أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حازم كويي - الرأسمالية تتغير – لكنها لا تتحول إلى -إقطاعية جديدة-















المزيد.....

الرأسمالية تتغير – لكنها لا تتحول إلى -إقطاعية جديدة-


حازم كويي

الحوار المتمدن-العدد: 8364 - 2025 / 6 / 5 - 18:11
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


ديفيد أديدسون*
ميرل آيزنبرغ*
ترجمة: حازم كويي

يجادل بعض الكُتاب اليساريين بأن تركُّز السلطة في أيدي "أمراء التكنولوجيا" يُشير إلى انتقال نحو ما يسمّى بـ"الإقطاعية الجديدة". لكن ما نعيشه في الحقيقة ليس تجاوزًا للرأسمالية، بل بالأحرى تحوّلًا داخلها.
النخبة التقنية التي تم وضعها بشكل استراتيجي حول دونالد ترامب خلال حفل تنصيبه في 20 يناير من هذا العام كانت بمثابة "من هو مَن" في الأوليغارشية الأميركية. من جيف بيزوس إلى مارك زوكربيرغ، جاء كبار قادة قطاع التكنولوجيا في الولايات المتحدة ليكرّموا الحاكم الجديد.
كان الجو مُشبعاً برائحة الدسائس في البلاط: فقد تكهّن الصحفيون بشأن حفل المراسيم، وحللوا ما إذا كان ترتيب أماكن جلوس "أمراء التكنولوجيا" أو كيفيته يعكس مكانتهم ونفوذهم لدى الإدارة الجديدة. ربما لم تُرَ هرمية المجتمع الأميركي بهذا الوضوح من قبل.
كان تنصيب دونالد ترامب بالتأكيد أوضح تجسيد لتزايد النفوذ السياسي لأباطرة التكنولوجيا أصحاب المليارات. خلال السنوات الماضية، لجأ المعلقون والكاتبات إلى استخدام مصطلحات مثل "الإقطاعية التكنولوجية" أو "الإقطاعية الجديدة" لشرح هذا التطور. لكن في نهاية المطاف، تسهم هذه المفاهيم في خلق مزيد من الالتباس بدلاً من تقديم الوضوح في النقاش حول الشكل الذي ستتخذه الرأسمالية في المستقبل.

نظرة إلى الوراء
تركز هذه النظريات حول أشكال الإقطاع الجديدة المزعومة على الماضي لصياغة صورة عن المستقبل، لكنها تفعل ذلك بطريقة متناقضة وتعتمد على تصورات مختلفة جداً عن الماضي في العصور الوسطى. بالنسبة لبعض مؤيدي فكرة "الإقطاعية الجديدة"، مثل كاترين ڤي. دبليو. ستون وروبرت كوتنر، فإن التغيير المركزي هو قانوني بالدرجة الأولى: حيث يذكر ستون وكوتنر بأوقاتٍ تراجعت فيها الهياكل القضائية للإمبراطورية الرومانية لصالح نظام قانوني أكثر تجزؤاً وخاصية في بدايات العصور الوسطى.
ويتابعان بالقول إن المجتمع المعاصر يشهد أيضاً فساداً في نظام العدالة العامة لصالح مصالح رأس المال الخاص، ويتجلى ذلك مثلاً في عمليات التحكيم التي تتم عبر محاكم خاصة غير حكومية، أو في اختراق المؤسسات التنظيمية الحكومية من قبل قطاع الأعمال. ومن هذا المنظور، يمكن اعتبار الخصخصة المتزايدة انحرافاً عن نموذج رأسمالي كان مشروعاً ومفيداً في السابق، وكان يستند إلى وجود مجال عام قوي.
أما ديان ((Dean، فهي تفهم "الإقطاعية الجديدة" بوصفها ظاهرة اقتصادية في جوهرها. إذ ترى أن هناك تحولاً في طريقة الإنتاج في مجتمعنا المعاصر. وكما يرى فاروفاكيس، تشير ديان إلى ابتعاد رؤساء الشركات مثل زوكربيرغ وبيزوس عن مبادئ المنافسة وتعظيم الأرباح، وتركّزهم بدلاً من ذلك على إقامة احتكارات واستخراج الأرباح من خلالها على شكل "ريع". هذا الوضع، بحسب التشبيه، يعكس مصير الفلاحين والفلاحات في العصور الوسطى، الذين كانوا مُجبرين على دفع إيجارات للأسياد الإقطاعيين "الاحتكاريين" الذين كانوا يعلونهُم مكانة.
ورغم أن ديان تستشهد بكاترين ستون وروبرت كوتنر بشكل إيجابي، فإن فهمهم للإقطاع التاريخي وتشخيصهم لواقع اليوم يختلفان فعلياً عن تصور ديان.

ما هو الإقطاع؟
يتبيّن إذن أن معنى واستخدام مصطلح "الإقطاع" في هذا النقاش ليس واضحاً أو موحداً. فقد قام المؤرخون بتعريف الإقطاع بثلاثة أشكال رئيسية، غير أنها غير متوافقة فيما بينها لأغراض التحليل. وغالباً ما يخلط الكتّاب المعاصرون بين هذه التعريفات.
التعريف الأول للإقطاع ينتشر بشكل رئيسي في التصورات التاريخية الشائعة. ووفقاً له، كان الإقطاع عالماً من التسلسلات الهرمية الجامدة، يتجلى في صورة "هرم إقطاعي". هذا التصور يعد جزءاً ثابتاً من المناهج المدرسية، ونتائج بحث سريع على غوغل، أو من المعلومات السطحية التي ينشرها الذكاء الاصطناعي.
يقدّم هذا التصور الهرمي للإقطاع صورة نظام اجتماعي منسجم داخلياً، يمنح فيه الملوك الأراضي للنبلاء مقابل الولاء والخدمة العسكرية. وفي أسفل الهرم، يعمل الفلاحون على زراعة الغذاء مقابل حصولهم على "الحماية" من أسيادهم الإقطاعيين.
يتميّز هذا التعريف بطابعٍ "زمني شامل" (كونه يُفترض أنه استمر لأكثر من ألف عام) وبطابعٍ جامد (إذ يُعتقد أنه لم يكن بوسع أحد تقريباً الخروج من هذا النظام الهرمي الصارم). وهذا هو النظام الاجتماعي الذي يتبادر إلى أذهان معظم الناس غير المتخصصين في دراسة العصور الوسطى عند مقارنتهم بين الحاضر والماضي.
يكره الباحثون في تاريخ العصور الوسطى هذا التصور الشائع عن الإقطاع. فعلى مدى الخمسين عاماً الماضية، وأنتقد المؤرخون هذا التصور واعتبروه تبسيطياً ومجرداً من التفكير النقدي، خصوصاً أنه يتجاهل الديناميكية الحقيقية التي اتسمت بها تلك الحقبة من تاريخ البشرية. ومهما حاولت مسلسلات مثل "صراع العروش" أو مقدمتها "بيت التنين" أن توحي به، فإن المجتمع لم يكن جامداً طوال قرون دون تغيّر في البنية الطبقية – ما لم نُدرج التنانين كطبقة اجتماعية!
وعلاوة على ذلك، لم يظهر مصطلح "الإقطاع" نفسه إلا بعد نهاية العصور الوسطى. فمنذ سبعينيات القرن العشرين، يميل المؤرخون الناطقون بالإنكليزية إلى تجنّب استخدام مصطلح "feudalism" أو "feudal system" تماماً. ويشير بعضهم إلى هذا المفهوم مازحين على أنه "كلمة الـ F الشريرة".
وهذا يقودنا إلى المفهوم الثاني – الأكثر تحديداً – للإقطاع. ووفقاً له، فإن الإقطاع هو مفهوم قانوني يعبّر عن العلاقات المتبادلة بين الحاكم والنخب التابعة له (والتي غالباً ما تُدعى "التابعين"). فقد كان الحاكم يمنح أحد هؤلاء التابعين قطعة أرض، يمكن للأخير أن يستفيد منها مادياً. وفي المقابل، يُقدِّم التابع وعداً قانونياً للحاكم، يتوجب تجديده مع كل جيل جديد. وكان هذا الوعد يشمل عادةً تقديم خدمات عسكرية، أو دفع ضرائب، أو التزاماً بحقوق معيّنة لصالح الحاكم. كانت هذه العلاقة هي الصمغ الذي يربط النخبة الاجتماعية في تلك الفترة – ولم تكن تدور حول الفلاحين.
ويجد هذا المفهوم الثاني للإقطاع انعكاسه في التصويرات الفنية للعصور الوسطى، التي تُظهر الحاكم جالساً على العرش، وأمامه فرسان راكعون يقدّمون له وعد الولاء في إطار هذا "العقد" الإقطاعي.
كان هذا الإقطاع مرتبطاً بفترة زمنية محددة (تقريباً بين عامي 1100 و1400)، ومكان معين (أساساً في فرنسا وإنكلترا)، وفئة محددة من الأشخاص (النخب فقط في ذلك الوقت). لا يزال مؤرخو العصور الوسطى يستخدمون هذا المفهوم القانوني وهذا الفهم للإقطاع حتى اليوم. لكنه ليس الإقطاع الذي يُناقش اليوم في سياقات مختلفة. فهو محدود جداً، دقيق جداً، وبصراحة... ينتمي كثيراً إلى العصور الوسطى.
صحيح أن قوته الرمزية لا تزال حاضرة في تعابير مجازية مثل "دول التبعية" أو "الخضوع" لدول قوية، لكن هذه المصطلحات تُستخدم كاستعارات مجازية، لا بالمعنى الحرفي.

**الإنتاج الإقطاعي**
فهم ثالث للإقطاع يتمثل في *نمط الإنتاج الإقطاعي*، وهو صياغة ماركسية كلاسيكية للشروط الاقتصادية التي كانت تسود المجتمع آنذاك. كان ماركس نفسه قد شرح عدة أنماط للإنتاج، وقد طوّر المنظّرون المعاصرون أفكاره بطرق متعددة.يفترض العلماء الماركسيون أن نمط الإنتاج الإقطاعي تطوّر من نمط الإنتاج القائم على العبودية في العصور القديمة. فبدلاً من العبيد الذين كانوا مملوكين للسيد ويخضعون لسلطته المباشرة، كان الإقطاعيون يهيمنون على كتلة كبيرة من الفلاحين الذين كانوا شبه أحرار أو غير أحرار تماماً. كان هؤلاء الفلاحون ينتجون الغذاء على أراضٍ مستأجرة من قبل النخب، وكانت هذه النخب تحتفظ بجزء من الفائض لنفسها، وفي بعض الحالات كانت تطالب الفلاحين أيضاً بأداء أعمال إضافية.
في ظل هذا النظام، أستندت قوة النخبة إلى ملكية الأرض، وفي بعض الأحيان إلى استخدام العنف لمصادرة السلع المنتجة. وقد تنوعت وسائل الاستيلاء على هذه السلع، فقد تكون ضرائب أو إيجارات، أو وسائل قانونية تُستخدم لنزع المنتجات من منتجيها الأصليين. وللتمييز بين هذا النمط الإقطاعي للإنتاج والفهمين غير الماركسيين للإقطاع، أطلق مؤرخون مثل *جون هالدون* على الشكلين الأخيرين اسم *نمط الإنتاج الجبائي (أو الإتاوي*.)
لكن تبقى المشكلة الأساسية: رغم وجود تشابهات بين الأشكال الثلاثة للإقطاع، فإن غياب التمييز الدقيق بينها يجعل من السهل للغاية اقتطاف عناصر معينة من شكل أو اثنين أو حتى من الأشكال الثلاثة، لتشكيل مفهوم شمولي زائف للإقطاع وبناء صورة مثالية ومبسطة عن العصور الوسطى.
فعلى سبيل المثال، تستشهد *ديان* بممثلين عن التيارات الثلاثة لتدعيم أطروحتها: فـ*مارك بلوخ* و*جوزيف ستراير* يناقشان مجتمعاً إقطاعياً بالمعنى الأول، بينما تشير *سوزان رينولدز* إلى أن باحثي العصور الوسطى اختلفوا حول استخدام المصطلح (المعنى الثاني)، أما *بيري أندرسون*، فيُستند إليه – من بين آخرين – لمناقشة نمط الإنتاج الإقطاعي (المعنى الثالث).
عندما ندمج جميع هذه التيارات أو المفاهيم الثلاثة للمصطلح الأصلي للإقطاعية، بهدف رسم صورة لما يُسمى بـ«النيوأقطاعية»، فإننا نبتعد عن التعريفات المفاهيمية الدقيقة. وينشأ بذلك فهم عابر للتاريخ (أو بالأحرى غير تاريخي) يمكن تعديله دائماً حسب الغرض «الجديد» في كل مرة.
الإقطاعية في النقاشات المعاصرة
هذا الفهم العام للإقطاعية يشير إلى تراجع حديث وعودة إلى مجتمع أقل تطوراً يتسم بزيادة الفوارق وعدم المساواة، وقلة الحريات، وامتلاك أقل للأملاك من غير النخبة، وفرص أقل للصعود إلى طبقة النخبة. هذا الرأي حول التطورات الحالية يوجد في كل من الأيديولوجيات الماركسية (بوصفها تراجعاً من الرأسمالية إلى الإقطاعية) وكذلك في الانتقادات الليبرالية (بوصفها فشلاً لفكرة تقدمية تعثرت وتحولت إلى نقيضها). تبدو رؤانا المستقبلية، سواء كانت متأثرة بالاشتراكية أو بصورة أكثر ليونة من «التقدم»، بعيدة جداً في الأفق.
لكن قليل من التطورات الحالية يمكن ربطها بالضرورة بالإقطاعية. قد يعبر رجال التكنولوجيا عن ولائهم للرئيس ترامب أو لحكام آخرين من أجل دفع أهدافهم الرأسمالية بشكل واضح. وهذا قد يشمل خصخصة، ولكن – مرة أخرى – بشكل رأسمالي. هدفهم هو التسلل بأنفسهم وشركاتهم إلى مجالات عمل الدولة للتحكم في الطبقات الدنيا وفرض إرادتهم عليها.
تخيل مثلاً إيلون ماسك ووزارة كفاءة الحكومة (DOGE). هذه الوزارة تؤيد السيطرة الحكومية على أساس أيديولوجية رأسمالية: الكفاءة، القوة السوقية، والخصخصة هي شعارها، بغض النظر عن النتائج الفعلية التي يتم تحقيقها. لا تشبه تبريرات ماسك الأيديولوجية أو أهدافه المادية البحتة الإقطاعية كما يُفهمها المعاصرون، التي تتسم بهياكل طبقية جامدة، وأشكال طقسية للسلطة والنظام، وفهم مُبهم على الأقل للملكية الخاصة.
أما ترامب نفسه فيبدو أقل اهتماماً بقوى السوق أو قوانينها، كما تظهر سياسته الكمركية المتقلبة. وهذا يجعله في تناقض ملحوظ مع معظم طبقة الممولين التي أوصلته إلى السلطة.
أعضاء النخبة مثل ماسك يهيمنون على السياسة منذ زمن بعيد من خلال إنشاء نظم قانونية خاصة بهم. ويمكن أن نرجع في هذا السياق إلى شخصيات مثل روبرت الأول، كونت أرتوا، في فرنسا في أواخر القرن الثالث عشر،حيث كان يرعب الفلاحين المحليين بواسطة ذئب كان يربيه كحيوان أليف، مروراً بوجهة نظر لرجل أعمال قوي في تسعينيات القرن التاسع عشر، ووصولاً إلى شركة ديزني اليوم. مع ذلك، كانت الظروف القانونية والاقتصادية التي عاش فيها الكونت روبرت مختلفة تماماً عن تلك التي كانت في الحالتين الأخيرتين.
كيفية عمل هذه النظم القانونية الخاصة والمُخصخصة في القرن الحادي والعشرين يرتبط بشكل مباشر بالنظام الرأسمالي الحالي. في هذا النظام، اخترنا أن نفضل الكفاءة الاقتصادية والأرباح على رفاهية الناس وحياة جيدة للجميع. مثل هذه القرارات والهياكل كانت ستبدو غير مناسبة إلى حد كبير في معظم مناطق أوروبا في العصور الوسطى، كما هو الحال عند الكونت روبرت.
جزء من المشكلة يكمن أيضاً في استخدام فهم يُفترض أنه موحد للإقطاعية التاريخية ـ سواء استخدمناها اليوم كصورة لنظام قضائي خاص فوضوي، أو لعالم يبدو فيه الاستغلال والاحتكار الوسيلتين الوحيدتين للحصول على الثروة. لأنه حتى في العصور الوسطى لم يكن هناك إقطاعية واحدة موحدة. رغم أن طريقة الإنتاج الرأسمالية لم تكن سائدة قبل العصر الحديث لا في أوروبا ولا في الشرق الأوسط، إلا أن رأس المال والعمل بأجر والأسواق كانت في أماكن وأزمنة معينة هي السائدة. كما أظهر الباحث كريس ويكهام مؤخراً، لعبت علاقات الإنتاج الرأسمالية دوراً مهماً في أجزاء من شرق البحر المتوسط من حوالي عام 950 حتى 1150، حتى لو ظل النظام الاقتصادي العام إقطاعياً. أما النظرات التي تتسم بالاستشراق تجاه العالم الإسلامي فقد أدت إلى تجاهل هذه العناصر الرأسمالية فيه.
بالتالي، يُستخدم العصور الوسطى كصفحة بيضاء يُسقط عليها العديد من التصورات المختلفة للإقطاعية، حيث تُجمع اليوم جوانب "معروفة" مثل القضاء الخاص والنهب والاستغلال التعسفي لتلبية الحاجة إلى تفسير الأحداث الحالية.
الرأسمالية في عقد العشرينيات من القرن الحادي والعشرين
لفهم شكل الرأسمالية الحالي، لا يتوجب علينا العودة إلى صورة كاريكاتيرية للإقطاعية في العصور الوسطى ـ رغم أن بعض العناصر قد تبدو مشابهة. لقد ازداد النفوذ الخاص على السلطة القضائية بشكل هائل خلال العقود الماضية؛ إذ تمكنت الشركات الكبرى من توسيع مجال تأثيرها ليشمل مجالات جديدة من الحياة. وفي الوقت نفسه، يجب أن نُدرك أن الدولة، حتى في أكثر أشكالها الليبرالية الجديدة، أقوى وأثرى بكثير من أسلافها قبل الرأسمالية.
بالمقارنة المباشرة مع الدول الأقوى في منتصف القرن العشرين، قد تبدو الدول اليوم ضعيفة. لكن في ذلك الوقت تم تحقيق ذروة قوة الدولة، ونشاط النقابات العمالية، وسياسات إعادة التوزيع. وهذا ليس المعيار الذي ينبغي أن نقيس به الرأسمالية الحالية.
لذلك، نحن أمام تحول داخل النظام الرأسمالي ذاته، وليس انتقالاً بعيداً عنه. قد تولّد منصات التكنولوجيا بيانات أكثر دقة، لكنها تحتاج إلى ضخ أموال أكبر لتصبح مربحة وتحقق أرباحاً في نهاية المطاف. بعض الشركات، مثل غوغل، أصبحت بمثابة مستأجرين (Rentiers)، وأخرى اشترت عقارات ضخمة. بدلاً من تطوير منتجات جديدة فعلًا، هدفهم هو تدمير المنافسة والاحتفاظ بمواقعهم السوقية لتحقيق أرباح أكبر. المستثمرون يضخون أموالاً في شركات تحقق خسائر كبيرة ـ لأنها تقدم آمالاً في عوائد مستقبلية «آمنة» على ما يُعتقد.
ديان محقة عندما تصف هذه التغيرات في عملها، لكن لا شئ من هذا يشكل نظام إنتاج جديد. لقد تغير فقط كيف يعمل رأس المال.
قبل نصف قرن، كان من الطبيعي أن يذهب الناس مرة في الشهر إلى قاعة مجتمعية ليبيعوا ويشتروا الملابس المستعملة في سوق للسلع المستعملة هناك. اليوم، يقوم سوق فيسبوك (Facebook Marketplace) بنفس الوظيفة يومياً. لقد استحوذ فيسبوك على سوق الملابس المستعملة بفضل كفاءته. وفي الوقت نفسه، يستخدم عملاق (ميتا) البيانات التي يجمعها لبيع منتجات جديدة إضافية. أصبحت فترات انتباه المستهلكين منتجاً ثانوياً يُباع للمُعلنين ومنتجي المحتوى.
تعتمد هذه الممارسة التجارية بشكل كبير على علم النفس الحديث والنماذج التي طورها المعلنون وشركات التكنولوجيا ـ وليس لها علاقة بالعلاقات الإقطاعية. كتاب شوشانا زوبوف «عصر رأسمالية المراقبة» وصف هذا النموذج التجاري الاستخراجي المبني على البيانات باعتباره استعماراً رأسمالياً متزايداً للحياة الخاصة والذات الخاصة. وهذا تفكير أكثر إثارة للاهتمام بكثير من فكرة التقنية أو النيوأقطاعية.
لا نحتاج إلى صورة الإقطاعية (بأي من أشكالها وأنواعها العديدة) لشرح المشاكل المستمرة التي تواجه دولنا وأنظمتنا اليوم. اللجوء إلى نماذج بدائية لشرح التغيرات الحالية هو عرض مرضي لعصر تم فيه استبدال الرؤى لمستقبل أفضل بالخوف الكابح من التراجع. بعض الأمور تزداد سوءاً، وأخرى تتحسن. لكننا بالتأكيد نُعطي الرأسمالية بأشكالها المختلفة أكثر مما تستحق عندما نعتبرها نقيضاً للهيمنة الاحتكارية السابقة، أو للفساد الخاص في القضاء، أو للسيطرة السياسية لنخب الشركات.
غالباً ما عرّف الرأسماليون أنفسهم شكلهم المثالي للرأسمالية كنقيض للإقطاعية في «العالم القديم»، وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية. لا يجب أن نأخذ هذه النظرات الأيديولوجية العميقة على محمل الجد حرفياً. نحن لا نعود حالياً إلى النظام الذي نشأت منه الرأسمالية في الأصل. بل نحن نشهد تحولاً جديداً وخطيراً داخل النظام الرأسمالي ذاته.

ديفيد أديدسون* :هو مؤرخ الأديان في جامعة ليفربول.

ميرل آيزنبرغ* :هو أستاذ مساعد في التاريخ بجامعة ولاية أوكلاهوما. وهو المؤلف المشارك لكتاب "السينما المريضة: الأوبئة والجوائح والزومبي في الأفلام الأمريكية".



#حازم_كويي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العولمة انتهت، لكن النيوليبرالية ما زالت حيّة
- عن سبل الخروج من أزمة المناخ
- الحزب الشيوعي النمساوي.. حزب لا مثيل له؟
- كيف يُعرض ترامب الدولار للخطر؟
- أميركا أولاً،مهما كان الثمن،إلى أين؟
- إلى أين يتجه اليسار الجديد؟
- ترامب وأزمة المناخ
- مقارنات الحقبة النازية وإستمراريتها
- أميركا تستعد لتأثيرات ترامب في فترة رئاسته الثانية
- دكتاتورية الليبراليون الجُدد
- الرجعيات العالمية والشبكات اليمينية في أنحاء العالم
- كيف سيتصدى حزب اليسار الألماني أمام صعود اليمين المتطرف
- البدايات الأولى للتيارات الاشتراكية اليابانية
- عودة حزب اليسار الألماني
- تزايد المشاكل التي تواجه جورجيا ميلوني
- هل هذه هي الفاشية الآن؟
- اليسار يواجه ثورة ثقافية حقيقية
- رياح منعشة تهب داخل حزب اليسار الألماني
- -الاتحاد الأوروبي يواجه الإنكسار-
- الأثرياء في ألمانيا لا يخلقون الثروة بل يستنزفوها


المزيد.....




- ليسوا فقط أقل حظًا... أطفال الفقراء يشيخون أسرع بيولوجيًا وف ...
- -أحمق شيوعي-.. ماسك يرد على مستشار ترامب السابق بعد مطالبته ...
- متضامنون مع الطلاب السوريين في الجامعات المصرية ضد الإقصاء و ...
- متضامنون مع عمال شركة الشرقية للدخان الموقوفين عن العمال
- ارحموا أهل غزة!
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 02 يونيو 2025
- تركيا: ممثلو الادعاء يفتحون تحقيقا مع رئيس حزب الشعب الجمهور ...
- الادعاء التركي يحقق مع رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض
- الادعاء التركي يحقق مع رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض
- الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي (إ م ش) تعتز بنجاح مؤتمر الشب ...


المزيد.....

- الإمبريالية والاستعمار الاستيطاني الأبيض في النظرية الماركسي ... / مسعد عربيد
- أوهام الديمقراطية الليبرالية: الإمبريالية والعسكرة في باكستا ... / بندر نوري
- كراسات شيوعية [ Manual no: 46] الرياضة والرأسمالية والقومية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- طوفان الأقصى و تحرير فلسطين : نظرة شيوعيّة ثوريّة / شادي الشماوي
- الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، تحديات اليسار والبدائل الممكنة: ... / رزكار عقراوي
- متابعات عالميّة و عربية : نظرة شيوعيّة ثوريّة (5) 2023-2024 / شادي الشماوي
- الماركسية الغربية والإمبريالية: حوار / حسين علوان حسين
- ماركس حول الجندر والعرق وإعادة الانتاج: مقاربة نسوية / سيلفيا فيديريتشي
- البدايات الأولى للتيارات الاشتراكية اليابانية / حازم كويي
- لينين والبلاشفة ومجالس الشغيلة (السوفييتات) / مارسيل ليبمان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حازم كويي - الرأسمالية تتغير – لكنها لا تتحول إلى -إقطاعية جديدة-