أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة شاوتي - قراءة ٌ فِي نصِّّ الشّاعرِ الْفلسْطِينِي- رائدْ شنْيورةْ- ...















المزيد.....



قراءة ٌ فِي نصِّّ الشّاعرِ الْفلسْطِينِي- رائدْ شنْيورةْ- ...


فاطمة شاوتي

الحوار المتمدن-العدد: 8432 - 2025 / 8 / 12 - 13:30
المحور: الادب والفن
    


خطّةُ الْقراءةِ تتناولُ النّقطَ التّاليةَ:
١_ لماذَا اخْترْتُ نصًّا لمْ تكنْ لِي علاقةٌ بِكاتبِهِ واقعيًا وافْتراضيًاإلَّا بعْدَ الْقراءةِ ...؟
٢_ كيْفَ أتصوّرُ النّصَّ... ؟
٣_ ماهيَ آليةُ التّعاطِي معَ النّصِّ...؟
٤_ كيْفَ يبْنِي النّصُّ نسقَهُ وسياقَهُ منْ خلالِ هنْدسةِ لغتِهِ...؟
أ ماهيَ مكوّناتُ هذِهِ الْهنْدسةِ...؟
ب كيْفَ ترْسمُ هنْدسةُ اللّغةِ عناصرَ التّيمةِ ..؟
٥_ مَاهوَ محْتوَى النّصِّ كيْ يكونَ مؤهّلًا لِوظيفةٍ ثانيةٍ،وهيَ التّأْويلُ الدّاخلِيُّ منْ حيْثُ هنْدستُهُ الْفنّيّةُ،
و أسْلوبُ صياغةِ هذهِ الْهنْدسةِ، ومضْمونُهَا ...؟
٦_ خلاصة التّحْليلِ.

النّصُّ:

"فِي الْيوْمِ الثّالثِ عشرَ
بعْدَ انْقطاعِ الْخبْزِ
قضمْتُ قطْعةً منْ جلْدِي
بِبطْءٍ
كمَا تقْضمُ الضّباعُ أحْشاءَ فريسةٍ دافئةٍ

بعْدَ ساعةٍ
بدأَتْ أصابعِي تنْسَى أسْمائِي
ثمَّ رأْسِي صارَ خفيفًا كََكيسٍ فارغٍ

جلسْتُ قرْبَ بابِي
وكانَ الْبابُ عظْمًا مكْسورًا
وكانَ الْحيُّ حفْرةً
والشّارعُ أمْعاءَ طويلةً لِأفْعَى ميّتةٍ

فِي أحدِ الْأيّامِ
اسْتيقظْتُ ولمْ أعْرفْ وجْهِي
نظرْتُ إلَى الْمرْآةِ
كانَ هناكَ رجلٌ مَا، جالسًا فِي داخلِي
ينْظرُ إليَّ
كمَا ينْظرُ الْجائعُ إلَى جائعٍ آخرَ
ويضْحكُ

صرْتُ أتقيّأُ ظلالًا
أحْلامًا قديمةً
أسْماءَ أحبَّتِي
وصوْتَ أمِّي وهيَ تقولُ:
"مَا تأكلْشْ منَ الْأرْضِ"
لكنّنِي أكلْتُ

دخلْتُ بيْتَ جارِي
كانَ ميّتًا
لكنَّ ريقَهُ مَا زالَ دافئًا
أخذْتُ ملْعقةً
وشرعْتُ بِالْحفْرِ فِي بطْنِهِ
كَمَنْ يحْفرُ عنْ كنْزٍ فِي الرّمْلِ
أردْتُ أنْ آكلَ… فقطْ أنْ آكلَ
فوجدْتُ وجْهِي
نعمْ
وجْهِي
داخلَ بطْنِ جارِي
مضغْتُهُ
وبكيْتُ
ثمَّ بكيْتُ أكْثرَ
لِأنِّي تذكّرْتُ أنِّي بِلَا ماءٍ

وفِي الْيوْمِ الْعشْرينِ
بدأْتُ أتآكلُ
منَ الدّاخلِ
كأنَّ شيْئًا مَا
يشْتهينِي

فِي اللّيْلِ
خرجْتُ أمْشِي
وعظامي تصْدرُ أصْواتًا غريبةً
كأنَّهَا تُغنّي
كلْبٌ مَا عضَّ قدمِي
لكنّنِي شكرْتُهُ
لِأنّهُ انْتزعَ قطْعةً كانَتْ تؤْلمُنِي منْذُ أيّامٍ

فِي الْيوْمِ التّالِي
اسْتيقظْتُ علَى صراخِي
كنْتُ أنَا اّلذِي أكلَنِي
وكنْتُ أنَا الّذِي صرخْتُ

والْآنَ
أنَا ظلٌّ لِرغيفٍ قديمٍ
سقطَ منْ يدِ اللّهِ
وتحلّلَ...

رائد شنيورة
شاعر من غزة



١

دواعِي الْاخْتيارِ:
إنَّ اختيارِي نصًّا دونَ سابقِ معْرفةٍ بِمُنْتجِهِ كانَ:
لِأنَّهُ نصُّ اللّحْظةِ الرّاهنةِ فِي علاقتِهِ بِحصارِ
" غزّةَ"، نصٌّ ينْدرجُ فِي تيمةِ الْقضايَا، بدَا كأنَّ الْكتابةَ تتخلَّى عنْ شعْرِث الْقضايَا،
و كأنَّ الشّعراءَ والشّاعراتِ؛ انْسحبُوا وانْسحبْنَ منْهُ لِصالحِ الْكتابةِ عنِ الذّاتِ والْجسدِ،
لكنَّ الْمتغيّراتِ التّاريخيّةَ، أكّدَتْ منْ وجْهةِ نظرِي ضرورةَ عوْدةِ هذَا النّمطِ منَ الْكتابةِ،خاصّةً معَ تطوّرِ الْأحْداثِ فِي مجْملِ الْخريطةِ الْعالميّةِ، اِنْعكسَ علَى الْوضْعِ الْعربِيِّ بِشكْلٍ واضحٍ...

الْكتابةُ زمنٌ وجْدانِيٌّ لِحدْسٍ زمنِيٍّ واقعِيٍّ يرْهنُهَا رغْمًا عنْهُ، لِيسْتنْطقَ الزّمنُ الْأدبيُّ زمنَهُ الْمادِّيَّ دونَ السّقوطِ فِي فخِّ الْخطابِ الْمباشرِ؛ والْأيْدْيولوجْيَا؛ والتّاريخِ؛
بِشكْلٍ آلِيٍّ...
و لِأنَّ زمنَ الْكتابةِ يُقاسُ بِزمنِ الْواقعِ،فلَايكونُ مرْآةً عاكسةً وصورةً فوتوغْرافيَّةً،لكنَّهُ يلْتقطُ الْإشاراتِ ويعْكسُهَا بِكيْفيّةٍ رمْزيّةٍ وإيحائيّةٍ،
ينْفتحُ الْقارئُ علَى معانِيهَا الدّاخلِيَّةِ منْ خلالِ مبانِيهَا الْخارجيّةِ،
يجْعلُ السّؤالَ مشْروعًا:
هلْ نحْنُ الْآنَ فِي مرْحلةِ
الْكتابةِ/ الْمناجاةِ
الْكتابةِ /الْوجْدانِ
الْكتابةِ /الذّاتِ
أمِ الْكتابةِ /الْقلقِ
الْكتابةِ /الْإنْسانِ... ؟
سؤالٌ أتبنَّاهُ انْطلاقًا منْ ملاحظاتِي :
إنَّ اللّحْظةَ لحْظةٌ فاصلةٌ تعْرفُ:
تحوّلًا جْيُوبُّولِيتِكِيًّا
تحوّلًا جغْرافيًا
تحوّلًا تاريخيًّا
فِي سياقٍ عوْلمِيٍّ...
بناءً علَى متغيّراتِ السّياسةِ الدّوْليّةِ الْجديدةِ، خاصّةً بعْدَ حرْبِ كورونَا وتعْريّتِهَا لِإشْكالاتٍ معقّدةٍ، و بعْدَ الْحرْبِ الْأخيرةِ فِي منْطقةِ الشّرْقِ الْأوْسطِ،وبِالضّبْطِ فلسْطينَ /غزّةَ دونَ الْبحْثِ عنْ مَنِ الْمسْؤولُ ...؟
أهيَ حركةُ الْمقاومةِ الْإسْلاميّةِ(ح_م_ا_س) أمْ إسرائيلُ وحلفاؤُهَا الدّوْليّونَ والْعربُ والْمسْلمونَ...
أمْ هيَ لحْظةٌ فارقةٌ، خُطِّطَ لهَا مسْبقًا بِتسْميّةٍ جديدةٍ (خريطةُ الشّرْقِ الْأوْسطِ الْجديدِ) ، هدفُهَا توْطينُ كيّانٍ صهْيونِيٍّ، وجعْلُهُ مكوّنًا سيّاسيًا ذَا وجودٍ هوّيّاتِيٍّ مفْروضٍ بِتوافقاتٍ عالميّةٍ كَسرطانٍ، يسْتثْرِي فِي مفاصلِ الْمنْطقةِ تحْتَ ضغْطِ اللّوبِيِّ الْعالمِيِّ منْذُ 1948...
هذَا الْمعْطَى التّاريخيُّ اسْتُتْبعَ بِهزّاتٍ عنيفةٍ منْذُ (حرْبِ السّتةِ أيّامٍ) 1967...

بِهذَا الْوعْيِ يغْدُو اخْتيارُ الْأدبِ مسارًا آخرَ مِثْلَمَا فرضتْهُ الْحرْبُ الْعالميّةُ الْأولَى و الثّانيّةُ، فتميّزَ آنذاكَ بِظهورِ الْوجوديّةِ كَتيّارٍ فلْسفِيٍّ تزعّمَهُ الْفيْلسوفُ الْفرنْسِيُّ "سارْترْ"، تفْرضُ لحْظةُ الْأدبِ إبّانَ الْحرْبِ علَى فلسْطينَ فِي غزّةَ منْطقيًّا وموْضوعيًّا، تبنِّي قضايَا الْإنْسانِ بعْدَ سيّاسةِ التّجْويعِ والْحصارِ والتّهْجيرِ والْاسْتيطانِ والْإبادةِ الْجماعيّةِ، تصلُ ذرْوةُ الْاحْتلالِ أقْصاهَا وأقْساهَا فِي عمليّةِ تهْويدِ الْأراضِي الْفلسْطينيّةِ فِي ظلِّ صمْتٍ مدبَّرٍ بِرعايةٍ أمْريكيّةٍ ومؤامرةٍ إقْليميّةٍ، هدفُهَا الْإجْهازُ علَى الْهوّيّةِ الْفلسْطينيّةِ والْمسيحيّةِ ،بيْنمَا الْمنْطقةُ تتعايشُ فيهَا الدّيّاناتُ الثّلاثةُ، (الْيهوديّةُ والْمسيحيّةِ والْإسْلامُ) ولمْ يكنْ لِلدّينِ دوْرٌ فِي تأْسيسِ أيِّ كيّانٍ سيّاسِيٍّ، لِيتمَّ فِي سيْطرةِ الْيمينِ الصّهْيونِيِّ الْمتطرّفِ معَ حكومةِ(نتنْياهُو) وعصابةِ (بنْ غْفيرْ)الْإجْهازُ علَى الْمقدّساتِ...
وإنْ عرفَ التّاريخُ سيادةَ هذَا النّوْعِ منَ السّلطِ،
أفْغانسْتانُ /إيرانُ/باكسْتانُ /وماتناسلَ منْ حركاتٍ ذاتِ طبيعةٍ دينيّةٍ ،تخْتلفُ توجّهاتُهَا بيْنَ الْاعْتدالِ والتّطرّفِ...
فهلْ سيكونُ النّقْدُ بحْثًا فِي أفقِ شعْرِ الْقضايَا ضروريًّا تسْتدْعِيهِ الْمرْحلةُ الْحاليّةُ،أمْ بحْثًا فِي شعْرِ الذّاتِ والْحبِّ والْجسدِ والْإيروتيكِ...؟ لَا أنْفِي قيمةَ هذهِ التّيماتِ،فلِكلِّ لحْظةٍ تاريخيّةٍ لحْظتُهَا أوْ لحظاتُهَا الْإبْداعيّةُ تتغايرُ/تتآلفُ
ومعَ ذلكَ تنْتمِي لِسيّاقِهَا الزّمنِيِّ،
فكيْفَ سيكونُ الْحدْسُ النّقْدِيُّ حدْسًا لِلحْظةٍ شعْريّةٍ تلْتقطُ لحْظتَهَا التّاريخيّةَ، تؤثّرُ فيهَا وتُوتِّرُهَا فتتخلْخلُ بِاتّجاهٍ مَا... ؟
كيْفَ سيعْكسُ نصُّ كاتبٍ منْ غزّةَ "رائدْ شنْيورة" كَلحْظةٍ إبْداعيّةٍ راهِنَ اللّحْظةِ التّاريخيّةِ فِي فلسْطينَ أثْناءَ حرْبِ التّجْويعِ، الّتِي حصدَتْ أرْواحَ الْجوْعَى كَأخْطرِ شكْلٍ لِلْإبادةِ الْجماعيّةِ...؟

هلْ تمكّنَ الْكاتبُ والنّاقدةُ منْ خلْقِ الْمفاجأةِ، واعْتناقِ الْجرْأةِ فِي محاورةِ الْقارئِ فِي مسْتوياتٍ معيّنةٍ منْ خلالِ ذائقةٍ تمثّلَتْ لحْظتَهَا بِكلِّ أبْعادِهَا الْإيجابيّةِ والسّلْبيّةِ،
وطنيّةً / إقْليميّةً/ دوْليّةً/ منْ خلالِ نصٍّ ترْكيبِيٍّ /تفْكيكِيٍّ/مشْهدِيٍّ/ يجازفُ بِتعْريّةِ دلالاتِهِ السّيمْيائيّةِ...؟
أيُّهُمَا تفوّقَ علَى الْآخرِ، أيُّهُمَا فرضَ سلْطتَهُ بِوصْفِ النّقْدِ عنْفًا ثقافيًّا؛ هدفُهُ ملْءُ الْفراغاتِ الّتِي تركَهَا الْكاتبُ الْفلسْطينيُّ بِوعْيِهِ و بِلَا وعْيِهِ...؟
سؤالٌ يرْتبطُ بِنوْعيّةِ الْقارئِ الّذِي يسمّيهِ "مِيكَائِيلْ رِيفَاتِيرْ" كمَا قدّمَهَا الدّكْتورُ" حميدْ لحمدانِِي" فِي ترْجمتِهِ لِكتابِ" معاييرُ تحْليلِ الْأسْلوبِ"ص 80:
"مفكّكَ السّننِ لمْ يعدْ لهُ الْاخْتيارُ، وهوَ يواجهُ نصًّا تخْييلِيًّا فِي أنْ يدْركَ معْطياتِ النّصِّ وفْقَ فهْمِهِا الْمرْجعِيِّ، لِأنَّ الطّبيعةَ التّعْبيريّةَ لِلنّصِّ التّخْييلِيِّ تفْسدُ الْعلاقةَ بيْنَ الْمرْجعِ ومَا يمثّلُهُ الْمرْجعُ فِي النّصِّ ،وتميلُ بِالنّصِّ إلَى الْغموضِ؛ وهوَ مَا يُرْغمُ الْقارئَ علَى التّخلِّي عنْ فهْمِهِ الْمرْجعِيِّ لِلْبحْثِ عنْ دلالاتٍ أخْرَى لِلنّصِّ، والْخاصيّةُ الّتِي تُرْغمُ الْقارئَ علَى ذلكَ هيَ بِالتّحْديدِ الْوظيفةُ الْأسْلوبيّةُ ،عوضَ الْوظيفةِ الشّعْريّةِ الّتِي ركّزَ عليْهَا " جاكُوبْسونْ"
فهلْ سنقْراُ هذَا فِي نصِّ تمْثيلِيٍّ لِتجْربةٍ نقْديّةٍ، تتبنّاهَا قارئةٌ مقْتنعةٌ بِأنَّ الْكاتبَ هوَ أوّلُ قارئٍ لِصياغتِهِ وفْقَ منْهجٍ، يخْتارُهُ النّصُّ انْطلاقًا منْ لغةٍ هيَ النّصُّ عيْنُهُ...؟

٢
كيْفَ أتصوّرُ النّصَّ...؟

النّصُّ تأْويلٌ لِواقعٍ بِواسطةِ اللّغةِ، إنَّهُ كمَا جاءَ فِي مجلّةِ"دراساتٌ سيمْيائيّةٌ أدبيّةٌ لسانيّةٌ" الْعددُ 7سنة 1992 /ص18 :
"تكْوينٌ لغوِيٌّ منْ جهةٍ، وأنَّهُ جزْءٌ منْ فعْلِ التّواصلِ منْ جهةٍ أخْرَى"
إنّهُ :
" بنْيةٌ تحْكمُهَا قوانينُ داخليّةٌ ،بِالْإضافةِ إلَى الْقوانينِ الْخارجيّةِ ،
"بنْيةٌ تحْكمُهَا قوانينُ داخليّةٌ، بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْقوانينِ الْخارجيّةِ، َلَايمْكنُ اعْتبارُهُ كذلكَ إلَّا إذَا كانَ متلاحمَ الْأجْزاءِ
ومترابطَ الْعناصرِ، وإلَّا إذَا كانَ منْسجمًا، والْانْسجامُ معْناهُ أنَّ النّصَّ مُبَنْيَنٌ بِكيْفيّةٍ مَا، يحْكمُهُ منْطقٌ معيّنٌ،
وأنَّهُ ليْسَ مجْموعةً منَ الْجملِ الّتِي ضُمَّ بعْضُهَا إلَى بعْضٍ بِكيْفيّةٍ اعْتباطيّةٍ ، وبِدونِ أيِّ نوْعٍ منْ أنْواعِ الرّبْطِ الْمُعْجمِيِّ والنّحْوِيِّ والتّداولِيِّ... "
وإذَا كانَ النّصُّ تأْويلًا رمْزيًا لِواقعٍ مَا، فإنَّ النّقْدَ بِدوْرِهِ نصٌّ تأْويلِيٌّ داخلَ تأَْويلٍ، لكنَّهُ كمَا يقولُ" عبْدُ السّلامْ بنْعبْدْ العالِي" فِي كتابِهِ
" جرْحُ الْكائنِ" ص 101 :
" ليْسَتْ علاقةُ التّأْويلِ بِالنّصوصِ والْمعانِي، علاقةَ تأمّلٍ ونظرٍ، إنَّهَا ومنْذُ الْبدْءِ علاقةُ اسْتحْواذٍ وعنْفٍ..."
إنَّهُ النّصُّ /اللّغةُ
واللّغةُ متواليّةٌ حاملةٌ لِدلالاتِ التّيمةِ،
بِهذَا الْوعْيِ يقولُ "هشامْ عمرْ النّورِ" فِي كتابِهِ " النّظرِيّةُ النّقْدِيّةُ كَنظريْةٍ لِلتّحرّرِ"ص 194/ 195:
"تكْتسبُ اللّغةُ الْقدْرةَ علَى الْإيحاءِ بِأشْياءَ غيْرِ معبّرٍ عنْهَا (...)
كلُّ هذهِ الْإيحاءاتِ والْإتّفاقاتِ تثْبتُ أنَّ اللّغةَ قادرةٌ علَى تأْويلِ نفْسِهَا بِنفْسِهَا، ومهمّةُ (الْهِيرْمينُوطيقَا)
هيَ تفْكيكُ رموزِ هذَا التّأْويلِ الذّاتِيِّ..."
هوَ مَا أكّدَهُ" هابرْماسْ"
" تمرُّ الْعلاقةُ بِالْعالمِ منْ خلالِ اللّغةِ، كمَا أنَّ الْفاعلَ ليْسَ هوَ الْأنَا، بلْ هوَ عضْوُ مجْتمعِ اللّغةِ "
ولِهذَا يصيرُ الْكوجيطُو لغويَّا لَا فلْسفيًّا وجوديًّا
ف" أفكّرُ "تعْنِي منْ هذَا الْمبْدإِ ،" أُبرْهنُ" وليْسَ "أوجدُ" بلْ"أتكلّمُ معَ الْغيْرِ"و" أقْبلُ الْمعاييرَ الْعمليّةَ لِلتّواصلِ "وكذلكَ تعْنِي" أنْتمِي إلَى مجتمعِ التّواصلِ، فلَا أحدَ فكّرَ وحْدَهُ"
لِهذَا فإنَّ :
"ميزةَ الشّعْرِ لَا تكْمنُ فيمَا يحْملُهُ منْ مضامينَ وأفْكارٍ، وإنّمَا تكْمنُ فِي طريقتِهِ الْأسْلوبيّةِ والرّمْزِيِّةِ الّتِي يعبّرُ بهَا عنْ هذِهِ الْأفْكارِ "
" إذْ لابدَّ منْ مراعاةِ الْقيمةِ الْفنّيّةِ والْجماليّةِ" بِتعْبيرِ" غولْدْمانْ:
لِأنَّهُ منْ مميّزاتِ الشّعْرِ الْحداثيِّ الّذِي يحاولُ تشْكيلَ إيقاعاتِهِ الْخاصّةِ منْ خلالِ توْظيفِ
التّكْرارِ/الْقوافِي /الْوقْفِ/النّبْرِ/الْقافيّةِ/ كَمولّداتٍ صوْتيّةٍ دلاليّةٍ"ص 43
بِهذِهِ الْحيْثيّاتِ الْفكْريّةِ، فإنَّ النّصَّ /اللّغةَ لَا النّصَّ/الذّاتَ
"لَا تفْترضُ أيَّ شخْصٍ يتكلّمُهَا ولَا أيَّ شخْصٍ يسْمعُهَا، إنَّهَا تُكلّمُ ذاتَهَا وتكْتبُ نفْسَهَا، وذلكَ هوَ شرْطُ سيادتِهَا "
وقدِ اعْتبرَهَا "لِيفِي سْتْرَاوْسْ" :
"عقْلًا إنْسانيًّا لهُ حججُهُ وقواعدُهُ الّتِي لَا يعْرفُهَا الْإنْسانُ..."


٣
مَاهِيَ آليّةُ التّعاطِي معَ النّصِّ...؟

منْ وجْهةِ نظرِ" مِيكائيلْ رِيفَا تِيرْ" كمَا ترْجمَهَا الدّكْتورُ "حميدُ لحمدانِي"
فِي نفْسِ الْكتابِ ص 10:
" كلُّ نصٍّ يقيمُ نموذجَهُ الْخاصَّ، ويولّدُ شروطَ خرْقِهِ، ويعْملُ فِي نفْسِ الْوقْتِ علَى إجْراءِ هذَا الْخرْقِ، بِخلْقِ تناقضٍ بيْنَهُ وبيْنَ السّيّاقِ الدّاخلِيِّ..."
لهذَا حسبَ "شُوبَنْهَاوَرْ":
" إنَّ فعْلَ الْقراءةِ، متَى قرأْنَا، فإنَّ شخْصًا آخرَ يفكّرُ لنَا، نحْنُ نعيدُ فقطْ سيْرورتَهُ الْفكْريّةَ... "
وعلَى هذَا الْأساسِ فإنَّ:
" كلَّ قراءةٍ هيَ نوْعٌ منَ الْخصامِ الّذِي يقْضِي علَى الْمؤلّفِ، كيْ يضعَ الْعملَ الْأدبيَّ أمامَ حضورِهِ النّكرةِ، أمامَ مَا هوَ عليْهِ منْ إثْباتٍ لِلذّاتِ عنيفٍ ولَا شخْصٍيٍّ... "
والنّقدُ كَقراءةٍ تأْويليّةٍ بِلغةِ" لَارْبُو" :
"سلاحٌ فِي الصّراعِ منْ أجْلِ الرّأْسْمالِ الْأدبِيِّ... "
ولَا يكونُ التّأْويلُ حاضرًا خارجَ أدواتٍ يمْتلكُهَا الْقارئُ لِنصٍّ اخْتارَهُ وفْقَ خطّةٍ ثقافيّةٍ، منْ أوْلويّاتِهَا الْاهْتمامُ بِالْعلاقاتِ الدّاخلِيِّةِ لِنصٍّ، قبْلَ الْعلاقاتِ الْخارجيّةِ...
النّقْدُ يتحرّكُ فِي الْمجالِ اللّغويِّ لِيسْتنْطقَ النّصَّ بِواسطةِ شبكتِهِ اللّغويّةِ الدّلاليّةِ،وليْسَ اسْتنْطاقًا لِخلْفيّةِ مَنْ أنْتجَ هذَا الْخطابَ أوِ الْإرْسالِيّةَ...
وقدْ نبّهَ الْمفكّرُ الْمغْربيُّ "عبْدُ اللّهِ الْعرْوِي" فِي "الْأيْدْيولوجيّةِ الْعربيّةِ الْمعاصرةِ" ص 268/ 269
" إنَّ الدّارسينَ كانُوا يدْرسونَ بِكلِّ مناسبةٍ سوسْيولوجيّةَ الْمضْمونِ، ولمْ يفكّرُوا لحْظةً واحدةً فِي رسْمِ _ولوْ أوْلَى_ _سوسْيولوجيّةَ الشّكْلِ..." منْتقدًا الّذينَ ركّزُواعلَى مَا هوَ أيْدْيولوجِيٌّ ونفْسِيٌّ واجْتماعِيٌّ لِلْكاتبِ...
مَاهوَ أهمُّ فِي نظرِ" ريفاتيرْ":
" أنَّ الْمتلقِّي لِلرّسالةِ الْأدبيَّةِ الْمكْتوبةِ ليْسَ لهُ حرّيةٌ فِي أنْ يقْرأَ الرّسالةَ كمَا يريدُ، بلْ كمَا يريدُ كاتبُهَا أنْ تُقْرأَ، لِأنَّ التّسْنينَ (l encodage) يراعِي أوّلَا توْفيرَ حمولةٍ دلاليّةٍ، و ثانيًا كيْفيّةَ جعْلِ الْقارئِ يصلُ إليْهَا ويقْتنعُ بِموْقفِ الْكاتبِ إزاءَهَا... "
لكنْ :
"يمْكنُ التّمْييزُ بيْنَ تلقِّي الْقارئِ وبيْنَ تلقِّي الْمخْتصّينَ؛ و يرَى" لوتْمانْ"
" أنَّ التّلقِّي الْأوّلَ تحدّدُهُ الْمتْعةُ بيْنَمَا تحدّدُ الثّانِي الْمعْرفةُ... "


٤
كيْفَ يبْنِي النّصُّ نسقَهُ وسيّاقَهُ منْ خلالِ هنْدسةِ اللّغةِ...؟
أ- مَاهِيَ مكوّناتُ هذِهِ الْهنْدسةِ...؟
ب- كيْفَ ترْسمُ هنْدستُهُ
عناصرَ التّيمةِ...؟

إذَا كانَ حسبَ "ريفائيرْ"ص20 منْ نفْسِ الْكتابِ :
"منَ الضّرورِي النّظرُ إلَى النّصِّ بِاعْتبارِهِ نتاجًا فنّيَّا وليْسَ فقطْ بِصفتِهِ متواليّةً تعْبيريّةً :شكْلَا طباعيًا، أوْ شكْلًا عَروضيًا"
وبِمَا أنَّهُ كمَا أوْضحَ "عبْدُ اللّهِ شريقْ" فِي كتابِهِ "فِي حداثةِ النّصِّ الشّعْرِي" ص14:
" حينَ يتشكّلُ كَعملٍ فنّيٍّ يُصْبحُ عالمًا خاصًّا قائمًا بِذاتِهِ، يمْلكُ اسْتقْلالَهُ نسْبيًا عنْ مُنْتِجِهِ..."
فكيْفَ تمَّتْ هنْدسةُ نصِّ " رائدْ شنْيورةَ " بِاللّغةِ ...


٥
مَاهوَ محْتوَى النّصِّ كيْ يكونَ مؤهّلًا لِوظيفةٍ ثانيّةٍ،وهيَ التّأْويلُ الدّاخلِيُّ منْ حيْثُ هنْدستُهُ الْفنّيّةُ،
و أسْلوبُ صياغةِ هذهِ الْهنْدسةِ، ومضْمونُهَا ...؟

أوّلُ مكوّنٍ يفْتتحُ النّصُّ مشاهدَهُ منْ خلالِهِ هوَ إشْكاليّةُ الْعتبةِ الّتِي تناقشُ بيْنَ تأْييدٍ لِبدايةِ النّصِّ،وبيْنَ مُعارضٍ، وكلَا الرّأْييْنِ لهُ منْطقٌ مخالفٌ لِمنْطقِ الْآخرِ... ولهُ مبرّراتُهُ وحججُهُ، لكنَّ موْقفَ "محمّدْ مفْتاحْ"
يميلُ إلَى ضرورةِ وجودِ الْعتبةِ فِي كتابِهِ "ديناميّةُ النّصِّ" ص72 يقولُ:
" الْعنْوانُ يقدّمُ لنَامعونةً كبْرَى لِضبْطِ انْسجامِ النّصِّ، وفهْمِ مَاغمضَ منْهُ، إذْ هوَ الْمحْورُ الّذِي يتوالدُ ويتنامَى ويعيدُ إنْتاجَ نفْسِهِ، وهوَ الّذِي يحدّدُ هوّيّةَ الْقصيدةِ، فهوَ _إنْ صحّتِ الْمشابهةُ _
بِمثابةِ الرّأْسِ لِلْجسدِ، والْأساسِ الّذِي تبْنَى عليْهِ... "

قبْلَ مقاربةِ النّصِّ ، أسجّلُ ملاحظاتِي حوْلَ الْمعْمارِ الْهنْدسيِّ والْمقولاتِ الّتِي بنَى بهَا الشّاعرُ/ الشّاهدُ
اعْتمدَ النّصُّ علَى مجْموعةِ أدواتٍ تحْفرُ منْحوتةً فلسْطينيّةً هيَ لوْحةُ عصْرِهَا، تعْكسُ مرارةَ الْمجاعةِ .
1 _ فِي هنْدسةِ النّصِّ شغلَتِ الْمقاطعُ الْعشرةُ مساحةً ،تراوحَتْ نسبُهَا بيْنَ الطّويلِ والْمتوسّطِ والْقصيرِ، إذْ حظيَ الْمقْطعُ السّادسُ بِمساحةٍ أطْولَ 15سطرًا ،بيْنمَا لمْ يحْظَ الْمقْطعُ الثّانِي سوَى بِ 3 أسطرٍ ،وشغلَ الْمقْطعانِ الرّابعُ والثّامنُ سبْعةَ سطورٍ ،لكنَّ باقِي الْمقاطعِ كانَتْ متقاربةً فِي الْمساحةِ بيْنَ أرْبعةِ سطورٍ و ستّةٍ، وهذَا التّفاوتُ يثيرُ سؤالًا ، لكنَّهُ جوابٌ أيْضًا لِأنَّ الْهنْدسةَ الْبصريّةَ هيَ قراءةٌ بِالْعيْنِ أيضًا، فلوْ ركّزَ الْقارئُ سيَعِي دلالةَ الْمساحةِ كأنَّ هذَا الْمقْطعَ هوَ بؤْرةُ توتّرِ التّيمةِ .
إلَّا أنَّهَا لمْ تلْغِ قيمةَ الْمقاطعِ الْأخْرَى ، ولمْ تُخِلْ بِالْهنْدسةِ الشّعْريّةِ ،وإنْ شكّلَ كلُّ مقْطعٍ مشْهدًا مسْتقلًّا،فهوَ ممْتدٌّ و مرْتبطٌ بِعناصرِ التّيمةِ عضْويًا ...
أمَّا علَى مسْتوَى الْجملِ الْمعْتمدةِ فِي الْمعْمارِ اللّغوِيِّ ،فقدْ كانَ لِلْجمْلةِ الْفعْليّةِ دوْرٌ وظيفِيٌّ فِي الْأسْلوبِ ، وتمكّنَتْ منَ السّيْطرةِ علَى مفاتيحِ النّصِّ ،خاصّةً الْفعْلُ الْماضِي حضرَ 33 مرّةً غطَّتْ كلَّ الْمقاطعِ ، تكرّرَ ضمْنَهَا فعْلُ( كانَ) الْمقْطعُ الثّالثُ وفعْلُ (بكيْتُ ) الْمقْطعُ السّادسُ مرّتيْنِ ، وفعْلُ ( كانَتْ ) الْمقْطعُ الثّامنُ و (كنْتُ ) الْمقطعُ التّاسعُ مرّتيْنِ أيْ أنَّ هذَا الْفعْلَ تكرّرَ 5 مرّاتٍ ،فحضرَتِ الْجمْلةُ الْفعْليّةُ فِي الْمقاطعِ 3/ 5/ 6/...
إلَّا أنَّ الْمضارعَ شغلَ نصْفَ الْمساحةِ 17 مرّةً ،تكرّرَ فيهَا فعْلُ ( ينْظرُ )وفعْلُ ( آكلُ ) مرّتيْنِ فقطْ.
أمَّا فعْلُ الْأمْرِ فلمْ يكنْ إلَّا فِي صيغةٍ محلّيّةٍ (مَا تأْكُلْشْ !)
هكذَا رسمَ الشّاعرُ خريطةً فعْليّةً تؤكّدُ صيغةَ الْحكْيِ بِضميرِ الْمتكلّمِ تمْزجُ الشّعْرَ بِآليّةِ السّرْدِ ...
أمَّا علَى مسْتوَى الشّخْصياتِ فكانَ الْمتكلّمُ مرْكزًا وتبْئيرًا لكلِّ الْأحْداثِ شملَ الْجائعَ كَشخْصيّةِ تتداخلُ معَ شخْصيّةٍ متوهّمةٍ ، نتيجةَ هلاوسَ بصريّةٍ ترتّبَتْ عنِ الْجوعِ ،والْجارَ الْغائبَ /الْحاضرَ كَجثّةٍ،
و الْأمَّ الْغائبةَ الْحاضرةَ عبْرَ صوْتِهَا ...
ومنْ جمْلةِ الشّخوصِ حضورُ 3 حيواناتٍ لهَا رسالتُهَا إلَى الْمتلقّي ( الضّباعُ ذاتُ الطّبيعةِ الْافْتراسيّةِ )
و( الْكلْبُ لهُ رمْزيّةٌ إيحائيّةٌ مقْصودةُ فِي تصوّرِي ) و( الْأفْعَى الّتِي يحيلُ طولُ أمْعائِهَا إلَى الْهزالِ والْجوعِ ) فحضورُ هذِهِ الْحيواناتِ لهُ دورُهُ فِي رصْدِ وضْعيّةِ الْحصارِ فِي أعْقدِ صورِهِ...
اتّخذَ مفْهومُ الزّمنِ أبْعادًا مخْتلفةً فِي النّصِّ ،أهمُّهَا زمنٌ مهيْمنٌ علَى مفاصلِ النّصِّ كَزمنٍ مرْكزِيٍّ تتمحْورُ حوْلَهُ الْأزْمنةُ الّتِي اعْتمدَهَا ،زمنٌ تخلّلَ الزّمنَ الْكْرونُولُوجِيُّ ابْتدأَ مطْلعَ النّصِّ بِ بعْدَ 13 يوْمًا،زمنُ مَاقبْلَ وزمنُ مَابعْدَ هذَا الرّقْمِ ،بعْدَ الثّلاثةَ عشرَ يوْمًا يتقلّصُ زمنُ الْانْتظارِ إلَى ساعةٍ ،وكأنَّهَا ساعةٌ تشيرُ إلَى خطورةِ اللّحْظةِ، لحْظةِ انْقطاعِ الْخبْزِ عنِ النّاسِ ،لحظةٌ فاصلةٌ بيْنَ الْجوعِ أملًا فِي انْتهائهِ وبعْدَ لحْظةِالْيأْسِ بحْثًا عنْ حلٍّ لِحلِّ الْأزْمةِ (قضْمُ جلْدِهِ)
" بعْدَ ساعةٍ
بدأَتْ أصابعِي تنْسَى أسْمائِي
ثمَّ رأْسِي صارَ خفيفًا كَكيسٍ فارغٍ "
هوَ (زمنُ النّسْيانِ زمنٌ ضبابِيٌّ ) زمنٌ ثانٍ ، بعْدَ ذلكَ يصيرُ الزّمنُ مجْهولًا ، ( أحدُ الْأيّامِ ) احْتشدَتِ الْوقائعُ فِي أبْشعِ مظاهرِهَا ،(زمنُ الْمرْآةِ ) يُعْلِمُهُ بِفقْدِ هوّيّتِهِ ( لمْ أعْرفْ وجْهِي) زمنُ شَبَحِيٌّ ،(زمنُ الذّاكرةِ الْجريحةِ /الذّاكرةُ مجرّدُ قيْءٍ /ذاكرةُ الْمحْتضرِ/ ذاكرةُ اللّانسْيانِ /صوْتُ الْأمِّ / أهوَ صوْتُ الْأمِّ الْبيولوجيّةِ / الْأرْضُ / الْوطنُ /فلسْطينُ) ؟
لكنَّنَا نلْمسُهُ كْرُونولُوجِيًّا حينَ يفْصحُ الْمقْطعُ السّابعُ عنْ مدّةِ عدمِ تناولِ أيِّ فتاتٍ ( وفِي الْيوْمِ الْعشْرينِ )
يتوقّفُ الزّمنُ ليْلًا بِملابساتِهِ وأهْوالِهِ(صرْخةُ الْعظامِ /غناؤُهَا) و ( عضّةُ كلْبٍ ) لتكْتملَ الْبشاعةُ فِي زمنٍ يتمدّدُ يؤرّخُ لِلصّراخِ ( فِي الْيوْمِ التّالِي ) يسجّلُ فظاعةَ الْنّتائجِ كابوسٌ مرْوعٌ
( كنْتُ أنَا الّذِي أكلَنِي ) ،وتنْتهِي الْحكايةُ فِي( الْآنِ ) كَسيْرُورةٍ لِحالةٍ مسْتمرّةٍ حاليًا فِي غزّةَ لِيدْخلَ الزّمنُ الْميتافيزيقِيُّ كَزمنٍ دائرِيٍّ يُنْهِي الْحكايةَ...
مَايلْفتُ انْتباهِي ليْسَ قياسَ وحسابَ الزّمنِ كَ أيّامٍ أوْ ساعاتٍ ،بلْ لِأقفَ علَى زمنِ يُقاسُ بِالتّمْوِيتِ والتّعْطيشِ والْغثيانِ ، لهذَا فزمنُ غزّةَ زمنٌ ميّتٌ تديرُ عقاربَهُ الْجثثُ ...
حضورُهُ مكثّفً فِي 7مقاطعَ (1/ 2/ 4 / 7/ 8/ 9 /10) بيْنَ قياسٍ وتخْمينٍ...لكنَّهُ زمنٌ يتحرّكُ ولوْ بِبطْءٍ...

علَى مسْتوَى الصّورةِ الْبصريّةِ :
تقومُ صورُ النّصِّ بصريًّا علَى الْمفارقةِ والتّكْثيفِ والتّفْكيكِ وإعادةِ التّرْكيبِ ،شأْنَ أيِّ فنٍّ يعْتمدُالرّؤْيةَ
(لوحاتٌ /فوتوغْرافيكْ / الْحركةُ كمَا فِي السّينمَا )
مفْهومُ الصّورةِ بنْيةٌ فكْريّةٌ /مشْهديّةٌ تحْملُ دلالاتٍ خفيّةً /ظاهرةً
والصّورةُ ليْسَتْ وصْفًا ظاهريًّا ،بلْ هيَ نسْجٌ بصرِيٌّ لِلْوعْيِ والذّاتِ عبْرَ آلياتِ السّينُوغْرافْيَا /الْغاسْتينْغْ / الْكُولاجْ /الدّيكُوبّاجْ / وتداخلُ الْأصْواتِ الْبوليفينيّةِ /
اللّغةُ تتقمّصُ صورًا مُشخْصنَةً لِذاتِ تزْدوِجُ مِرْآوِيًا حينَ يرَى وجْهَهُ وجْهًا آخرَ، يجسّدُ لعْبةَ الصّورِ بِذكاءٍ مثيرٍ تحْدثُ تماثلًا ومفارقةً فرمْزُ( الرّيقِ الدّافِئِ )إشارةٌ إلَى تمظْهرِ الْحياةِ فِي صورةِ الْموْتِ حينَ يبْصرُ وجْهَهُ فِي وجْهِهِ ، وحينَ يتراءَى لهُ فِي معدةِ الْجارِ ،فيتآكلُ ذاتيًا بِكيْفيّةٍ فانْتازِيّةٍ موجعةٍ ،عبثيّةٍ لكنّهَا ملْحميّةٌ ...
تنْتهِي صورةُ الذّاتِ إلَى اللّاذاتِ، و الْمِيتُومُورْفوزُ الْغرائبِيُّ هوَ اللُّعْبةُ الْميتافيزيقيّةُ بِاسْتحْضارِ فكْرةِ (الْعوْدِ الْأبدِيِّ )عنْدَ " نتْشهْ" ضدَّ الْموْتِ الْمادِّيِّ( التّناسخُ )لَا ( الْاسْتنْساخُ) وإنْ ظننْتُ أنَّهُ تمَّ بِرؤْيةِ وجْهِهِ فِي معدةِ الْجارِ الْميّتِ ..
لِهذَا فإنَّ الصّورةَ فِي النّصِّ تتحرّكُ منْ خلالِ 10مشاهدَ تتقاطعُ معَ مفْهومِ الزّمنِ كْرُونوسْ Chronos/ كَزمنٍ كمِّيٍّ مُقاسٍ ،مقابلَ الزّمنِ أيّونْ aiôn/ كَزمنٍ يمْضِي ومَاينْفكُّ يعودُ ،
صورٌ تتداعَى نراهَا عبْرَ كاميرَا ، تتقلّصُ / تتمدّدُ/ تنْكمشُ / تنْمحِي /ثمَّ تُعادُ منْ جديدٍ بِعمليّةِ التّقْطيعِ والتّلْصيقِ ...
الصّورةُ مشْهدٌ يُفكَّكُ منْ حالةٍ إلَى حالةٍ ،و ينْتقلُ منْ زمنٍ إلَى زمنٍ انْطلاقًا منَ الزّمنِ الْمادِّي إلَى الزّمنِ الْلّامادِّي حيْثُ يصْبحُ ( مجرّدَ ظلٍّ لِرغيفٍ )...
والْجسدُ حقْلُ صراعٍ بيْنَ الْحياةِ والْموْتِ ، والْخطابُ فِي الصّورةِ توالُدِيٌّ وتراتُبِيٌّ ومُتقطّعٌ ،يشيرُ إلَى تقابلٍ مشْهدِيٍّ فظيعٍ...
وقدْ وظّفَ الْأصْواتَ الْبُولِيفِينِيّةَ منْ خلالِ صوْتِ الْأمِّ الْمتعدّدِ النّبراتِ فَصوْتُ الْأمِّ بِصيغةِ الْأمْرِ ،ليْسَ هوَ صوْتُ الْأرْضِ الْذِي يرْمزُ لهُ نفْسُ الْاسْمِ الْأمُّ /الْوطنُ ...
صوْتُ الْعظامِ يتقمّصُ صوْتَ الْمغنِّي
صوْتُ الْمتكلّمِ يتحوّلُ صراخًا .
نسْتخْلصُ منْ خريطةِ الْأصْواتِ تعدّدَهَا وتداخلَهَا وتماثلَهَا واخْتلافَهَا ...
نقْطةٌ ملْفتةٌ فِي فكْرةِ التّبْئيرِ كَمضْمونٍ بصرِيٍّ يقْترحُ الْحدثَ منْ بؤرٍ متعدّدةٍ :
الْبؤْرةُ الْأولَى : جسدُ الْمتكلّمِ/ الشّارعُ /الْحيُّ / الْبابُ
الْبؤْرةُ الثّانيةُ: بيْتُ الْجارِ/ معدةُ الْجارِ /
الْبؤْرةُ الثّالثةُ: الْمرْآةُ/ رؤْيةٌ مزْدوجةٌ / الْغشاوةُ / خيالُهُ/ ظلُّهُ /
ردُّ الْفعْلِ الْبكاءُ / ردُّ الْفعْلِ الْمنْعكسُ الضّحكُ /
الْبؤْرةُ الرّابعةُ: النّوْمُ / الْاسْتيقاظُ /الصّراخُ /
النّهايةُ الْمأْساويّةُ / الْمعْتقدُ /
إنَّ التّبْئيرَ هنَا كانَ مرْكزيًّا تمثّلَتْهُ الشّخْصيّةُ المحاوِرةُ منْ خلالِ أمْكنةٍ تراوحَتْ بيْنَ الْجسدِ كَمعْطًى أساسيٍّ والْمرْآةِ كَناسخٍ لِلشّخْصيّةِ ومعدةِالْجارِ ...
كلُّهَا ساهمَتْ فِي نقْلِ هلْوسةٍ بصريّةٍ ونفْسيّةٍ نتيجةً لِلْغشاوةِوالدّوارِ والْغثيانِ كَمظاهرَ ناطقةٍ بِوضْعيّةِ الْتّجْويعِ ...

النّصُّ /الدْرامَا ، نصُّ الْوجعِ الْإنسانيِّ فِي جغْرافْيَا الْألمِ الْفلسْطينيِّ،أحالَنِي مباشرةً علَى الْملْهاةِ الْفلسْطينيّةِ كمَا كتبَهَا الرّوائيُّ الْفلسْطينيُّ "نصْرُ اللّهِ إبْراهيمَ" تتحوّلُ هنَا ملْهاةً شعْريّةً تؤرّخُ لِملْحمةِ الْجوعِ والصّمودِ،
إنَّهَا تتَضمّنُ عنْوانَهَا منْ مشاهدِهَا...
توزَّعَ النّصُّ علَى عشْرةِ مقاطعَ، كلُّ مقْطعٍ يحيلُ إلَى مشْهدٍ، تتخيّلُهُ صورةً سورْياليّةً أعْمقَ منْ حقيقتِهَا،صورةً تتضافرُ اللّغةُ والْأسْلوبُ علَى تمثّلِهَا ذهْنيًا، مرْسومةً بِعمْقٍ مأْساوِيٍّ، يُزْعجُ ذاكرةَ التّاريخِ والْعالمِ...
هذَا ملخّصٌ لِمَا رصدَهُ شاعرٌ منْ عيْنِ الْمكانِ شاهدًا علَى عنْفٍ سيّاسيٍّ ؛ اقْتصاديٍّ ؛ لَاإنْسانِيٍّ ؛ يسْتحيلُ أنْ يصدّقَهُ التّاريخُ نفْسُهُ...
فمَاهِيَ مسْتوياتُ الْمعالجةِ...؟
١ حضورُ الصّورةِ بِكثافةٍ ملْحوظةٍ ...
وصْفٌ لِوضْعٍ مخْتنقٍ مأْزومٍ يسجّلُ نسبًا عاليّةً منْ شهداءِ التّجْويعِ...
صورٌ مجازيّةٌ صادمةٌ...
٢ حضورُ لغةٍ محْتقنةٍ فِي كلِّ مقاطعِ النّصِّ...
٣ تقْطيعٌ هنْدسِيٌّ يتطابقُ معَ تيمةِ النّصِّ...
يُطالعُنَا النّصُّ بِمفْهومٍ الزّمنِ كَتأْريخٍ لِبدايةِ حمْلةِ الْجوعِ ؛ وسيّاسةِ التّجْويعِ ؛ وحرْبِ الْأمْعاءِ الْخاويّةِ؛ يقدّمُهَا غيابُ الْخبْزِ فِي أسْواقِ مدينةِ غزّةَ ،إشارةً إلَى فظاعةِ الْوضْعِ خاصّةً أنَّ الْخبْزَ مادّةٌ أساسيّةٌ فِي التّغْذيّةِ، لهُ قيمتُهُ فِي موائدِ سكّانِ الْمدينةِ...
تبْدُو الصّورةُ سوْداويّةً حينَ يقولُ بعْدَ ثلاثةَ عشرَ يَوْمًا منْ عدمِ الْأكْلِ:
"قضمْتُ قطْعةً منْ جلْدِي بِبطْءٍ"
يبْدُو الْمشْهدُ متوتّرًا بيْنَ الزّمنِ مَا قبْلَ الْإنْقطاعِ كَزمنٍ مسْترْسلٍ،وزمنِ بدايةِ التّجْويعِ كَزمنٍ مسْتقْطعٍ منَ الزّمنِ الْكوْنِيِّ بعْدَ صيامٍ لِأسْبوعيْنِ تقْريبًا فينْتهِي أنْ يتغذَّى علَى جسدِهِ، صورةٌ مقيتةٌ حينَ يشَبّهُ نفْسَهُ بِحيوانٍ مكْروهٍ (الضّباعُ)، ويمْكنُنَا تخيّلُ هذَا الْحيوانِ الْبرِّيِّ الّذِي تخافُهُ السّباعُ، كلّمَا هاجمَهَا بعْدَ قنْصِهَا لِطريدةٍ، تتخلَّى عنْ حصّتِهَا لهُ ...
إنَّ هذِهِ اللّحْظةَ / لحْظةَ الْجوعِ تشيرُ إلَى مرْحلةِ الْحيوانيّةِ،حينَ يصيرُ الْإنْسانُ حيوانًا ضاريًا، ومَا حضورُ الضّباعِ سوَى إمعانٍ فِي توْضيحِ درجةِ الْانْحطاطِ التِي يصلُ إليْهَا الشّخْصُ مرْغمًا، فيفْقدُ كرامتَهُ وإنْسانيّتَهُ، منْظرالْجوعِ تكرّرُهُ وسائلُ الْإعْلامِ الْمرْئيّةِ/ السّمْعيّةِ/ النّاطقةِ، يضافُ إليْهَا مَا تنْقلُهُ وسائلُ التّواصلِ الْاجْتماعيِّ، والْفيدْيوّاتُ الْمنْتشرةُ، ممَّا يعْكسُ معاناةً مضاعفةً وتأثيرًا وتأثّرًا بِهذِهِ الْمشاهدِ الْموجعةِ، و بِالْأخصِّ صورُ الْأطْفالِ الّذينَ مَاتُوا بِسببِ التّجْويعِ كَسيّاسةٍ ممنْهجةِ ضدَّ شعْبٍ أعْزلَ يقاومُ كيْ يسْتمرَّ قيْدَ لقْمةٍ...
تواترُ الزّمنِ في الْمقْطعِ الثّانِي كَزمنٍ كمِّيٍّ مُقاسٍ، زمنٌ كْرونُولوجِيٌّ حدّدَهُ فِي أنَّ الْحدثَ سيقعُ بعْدَ (ساعةٍ) chronos زمنٌ سيقْطعُهُ إحْساسٌ غريبٌ وهوَ النّسْيانُ كَعلامةٍ علَى بدايةِ الْغيْبوبةِ، فمنْ نتائجِ الْجوعِ الْمفْروضِ كَحصارٍ مشدّدٍ أخْطرَ منَ الْحصارِ السّيّاسِيِّ، موْتٌ خفيٌّ صاحَبَهُ نسْيانٌ الْأسْماءِ كَنتيجةٍ منْطقيّةٍ لِهذَا التّصْويمِ الْقسْرِيِّ، ترتّبَ عنْهُ رأْسٌ خفيفٌ شبّهَهُ بِ(كيسٍ فارغٍ)
مشيرًا إلَى الدّورانِ و عدمِ الْقدْرةِ علَى التّرْكيزِ ذهْنيًا،
بيْنَ الْإنْتقالِ منَ زمنٍ طويلٍ 13يوْمَا إلَى زمنٍ قصيرٍ ساعةً فقطْ بدأَ فقْدانُ الْإحْساسِ والنّسْيانُ...
إنَّ الْانْتقالَ منْ زمنٍ إلَى زمنٍ يمرُّ عبْرَ مشْهدٍ قاسٍ، فقْدانُ علاقتِهِ بِذاتِهِ وبِالْعالمِ...
تنْتهِي اللّحْظتانِ إلَى لحْظةٍ اسْتيهامِيّةٍ هيَ رؤْيتُهُ( الْبابَ عظْمةً مكْسورةً) (الْحيَّ حفْرةً)
(الشّارعَ أمْعاءَ طويلةً) تشْبهُ (أفْْعََى ميّتةً)
عمليّةُ إسْقاطٍ لِمُتخيَّلٍ ذاتِيٍّ يغْدُو الْجسدُ الْمنْهكُ جوعًا هيْكلًا عظْميًا، هوَ الْبابُ الْمكْسورُ والشّارعُ أمْعاؤُهُ، والْحيُّ حفْرةٌ، كأنَّمَا هوَ الْبابُ/
تلْكَ الْعظْمةُ الْمكْسورةُ /
وكأنّهُ الْحيُّ /الْحفْرةُ
والشّارعُ /أمْعاءُ طويلةٌ
يشبِّهُ نفْسَهُ بِ
أفْعَى ميّتةٍ...
وصفٌ بّانورامِيٌّ دْراماتيكِيٌّ، تصيرُ فيهِ الْأنَا عالَمًا خارجَهُ، عالمًا صاغتْهُ اسْتيهاماتُهُ منْ داخلِهِ نتيجةَ تآكلِهِ الذّاتِيِّ...
وهوَ دلالةٌ علَى الْخرابِ والدّمارِ كَنهايةٍ لِوضْعٍ مأْساوِيٍّ...
يقدّمُ الْمشْهدُ الرّابعُ انْقطاعًا عنِ الزّمنِ، لِأنَّ الْجوعَ هوَ الزّمنُ الواعِيُّ، لَا يحْتاجُ كْرونُو لِضبْطِهِ...
زمنُ الْجوعِ هوَ ساعتُهُ الّتِي تحدّدُ اسْتمْرارَهُ أوْ تضْبطُ نهايتَهُ الْمؤْلمةَ...
صورةٌ سورْياليّةٌ غريبةٌ، يتنكّرُ لِوجْهِهِ، لِأنَّ التّجْويعَ أفْقدَهُ الْإحساسَ بِوجودِهِ، و بِجسدِهِ، فقدْ رسمَ الْجوعُ ملامحَ لِكائنٍ اغْتربَ عنْ وجودِهِ كََكائنٍ حيٍّ، لهُ حاجيّاتٌ بيولوجيّةٌ ضروريّةٌ كَحقٍّ فِي الْحياةِ...
لمْ يتعرّفْ علَى نفْسِهِ أمامَ الْمرْآةٍ ،تحوّلَ شبحًا ...
تقابلٌ بيْنَ صورتيْنِ متناقضتيْنِ لِنفْسِ الشّخْصِ. صورةٌ مِرْآويّةٌ رجلٌ يرَى رجلَا آخرَ كَعمليّةٍ ميتامُورْفوزيّةٍ (métamorphose)، وهيَ سخْريّةٌ لاذعةٌ، فيتوهّمُ منْ خلالِ الْمرْآةِ أنّهُ أمامَ جائعٍ مثْلِهِ، لِأنَّ الْجوعَ يجْعلُ الرّؤْيةَ سرابًا، فيشكُّ أنَّ شخْصًا سواهُ مَنْ يرَى، لكنَّهُ لمْ يدْركْ أنّهُ هوَ هوَ...
انْعكاسٌ مِرْآوِيٌّ لِوجْهيْنِ ورجُليْنِ، أحدُهُمَا يراهُ فِي الْمرْآةِ ؛ والْآخرُ داخلَهُ،
تحوّلَ منْ حالةٍ فيزْيولوجيّةٍ إلَى حالةٍ ثانيّةٍ؛ حالةِ الْوجْهِ النّحيلِ؛ الْهزيلِ؛ الْعظْمِيِّ، كأنَّهُ رجلٌ غريبٌ بِسببِ آفةِ السّغبِ الشّديدِ، لكنْ حينَ أدْركَ أنّهُ نفْسُهُ ضحكَ بِمرارةٍ...
تتحوّلُ اللّوحةُ الْبُكائيّةُ إلَى لوْحةٍ منَ الضّحكِ الْمُرِّ...
ينْتهِي الْمشْهدُ بِضحكٍ مُبْكٍ...
وتكْتملُ لوْحةُ الْبكاءِ /الضْحكِ بِلوْحةٍ أشدَّ مرارةً فِي الْمقْطعِ الْخامسِ ، كَمشْهدٍ يتمثّلُ الْجوعَ فِي أقْسَى وأقْصَى درجاتِهِ،
وصفٌ لِفراغِ الْمعدةِ، وصورةٌ جارحةٌ لِحمولةِ الْقيْءِ حينَ يغدُو حالةً نفْسِيّةً يسْتعْصِي عليْهَا أنْ تسْتمرَّ كَفعْلٍ طبيعِيٍّ تسْترْجعُ فيهِ الْمعدةُ لضغْطٍ داخلِيٍّ نتيجةَ تخْمةٍ أوْ تناولِ طعامٍ فاسدٍ لَايلائمُهَا، فتتقيّأُ قيْءً هوَ الْجوعُ يتقيّأُ نفْسَهُ علَى مسْتوَى الْوَهْمِ...
الظّلالَ /الْأحْلامَ /الْأسْماءَ/ وكأنَّهَا ذاكرةٌ تتذكّرُ خزّانَهَا دونَ نسْيانِ صوتِ أمِّهِ ينْهاهُ عنِ الْأكْلِ منَ الْأرْضِ بِلهجةٍ محلّيّةٍ(ما تأْكلْشْ منَ الْأرْضِ )،رغْمَ أنَّ لِلْأمِّ دلالةً أعْمقَ منْ كوْنِهَا الْأمَّ بِالْمعْنَى الْمباشرِ، إنَّهَا الْمعْنَى الْماوراءَ الظّاهرِ الْأرْضُ/الْوطنُ ...
لكنَّ الْأكْلَ تمَّ تحْتَ تأْثيرِ "الضّروراتُ تبيحُ الْمحْظوراتِ"
مؤكّدَا أنّهُ أكلَ...
(لكنِّنِي أكلْتُ)
فهلْ أكلَ التّرابَ /الْعشْبَ/إنْ وُجِدَ
الْحشراتِ/
هلْ أكلَ أرْضَهُ مسْقطَ رأْسِهِ... ؟
فِي حالةِ الْحصارِ كلُّ شيْءٍ مباحٌ...
تذكّرْتُ حصارَ بيْروتَ فِي 1982 أفْتَى الْفقهاءُ بِجَوازِ أكْلِ الْقططِ والْحيواناتِ الْمحرّمةِ، لِأنّهُ كانَ حصارَ التّجْويعِ والتّقْتيلِ والْإبادةِ...
ذكّرَنِي أيْضًا بِفيلمِ (survivre) لِفريقٍ ريّاضيٍّ سقطَتْ طائرتُهُ فِي منْطقةٍ جليديّةٍ، حوصرَ الْفريقُ ولمْ تصلِ الْإمْداداتُ لِبُعْدِ الْمنْطقةِ، وعدمِ وجودِ أيّةِ وسيلةٍ لِلتّواصلِ آنذاكَ...
بدأَ الصّراعُ داخلَ الْمجموعةِ لِيسْتمرُّوا بعْدَ الْيأْسِ منَ النّجاةِ،ومقاومةِ الْموْتِ فِي نقاشِ أكْلِ أصْدقاءِ الرّحْلةِ الّذينَ لمْ يحالفْهُمُ الْحظُّ فِي الْبقاءِ، ولِأنَّ قانَونَ الْبقاءِ لَا يعْترفُ بِالشّرْطِ الْأخْلاقِيِّ ولَا الْإنْسانِيِّ ولَا حتَّى الدّينيِّ، فالْبقاءُ لِلْأقْوَى هوَ الْواقعُ ومَاعداهُ خواءُ.
وانْتهَى إلَى الْانْقسامِ لِمجْموعتيْنِ ؛إحْداهُمَا قرّرَتْ أكْلَ الْجثثِ فحافظَتْ علَى بقائِهَا حيّةً، بيْنمَا مَنِ أمْتنعَتْ لِأسْبابٍ إنْسانيّةٍ لقيَتْ حتْفَهَا...
كثيرةٌ هيَ الْافْلامُ الّتِي عالجَتْ هذَا الْإشْكالَ...
ذاكرةٌ مكْتظّةٌ بِحكاياتِ الْمجاعةِ أوْ مَا سمّيَ بِعامِ(الْبُونْ) أوْ عامِ الْجوعِ فِي الْأرْبعينيّاتِ، خبرَ النّاسُ الْمجاعةَ فِي الْحروبِ، أكلُوا الْجيَفَ خاصّةً الْأبقارَ النّافقةَ وعشْبةَ (يَرْنِي) عنْ مصْدرٍ موْثوقٍ هيَ أمِّي عاشَتِ الْمحْنةَ فِي الْمغْربِ

فِي الْمشْهدِ السّادسِ:
مسيرةُ الْجوعِ وسيرةُ جائعٍ حدَّ الْموْتِ، يتغيّرُ الْمكانُ لَا الزّمانُِ، غاسْتينْغُ الْمنْزلِ فِي الدّمارِ ينْتقلُ منْ بيْتِهِ/عظامِهِ إلَى بيْتِ الْجارِ الْمتوفَّى جوعًا مَادامَ الزّمنُ والْمكانُ موْتًا متسلْسلًا، والْقاتلُ يترصّدُ الْجميعَ لِيجْعلَهُمْ مجرّدَ جماجمَ فِي مدينةٍ يحْكمُهَا الْموتُ والْأنقاضُ عنْ سَبْقِ إِصْرَارٍ وَتَرَصُّدٍ...
فلَا غرابةَ أنْ يجدَ جارَهُ قيْدَ موْتٍ وليْسَ قيْدَ حياةٍ، دليلُ ذلكَ:
"لكنَّ ريقَهُ مَازالَ دافئًا"
وجْهتُهُ مَايسدُّ الرّمقَ فقطْ :
"أردْتُ أنْ آكلَ... فقطْ أنْ آكلَ "
تراجيدْيَا الْجوعِ تدْفعُهُ أنْ يقْتحمَ بيْتَ الْجارِ ، لِيغْتنمَ فرْصةَ أنْ يحْيَا فحسْبُ ، فإذَابهِ يصْطدمُ بِواقعٍ أبْشعَ حينَ ينْتهكُ حرْمةَ الْموْتَى مجْبرًا، فيزاولُ الْحفْرَ فِي الْبطْنِ كأنَّهُ ينْبشُ أرْضًا
تقابلٌ اسْتيهامِيٌّ يتوهَّمُ أنَّ الْبطْنَ/ أرْضٌ ؛ والْملْعقةَ/ مِعْولٌ أوْ فأْسٌ؛ تقابلٌ مقْرفٌ ومؤْلمٌ ،لكنَّهُ وضْعٌ يسْتلْزمُ الْبحْثَ عنْ طوْقِ النّجاةِ ؛حتَّى لوْ كانَ بطْنَ الْجارِ الّذِي أوْصَى بهِ الدّينُ ، لكنَّ عمليّةَ الْحفْرِ أسْفرَتْ عنْ بطْنٍ خاوٍ سوَى منْ وجْهِهِ ، لِتنْتهيَ الْمأْساةُ /الْملْهاةُ بِسلوكٍ أبْشعَ ، مضْغِ وجْهِهِ حيْثُ تكالبَ الْجوعُ والْعطشُ لِغيابِ الْمياهِ الصّالحةِ لِلشّرْبِ فِي سيّاسةِ الْحصارِ بِهدفِ إبادةِ شعْبٍ وطمْسِ ذاكرتِهِ ومحْوِ هوّيّتِهِ...
وجدَ وجْهَهُ
تكرّرَتْ لفْظةُ وجْهٍ مرّتيْنِ،
ولكنَّ السّؤالَ :
هلْ مضغَ وجْهَهُ أمْ مضغَ بطْنَ جارِهِ الْجائعِ مثْلِهِ...؟
سؤالٌ طرحَهُ اللّبْسُ حوْلَ هِيسْتِيرْيَا الْبكاءِ الّتِي انْتابتْهُ:
هلْ لِأنّهُ تمثّلَ وجْهَهُ أمْ لِأنّهُ تذكّرَ أنَّهُ يرْتكبُ ذنْبًا أوْ جريمةً أمْ لِأنَّهُ لمْ يجدْ سوَى الْفراغِ...؟
والْجمْلةُ التّاليّةُ:
"لِأنِّي تذكّرْتُ أنِّي بِلَا ماءٍ"
تؤشّرُ علَى الْحالةِ اللّاإنْسانيّةِ الّتِي وجدَ نفْسَهُ فيهَا،
هلْ يقْصدُ ماءَ الْوجهِ الْكرامةَ...؟
كرامتَهُ الّتِي خلعَهَا الْجوعُ، والْوضْعُ الّذِي وجدَ نفْسَهُ فيهِ داخلَ بطْنِ جارِهِ...؟
وضْعٌ غامضٌ وملْتبسٌ فِي كلْتيْ حالتيْهِ فقدَ فيهِمَا إنْسانيّتَهُ وصارَ مجرّدَ حيوانٍ متوحّشٍ،حضرَتْ صورةُ التّقابلِ بيْنَهُ والضّبعِ ،تَماهٍ موجعٌ فِي عمليّةِ الْافْتراسِ كَسلوكٍ همجِيٍّ حيوانِيٍّ مفْروضٍ...
وهوَ تثْبيتٌ لِواقعِهِ بعْدَ 13 يوْمًا علَى انْقطاعِ الْخبْزِ إذْ شبّهَ نفْسَهُ بِالضّباعِ أثْناءَ قنْصِ فريسةٍ، وضْعٌ غابوِيٌّ مارسَهُ نتيجةَ ظروفٍ قاسيّةٍ يعيشُهَا أهالِي غزّةَ ،حيْثُ تنْمحِي الْحدودُ الْفاصلةُ بيْنَ الْحيوانِيِّ والْبشرِيِّ...
قمّةُ الْمأْساةِ/الْملْهاةِ أنْ يقْبضَ علَى وجْهِهِ داخلَ بطْنِ جارِهِ الْميّتِ ، متوهَّمًا أنّهُ يحْفرُ أرْضًا بحْثًا عمَّا يُؤْكلُ...
منْتهَى الْعبثِ أنْ يتصوّرَ:
"وجدْتُ وجْهِي "
نعمْ
وجْهِي
داخلَ بطْنِ جارِي
مضغْتُهُ..."
تنْتهِي الصّورةُ الْمشـْهدِيّةُ بِأزْمةٍ بكاءٍ/أزْمةِ ضحكٍ ...
الصّورةُ فاجعةٌ كَلقْطةٍ سينمائِيّةٍ ، أنْ أتصوّرَ الْمشْهدَ صورةَ وجْهِ جائعٍ
داخلَ بطْنِ جائعٍ مثْلِهِ ، كانَ يمْضغُ وجْهَهُ فِي النّهايةِ...
سينوغْرافيَا حواريّةٌ ذاتيّةٌ كأنَّمَا يُجْرِي مونولوغًا يعْترفُ فِيهِ بِجريمةِ الْاحْتلالِ الّذِي يهْزمُ أقْوَى وأنْبلَ فرْدٍ...
ومَا تكْرارُ الْوجْهِ مرّتيْنِ مرْفقًا بِنعمْ سوَى تثْبيتٍ لِوضْعٍ قائمٍ...
حالتانِ مريعتانِ _حالتَا الْمضْغِ والْبكاءِ_ تؤكّدانِ وعْيَهُ بِالْفعْلِ لكنَّ حرْبَ التّجْويعِ لمْ تتْركْ لهُ أيَّ خيارٍ، يعْتبَرُ لَا منْطقيًّا فِي واقعٍ معْقولٍ، ومنْطقيًّا فِي واقعٍ لَامعْقولٍ...
حالتانِ تخْبرانِ عنْ قساوةِ الْحرْبِ والْاحْتلالِ حينَ تصْبحُ سيّاسةُالتّجْويعِ آليّةً ناجعةً لِلْاسْتسْلامِ، وإنْ لمْ تتحقّقْ فِي حرْبِ غزّةَ
إنَّهَا الْوجْهُ الْآخرُ لِلْموْتِ...

تناولَ الْمشْهدُ السّابعُ بعْدَ فوْرةِ الْبكاءِ، منْذُ الْأسْبوعِ الّذِي تلَا الثّلاثةَ عشرَ يوْمًا تاريخَ انْقطاعِ الْخبْزِ والطّعامِ،
كيْفَ شرعَ الْجسدُ الصّائمُ يتغذَّى علَى نفْسِهِ يأْكلُ لحْمَهِ؛ يشْربُ دمَهُ ؛ عرَقَهُ ؛ لُعابَهُ ، كَمُضْربٍ عنِ الطّعامِ لِيصيرَ مجرّدَ هيْكلٍ عظْمِيٍّ؛ يتنفّسُ بِصعوبةٍ أنْفاسَهُ علامةً علَى بقايَا الْحياةِ...
يسْترْجعُ ذاكرةَ الْجوعَ يعودُ إلَى الزّمنِ الْواقعِيِّ، 20 يوْمًا والْحالةُ الْبدنيّةُ متردّيةٌ...
اِسْتشْعرَ الْخطرَ بدأَ جسدُهُ يعْطيهِ إشاراتٍ كَمحْتضرٍ ينْتظرُ لحْظةَ الْخلاصِ منْهُ ومنَ الْعالمِ، الّذِي لمْ يسْعفْهُ ولَا ساعدَهُ علَى الْحياةِ. حيْثُ أدّى إلَى تآكلٍ ذاتِيٍّ
و تسْتمرُّ الْمعاناةُ...

فِي الْمشْهدِ الثّامنِ فِي ذاتِ الْيوْمِ ليْلًا يَخْرُجْ منَ الْبيْتِ ، يصفُ اللّيْلَ كَليْلٍ لَا عيونَ لهُ فيراهُ نحيلًا هزيلًا لكنَّهُ ينْصتُ إلَى هيْكلِهِ يُصْدرُ صوْتًا ، يصفُ شكْلَهُ هيْكلًا عظْميًا يغنِّي، منْتهَى الصّدْمةِ الْمبْكيّةِ/الْمضْحكةِ / إنَّهَا السّخْريّةُ السّوْداءُ .
تصوّرُوا معِي عظامًا ترْقصُ علَى إيقاعِ موْسَقةٍ عظْميّةٍ غريبةٍ ...،!
"فِي اللّيْلِ
خرجْتُ أمْشِي
وعظامِي تُصْدِرُ أصْواتًا غريبةً
كأنَّهَا تُغنِّي..."
إنَّهُ هيْكلُهُ أوْ جثّتُهُ تحْملُهُ أوْ يحْملُهَا ، ترَى وحْدهَا الْجوعَ وتسْمعُ أصْواتًا داخلَهُ/خارجَهُ تعْلمُ الْمجاعةَ
يموتُ إحْساسُهُ وعلاقتُهُ بِمَنْ حوْلَهُ وبهِ...
تتبأرُّ الصّورَةُ ألمًا حينَ يقولُ:
" كلْبٌ مَا عضَّ قدمِي
لكنِّي شكرْتُهُ... "
مقْياسُ الْألمِ هوَ تجاوزُ الْألمِ:
"الشَّيءُ إذَا زادَ عنْ حدِّهِ ؛ انْقلبَ إلَى ضدِّهِ" ديالكْتيكُ الْأشْياءِ والْموْجوداتِ لَا يُخْطِئُ
صورةُ الْكلْبِ الّذِي عضَّ قدمَهُ، هلْ تشيرُ إلَى أنَّ الْحيواناتِ أيْضًا لمْ تَسْلَمْ منْ جحيمِ الْمجاعةِ...؟
هلْ رمزيّةُ هذَا الْحيوانِ دلالةٌ علَى أنَّ الْجوعَ كلْبٌ...؟
رمْزيّةٌ لهَا تأْويلاتٌ متعدّدةٌ، فِي الْمغْربِ إذَا رأتِ الْأمُّ ولدَهَا يعودُ منَ اللّعبِ يحمْلقُ بِعيْنيْهِ تسْألُهُ عابثةً:
(يَاكْ مَاعضَّكْ الْكَلْبْ الْكْحَلْ...؟) أيْ الْأسْودُ كنايةً عنِ الْجوعِ...

فِي الْمقْطعِ التّاسعِ تصلُ الْميلودْرامَا نهايتَهَا السّوْداويّةَ عنْدمَا يسْتيْقظُ منْ غيْبوبةِ الْجوعِ ،علْمًا أنّنَا فِي الْمغْربِ نردّدُ مثلًا شائعًا :" الذِّيبْ الْجِيعَانْ مَا يَنْعَسْشْ "
لكنَّهُ يعْلنُ بِصراخِهِ عنْ وجودِه وهيَ مقولةٌ لِمفكّرٍ ينْتقدُ كوجيطُو "ديكارتْ" بِأنَّ مقْياسَ الْوجودِ ليْسَ التّفْكيرَ بلِ الْالمَ ؛ أمَّا الْوجودُ فهوَ دالّةُ نفْسِهِ إنَّهُ "مِيلانْ كُونْدِيرَا"
فمَنْ أكلَ مَنْ...؟
هلِ الْجوعُ أكلَ هذَا الشّخْصَ الّذِي يرْمزُ لِأهْلِ غزّةَ صغارًا وكبارًا...
أمْ أنَّ الشّخْصَ أكلَ الْجوعَ لِتفاقمِ الْجوعِ...؟
" فِي الْيوْمِ التّالِي
اسْتيْقظْتُ علَى صراخِي
كنْتُ أنَا الّذِي أكلَنِي
وكُنْتُ أنَا الّذِي صرخْتُ"
هوْلُ الْمشْهدِ أنْ يفيقَ علَى صراخِهِ، ويجدَ نفْسَهُ يأْكلُ نفْسَهُ غيْظًا وألمًا ...
وصْفٌ موجعٌ حدَّ الْقرفِ /حدَّ اللّعْنةِ
لِينْتهيَ الشّريطُ السّينمائِيُّ الْمُرْعبُ بِشكْلٍ غرائبِيٍّ ملْحمِيٍّ، َليسَ فانْتازْيَا إنَّهُ جحيمٌ" دانْتِي" لكنّهُ واقعِيٌّ لَا خرافيٌّ...
وتتمُّ أجنْدةُ الْموْتِ بِقفْلةٍ أكْثرَ غرابةً حينَ يصْفعُنَا الْمشْهدُ الْعاشرُ، ويسْدلُ السّتارَ علَى وضعٍ مرْبكٍ وهايْتْشْكوكيٍّ فيعْلنُ:

"الْآنَ
أنَا ظلٌّ لِرغيفٍ قديمٍ
سقطَ منْ يدِ اللّهِ
وتحلّلَ"
إنَّهَا الدْرامَا الْوجوديّةُ تُتوّجُهَا رغْبةُ التّحوّلِ الذّاتِيِّ (métamorphose)
كَكائنٍ، يطْمحُ أنْ يكونَ ذلكَ الرّغيفَ الْمفْقودَ الّذِي يتمنَّى لوْ يطْعمُ أهْلَ غزّةَ ، وكأنِّي أمامَ نظريّةِ التّناسخِ الّتِي تجْعلُ الْأشْياءَ لَا تموتُ ولَا تفْنَى، بلْ تصيرُ كائنًا آخرَ،
وهوَ فِي هذهِ النّهايةِ يعْتبرُ نفْسَهُ لمْ يمُتْ، بلْ هوَ ليْسَ فرْدًا هوَ رغيفٌ
قساوةُ الْوصْفِ ترْغمُ النّصَّ علَى الْبكاءِ...
أنْ يتناسخَ أهْلُ غزّةَ أرْغفةً، تطْعمُ جوْعاهُمْ أقْسَى وأقْوَى تيمةٍ فِي ظلِّ صمْتٍ الْعالمِ الْمدانِ وشراسةِ الْاحتلالِ الْمتوحّشِ...
نهايةُ النّصِّ الْغرائبيّةِ والْمحْزنةُ تؤكّدُ أنَّ شعْرَ الْقضايَا يشقُّ طريقَهُ فِي الزّمنِ الْفلسْطينيِّ إلَى الْوعْيِ الْإنْسانِيِّ...

خلاصةٌ :
انْطلاقًا منْ هذهِ التّجْربةِ ؛ فإنَّ الْكتابةَ فِي مجْملِهَا مخاطرةٌ ؛ بِمَا تعْنيهِ كلمةُ مخاطرةٍ منْ ضرورةِ التّمكّنِ منْ أدواتِهَا فِي شِقِّهَا الْكتابِيِّ كَمُنْجزٍِ نصّيٍّ وفِي شقِّهَا كَمنْجزٍ قِرائِيٍّ قابلٍ لِلتّأْويلِ...
أشارَ الْأسْتاذُ " عبْدُ السّلامِ بنْعبْدِ الْعالِي" فِي كتابِهِ " الْانْفصالِ " ص21 مشيرًا إلَى تنْبيهِ
" عبْدِ الْفتّاحِ كِلِيطُو" حوْلَ الْقلقِ الّذِي يساورُ الْكتّابَ والشّعراءَ مردُّهُ أساسًا كوْنُ :
" الْكتابةِ مليئةً بِالْمخاطرِ " و"كوْنُ الْمرْءِ لَايزالُ فِي فسْحةٍ منْ أمْرِهِ مَالمْ يقلْ شعْرًا أوْ يؤلّفْ كتابًا "
لذَا يتعيّنُ عليْهِمْ "الْتزامُ الْحيطةِ والْحذرِ " مذكّرًا بِوصيّةِ " الْجاحظْ" فِي كتابِ "الْحيوانِ":
"ينْبغِي لِمَنْ كتبَ كتابًا أنْ لَا يكْتبَهُ إلَّا علَى أنَّ النّاسَ كلَّهُمْ أعْداءُ"
وإنّمَا يعْنِي أساسًا الْعدوَّ الْمقنَّعَ ،أيْ الْقارئَ."



#فاطمة_شاوتي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - دَوْرَةُ الْفَرَاغِ...-
- - جِلْدٌ مُتَشَقِّقٌ...-
- -الذَّكَاءُ الْإِصْطِنَاعِيُّ مُنَشِّطٌ ثَقَافِيًٌ...-
- -فِي قَبْضَةِ اللّازَمَنِ...-
- -جُمْجُمَةُ الْمَاءِ...-
- قراءة فاطمة شاوتي في نص الشاعر المغربي -مصطفى البحري ...-
- -شَفَةٌ مَشْرُومَةٌ...-
- -رِسَالَةٌ إِلَى النِّسْيَانِ...-
- -مِطْرَقَةُ الرَّمَادِ...-
- -لٍلْبَحْرِ أَجْنِحَةُ الْمَلَائِكَةِ...-
- تَغْرِيبَةٌ تْرَامْبِيَّةٌ...أوْ( تَغْرِيبَةٌ فَوْضَوِيَّةٌ. ...
- -قراءة فاطمة شاوتي في نص الشاعرة المغربية دامي عمر...-
- - الْحَرْبُ كَبْشُ الْعِيدِ...-
- - اِشْرَبِيهِ وَحْدَكِ...!-
- -أيُّهَا الشَّامُ سَلَامًا...!-
- -جَزِيرَةُ الْأَلَمِ...-
- -صَرْخَةُ مَادْلِينْ...-
- - اللَّعْنَةُ الْإِبْدَاعِيَّةُ...-
- وِشَايَةُ مِرْآةٍ...
- -حِينَ تَنْسَى الذَّاكِرَةُ وُجُوهَهَا...-


المزيد.....




- سوزان بريسو تروي عن طه حسين الذي غيّر حياتها وألهم العالم
- -كانت تدغدغني-.. شاهد حشرة تزحف على جينيفر لوبيز خلال عرضها ...
- سوزان طه حسين: الحب الذي أضاء ظلام عميد الأدب العربي رغم اخت ...
- فنان سوداني لاجئ يصرخ في وجه العالم.. -لماذا يهملوننا-؟
- رواية كردية شهيرة
- على صهوة جواده.. فنان سنغالي يلفت الأنظار برسالة تضامن مع غز ...
- على صهوة جواده.. فنان سنغالي يلفت الأنظار برسالة تضامن مع غز ...
- وزيرا الثقافة والعمل يتفقدان البلدة القديمة من الخليل
- رحيل المخرج والكاتب المسرحي التونسي الفاضل الجزيري عن عمر نا ...
- ساهم في فوز فيلم بالأوسكار.. فيديو فلسطيني وثق مقتله على يد ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة شاوتي - قراءة ٌ فِي نصِّّ الشّاعرِ الْفلسْطِينِي- رائدْ شنْيورةْ- ...