أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حازم كويي - كيف يُعرض ترامب الدولار للخطر؟















المزيد.....

كيف يُعرض ترامب الدولار للخطر؟


حازم كويي

الحوار المتمدن-العدد: 8331 - 2025 / 5 / 3 - 13:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الاقتصاد والبيئة - حرب تجارية

ستيفان كاوفمان*


لا يزال الدولار الأمريكي حتى الآن هو المعيار العالمي للنظام الرأسمالي.
ويستغل الرئيس الأمريكي هذا الوضع – لكنه في الوقت نفسه يُهدده ويُعرضه للخطر.
تواصل الحكومة الأمريكية بقيادة دونالد ترامب تصعيد حربها التجارية. غير أن الرسوم الكمركية التي فرضتها أو أعلنت عنها الولايات المتحدة لن تضر بالاقتصاد العالمي فقط، بل ستلحق الضرر أيضاً بالاقتصاد الأمريكي نفسه.
وعلاوة على ذلك، يزرع ترامب من خلال سياساته المتقلبة حالة من عدم اليقين العميق بشأن مستقبل الاقتصاد العالمي وطريقة تصرف القوة العظمى الأولى في العالم.
وهذا لا يزعزع فقط أسواق السلع والأسهم، بل يهز أيضاً أحد أسس الهيمنة الأمريكية: مكانة عُملتها كعُملة العالم، وكملاذٍ آمن، وكمعيار للنظام الرأسمالي.
ومع تزايد الشكوك حول الوضع العالمي للدولار الأمريكي، تطرح على الطاولة مسألة مدى إستمرار الولايات المتحدة كقوة عظمى أولى، ومدة بقائها كذلك.
ما معنى العملة العالمية الرائدة؟
في النظام الرأسمالي، كل شئ يدور حول المال. نجاح شركة ما أو جدوى إستثمار ما، يعتمد في النهاية على المبلغ المتبقي في النهاية. المال يحكم العالم – لكن مال مَن؟
هناك العديد من العملات الوطنية: من الدولار الأمريكي إلى اليورو والجنيه الإسترليني، وصولاً إلى البيزو المكسيكي والسوم الأوزبكي والنيرة النيجيرية.
ومعظم هذه العملات لها صلاحية وطنية فقط، فعلى سبيل المثال، من يحاول إستخدام النيرة النيجيرية للشراء أو الاستثمار عالمياً، أو حتى لتحويلها إلى اليورو في بنك ألماني، سيفشل.
لأن عملة نيجيريا مُعترف بها كوسيلة للدفع فقط داخل نيجيريا نفسها.
أما العملات التي تتمتع بقبول عالمي فهي قليلة جداً: في مقدمتها الدولار الأمريكي واليورو، إضافة إلى الجنيه الإسترليني، الين الياباني، والرنمينبي الصيني.
من بين هذه العملات، يحتل الدولار مكانة خاصة.
فهو يقف على قمة هرم العملات العالمية.
يُقبل الدولار الأمريكي كوسيلة للدفع في جميع أنحاء العالم، ويُعد التعبير الأسمى عن الثروة الرأسمالية على مستوى العالم.
فعلى سبيل المثال، شركة دولية تستثمر في أوزبكستان وتجني أرباحها هناك بعملة السوم المحلية، لن تعرف بدقة مقدار أرباحها إلا بعد تحويل السوم إلى دولارات.
وبينما تُقاس قيمة عملات مثل النيرة النيجيرية بالسؤال عن «قيمتها الحقيقية»ــ أي قيمتها مقارنة بالدولار ــ فإن الدولار بحد ذاته لا يحتاج إلى مرجعية أخرى.
جميع العملات الأخرى، بما في ذلك اليورو، يجب أن تُقاس به.
لهذا الوضع الخاص للدولار نتائج عملية:
فهو طرف في 90% من جميع معاملات الصرف الأجنبي العالمية، ويجري حوالي 60% من جميع المعاملات المالية عبر الحدود بالدولار.
وتتجلى مكانة الدولار الأمريكي بشكل أوضح عند النظر إلى توزيع أحتياطيات النقد الأجنبي التي تحتفظ بها البنوك المركزية حول العالم ككنز أستراتيجي:
حوالي 60% من هذه الاحتياطيات تتكوّن من الدولار، بينما يحتل اليورو المرتبة الثانية بفارق كبير بنسبة 20%.
أما عملات بقية الدول، فلا تكاد تلعب أي دور يُذكر.
هذا يعني أن معظم دول العالم مضطرة إلى الاحتفاظ بثروة وطنية بالدولار، وعليها أن تكسب الدولار عبر التصدير أو أن تستدين الدولار لكي تتمكن من دفع ثمن وارداتها أو الاستثمار خارج حدودها.
أما الولايات المتحدة، فهي الدولة الوحيدة التي بالكاد تحتاج إلى إحتياطيات من العملات الأجنبية، لأنها تنتج بنفسها العملة المعترف بها عالمياً.
وبهذه العملة تستطيع أن تشتري وتستثمر في جميع أنحاء العالم، وأن تستدين وتقرض بها، لأن الدولار مطلوب في كل مكان.
لماذا يُعتبر الدولار عملة العالم؟
إن أساس مكانة الدولار لا يقوم على إتفاقية دولية أو نظام قسري، بل على موقع الولايات المتحدة في العالم.
قبل نحو مئة عام ــ ورسمياً بعد نهاية الحرب العالمية الثانيةــ أطاح الدولار بعملة بريطانيا، الخاسر الاقتصادي للحرب، ليصبح عملة العالم.
في ذلك الوقت، كانت الولايات المتحدة بلا منازع القوة الاقتصادية الأولى: كانت تمتلك أكبر أحتياطي من الذهب في العالم، وكانت معظم دول العالم مَدينة لها، وكانت شركاتها تحدد معايير الإنتاجية عالمياً، فيما كان جيشها متفوقاً إلى حد كبير.
أما الاقتصادات الأخرى، وبالتالي عملاتها، فكانت مُنهكة أو حتى غير صالحة.
وفي هذا الوضع، أسست الولايات المتحدة نظاماً جديداً للاقتصاد والمال العالمي، وفرضت خفض الرسوم الجمركية وإنشاء سوق عالمية حرة، حيث كان على الدول الأخرى أن تكسب الدولارات كي تعود قادرة على الدفع.
اليوم، لم تعد الولايات المتحدة تتمتع بذلك التفوق المطلق، فقد لحقت بها قوى أقتصادية أخرى مثل اليابان والصين والاتحاد الأوروبي.
ومع ذلك، لا يزال الدولار هو المعيار الرئيسي. ويعود ذلك من جهة إلى التفوق النسبي الذي لا تزال الولايات المتحدة تحتفظ به، ومن جهة أخرى إلى أن الدولار أصبح جزءاً لا يتجزأ من النشاط الاقتصادي العالمي، فهو يُكتسب ويُستثمر ويُراكم حتى خارج حدود الولايات المتحدة.
فعلى سبيل المثال، يتم تسوية الجزء الأكبر من تجارة السلع الأساسية العالمية بالدولار.
هذا يعني أن قوة الدولار الأمريكي لم تعد تعتمد فقط على القوة الاقتصادية للولايات المتحدة نفسها،بل أصبحت تستند أيضاً إلى القوة الاقتصادية لجزء كبير من العالم بأسره.
ولهذا السبب يُعتبر الدولار آمناً حتى عندما تنشأ الأزمات العالمية من الولايات المتحدة نفسها.
ويتساءل محلل العملات أولريش لويختمن من بنك( Commerzbank )«لماذا هذا الإصرار على هيمنة الدولار؟» ويجيب: «أعتقد أن الإجابة بسيطة جداً، الدولار هو العملة المهيمنة لأنه كان دائماً كذلك.»
لكنه يضيف قائلاً: «مع ذلك، مجرد أن شيئاً كان دائماً على هذا النحو لا يعني بالضرورة أنه سيبقى كذلك إلى الأبد.»
أساس القوة الرأسمالية العالمية للولايات المتحدة.
إن القوة السياسية والاقتصادية للولايات المتحدة لا تبرر فقط مكانة الدولار،بل إن هذه المكانة تعيد بدورها إنتاج هذه القوة.
فمن ناحية، يمنح الدولار الولايات المتحدة القدرة على الشراء عالمياً بعملتها الخاصة،
وبالتالي تمويل فوائضها من الواردات التي كثيراً ما اشتكى منها ترامب،مما يعني أنها تستحوذ على الثروة المنتجة عالمياً.
ولكن الأهم من ذلك أن الدولار، كعملة عالمية و"ملاذ آمن" للمستثمرين من جميع أنحاء العالم،يجعل من الولايات المتحدة المركز المالي العالمي،أي "مصرفي العالم" الذي يقترض ويُقرض عبر الحدود.
تتدفق أموال العالم أيضاً إلى أسواق رأس المال الأمريكية، حيث يتم تمويل أفكار الأعمال وتكوين الشركات الكبرى مثل تيسلا وألفابت ونفيديا. من بين السندات التي أصدرتها الشركات عالمياً للحصول على تمويل، يأتي 30% منها من الولايات المتحدة. وبالتالي، فإن الولايات المتحدة تتمتع بمليارات الدولارات لدعم الابتكارات التكنولوجية – ويعتمد تفوقها التكنولوجي أيضاً على جاذبية أسواقها المالية وبالتالي على جاذبية عملتها. وقد تجلى مدى إرتباط رأس المال الاستثماري العالمي بالولايات المتحدة في الأزمة المالية الكبرى التي أندلعت في عام 2008: فعندما أنهارت أسواق العقارات الأمريكية، تكبدت المؤسسات المالية من أوروبا إلى آسيا خسائر ضخمة.
الدولار كأساس للسوق المالي الضخم في الولايات المتحدة لا يضمن فقط للشركات والبنوك الأمريكية ائتماناً شبه غير محدود. بل أيضاً تستخدم الحكومة الأمريكية ما أطلق عليه الرئيس الفرنسي الأسبق فاليري ديستان "الامتياز الفاحش" للولايات المتحدة. فالسندات الأمريكية هي في النهاية الملاذ الآمن في عالم البورصات، مما يتيح للحكومة الأمريكية تمويل عجزها بأسعار فائدة منخفضة، بما في ذلك لتطوير الأسلحة. وهذه العجوزات ليست قليلة: وفقاً للتقديرات الرسمية، من المحتمل أن تصل الديون الأمريكية هذا العام إلى 100% من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، وفي غضون 30 عاماً قد يصل معدل الدين إلى 200%.
تتدفق الأموال من جميع أنحاء العالم إلى الولايات المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، يقوم النظام المالي الأمريكي بخلق المزيد من المليارات من قروض الدولار التي لا تُستثمر فقط في الولايات المتحدة، بل في جميع أنحاء العالم. وهذا يجعل "الولايات المتحدة بمثابة ممول رأس المال المخاطر للعالم أجمع وأهم مُقرض عالمي"، وفقًا لدراسة من "مدرسة باريس للاقتصاد". "إنها تستقطب رأس المال، وتدفع لدائنيها فائدة منخفضة، وتستثمر هذه التدفقات في أعمال أكثر ربحية في جميع أنحاء العالم." هذا الامتياز مربح للغاية. في عام 2023 وحده، حققت الشركات الأمريكية من استثماراتها العالمية حوالي 580 مليار دولار من الإيرادات وحققت عائد أستثمار بنسبة 9%.
تستغل واشنطن قوة الدولار كأداة سياسية أيضاً: من خلال العقوبات المالية، تقوم بإبعاد دول مثل روسيا أو إيران عن سوق رأس المال الأمريكي، وبالتالي عن أجزاء كبيرة من السوق المالي العالمي. في نفس الوقت، تهدد واشنطن الدول التي لا تلتزم بعقوباتها بما يُعرف بالعقوبات الثانوية. كما تشرح "Commerzbank": "بما أن الدولار هو أداة المعاملات الدولية السائدة، فإن الولايات المتحدة قادرة على فرض سياستها العقابية على المستوى الدولي". في حالة روسيا، تم مصادرة احتياطي العملة الأجنبية للبنك المركزي الروسي بعد الهجوم على أوكرانيا. وبذلك، أوضحت واشنطن أن الدولارات التي يتم تخزينها عالمياً هي في النهاية مجرد مطالب قانونية لدى الولايات المتحدة، التي تظل صالحة فقط طالما أن واشنطن تسمح بذلك.
كيف يُعرض ترامب الدولار الى الخطر؟
الولايات المتحدة تستخدم بشكل مكثف وضع الدولار كعملة عالمية - لكنها في الوقت نفسه تُعرض هذا الوضع للخطر من خلال الديون المرتفعة تجاه الخارج. هذه الديون تنمو جزئياً بسبب أن الولايات المتحدة تواصل منذ عقود إنفاق المزيد على الواردات مقارنة بما تكسبه من الصادرات. وهنا يأتي دور الرئيس الأمريكي ترامب: من خلال فرض التعريفات الكمركية، يهدف إلى الحد من الواردات. بالإضافة إلى ذلك، يعتزم ترامب تخفيض قيمة الدولار لتحفيز الصادرات الأمريكية وبالتالي القضاء على العجز التجاري.
هذه الاستراتيجية أدت في الأسابيع الأخيرة إلى تراجع قيمة الدولار في الأسواق العالمية. فهذه الاستراتيجية مليئة بالتناقضات: فبينما لا تؤدي التعريفات الجمركية فقط إلى تقليص الواردات، فإنها تضر أيضاً بالاقتصاد الأمريكي نفسه، حيث يتم تعديل التوقعات الاقتصادية للنمو بشكل كبير إلى الأسفل. أما فيما يتعلق بالنمو، فإن ترامب يخطط لتعزيزه من خلال زيادة الديون الحكومية، وهو ما يضغط على تصنيف الائتمان للولايات المتحدة، ويرتفع بالفائدة، مما يساهم في إضعاف الدولار أيضاً.
إن السعي من قبل ترامب لإضعاف قيمة الدولار قد يعزز الصادرات الأمريكية، ولكن في الوقت نفسه يضر بجاذبية الدولار للمستثمرين العالميين في وقت تحتاج فيه الولايات المتحدة إلى تدفق رأس المال وولاء المستثمرين الأجانب. حيث يحتفظ الأجانب بأسهم أمريكية بقيمة تقارب 20 تريليون دولار، وسندات الخزانة الأمريكية بأكثر من 7 تريليونات دولار، وسندات الشركات الأمريكية بما يزيد عن 5 تريليونات دولار. وبالنتيجة الصافية، أي بعد خصم مطالبات الولايات المتحدة من الخارج، فإن الولايات المتحدة مدانة بمبلغ 24 تريليون دولار تجاه العناوين الأجنبية. "إذا اهتزت الثقة في الولايات المتحدة من قبل الدول الأخرى، فقد تنهار الطلبات على الأصول الأمريكية"، كما يحذر المعهد الدولي للتمويل (IIF). وهناك بعض العلامات الأولى على ذلك. ففي الأسابيع الأخيرة، شهدت أسواق المال العالمية تراجعاً، وكان من المفاجئ أن السندات الأمريكية والدولار لم يُعتبروا ملاذات آمنة كما هو معتاد، كما تقول تريسي مانزي من شركة إدارة الأصول "رايموند جيمس".
أيضاً من الناحية الجيوسياسية، هناك تحركات للابتعاد عن الدولار. تسعى الدول إلى التحرر من المال الأمريكي والقوة التي تقف وراءه – وأيضاً لأن العقوبات المالية التي تفرضها واشنطن على العالم تظهر أن من الخطر الاحتفاظ بثرواتك في عملة الدولة العظمى. لذلك، قامت روسيا بتصفية احتياطياتها من الدولار. في جنوب شرق آسيا، تتشكل منطقة رنمينبي لا تعتمد على الدولار. مجموعة بريكس – البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب أفريقيا – تسعى للتحرر من المال الأمريكي. كما تسائل الرئيس البرازيلي لولا في عام 2023: "لماذا لا يمكننا التجارة استناداً إلى عملاتنا الخاصة؟" كما يبقى اليورو مشروعاً تنافسياً: "إن التحول المفاجئ للولايات المتحدة نحو الحماية التجارية يقدم فرصة لتعزيز الدور الدولي لليورو كعملة احتياطية عالمية ودور الاستثمارات باليورو كملاذ جذاب"، وفقاً لمركز الأبحاث بروغيل في بروكسل. "يجب على الاتحاد الأوروبي التفكير أستراتيجياً وإغتنام الفرصة لسد الفجوة التي خلقها ترامب".
وبذلك، تُعزز كل من الصين وأوروبا تنافسهما مع الدولار، الذي يستمد مكانته من عدم وجود منافس حقيقي له. وقال ينس فايدمان، رئيس مجلس إدارة Commerzbank، "إن الهيكل الجيوسياسي يُعاد ترتيبه أمام أعيننا". وأضاف: "قد لا يكون الامتياز الاستثنائي للولايات المتحدة محفوراً في الحجر". لكن الولايات المتحدة لن تقبل فقدان هذا الامتياز. فهم يعرفون أن قوتهم العالمية مرتبطة بالدولار، وأن الدولار مرتبط بمدى قوتهم العالمية. فالعملة التي لا يسيطر مُصدِّرها على العالم لا يمكن أن تظل عملة أحتياطية عالمية.
نظام عملات متعدد الأقطاب؟
في الأيام الأخيرة، بدأت الأمور في أسواق المال تهدأ بعض الشئ. لقد تراجع ترامب عن مواقفه وطرح تخفيضات في الرسوم الكمركية للدول التي يمكنه التوصل إلى إتفاق معها. هذا ساعد في رفع سعر الدولار قليلاً. حتى الآن، يبدو أن الهيمنة العالمية للدولار ما زالت قائمة. فالولايات المتحدة تظل القوة العسكرية والمالية الأقوى، بالإضافة إلى إقتصادها الضخم. والأهم من ذلك، أنه لا يوجد بديل واقعي للدولار، فالمنافسين مثل اليورو والين والرنمينبي صغار جداً، وأسواقهم المالية لا تستطيع إستيعاب التريليونات من الاستثمارات العالمية.
بدلاً من إستبدال الدولار، قد يكون من الممكن تصور نظام عملات عالمي يتمتع فيه عدة عملات بوضع العملة القيادية الإقليمية. لكن هذا السيناريو سيكون بعيداً عن أن يكون ترتيباً مستقراً. أولاً، فإن فقدان الدولار لمكانته من شأنه أن يضر بشكل كبير بجدارة الولايات المتحدة الائتمانية، مما قد يؤدي إلى إنخفاض هائل في قيمة التريليونات من الدولارات المنتشرة في جميع أنحاء العالم. ستكون الولايات المتحدة مجبرة على فرض تدابير تقشفية صارمة، وسيشعر بقية العالم بأن جزءاً كبيراً من ثروته المالية يتكون من ديون الولايات المتحدة، أي من مطالبات تجاهها. ثانياً، سيفقد العالم الرأسمالي آخر وأهم مقياس للقيم، مما سيؤدي إلى حالة من عدم اليقين الدائم بشأن ما هو قيمة أي مبلغ من المال. سيكون "الملاذ الآمن" في حالة من الخراب.
مع تآكل الدولار، ستنهار أيضاً شبكة الأمان التي كانت تدعم سوق المال العالمي حتى الآن. الولايات المتحدة هي أكبر مُقرض لصندوق النقد الدولي (IMF)، الذي يمنع الأزمات المالية الكبرى من خلال قروضه. حالياً، يعتمد حوالي 95 دولة على دعم صندوق النقد الدولي، الذي يقدم لهم 165 مليار دولار. وبنفس الدور الوظيفي، هناك خطوط إئتمان بالدولار يقدمها الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي للبنوك المركزية في دول أخرى للحفاظ على السيولة العالمية. في الأزمة المالية الكبرى عام 2008، منع الاحتياطي الفيدرالي انهياراً عالمياً من خلال توفير حوالي 600 مليار دولار لأوروبا واليابان. وفي أزمة كورونا، كان المبلغ حوالي 400 مليار دولار. "فقط التفكير في أن الاحتياطي الفيدرالي قد يظهر بعض التردد في إستخدام خطوط الائتمان هذه في الأزمة القادمة، يجعل الاضطرابات التي شهدناها في الأسابيع الماضية تبدو وكأنها نزهة هادئة في الحديقة"، كما قال الاقتصادي اليوناني يانيس فاروفاكيس.
الولايات المتحدة بحاجة إلى الدولار، والعالم بحاجة إليه أيضاً. بدون ملاذ آمن، يبحر رأس المال المالي العالمي بلا وطن في البحر الواسع. قد تقدم النظام العالمي المتعدد الأقطاب، من الناحية النظرية، عدة موانئ. لكن ما الفائدة للمستثمرين العالميين إذا كانت هذه الموانئ في حالة حرب مع بعضها البعض؟ لأن هذا سيصبح أكثر احتمالاً كلما تآكلت مكانة الدولار كعملة احتياطية عالمية. أسئلة المال هي أسئلة عن العنف، وأسئلة المال العالمية هي أسئلة عن العنف العالمي. حتى لاستبدال الجنيه الاسترليني بالدولار الأمريكي، كان من الضروري خوض حربين عالميتين.

ستيفان كاوفمان: هو صحفي أقتصادي ألماني ومؤلف كتب. يعمل كصحفي في المجال الإقتصادي ويكتب لعدة صحف ألمانية.



#حازم_كويي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أميركا أولاً،مهما كان الثمن،إلى أين؟
- إلى أين يتجه اليسار الجديد؟
- ترامب وأزمة المناخ
- مقارنات الحقبة النازية وإستمراريتها
- أميركا تستعد لتأثيرات ترامب في فترة رئاسته الثانية
- دكتاتورية الليبراليون الجُدد
- الرجعيات العالمية والشبكات اليمينية في أنحاء العالم
- كيف سيتصدى حزب اليسار الألماني أمام صعود اليمين المتطرف
- البدايات الأولى للتيارات الاشتراكية اليابانية
- عودة حزب اليسار الألماني
- تزايد المشاكل التي تواجه جورجيا ميلوني
- هل هذه هي الفاشية الآن؟
- اليسار يواجه ثورة ثقافية حقيقية
- رياح منعشة تهب داخل حزب اليسار الألماني
- -الاتحاد الأوروبي يواجه الإنكسار-
- الأثرياء في ألمانيا لا يخلقون الثروة بل يستنزفوها
- خمس عواقب لسياسة الرسوم الجمركية التي ينتهجها دونالد ترامب ع ...
- إجراءات ترامب بقطع مساعدات التنمية
- العقل المدبر للذكاء الاصطناعي في الصين
- قوة ترامب مبنية على الرمال


المزيد.....




- ما أهداف إسرائيل في سوريا؟ وما خيارات الشرع للرد؟
- الإمارات تدين الغارات الإسرائيلية الأخيرة على سوريا
- نتنياهو يشن هجوما مفاجئا و-ناريا- على قطر ويدعوها للتوقف عن ...
- ألدريتش أميس: قصة أخطر عميل مزدوج في تاريخ الولايات المتحدة ...
- مقتل جندييْن إسرائيليين وإصابة أربعة آخرين في انفجار داخل نف ...
- جريمة عائلية مروّعة تهزّ مصر.. شاب يذبح شقيقته بسبب خلافات أ ...
- ساحات اللعب ليست حكرا على البشر.. 3 دببة تستولي على أرجوحة ل ...
- مصر.. تلوث بترولي مجهول المصدر في البحر الأحمر
- مساع أوروبية لاحتواء الرسوم الأمريكية
- تقارير عن حريق ضخم قرب محطة للطاقة بمدينة كراج الإيرانية (في ...


المزيد.....

- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حازم كويي - كيف يُعرض ترامب الدولار للخطر؟