أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - حمدي سيد محمد محمود - العدالة الاقتصادية في عصر الذكاء الفائق: نحو عقد اجتماعي جديد للإنسانية














المزيد.....

العدالة الاقتصادية في عصر الذكاء الفائق: نحو عقد اجتماعي جديد للإنسانية


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8452 - 2025 / 9 / 1 - 12:04
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


د.حمدي سيد محمد محمود
في عصر الذكاء الفائق، حيث تتجاوز القدرات الحسابية والتحليلية للأنظمة الذكية حدود العقل البشري، تصبح قضية العدالة الاقتصادية أكثر تعقيدًا وتشابكًا من أي وقت مضى. لم تعد العدالة مجرد مسألة توزيع للموارد أو فرص العمل، بل صارت تتعلق بإعادة تعريف قيمة العمل الإنساني، ومعنى الإنتاجية، ومكانة الفرد في منظومة اقتصادية يقودها الذكاء الاصطناعي الفائق القدرة. إن هذا التحول يثير أسئلة وجودية حول كيفية ضمان أن ينعكس التقدم التقني غير المسبوق على رفاهية البشر جميعاً، لا على فئة محدودة فقط من المالكين والمتحكمين في هذه الأنظمة.

فالذكاء الفائق قادر على تحقيق قفزات هائلة في الكفاءة والإنتاج، لكنه في الوقت نفسه يهدد بتركيز الثروة والسلطة في أيدي من يملكون البنية التحتية الرقمية والبيانات والخوارزميات. هنا يكمن التحدي الأكبر: كيف يمكن صياغة آليات اقتصادية وسياسية قادرة على توزيع ثمار هذا التقدم بشكل عادل، بحيث لا تتحول الوفرة التقنية إلى بوابة لمزيد من التفاوت الطبقي غير القابل للاحتواء؟ فالعصر الجديد قد يشهد وفرة غير مسبوقة في السلع والخدمات، لكنه قد يقترن أيضًا بإقصاء جماعي لشرائح واسعة من البشر من سوق العمل، مما يفرض التفكير في بدائل مبتكرة مثل الدخل الأساسي الشامل، أو أشكال جديدة من الضمان الاجتماعي، أو نماذج الملكية المشتركة للذكاء الاصطناعي.

ولا تنفصل العدالة الاقتصادية هنا عن العدالة المعرفية، إذ إن الوصول غير المتكافئ إلى المعرفة والخوارزميات المتقدمة قد يرسخ احتكارًا جديدًا أكثر تعقيدًا من أي شكل سابق للهيمنة. لذلك يصبح بناء إطار عالمي يضمن حق الوصول المفتوح إلى ثمار الذكاء الفائق ضرورة لا غنى عنها، سواء من خلال سياسات بيانات عادلة أو تشريعات مرنة للملكية الفكرية. وهذا يعني أن العدالة الاقتصادية في هذا العصر لن تتحقق بمجرد إعادة توزيع الثروة المادية، بل من خلال إعادة توزيع القدرة على المشاركة في صنع القرارات الاقتصادية والمعرفية التي ستحدد مستقبل الإنسانية.

ومن زاوية فلسفية، يفرض الذكاء الفائق على الفكر الاقتصادي إعادة النظر في معيار "القيمة". فإذا كان العمل البشري يفقد تدريجيًا مركزيته كمصدر أساسي للقيمة الاقتصادية، فإن العدالة تقتضي إعادة تعريف القيمة بما يعكس الإسهامات الإنسانية غير القابلة للاستبدال مثل الإبداع، والرعاية، والعلاقات الاجتماعية، والبحث عن المعنى. هنا يصبح الهدف من العدالة الاقتصادية ليس مجرد إشباع الحاجات المادية، بل تمكين الأفراد من عيش حياة كريمة ذات معنى، في عالم يتسارع فيه تآكل الوظائف التقليدية. وهذا يستدعي تحولات ثقافية ومؤسساتية عميقة تتجاوز حدود الاقتصاد الكلاسيكي نحو اقتصاد إنساني يعترف بأن التكنولوجيا يجب أن تظل وسيلة لخدمة الإنسان لا غاية تتجاوزه.

وعلى المستوى التطبيقي، يمكن رسم عدة سيناريوهات مستقبلية لتجسيد هذه الرؤية. فهناك نموذج الدخل الأساسي الشامل الذي يعيد توزيع عوائد التكنولوجيا بشكل مباشر على المواطنين باعتبارها ملكية عامة مشتركة، وهو نموذج يضمن الحد الأدنى من العيش الكريم للجميع، وإن كان يثير تساؤلات حول التمويل والحوافز. وهناك أيضًا نموذج الملكية التشاركية للذكاء الفائق، حيث تُدار الأنظمة فائقة الذكاء كبنية تحتية عامة بآليات ديمقراطية تضمن مشاركة أوسع في اتخاذ القرار حول كيفية استغلال هذه القدرات. وهناك بديل ثالث يقوم على الضرائب التصاعدية الذكية، بحيث تُعاد استثمارات الأرباح الهائلة التي تحققها الشركات التقنية إلى التعليم، والرعاية الصحية، والبنية التحتية الإنسانية. وأخيرًا، يبرز نموذج أكثر طموحًا يتمثل في اقتصاد ما بعد العمل، حيث تصبح التكنولوجيا قادرة على توفير معظم الإنتاج المادي، بينما ينصرف البشر إلى مجالات الإبداع، والفنون، والتجارب الروحية، في إطار رؤية أوسع للعدالة كتحرر من الضرورة ومنح الإنسان فرصة للتركيز على المعنى.

كل هذه السيناريوهات تكشف أن العدالة الاقتصادية في عصر الذكاء الفائق ليست مجرد مشروع تقني أو سياسي، بل هي رهان وجودي على قدرة البشرية على صياغة عقد اجتماعي جديد يتسع لتعددية الثقافات والقيم، ويوازن بين الابتكار والتوزيع العادل، وبين الكفاءة والتضامن، وبين الحرية الفردية والمسؤولية الجماعية. وفي غياب هذا العقد، قد يتحول الذكاء الفائق من أداة للتحرر والازدهار إلى قوة مضاعفة لعدم المساواة والاغتراب، وهو ما يجعل العدالة الاقتصادية مهمة مركزية لحماية الكرامة الإنسانية وصون معنى الحياة في المستقبل.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النفوذ الرقمي: إعادة تشكيل خرائط القوة في القرن الحادي والعش ...
- الوجودية: من قلق الفرد إلى عبء الحرية وصناعة المعنى
- إسرائيل كذراع استراتيجية للولايات المتحدة: بين المصالح العمي ...
- القيادة التحويلية في زمن الأزمات: من احتواء التحديات إلى صنا ...
- هندسة الجاذبية: إدارة القوة الناعمة كرافعة للنفوذ الدولي
- الجغرافيا الجديدة للنفوذ: أمن الطاقة وإعادة تشكيل التوازنات ...
- المؤثرون: بين بناء الثقة وتحديات الشهرة
- ما بعد الإيمان: تحولات فلسفة الدين في العصر الحديث
- السيادة في عصر الشبكات: الأمن الرقمي كدرع للأمن القومي
- أشباه الموصلات وصياغة ملامح القوة في القرن الحادي والعشرين
- حدود العلم بين رؤية كارل بوبر وتأملات محمود كيوان: نحو فلسفة ...
- التخيل الاجتماعي في زمن الذكاء الاصطناعي: صراع السرديات وإعا ...
- اقتصاد الجليد: سباق القوى الكبرى على كنوز القطب وأسرار المست ...
- الحوسبة الاجتماعية: البنية الرقمية الجديدة لسلوك الإنسان الج ...
- من الإنسان إلى الإله: جدلية لاهوت المسيح في القرون الثلاثة ا ...
- الذكاء الاصطناعي والاقتصاد النفسي: عقل بشري في قبضة خوارزمية ...
- الإقناع الخفي في عصر الذكاء الفائق: استعمار اللاوعي وتحرير ا ...
- إمبراطورية الانقسام: كيف أعادت بريطانيا رسم العالم بالصراعات
- إعادة رسم النفوذ: أوروبا و أمريكا في معترك التوازنات الجديدة ...
- من المنطق إلى الوجود: كيف أعادت الفلسفة الإسلامية تشكيل العق ...


المزيد.....




- الصين تنشئ “قناة سويس” برية لربط آسيا بأوروبا بعيدًا عن البح ...
- للشهر الرابع إسرائيل توقف تحويل أموال المقاصة للفلسطينيين
- قطاع الصناعة الفرنسي ينمو لأول مرة منذ 2023
- الهند تشهد أقوى نمو في قطاع التصنيع منذ أكثر من 17 عاما
- سهم علي بابا يسجل أكبر مكاسب يومية منذ 2022 بفضل الـ AI
- رئيسة المركزي الأوروبي تحذر من خطورة سيطرة ترامب على المركزي ...
- اقتصاد تركيا يتجاوز التوقعات وينمو 4.8% في الربع الثاني
- انطلاق اجتماعات اللجنة الاقتصادية تحضيرا للدورة 116 للمجلس ا ...
- تكاليف النزوح وإيجارات السكن تفتك بالغزيين وتراكم معاناتهم
- الاقتصاد التركي ينمو ?4.8?% في الربع الثاني متجاوزا التوقعات ...


المزيد.....

- دولة المستثمرين ورجال الأعمال في مصر / إلهامي الميرغني
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / د. جاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - حمدي سيد محمد محمود - العدالة الاقتصادية في عصر الذكاء الفائق: نحو عقد اجتماعي جديد للإنسانية