أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - موسى فرج - محاولة رد اعتبار للحسچه...















المزيد.....

محاولة رد اعتبار للحسچه...


موسى فرج

الحوار المتمدن-العدد: 8436 - 2025 / 8 / 16 - 22:13
المحور: قضايا ثقافية
    


كنت قد بعثت أمس نسخة إلكترونية من كتابي "حسچه على ندوب الذاكره" إلى موقع "الناس"، فقام صديقي الأستاذ يونس بولص متي بنشر الكتاب في مكتبة الموقع ليتخذ مكانه مع كتب أخرى لي سابقة، مع الاحتفاء بالإشارة إليه على واجهة الموقع، "ولصديقي الأستاذ يونس أفضال سابقة عليَّ من بينها: أنه هو شخصيًا مَن صمّم غلاف كتابي السابق –الفوضى المستدامة في العراق-.
إلا أنّ رسالة وصلتني عن طريق الإيميل من صديقي الأستاذ ماجد الغرباوي مدير "مؤسسة المثقف العربي"، جاء فيها: "مبارك صدور كتابكم الجديد...يرجى التفضل بإرسال تعريف بالكتاب كما هو متعارف عندنا في باب أخبار ثقافية؛ كي يمكننا التعريف بكتابكم الكريم...نأمل في تعاونك مع التقدير".
وطلب صديقي الأستاذ الغرباوي طبيعي ومهم فاتني التنبه له مسبقًا، لكني تنبهت إلى أمر آخر مهم وطريف، وهو أنّ قراء وكتاب مؤسسة المثقف العربي الكثير منهم من الدول العربية الأخرى وعلى امتداد العالم العربي وليسوا عراقيين، واحتكاكهم بمفردات اللهجة المحلية عندنا ليس بمثل احتكاكنا بها، ومصطلح الحسچه هو بالأساس مصطلح عراقي محلي، كثير من العراقيين يلتبس عليه الأمر بشأنه، هل هو مفردات وألفاظ ...؟ أم طريقة في التعبير...؟
الأمر الذي دفعني لتوضيح مصطلح الحسچه أولًا، فكتبت لصديقي والقراء بشأنها هذه السطور...
أردت من خلال هذا الكتاب رد الاعتبار للـ "الحسچه" أولًا، وهي طريقة في التعبير تختص بها –سابقًا- منطقة الفرات الأوسط من العراق "محافظات النجف والديوانية والسماوة" ولكن بتقدم وسائل الاتصال والتواصل باتت لا تنحصر في الفرات الأوسط ولا حتى بجنوب العراق فقط؛ بل امتدت لمعظم أنحاء العراق، وعن ماهية الحسچه فإنها: الكلام البليغ، الموجز، والمليح، الذي يحمل أكثر من معنى.
وبالرغم من أنَّ معظم العراقيين يحب الحسچه، وعندما يعجبهم الكلام قالوا عنه وعن المتكلم هذا: حسچه، إلا أنَّ الكثير منهم يحصل عنده اللبس بينها وبين اللهجة بمعنى المفردات الشائعة وطريقة نطق الحروف، فإذا كان اللبس بماهيتها يقع فيه بعض العراقيين، فكيف بالقراء من غير العراقيين...؟ وعليه؛ فقد أحببت أنْ أوجزها من خلال حادثة طريفة صادفتني شخصيًا:
ففي عام 1980-1981، كنت يومها ممثلًا لدائرتي "المركز القومي للاستشارات والتطوير الإداري" في لجنة وزارية في وزارة الحكم المحلي، يرأسها مدير الحكم المحلي العام زكي فيضي العلي "كان الرجل للأمانة ودود وأريحي"، وكان إلى جانب كونه مسؤولًا حكوميًا كبيرًا بعثيًا كبيرَّا وتكريتيًا، ويعرف أني من السماوة، هذا الرجل ما إنْ دخل الاجتماع حتى طلب من جميع الأعضاء توخي الحذر، قائلًا: دخل الحسچه خذوا الحيطة والحذر، وبتكرار ذلك سألته: هل تعجبك الحسچه يا أبا وائل...؟ قال: جدًا جدًا جدًا.
قلت: لكنها لا تعجبني، قال: كيف لا تعجبك وقد عشتها بنفسي يوم كنت محافظًا للنجف ومن ثم الديوانية و"أخيرًا السماوة"، وأعرفها جيدًا، ووجدت الناس هناك من أذكى مَن رأيت في العراق...؟
قلت: لكنها مثل العملة المعدنية لها وجهان، أحدهما كما تصفه والآخر لا أحبه، قال: كيف..؟
قلت: سأوصل الفكرة لك عمليًا من واقع حادثة، قال: تفضل: قلت: أيام زمان جاء للسماوة قائمقام من بغداد، وقبل أنْ يباشر بمهام عمله زار مدير الشرطة في مكتبه، ورجاه أنْ يشرح له معنى الحسچه، فقال له: سأريكها عمليًا، وطلب من حاجبه الشرطي الواقف على الباب أنْ يُدخل عليه أحد المراجعين، فدخل مواطن ستيني صاير طماطه من البؤس، رث الثياب، عليل الصحة، خائر القوى، لكن مدير الشرطة بادره لحظة دخوله صارخًا بوجهه: كلب ابن الكلب، كيف دخلت وعندي ضيف...؟ فردّ الرجل بهدوء: ليش تشتمني، آنا أبوك!... فأشار إلى الشرطي بإخراجه، والتفت على القائمقام قائلًا: هذه هي الحسچه... قال القائمقام: لم أفهم، فقد شتمت الرجل دون وجه حق وطردته...؟ قال له: ألم تسمعه يقول: أنا أبوك؟ يعني أنا "مدير الشرطة" كلب ابن كلب أيضًا! لكنه قالها بطريقة لا أستطيع فيها إقامة الدليل على أنه شتمني.
صاح صاحبي رئيس اللجنة "أبو وائل": أرأيت...؟ هل يوجد مَن هو أذكى من هذا الرجل الذي ردّ الشيمة بالشتيمة...؟ فأي وجه لا يعجبك فيها...؟
قلت: لو كنت مكانه وقال عليَّ ضابط الشرطة: كلب ابن كلب، فلا يرضيني إلا أنْ أقول له: أنت كلب ابن 16 كلب ...لكن المواطن بين حجرين، فكرامته عزيزة عليه، وبالوقت نفسه مغلوب على أمره شأن معظم المواطنين في تلك الأرجاء، فيبحث عن دهاليز ليرد الأذى عن نفسه دون أنْ يلام؛ لأنّ كلامه يحتمل الوجهين.
قال صاحبي: من هذه الناحية حقك...قلت: أرأيت ...؟
في هذا الكتاب، قلت الحسچه على أصولها وبطريقتي أنا، وليس بطريقة ذلك الستيني الواهن المغلوب على أمره، فالذي يستحق أنْ يقال له: "كلب ابن كلب"، أقول له: "أنت كلب ابن 16 كلب"، ولكن بطريقة بليغة مليحة تحمل أكثر من معنى.
في هذا الكتاب تكلّمت عن الفرات وطوفانه السنوي المحتوم الذي كان يومها يثير الهلع في نفوس الناس، ويكتسح قوتهم، فتطوف بيادر محاصيلهم تائهة فلا تجد جوديًا تستقر عليه...؟
وعن تدني الوعي المجتمعي لمديات غير معقولة، والذي كان يشكل الثنائي الرديف لطوفان الفرات لناحية التسبب بالفقر والحرمان، فيطحنان الناس طحن الرحى.
وعن سلطة شيوخ العشائر الذين كانوا بديلًا عن الدولة، ومخوّلين بجميع الصلاحيات الموروثة من العهد العثماني والإنكَليزي، وبعضهم غاشم وظالم، يسوم أبناء عشيرته الويل والثبور.
وعن الجانب الأشد ظلامًا في دوامة التخلف، وهو التعامل مع المرأة في الريف والزوجة على وجه الخصوص.
وعن الثقافة التي كانت تعتمد قناة معرفية واحدة هي: "المجالس مدارس".
وعن التعليم الذي كان مجاله الأوفر حظًا تعلم الـ "ألف بيه زير أن، ألف بيه زير إنْ، ألف بيه زير أون، ألف بيه دوبش أون".
وعن زيارتي الأولى للمدينة، والانبهار بالدفاتر والأقلام، وبنطلون قريبي القصير.
وعن العصيان في المدينة، والافتراق عن الأهل بغية تحقيق الحلم في التسجيل في المدرسة.
وعن كنه التنافس السياسي بين البعثيين والشيوعيين في مطلع ستينيات القرن الماضي، وميدانه الرئيس كسب تلاميذ المدارس سياسيًا، لتتحدد هوية التلميذ المستقبلية بعثيًا كان أم شيوعيًا منذ الصف الثاني أو الثالث ابتدائي...!
وعن أشد ندوب الذاكرة إيلامًا وقيحًا بحلول 8 شباط 1963 وتستمر على مدى 40 عامًا عجافًا، ما إنْ تغادر ندبة حتى تغرق في أخرى "سرمهر وأنكَس".
وعما أفضت بنا الأقدار في نهاية الأمر لنجد حالنا في قعر هوة لا قرار لها، ولا تشبه أي مما شهدناه من ندوب وحفر، فيها رأينا "َالنَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ"، كل المفاهيم عندهم عائمة، الوطنية في عرفهم لوثة أخلاقية، والدين عندهم يحدد معالمه روزخون جاهل أو رادود مراهق، والمواطنة عندهم لغوًا لا يستحق التوقف عنده، الجنة في معتقدهم دهليز مثل أحد أنفاق يحيى السنوار في بابه يقف معمم ساذج ومضحك لكنه لئيم يقول لك إن هممت :" الجنه بس للشيعه!"، والسلاح المنفلت في منطقهم مقدس... الفساد عند أولي أمرهم عقيدة والنزاهة خصم، المرجع الأخلاقي عندهم شدّات الدنانير، والمرجع الديني عندهم "شاوروهن وخالفوهن"، والهاجس عند ساستهم الـ "مالات"، يومهم الوطني عائم وعلم الدولة والنشيد الوطني كلها تعابير عائمة تتطلب إثبات نسب...
قلت كل ذلك بـ الحسچه ولكن بطريقتي متوخياً الوفاء لصديقي الراحل د. حسين سرمك الذي كتب عني قائلًا: "من السمات الأسلوبية الأساسية والبارزة لموسى فرج هي سمة السخرية التي تتراوح من سخرية بيضاء بسيطة، إلى سخرية سوداء مريرة تجعل القارئ في حيرة هل يضحك أم يبكي؟ وهي أعقد أنواع فنون السخرية الكثيرة".
وأيضًا لأكون عند حسن ظن صديقي اللذيذ عبد المنعم الأعسم الذي كتب قائلًا: "مَن لم يقرأ ما يكتبه موسى فرج يخسر مرتين؛ مرة لأنه (وعلى مسؤوليتي) لا يجد نظيرًا لكتاباته من حيث جماليات الحسچه الفراتية المشحونة بالمعاني، وروح الوطنية العراقية النقية مثل دمع العين، وثانيًا، ستخلو حافظته من تنبؤات ما أحوجه لها، في السياسة وفي غيرها".



#موسى_فرج (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما دامت الولاية الثانية لا تقررها صناديق الانتخابات فعلام ال ...
- 8/ 8/ 1988 كما شهدتها...
- قضية خور عبد الله، وسط الهرج والتهريج لعل هذه تختصر الأمر.
- هل يصلح علي للحكم على فعل -أتباعه-...؟
- أنصار حقبة نوري سعيد لم يخسروها وما زالوا يعيشون في كنفها فل ...
- الانتخابات في العراق...
- نقد ذاتي...
- ربيطنا وچلبة جدي...
- درجات الانتماء للوطن...
- ورقة الجوكر...
- أعان الله إيران وقيادة إيران...
- حزيرانيات...
- بستوكة الانتخابات في العراق ...
- موخيكا..مات...
- كتب وذكريات...3 ثورة الزنج للدكتور فيصل السّامر:
- كتب وذكريات... ثورة الزنج للدكتور فيصل السّامر ج2
- كتب وذكريات... ثورة الزنج للدكتور فيصل السّامر:
- الطابور الخامس والعدمية المعاصرة في العراق ...
- خاب ظني...
- الجولاني ومدينة الثوره...


المزيد.....




- كيف علّقت وسائل إعلام روسية على محادثات ترامب وبوتين؟
- ترامب يكشف شروط بوتين لإنهاء الحرب في أوكرانيا بعد قمة ألاسك ...
- سماع دوي انفجار في منطقة المزة بدمشق ناجم عن انفجار عبوة ناس ...
- ألمانيا تقترح عقد قمة ثلاثية في أوروبا بين ترامب وبوتين وزيل ...
- يفهين ميكيتينكو لفرانس 24: العرض الروسي بالانسحاب من دونيتسك ...
- فرنسا تعلن تواصلها مع مالي للإفراج عن موظف سفارتها المعتقل ه ...
- ما هي أهم ردود فعل القادة الأوروبيين بعد قمة بوتين-ترامب في ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن عن تحضيرات لنقل السكان المدنيين من منا ...
- وفاة شابة من غزة جوعا بعدما وصلت إلى مستشفى في إيطاليا
- ماذا يعني استبعاد أكثر من 400 مرشح للانتخابات البرلمانية الع ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - موسى فرج - محاولة رد اعتبار للحسچه...