حازم كويي
الحوار المتمدن-العدد: 8350 - 2025 / 5 / 22 - 13:55
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
"لا يمكننا أن نتحمل المزيد من النمو"
ترجمة وإعداد:حازم كويي
يرى الفيلسوف الياباني كوهي سايتو أن العالم على وشك الانهيار المناخي، وإن الشيوعية هي وحدها القادرة على الحد من النمو السلبي والتي تؤدي الى عصر افضل.
في محاضرته التي ألقاها منتصف شهر مارس/آذار هذا العام في مركز هامبورغ مع مجموعة من العلماء لمستقبل الاستدامة التابع لمؤسسة الأبحاث الألمانية لمناقشة التخطيط الحكومي ومرحلة ما بعد النمو.
وبينما كان الفيلسوف الياباني سايتو يلقي محاضرته، ساد جو من الكآبة بين الحضور. يتساءل سايتو كيف يمكن تصور الاقتصاد والتحرر في مواجهة إنهيار المناخ. وهو يتبع بذلك أفكار كتابه الناجح للغاية" إنتصار الطبيعة على الرأسمالية" الصادر عام 2023.
يقول سايتو: حين نُشر كتابي "أنهيار النظام" في اليابان عام 2020. في ذلك الوقت، كانت هناك حركة عالمية من أجل العدالة المناخية. لقد كنت متحمساً لأننا البشر ربما نستطيع أن نتعلم ونبني عالماً جديداً معاً. ومع إنتشار وباء الكورونا، إشتدت الصراعات.
العالم منقسم بشكل كبير، حيث تحتكر الدول الغنية اللقاحات وتستمر في إستغلال الموارد الطبيعية. اليوم لدينا إنقسام أعمق بين الشمال والجنوب العالمي، وعلينا أن نعترف بأننا أضعنا فرصتنا الأخيرة. نحن نتجه نحو أزمة عالمية مُتفاقمة باستمرار.
والآن لا زلت معتقداً أن النمو السلبي ضروري. إنها حقيقة فيزيائية حيوية، أن مواردنا محدودة، وعالمنا محدود. إن المسار الرأسمالي المتمثل في النمو والتراكم المستمر لا يتوافق مع هذا. لا يمكننا أن نتحمل المزيد من النمو.
ولكن من خلال ردود الفعل أصبح واضحاً لي أنني لم أهتم بشكل كافٍ بدور الدولة. هذا ما أعمل عليه الآن. ومن الضروري إحياء مفهوم الشيوعية المُكافحة، الذي طوره أيضاً الماركسي السويدي أندرياس مالم.
والهدف هنا ليس التركيز على الأبعاد السوفييتية، بل التأكيد على أهمية الدولة كآلية تخطيط للتحول. قد يبدو مصطلح إقتصاد الحرب مصطلحاً عسكرياً، لكنه في جوهره شكل من أشكال التنظيم.
إنهيار المناخ يُجبرنا على التخلي عن ما نعتبره "عملاً كالمعتاد". إذا جرى الإستمرارعلى هذا المنوال، فسوف يعني ذلك قدراً أقل من الحرية ومزيداً من الفوضى. النمو ليس سيناريو قابلا للتطبيق.
وسيكون دور الدولة مُكمل للحركات الشعبية التي وصفتُها في كتاب " أنهيار النظام ". التحول من الأعلى إلى الأسفل: التخطيط، والتنظيم، والتعاون مع المؤسسات التجارية، والتخصيص والتركيز على السلع الأساسية. وستظل الشركات الخاصة موجودة، ويجب على الدولة توفير السلع والخدمات الحيوية.
نحن نتحدث عن الخدمات الأساسية والبنية التحتية الشاملة. ولتكملة بعض السلع والخدمات، يمكن للحكومة إجراء تخطيط إرشادي: تشجيع الشركات أو توجيهها لإنتاج المزيد من المركبات الكهربائية والألواح الشمسية.
والأمر يتعلق أكثر بإعادة تعريف الحرية. علينا أن نفترض إنهيار المناخ. وبعد ذلك سوف نفقد ذلك النوع من الحرية التي نعتبرها أمراً مسلماً به اليوم في ظل الرأسمالية. يشير أحد المفاهيم المركزية للنمو السلبي إلى حرية أخرى: فهو لا يتعلق باستهلاك المزيد وإنتاج المزيد. وهذا ليس نموذجاً للحرية أو التحرر.
يبدو لي أن إعادة النظر الجذرية في مفهوم الحرية هي الشرط الأول للتحول. وهذا ما نحتاجه، بعيداً عن تعظيم تراكم رأس المال ونحو نظام يختار شيئاً مهمشاً في الرأسمالية. قد يكون ذلك من أجل الترفيه، أو الرعاية، أو الطبيعة، أو المجتمع.
يتعين علينا أن نتحرك نحو شكل من أشكال الاكتفاء الذاتي الذي يخلق مجالاً أكبر للمناورة داخل الحدود الكوكبية. وهذا لا يعني نفي قدرتنا على إتخاذ القرارات. أرى لحظة الحرية في الاختيار بين الضروري وغير الضروري.
اليوم، مجرد إتباع الميول الذاتية يعني إضفاء الشرعية على المزيد من الاستهلاك. يمكننا شراء أشياء جديدة. إنه مُمتع. وهذا، بطبيعة الحال، شكل من أشكال الحرية. ولكن ليس له مستقبل. أو ربما واحدة ستنتهي بالهمجية. لذا، إذا كان علينا أن نُخطط ونقيد وننظم، فإن كل هذا يبدو وكأنه إنكار سلطوي للحرية.
ولكن هناك أمثلة كافية في التاريخ نتعلم منها، أن التنظيم والتقييد كانا يعتبران بمثابة الحرية. وعدم اتباع غرائزه الحيوانية. إذا كنت تتعرف على هذا التعريف الفلسفي لماهية الحرية في تقاليد التنوير، فلن يكون عليك في الواقع أن تخاف من القيود واللوائح.
بالنسبة لغالبية الناس، فإن إستمرار الرأسمالية اليوم يعني فقدان السكن والوظائف - سيكون هناك عدد أقل من كل الأشياء الجيدة التي يتمتع بها الناس. كثير من الناس يخطئون في فهم المشكلة وأسبابها. إنهم يعتقدون أن انخفاض النمو يعني المزيد من انعدام الأمن والفقر.
لكن في الواقع، نحن نشهد المزيد من عدم اليقين، والمزيد من الخسائر، والمزيد من عدم الاستقرار بسبب الرأسمالية اليوم. لأنه يفتح سوق الإسكان أمام المضاربة المالية، ويهدد الوظائف، ويخلق الاختناقات.
الوباء القادم قد يكون أكثر ديمومة. سوف نشهد المزيد من الكوارث الطبيعية وسيكون لدينا كميات أقل من المياه. سترتفع أسعار المواد الغذائية والطاقة، كما سترتفع معدلات التضخم. وهذا يعني أننا سنكون قادرين على إستهلاك أقل. وهذا يخلق الفرص. وسوف يدرك الناس أننا يجب أن نتخلى عن الاستهلاك. وقد يؤدي هذا إلى تغيير حياتنا ويكون له تأثير إيجابي على صحتنا. على سبيل المثال، كوننا حالياً نتناول كميات كبيرة من اللحوم والوجبات السريعة.
ومع ذلك، فبدون التنظيم، سوف يستمر الأثرياء على وجه الخصوص في العيش ببساطة. ومن شأن هذا أن يؤدي إلى إثارة مشاعر الظلم وعدم التناسب في توزيع عبء آثار تغيرذلك.
المصطلحات إشكالية، وأنا على علم بها. أنا أقوم حالياً بالبحث في الأسس المنهجية. نقطتي الرئيسية هي الاعتراف بأن الرأسمالية تخلق الندرة، وأن التباطؤ يخلق المزيد من الأمن. ولن ينجح التحول من خلال الجماعات والمجموعات الشعبية وحدها. وسيكون من المهم للدولة أن تنظم السكن والغذاء والتنقل باعتبارها سلعاً مشتركة أساسية غير تجارية.
ولا يمكنه أن يفعل ذلك إلا إذا أجبر على ذلك تحت ضغط سياسي. علينا أن ندرك أن مصالح رأس المال لا تتطابق بالضرورة مع مصالح غالبية الناس. ما أود توضيحه كخطوة أولى هو شئ بسيط للغاية: الرأسمالية هي المشكلة الأساسية، وليس النمو السلبي.المناخ يزيد من الإحترار.
عندما نأخذ البيئة في الاعتبار، تصبح الأمور أكثر تعقيداً إلى حد كبير. كنت أؤيد الصفقة الخضراء الجديدة لأنني كنت أعتقد أنه من الممكن أن تتمكن دولة الرفاهية من تنفيذ سياسات خضراء أفضل، مما يتيح المزيد من الوظائف والأمن الأعظم وإزالة الكربون بشكل عام.
القضايا البيئية أكثر تعقيداً بكثير. ونحن نعلم أن الرأسمالية الخضراء لا تستطيع فصل الانبعاثات عن نمو الناتج المحلي الإجمالي بالسرعة الكافية. ويجب على الجميع أن يدركوا أن الاستهلاك المفرط في الشمال العالمي هو المشكلة. من الواضح أن الصعوبة التي تواجه الرأسمالية الخضراء تكمن في أنها ببساطة غير جذابة عندما نقول للناس: "لا تأكلوا الكثير من اللحوم، ولا تسافروا بالطائرات كثيراً".
إنشاءالسلوك الجديد والتوجه نحو الطبيعة وترفيه المجتمع لا يمكن تحقيقه إلا من خلال التعاون،نحن نحتاج أولاً إلى بناء المجتمع المدني، مع شبكات على المستوى المحلي. هناك يمكنك أن تشعر وتختبر أن البضائع والمال ليسا كل شئ. هناك يمكنك أن تجد طرقاً للعيش بشكل مختلف من خلال بناء شعور بالاستقرار والتضامن مع الأشخاص الذين تحبهم،والذين يشاركونك نفس القيم. وتطوير قيم جديدة.
بدون هذه الحركة من الأسفل إلى الأعلى، فإن الحركة من الأعلى إلى الأسفل تكون بكل بساطة مستحيلة. ولكن هذا ضروري أيضاً. إن حالة الطوارئ المناخية المتزايدة سوف تتطلب بسرعة شكلاً مختلفاً تماماً من النشاط الاقتصادي. وهنا يأتي دور الدولة.
#حازم_كويي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟