج عبر شركة TSMC ما يقارب 90٪ من أشباه الموصلات المتطورة عالميًا، تحاول الصين جاهدة كسر هذه الهيمنة عبر ضخ استثمارات ضخمة في القطاع وتطوير صناعتها المحلية، رغم ما تواجهه من قيود أمريكية شديدة على صادرات المعدات والتقنيات المتقدمة إليها. هذه الحرب التكنولوجية لا تدور فقط حول الإنتاج، بل تمتد إلى سلاسل التوريد العالمية، والملكية الفكرية، وتدريب الكفاءات، والتحكم في المواد الخام النادرة مثل الغاليوم والجرمانيوم، التي تمثل مكونات أساسية في تصنيع الرقائق.

إن التأثير الاستراتيجي لهذا الصراع يتعدى الجوانب الاقتصادية إلى إعادة تشكيل التحالفات الجيوسياسية، إذ أصبحت تايوان، بفضل دورها المحوري في صناعة الرقائق، بؤرة توتر دولي وأرضًا محتملة لأي صدام مستقبلي بين القوى الكبرى. وباتت دول مثل كوريا الجنوبية، التي تستضيف شركة سامسونغ، واليابان، التي تسهم في صناعة المعدات الدقيقة، وألمانيا، التي تحاول إعادة بناء قدراتها الصناعية التقنية، أطرافًا فاعلة في هذه المعادلة المتشابكة. هذا التنافس أدى إلى تسارع غير مسبوق في إعادة توطين الصناعات الحيوية وتفكيك سلاسل التوريد التي نشأت في ظل العولمة، لصالح مقاربات أكثر قومية وأمنية، ما يهدد بزيادة الانقسام بين الكتل الاقتصادية العالمية ويعزز النزعة نحو التفكك الرقمي والتقني.

إن هذا الصراع لا يتمحور فقط حول من يملك التقنية بل حول من يمتلك المستقبل، فبما أن أشباه الموصلات تمثل الأساس لتطور الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية والأسلحة الذكية، فإن من يتفوق في هذا المجال سيحظى بالأفضلية في تحديد قواعد اللعبة في النظام الدولي الجديد. وهذا يفتح الباب أمام تحولات جذرية في ميزان القوى، حيث لم يعد معيار القوة يُقاس بعدد الجنود أو الأسلحة التقليدية، بل بمدى التفوق التقني والقدرة على الابتكار والسيطرة على العقول الرقمية. لذلك فإن من المتوقع أن تتخذ الصراعات بين القوى الكبرى طابعًا تقنيًا متزايدًا، وأن يتحول أمن الدول إلى مفهوم شامل يتضمن أمن المعلومات وسلامة سلاسل الإمداد واستقلالية القرار التكنولوجي.

وفي ظل هذا التحول، يجد العالم نفسه أمام معضلة عميقة: فبينما تفرض الضرورات الاقتصادية والتقنية نوعًا من الاعتماد المتبادل، تدفع المخاوف الاستراتيجية الدول نحو الانفصال والاستقلال الذاتي. هذا التناقض يخلق بيئة دولية أكثر هشاشة وأقل تعاونًا، ويزيد من احتمالات التصادم على خلفية السيادة التقنية. ومن هنا، يمكن القول إن أشباه الموصلات لم تعد مجرد منتج صناعي، بل تحولت إلى أداة للهيمنة، ومقياسًا جديدًا للقوة، ووقودًا لصراع غير تقليدي يُعيد رسم خريطة النفوذ العالمي بطريقة لم يشهدها العالم منذ الثورة الصناعية.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حدود العلم بين رؤية كارل بوبر وتأملات محمود كيوان: نحو فلسفة ...
- التخيل الاجتماعي في زمن الذكاء الاصطناعي: صراع السرديات وإعا ...
- اقتصاد الجليد: سباق القوى الكبرى على كنوز القطب وأسرار المست ...
- الحوسبة الاجتماعية: البنية الرقمية الجديدة لسلوك الإنسان الج ...
- من الإنسان إلى الإله: جدلية لاهوت المسيح في القرون الثلاثة ا ...
- الذكاء الاصطناعي والاقتصاد النفسي: عقل بشري في قبضة خوارزمية ...
- الإقناع الخفي في عصر الذكاء الفائق: استعمار اللاوعي وتحرير ا ...
- إمبراطورية الانقسام: كيف أعادت بريطانيا رسم العالم بالصراعات
- إعادة رسم النفوذ: أوروبا و أمريكا في معترك التوازنات الجديدة ...
- من المنطق إلى الوجود: كيف أعادت الفلسفة الإسلامية تشكيل العق ...
- الذكاء الاصطناعي واختبار الديمقراطية: بين التمكين والخطر
- حروب بلا جنود: صعود الذكاء الاصطناعي كقوة ضاربة في أيدي الجم ...
- إعادة رسم خرائط النفوذ : السباق الفضائي وأشباه الموصلات في م ...
- التحرر من الهيمنة الرقمية: نحو سيادة معرفية وتقنية عادلة
- المرتزقة السيبرانية وحروب الظل بالوكالة
- القيادة الإبداعية في عصر الذكاء الفائق: التحول من الكاريزما ...
- العقل المستبدّ: جنوح التيار العلماني المتطرف لتفكيك ثوابت ال ...
- حين تتكلم الخوارزميات: المؤسسة السياسية في زمن التفاعل الذكي
- التواصل المفقود: كيف اغترب الإنسان عن الإنسان في عصر الذكاء ...
- السرديات القُطرية وعقبة الوحدة العربية


المزيد.....




- عارضات لا وجود لهنّ.. الذكاء الاصطناعي يقتحم عالم الموضة
- أمريكا والصين تتفقان على تمديد الهدنة التجارية لمدة 90 يومًا ...
- الوضع الأمني وإعادة الإعمار في سوريا على طاولة البحث بين دمش ...
- بي بي سي تقصي الحقائق: هل أصبحت الجريمة في واشنطن العاصمة -خ ...
- قصف إسرائيلي يقتل العشرات في غزة بينهم 6 من منتظري المساعدا ...
- قبل قمة ألاسكا.. قادة أوروبا يؤكدون حق أوكرانيا في تقرير مصي ...
- المذكرة التوجيهية لمشروع قانون المالية لعام 2026: تأكيد على ...
- وثائق للبنتاغون: إدارة ترامب تدرس تشكيل قوة رد سريع لمواجهة ...
- اتحاد الشغل بين التصعيد والتردد في مواجهة السلطة بتونس
- نتنياهو يُلزم بالمثول أمام المحكمة 3 مرات أسبوعيا ابتداء من ...


المزيد.....

- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - أشباه الموصلات وصياغة ملامح القوة في القرن الحادي والعشرين