عبد الخالق الفلاح
الحوار المتمدن-العدد: 8464 - 2025 / 9 / 13 - 15:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من اكثر الشعارات المتداولة في عالم الموارد البشرية استفادةً ، اصبحت عبارة الرجل المناسب في المكان المناسب وهي متداولة كثيراً على الألسن وفي الإعلام ومغيبة في العمل وهذه المقوله من أهم المقولات في تاريخ البشرية قاطبة لو طبقته في العمل والقران الكريم يذكر إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (سورة القصص26 ) والقوة تعني الاختصاص، المعلومات، التبحر، التعمق، الأمانة وهي من علامات نجاح الدول والمؤسسات اذا ما تم الاستفادة منها قولا وعملا وعامل مهم من اجل نجاح الحوكمة ومؤسساتها بشكل عام ومؤسسات المجتمعات التي تسعى للوقوف على اقدامها على وجه التخصيصى ورفع معاناة المجتماعات في اسباب تأخرها وانحدارها الحضاري دون النظرة السطحية لهذه المقولة، ولم تتقدم الدول الحضارية إلا عندما طبقت حرفياً هذه المقولة ، لقد سادت حالة عدم انتخاب الرجل المناسب كل مواقع العمل في بلادنا وهي حالة تحطيم بطيء وتبديد لثروات وضياع الفرص وتهميش لكفاءات كثيرة يمكن ان تكون سببا في التقدم والتطور وتحقيق الاهداف .
من أهم المبادئ التي تؤدي إلى نجاح المؤسسات وتحقيق أهدافها هي الالتزام فيها اذا تحققت وقال نبينا الكريم صلى الله عليه واله وسلم: ((إذا وُسِّدَ الأَمر لغير أهله فانتظروا الساعة)) ، فالرجل المناسب في المكان المناسب يضمن الاستفادة القصوى من خبراته، ومؤهلاته، مما يساهم في تحقيق الكفاءة والفعالية وعلى العكس فلا يصيب ذلك المجتمع الا الانحدار ، ويُعدّ اختيار الشخص المناسب للمناصب القيادية وفق التخصص والتجربة من اسباب النجاح و أحد أهم التحديات التي تواجه الهيئات خلوها من التخصصات في المؤسسات، وعدم توظيف الأشخاص ذوي المهارات، والخبرات المُناسبة لتُعزيز فعالية العمل، ويزيد من فرص النجاح .
ان الوظائف العامة هي أمانة دينية وأخلاقية ومسؤولية قانونية وأدبية لخدمة الوطن والمواطنين، الأمر الذي جعل الوظيفة العامة حاضنة للإبداع والتميز والكفاءة والتطوير وتعزيز مبدأ العدالة والنزاهة وتكافؤ الفرص وترسيخ مبدأ الثواب والعقاب وسيادة القانون والمحاسبة وفتح سياسة الباب المفتوح لسماع مشاكل وقضايا المجتمع، والعمل على حلها وإزالة العواقب أمامها، وإدراك أن الوظيفة هي خدمة وطنية لرفع سمعة الوطن وتسهيل أمور المواطنين لا خدمة لمصالح الموظف وأهوائه، لذلك قيل الشخص المناسب في المكان المناسب.
لقد مرت علينا في العراق سنوات مضت ولازالت حيث جعلت من الوظيفة العامة عبارة عن وسيلة مقايضة ومساومة ومحاصصة وكسب ولاءات سياسية، الأمر الذي نتج عنه حالة فساد إداري ومالي، وعبث وظيفي وظلم للكفاءات المؤهلة لتبوء تلك الوظائف التي وزعت وفقاً لما ذكرت، ان مقولة «الرجل المناسب في المكان المناسب» ليست وليدة اليوم ولا هي بجديدة على الأمم، بل هي مقولة تاريخية ومفتاح نجاح وتطور الدول لكننا لم تراع في ذلك ولم تدرك أهميتها.
عدم تطبيق هذه المقولة يؤدي إلى فقدان أصحاب الموهبة والكفاءة مكانتهم ويؤدي إلى تبذير في الوقت والمال اللذان يعتبران اهم سببين في النجاح من بعد الانسان وهي مقولة تدل على حسن اختيار الشخص لتولي منصب أو وظيفة أو مكانة علمية أو اجتماعية.... وتدل مؤشراتها على استشراف النجاح باختيار شخص له من الكفاءات والخبرات التي تؤهله لتولي ذلك المنصب أو تلك المكانة امام عند الانظمة الجاهلة أصبحت من أكبر معاول الهدم والإهدار للموارد الوطنية في ظل الطفرات التي حدثت في جينات فن الإدارة غير التقليدية، وإنْ كان من الضروريّ أن نضع الشخص المناسب في المكان المناسب والسؤال اليوم الذي يدور في عقولنا هو من الذي يحدد من هو الرجل المناسب؟ وما أهمية أن نضع الشخص المناسب في المنصب المناسب إذا كانت بيئة العمل المثالية غائبة؟ ومن يحددّ الرجل المناسب على أسس علمية موثّقة بعيداً عن الرؤى الشخصية والفراسة؟ فكل شخص منا يعتقد أنه يملك الفراسة والخبرة الكافية لتحديد الشخص المناسب، وكيف نحدّد ما إذا كانت إنجازات الشخص المناسب مستدامة وأنها لم تكن على يد وفوق أكتاف الآخرين دون أن يكون له دورٌ يُذكر شخصياً؟ وعقود الخبراء والاستشاريين والذين بدورهم يمثّلون مؤسسات ربحية تقع تحت رقابة الجهات الاستخبارية، والتي لا تتأخر في تجنيدها لخدمة مصالحها التجارية والسياسية وتحديد بوصلة درجة تقدم أي مجتمع! ان مما يؤسف أنك ترى في العراق اليوم أناسا يحملون شهادات عليا في تخصصات علمية دقيقة ، وهم يمارسون أعمالا أو وظائف لا تمت لتخصصهم بصلة. فحالة المحاباة والعلاقات الشخصية والوساطة في اختيار وتعيين الأشخاص ليستغلوا مسؤوليات ومهام ليس من اختصاصهم وليست بحجم قدراتهم البسيطة و إمكانياتهم المتواضعة، حيث عين المدني بمنصب عسكري وعين الجندي في وظيفة ادارية ومالية في ظل تجاهل وإقصاء للكوادر المؤهلة والمتخصصة في كل المجالات. ان الاصلاح الاداري والمالي يكمن بالأساس في وضع الشخص المناسب في المكان المناسب وذلك يتطلب توصيف كل عمل من الأعمال لمعرفة الصفات الواجب توفرها في الشخص الذي سيسند اليه هذا العمل او تلك الوظيفة وذلك من حيث الكفاءة والمؤهل والخبرة والممارسة والنزاهة والشفافية ونظافة اليد والاستقامة والأخلاق. ولا بد من وضع معايير صحيحة ودقيقة في اختيار الأطر الادارية خاصة الذين سوف يكلفون بمناصب قيادية، لأن مسؤولية المجتمع تقع على عاتقهم وأن يكونوا من ذوي الكفاءات والقدرات المتميزة ويحسنون الاهتمام بالعنصر البشري. ان حالة المحاباة والعلاقات الشخصية التي تتسبب في اختيار بعض الأشخاص يستغلون مسؤوليات ليست بحجم قدراتهم البسيطة و إمكانياتهم المتواضعة اصبحت كارثية ،هذه الحالة قد سادت الكثير من مواقع العمل وخصوصا الحكومية في حكومة العراقية التي تسيطر عليها المخصصة الفجة وهي حالة تحطيم بطيء وتبديد للثروات وضياع لكفاءات كثيرة يمكن ان تكون سببا في التقدم والتطور إذا ما تم الاستفادة منها خلال مدة أكثر بكثير من سنوات تضييع الامكانيات بواسطة الأشخاص غير المناسبين في الأمكنة غير المناسبة. ان الحالة العراقية ونحن نقترب من الانتخابات تتعرض لأخطر مرحلة من مراحلها التاريخية وتمر بمرحله مفصلية وهذه تتطلب من صانع القرار حسن الاختيار ليكون بمقدور المؤسسات القيام بما هو أهل للقيام به وتقود عملية الإصلاح والاستنهاض في عملها وإصلاح القضاء وتعمل على تنقية مؤسسات السلطة في الدولة ضمن وحدة عمل بغربلة صحيح دون محسوبية أو منسوبيه.
لقد حث الرسول الكريم -عليه وآله الصلاة والسلام- في العديد من الأحاديث النبوية على ضرورة وضع الرجل المناسب في المكان المناسب لدرء الكثير من المفاسد عن الأمة والمجتمع الإسلامي، وقال عليه واله السلام- "إذا ضُيّعت الأمانة فانتظر الساعة، قال: كيف إضاعتها يا رسول الله؟ قال: إذا أسند الأمر إلى غير أهله".
و قال الشاعر في هذا الباب:
وراعي الشاة يحمي الذئب عنها *** فكيف إذا الرعاة لها هم الذئاب
عبد الخالق الفلاح - باحث واعلامي
#عبد_الخالق_الفلاح (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟