أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - حازم كويي - من يملك الكون؟















المزيد.....


من يملك الكون؟


حازم كويي

الحوار المتمدن-العدد: 8431 - 2025 / 8 / 11 - 14:03
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


مستقبل الأرض يُحسم بشكل متزايد في الفضاء. ولهذا لا يمكننا تركه للقوى العظمى وحدها.
أينو شونينك*
ترجمة: حازم كويي

عشرة ترليونات. 10,000,000,000,000,000,000 دولار أمريكي.
هذا ما يعادل 89,823 ضعف ما أنتجه العالم بأسره في عام 2024.
لو وُجد في مكان ما على الأرض منجم ذهب بهذه القيمة، لكانت البشرية قد اقتتلت عليه حتى النهاية.ولحسن الحظ، لا يوجد شيء كهذا على الأرض.
لكن، على بُعد نحو 26 دقيقة ضوئية من كوكبنا، وفي الفضاء الكوني الشاسع بين المريخ والمشتري، يدور الكويكب المعروف باسم "سايكي"
"سايكي" هو ما يُعرف بالكوكب الأولي، ويُعتقد أنه مكوَّن بالكامل تقريباً من معدن نقي.
وبحسب تقديرات عالمة الكواكب ليندي إلكينز- تانتون، فإن قيمته تقدَّر بذلك الرقم الهائل: 10,000,000,000,000,000,000 دولار أمريكي.
هذا الرقم المطروح هو بالطبع مجرد تقدير عشوائي، ولا يمكن التحقق منه بأي حال. ومع ذلك، تُخطط وكالة ناسا لمهمة إلى الكويكب "سايكي": ففي 13 أكتوبر 2023، أُطلقت مركبة فضائية من الأرض، ومن المقرر أن تصل لاستكشاف الكويكب في صيف عام 2029. وستدور المركبة حول الكويكب لمدة عامين تقريباً، لالتقاط الصور وقياس الإشعاعات. فحلم "تعدين الفضاء" لا يزال قائماً وبقوة.
حتى اليوم، تقوم الدول بتعديل القانون الدولي من أجل تمكين عمليات التعدين في الفضاء، بينما تستعد الشركات لما يشبه "حمى الذهب" خارج كوكب الأرض. وهذا ليس سوى واحد من عدة أسباب تجعل البشرية تدخل من جديد في سباق نحو الفضاء.
وعلى عكس رحلة نيل أرمسترونغ إلى سطح القمر، التي كانت مشروعاً يهدف إلى تعزيز المكانة الوطنية، فإن هذا السباق الجديد يدور حول أمر أكثر أهمية: مستقبل كوكبنا. إذ إن هذا المستقبل يُحسم بشكل متزايد في الفضاء. ففي حين كانت ملايين الناس يتابعون بخوف وترقب عبر أجهزة التلفاز بالأبيض والأسود لحظة هبوط أرمسترونغ، يُسجل اليوم أكثر من 260 إطلاقاً صاروخياً في السنة، دون أن يثير ذلك اهتمام أحد تقريباً. وهذا أمر خطير.
لا يمكننا أن نترك الفضاء في أيدي القوى العسكرية الكبرى والمليارديرات المهووسين، فالمسألة أخطر من أن تُهمل. الأمر يتعلق بمن سيتمكن مستقبلاً من الوصول إلى الموارد النادرة مثل العناصر الأرضية النادرة، عندما تبدأ احتياطيات كوكبنا بالنفاذ. ويتعلق بمن ستكون له القدرة، بفضل امتلاكه أكبر أسطول من الأقمار الصناعية، على حسم الحروب. ويتعلق أيضاً بما إذا كنا سنواصل تلويث الفضاء بهذه السرعة القياسية، حتى يصبح كوكبنا محاطاً بغلاف من الحطام المتصادم.

من يسيطر على الفضاء، يؤمّن لنفسه الوصول إلى كنوزه.
فالهواتف الذكية، والحواسيب، وبطاريات السيارات الكهربائية لا تعمل من دون المعادن. ولكي نحصل عليها، نتدخل نحن البشر في البُنى الجيولوجية باستخدام الآلات والمتفجرات، تاركين وراءنا جروحاً عميقة في الطبيعة. لقد بلغ جوعنا للموارد على الأرض حداً دفع الشركات إلى الدفع نحو التعدين في أعماق البحار، من أجل استخراج معادن ثمينة مثل النيكل والنحاس والكوبالت.
حتى صناعة التعدين على اليابسة تُدمر مناطق كاملة بسبب استخدام المواد الكيميائية السامة. عمال المناجم في دول الجنوب العالمي، حيث توجد معظم مواقع التعدين، هم من بين الفئات المهنية التي تتمتع بأقصر متوسط عمر متوقع. وتستمر الطلبات على المعادن والعناصر الأرضية النادرة في الارتفاع عاماً بعد عام.
فهل يعتبر نقل التعدين إلى الفضاء حلاً ذكياً؟ الذهب، والبلاتين، والكوبالت، والبلاديوم، والحديد، والنيكل ـ كلها موجودة أيضاً على الكويكبات. هواء أنظف، تربة أكثر صحة، واستغلال أقل على الأرض، بينما يقوم خبراء ذوي الأجور المرتفعة باستخدام آلات دقيقة لاستخراج كل ما نحتاجه من الفضاء. بهذه الطريقة أو بطريقة مشابهة تقدم الصناعة فكرة التعدين الفضائي. مثل شركة إيفونّا (Evona)، التي تصف نفسها بأنها "الرقم 1 في توظيف العاملين لصناعة الفضاء".
حتى اليوم، تتجاوز تكاليف السفر إلى الفضاء بكثير الأرباح الناتجة عن الموارد الجديدة. فعلى سبيل المثال، كلفت عملية إعادة عينات تبلغ 121.6 غراماً من المادة المستخرجة من الكويكب القريب من الأرض "بينو" في عام 2023 وكالة ناسا أكثر من مليار دولار أمريكي. لكن الصناعة تعمل على خفض هذه التكاليف.
وكانت خطوة مهمة في هذا الاتجاه هي إدخال صواريخ قابلة لإعادة الاستخدام مثل "فالكون 9" التابعة لشركة إيلون ماسك، سبيس إكس. حيث تمتلك الجهات الخاصة مثل سبيس إكس ميزانيات كبيرة لتجربة أساليب التجربة والخطأ، مما يدفع الابتكارات بوتيرة أسرع بكثير من وكالات الفضاء الرسمية البطيئة.
هناك بالفعل خطة نظرية لتعدين الفضاء. يُفترض إيقاف دوران الكويكبات القريبة من الأرض، ثم دفعها في اللحظة المناسبة إلى مدار حول القمر. في هذا المدار، تزور مركبة فضائية الكويكب. وتكون هذه المركبة مزودة بمرآة كبيرة تركز أشعة الشمس وتسخّن الكويكب.
وبذلك تُسخَّن الغازات داخل الصخور حتى تتبخر. ثم تقوم آلة طحن بتفتيت الصخر إلى حصى وغبار. تُفصل العناصر الخفيفة عن الثقيلة باستخدام الطرد المركزي. تُحمَّل المواد الخام في صواريخ قابلة لإعادة الاستخدام أو تُخزن في كبسولات محمية من الحرارة تسقط في المحيط ليتم جمعها لاحقاً.
لكن، على عكس الأحلام التكنولوجية، لن يؤدي تعدين الفضاء إلى عالم أكثر خضرة وعدلاً. فالدول التي لا تمتلك برامج فضائية مهمة ستظل تتخلف اقتصادياً، بينما ستحصل بعض الدول الغنية أو الأفراد الأثرياء على الموارد.
وهكذا يتعزز ما يُعرف بـ"الفجوة الفضائية". هذا المصطلح يصف التفاوت الاجتماعي والاقتصادي بين الدول التي تمتلك برامج فضائية والدول الأخرى. على الرغم من أن أكثر من 80 دولة لديها برامج فضائية، إلا أن هناك عدداً قليلاً فقط يمتلك طموحات جدية: الولايات المتحدة الأمريكية، الصين، روسيا، اليابان، الهند، وكالة الفضاء الأوروبية (ESA) وبعض الدول الأعضاء فيها. والولايات المتحدة هي الدولة التي تمتلك حالياً أفضل الفرص لتأمين حقوق التعدين والملكية.
فهي تعمل منذ عقد من الزمن بنشاط على إعادة تفسير القانون الدولي للفضاء لتأمين وصولها القانوني إلى الموارد. وهذا ليس بالأمر السهل، لأن معاهدة الفضاء لعام 1967 تنص على أنه لا يحق لأي دولة أن تستحوذ على الأجرام السماوية. بمعنى آخر، كان رفع العلم الأمريكي على سطح القمر مجرد دعاية جيدة، لكنها لا تحمل أي وزن قانوني.
ومع ذلك، تستغل الولايات المتحدة إحدى الثغرات القانونية لتعزيز أجندتها السياسية الفضائية: مسألة ما إذا كانت الكويكبات تُعتبر أجراماً سماوية لم تُحسم بشكل نهائي. الكواكب والأقمار، بلا شك، لكن ماذا عن تلك القطع الصغيرة بينها؟
منذ عام 2015، تسمح الولايات المتحدة في تشريعاتها الوطنية بملكية الأفراد الخاصة في الفضاء كإجراء استباقي. ومن بين المحاولات القليلة خلال السنوات الأخيرة لتنظيم هذا المجال عبر الاتفاقيات الدولية، يأتي اتفاق "أرتميس". وهو عبارة عن مجموعة من الاتفاقيات غير الملزمة قانونياً بين الدول حول إدارة الموارد الفضائية. وتحت قيادة الولايات المتحدة، أدرج الموقعون في الاتفاقية نصاً ينص على أن استخراج موارد الفضاء لا يعد استحواذاً وطنياً حسب معاهدة الفضاء.
كما يتحدث الاتفاق عن ما يُسمى بـ"مناطق الأمان" التي تهدف إلى منع تدخل الدول الأخرى في شؤون الدول المشاركة. ويُعتقد أن هذا يأتي في سياق الاستعداد لاستيطان القمر.
ترغب الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية من خلال برنامج أرتميس في إنشاء قاعدة على القمر، وقد حددت أن التعاون ضمن البرنامج مع الصين ممنوع. في المقابل، تسعى الصين وروسيا لإنشاء قاعدة قمرية خاصة بهما.
وقد انتقدت عدة دول في تقرير قدم إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا النهج التنافسي في السياسة الفضائية. وقال التقرير: "يُنظر إلى الفضاء كحدود جديدة للتنافس بين القوى العسكرية الكبرى." وبذلك، فإن النزاعات على الأرض قد تستمر في الفضاء، كما أن من ينتصر أو يخسر على الأرض يتحدد جزئياً عبر ما يحدث في الفضاء.

من يسيطر على الفضاء يمتلك معرفة يمكن أن تحسم الحروب
في السادس والعشرين من فبراير 2022، بعد يومين من عبور القوات الروسية الحدود إلى أوكرانيا واندلاع العنف في العاصمة كييف، غرّد وزير الرقمية الأوكراني بنداء لإيلون ماسك:
"بينما تحاول استعمار المريخ، تحاول روسيا احتلال أوكرانيا! [...] نرجو منك توفير محطات ستارلينك لأوكرانيا."
محطات ستارلينك هي أطباق فضائية، وكابلات، وأجهزة توجيه (روترات) تُستخدم للاتصال بالإنترنت عبر برنامج ستارلينك الفضائي الخاص بماسك. وكانت أوكرانيا قد تفاوضت مسبقاً في الأسابيع السابقة حول الحصول على ستارلينك. وبعد وقت قصير من تغريدة الوزير الأوكراني، رد ماسك قائلاً:
"خدمة ستارلينك مُفعلة الآن في أوكرانيا. المزيد من المحطات في الطريق."
بين فبراير وديسمبر 2022، أرسلت ستارلينك معدات لأكثر من 22,000 محطة إلى أوكرانيا. أصبح الإنترنت الفضائي سريعاً ذا أهمية حاسمة للجيش الأوكراني وللسكان المدنيين. يستخدم الجيش الإنترنت لتحليل أنظمة الأسلحة، وتتبع تحركات القوات، وتخطيط هجمات الطائرات المُسيّرة. وبفضل هذه المحطات، لا يزال السكان يتمتعون بإمكانية الوصول إلى الإنترنت، وفي المناطق المحتلة يمكنهم الحصول على معلومات خارج نطاق دعاية الحرب الروسية.
بالنسبة لشركة سبيس إكس، الحرب هي فرصة مثالية لإثبات قدرات شبكة الأقمار الصناعية الخاصة بها على المستوى الدولي. يرى العالم كله ـ أي العملاء المحتملون من القطاعين الخاص والعام ـ مدى موثوقية وأمان خدمة ستارلينك.
عدد كبير من الأقمار الصناعية يعني قوة كبيرة. في مجال الإنترنت الفضائي، يمكن لمن يملك أكبر وأوثق أسطول أن يقدم أفضل خدمة. حالياً، تتفوق ستارلينك بفارق كبير على المنافسين. كلما ازداد عدد الدول والشركات والأفراد الذين يستخدمون خدمات ستارلينك، زاد تأثير ماسك على القرارات السياسية في تلك المناطق.
ويُظهر ذلك حادثة ثانية من حرب أوكرانيا. في خريف 2022، كان الجيش الأوكراني في وسط هجوم مضاد، حين بدأت خدمة ستارلينك تتوقف بشكل متكرر في المناطق التي تحتلها روسيا. اشتكى زيلينسكي لماسك متهماً إياه ببناء "سياج رقمي" على طول خط الجبهة بين روسيا وأوكرانيا. كانت المحطات تعمل بشكل ممتاز حتى وصلت إلى الجبهة، ثم توقفت فجأة.
في الوقت نفسه، غيّر إيلون ماسك استراتيجيته السياسية. وضع خطة سلام تمنح روسيا شبه جزيرة القرم وتنص على إجراء استفتاء تسيطر عليه الأمم المتحدة حول مستقبل المناطق التي تحتلها روسيا. تتوافق خطته إلى حد كبير مع مطالب روسيا. وكل ذلك في وقت يعتمد فيه مئات الآلاف من الناس في أوكرانيا على ماسك وأقمار ستارلينك الصناعية الخاصة به. يظهر إيلون ماسك كسلطان الحرب والسلام.
تحت تأثير تذبذب ماسك، أطلق الاتحاد الأوروبي برنامجاً خاصاً بها للإنترنت الفضائي يُسمى IRIS². من المقرر أن يبدأ التشغيل عام 2027. التمويل طويل الأمد غير مؤكد. الحجم المُخطط للأسطول أقل من 300 قمر صناعي.
للمقارنة: يوجد في يونيو 2025 حوالي 8,000 قمر صناعي نشط من شبكة ستارلينك في المدارات الأرضية المنخفضة. وهناك خطط لأسطول يزيد عن 40,000 قمر صناعي.
الصين، التي تعتبر قوة جديدة نسبياً في الفضاء، أطلقت أول أقمارها الصناعية للإنترنت الفضائي في 2024. أمازون أطلقت أول 54 قمراً صناعياً خاصاً بها. شبكة OneWeb التابعة لشركة Eutelsat تضم 648 قمراً صناعياً.
الفضاء أصبح مُكتظاً، خصوصاً في المدارات الأرضية المنخفضة. وعلى أفضل هذه المدارات، حجز ماسك الكثير من المساحات. فليست كل النقاط في الفضاء ذات قيمة متساوية: كلما اقترب القمر الصناعي من الأرض، تصل الإشارة أسرع ويعمل الإنترنت بشكل أفضل.
كتب الاستراتيجي في القوات الجوية الأمريكية، إيفرت دولمان، في عمل كلاسيكي عن الجغرافيا السياسية في الفضاء:
"من يسيطر على المدارات الأرضية المُنخفضة، يُسيطر على الفضاء القريب من الأرض، ومن يسيطر على الفضاء القريب من الأرض، يسيطر على الأرض. ومن يسيطر على الأرض، يحدد مصير البشرية."
من يسيطر على الفضاء، يكون مسؤولاً عن مدى تحوله إلى مكب للنفايات.
الفضاء - مساحات لا نهائية؟ ليس تماماً، إذا دققنا النظر. فالفضاء القابل للاستخدام من قبل البشر محدود، ونحن في طريقنا لجعله مليئاً بالنفايات، تماماً كما فعلنا مع البحار والأنهار على الأرض. ما يبدو لنا كفراغ فارغ وموحد بين الأجرام السماوية، يجب أن نتخيله كمنظر طبيعي متنوع، حيث أنشأنا نحن البشر شبكة كثيفة من الطرق.
حسب الإشعاع والجاذبية، تتكون مدارات تحتاج فيها الصواريخ إلى طاقة أقل أو يمكنها الاستفادة من الجاذبية للوصول إلى أماكن أبعد. هناك خمس نقاط في الفضاء تتوازن فيها قوة الجذب بين الأرض والقمر تماماً، بحيث تبقى الأجسام فيها دون الحاجة إلى وقود. قد تكون هذه النقاط سبباً للخلاف.
وكذلك الحال بالنسبة للطريق السريع في الفضاء، المدار الجغرافي التزامني المعروف بـ GEO، على إرتفاع حوالي 36,000 كيلومتر. تدور الأجسام هناك حول الأرض بنفس سرعة دوران الأرض حول نفسها، لذلك تبدو الأجسام من الأرض وكأنها ثابتة في مكانها، مما يجعل هذا المدار مثالياً لتركيب هوائيات الأقمار الصناعية ويجعله مرغوباً جداً.
من يخرج عن الطريق السريع الفضائي يصل إلى موقف للسيارات: على بعد حوالي 300 كيلومتر من المدار الجغرافي التزامني (GEO) تقضي الأقمار الصناعية المتقادمة عمرها المتبقي. بقوة متبقية قليلة، يديرها مُشغلوها نحو هذا الموقف الكوني حيث تظل تحلق فيه.
على ارتفاع حوالي 800 كيلومتر فوق الأرض، يسبح عملاق ضخم يبلغ طوله 25 متراً ويزن ثمانية أطنان. القمر الصناعي البيئي Envisat التابع لوكالة الفضاء الأوروبية ESA يتمايل في الفضاء كأنه في حالة سُكر. لا يعمل ولم يعد بالإمكان الوصول إليه منذ عام 2012. عند هذا الارتفاع، قد يستغرق الأمر 150 عاماً أو أكثر حتى تحترق الأجسام في الغلاف الجوي للأرض.
هناك العديد من الأقمار الصناعية مثل Envisat. عدد الأقمار الصناعية غير النشطة يفوق بكثير عدد الأقمار النشطة. فهي تتآكل وتتعطل في نهاية المطاف، تماماً مثل الغسالات أو المكانس الكهربائية.
وفقاً لتوصيات لجنة التنسيق بين الوكالات المعنية بحطام الفضاء (IADC)، يجب التخلص من الأقمار الصناعية بعد مدة لا تتجاوز 25 عاماً، إما بدخولها الغلاف الجوي واحتراقها أو بنقلها إلى مدارات "مقابر" خاصة. ولكن، وفقاً لتقرير البيئة الفضائية لعام 2025 الصادر عن وكالة الفضاء الأوروبية (ESA)، فإن عدد الأقمار الصناعية التي تدخل المدارات المنخفضة حول الأرض يزيد على عدد تلك التي يتم التخلص منها.
ويضاف إلى ذلك كل الحطام الفضائي الآخر: مراحل الصواريخ المحترقة، الأدوات المفقودة، جزيئات الطلاء أو قطع المعادن الصغيرة. وفقاً لأحدث تقدير من ESA، سيكون هناك أكثر من 1.2 مليون قطعة حطام صغيرة يقل حجمها عن سنتيمتر واحد تدور حول الأرض في عام 2025. بسبب صغر حجمها، لا يمكن لأجهزة الرادار والتلسكوبات رصدها. وليس هذا فحسب، إذ تقدر ESA عدد قطع الحطام الكبيرة، أي التي يزيد حجمها عن 10 سنتيمترات، بأكثر من 40,000 قطعة.
تتحرك هذه القطع بسرعة تفوق سرعة الرصاص. عندما تصطدم قطعتان من الحطام، تنتج آلاف القطع الصغيرة الجديدة من الحطام. في الواقع، كان تصادمان كبيران في عامي 2007 و2009 مسؤولين عن جزء كبير من الحطام الفضائي الذي تم تسجيله.
في التصادم الأول، أطلقت الصين صاروخاً في نفس المدار الذي يدور فيه قمرها الصناعي الخاص بالأحوال الجوية، وسمحت لهما بالاصطدام عمداً لاختبار تقدم تقنيتها الصاروخية. نتج عن ذلك حقل ضخم من الحطام. وفي نهاية نفس العام، كان هناك حوالي 2000 جسم كبير إضافي يدور في الفضاء.
ما ينتج عن ذلك وصفهُ الفلكي الأمريكي دونالد كيسلر لأول مرة: كلما زاد عدد قطع الحطام، تزداد احتمالية حدوث تصادمات عشوائية، مما يؤدي إلى تكوين قطع جديدة من الحطام، والتي بدورها تزيد من احتمالية التصادمات مرة أخرى. إنها حلقة كونية من تفاعلات متسلسلة.
إذا استمر الوضع على هذا النحو، فهذا لا يعني فقط تعطل الاتصالات عبر تقنيات الأقمار الصناعية المهمة، بل يعني أيضاً أنه قد تتكون في المستقبل مكب نفايات لا يمكن اختراقه في بعض مدارات الأرض. كأنها سجادة ضخمة من الحطام نلفّ أنفسنا بها. مع أن الأمر في الواقع يصب في مصلحة مُشغلي الأقمار الصناعية ألا تتعطل أقمارهم.
هذا يمنحنا بعض الأمل بأن الأمور قد تسير في هذا المجال على نحو مختلف وطويل الأمد مقارنةً مع أوائل رواد الفضاء. فقد بدأنا نترك النفايات في الفضاء منذ رحلة الهبوط على القمر، حيث لم يترك رواد أبولو آثار أقدام فقط على القمر، بل أيضاً 96 كيساً من النفايات. وحتى الآن لم يقم أحد بجمعها.
"من يراقب أولئك الذين يسيطرون على الفضاء؟"
لطالما كان الفضاء مثالاً للتعاون الدولي. على متن محطة الفضاء الدولية (ISS) يعيش رواد فضاء من دول متنافسة معاً في سكن مشترك، وكان السياسي الأمريكي والرائد السابق في الفضاء بيل نيلسون يعتقد حتى أن الفضاء يمكن أن يساعدنا على تطوير "وعي كوكبي" ـ إذ يمكننا من هناك رؤية الأرض ككل واحد. واقترح عقد مؤتمرات دولية كبرى من هناك، مما قد يؤثر إيجابياً على المفاوضات.
في الواقع، توجد العديد من الأفكار لتحسين سياسات الفضاء ومقترحات لحل مشكلات مثل مشكلة الحطام الفضائي. فمثلاً، تقول العلوم الاقتصادية إنه يجب توفير حوافز أكبر للشركات للاستثمار في إزالة الحطام.
أما القانونيون فيرون ضرورة إعادة تفسير المعاهدات الفضائية الكبرى، أو حتى صياغة معاهدات جديدة، لوضع أهداف ملزمة وقابلة للتنفيذ لإزالة الحطام.
أما عشاق الحلول التقنية فيرغبون في تطوير تقنيات لإزالة الحطام بنشاط وتحسين أنظمة مراقبة الفضاء.
في حين يقترح علماء السياسة إنشاء مؤسسات جديدة لمتابعة هذه القضايا.
أنتي نوتسولد، المشاركة في تحرير أول كتاب ألماني عن سياسة الفضاء منذ أكثر من 40 عاماً، ترى أن الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU) يعد نقطة انطلاق جيدة لتنظيم الوصول المستقبلي إلى الفضاء.
في هذا الاتحاد، تتقدم الدول الأعضاء بطلبات للحصول على نطاقات الترددات الراديوية المخصصة للاتصالات عبر الأقمار الصناعية. وهذا يعني أن إطلاق أي قمر صناعي جديد في الفضاء يتطلب موافقة الاتحاد، وإلا فلن يكون بالإمكان تشغيله قانونياً.
ويعمل الاتحاد وفق مبدأ "من يأتي أولاً يُخدم أولاً"، بمعنى أن الترددات تُمنح حسب أسبقية تقديم الطلب.
الولوج إلى الفضاء مفتوح مبدئياً للجميع، لكن أنتي نوتسولد تطرح سؤالاً مهماً: هل ينبغي التفكير في تقليل عدد الترددات الممنوحة؟ أو توزيع الحصص بينها جميع الدول؟ كما كان الحال سابقاً مع ترددات الراديو والتلفزيون، يمكن استخدام منح الترددات كأداة تنظيمية. وذلك لتقليل عدد الأقمار الصناعية التي تُطلق أو لإضعاف الاحتكارات.
قد يبدو هذا مجرد خطوة صغيرة للبشرية، لكن مع أن مستقبل الأرض يُتخذ أكثر فأكثر في الفضاء، فإن مستقبل الفضاء نفسه لا يزال يُقرر على الأرض.

الفضاء لا يمتلكه أحد في الوقت الحالي، وهذا يعني أنه ملك للجميع.
في ذلك يكمن أيضاً مفهوم يمكن من خلاله النظر إلى الفضاء: يستخدم علماء السياسة مصطلح "المشاعات العالمية" (Global Commons) لوصف الموارد التي يمكن لجميع الدول الوصول إليها على قدم المساواة. وهي الموارد المشتركة للجميع - مثل البحار المفتوحة والغلاف الجوي. أشياء يجب على الجميع أن يهتموا بها معاً. حتى الآن، هذه المشاعات موجودة فقط على الأرض، لكن من الناحية المثالية يجب اعتبار الفضاء القريب من الأرض جزءاً منها أيضاً.
إحدى قصص النجاح القليلة في التعامل مع المشاعات العالمية هي مكافحة ثقب الأوزون. يشكل الأوزون حماية مهمة للكائنات الحية على الأرض، لكن المواد المبردة، خاصة مركبات الكلوروفلوروكربون (FCKW)، أضرت بالطبقة أكثر فأكثر. بموجب بروتوكول مونتريال عام 1987، اتفقت 189 دولة على قواعد لإنقاذ طبقة الأوزون، منها التخلي التدريجي عن المواد الكيميائية الضارة.
ولكن كيف تم إثبات وجود ثقب الأوزون واتخاذ الإجراءات اللازمة؟ جاءت المعلومات الحاسمة بالطبع من خلال الأقمار الصناعية، من الفضاء.

أينو شونينك*: صحفي مختص في الشؤون العلمية.



#حازم_كويي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هتلر:سيرة إنهيار
- الجامعات الصينية في صدارة العالم
- حزب في مرحلة تحول
- -تراجع العولمة الحالي لا يخدم قضايانا-
- إيلون ماسك:هل هو عبقري طموح أم رجل يفتقر للروح؟
- التصنيع بدلاً من التسلّح
- -تعدد الأقطاب؟ احتمال قائم في المستقبل-
- -رئيسة المكسيك تُظهر كيف يمكن التصدي لترامب-
- الهجوم الأمريكي على إيران: أصبح الآن اندلاع حرب نووية أكثر ا ...
- عصر التراجع
- -في الرأسمالية لا يوجد تنافس حرـ النيوليبرالية ليست نظام أسو ...
- الشرق الأوسط يشهد تصعيدًا دراماتيكيًا في الأوضاع.
- هل نعيش في زمن الفاشية المتأخرة؟
- الرأسمالية تتغير – لكنها لا تتحول إلى -إقطاعية جديدة-
- العولمة انتهت، لكن النيوليبرالية ما زالت حيّة
- عن سبل الخروج من أزمة المناخ
- الحزب الشيوعي النمساوي.. حزب لا مثيل له؟
- كيف يُعرض ترامب الدولار للخطر؟
- أميركا أولاً،مهما كان الثمن،إلى أين؟
- إلى أين يتجه اليسار الجديد؟


المزيد.....




- ضغوط من القادة الأوربيين لضمان مشاركة زيلينسكي بقمة ألاسكا ب ...
- بعدما حققت أرباحًا طائلة.. شاهد لحظة سطو لصوص ملثمين على دمى ...
- مقتل شخص وإصابة 29 في زلزال قوي ضرب محافظة باليكسير التركية ...
- الحكومة السورية تلغي مشاركتها في اجتماعات مع -قسد- في باريس ...
- بريطانيا تعتقل 365 شخصا في تظاهرة مؤيدة لـ-فلسطين أكشن-
- فرنسا تلاحق دبلوماسيا جزائريا تتهمه بخطف معارض
- الألم يتجدد: عائلات سودانية تعيد دفن أبنائها
- بريطانيا تعتقل 466 شخصا خلال تظاهرة مؤيدة لـ-فلسطين أكشن-
- كييف تعلن استعادة السيطرة على قرية بيزساليفكا الحدودية
- الأردن يستضيف اجتماعا لدعم إعمار سوريا بحضور أميركي


المزيد.....

- نبذ العدمية: هل نكون مخطئين حقًا: العدمية المستنيرة أم الطبي ... / زهير الخويلدي
- Express To Impress عبر لتؤثر / محمد عبد الكريم يوسف
- التدريب الاستراتيجي مفاهيم وآفاق / محمد عبد الكريم يوسف
- Incoterms 2000 القواعد التجارية الدولية / محمد عبد الكريم يوسف
- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - حازم كويي - من يملك الكون؟