أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مظهر محمد صالح - في الطريق إلى هوليوود: مفارقات لا تنتهي














المزيد.....

في الطريق إلى هوليوود: مفارقات لا تنتهي


مظهر محمد صالح

الحوار المتمدن-العدد: 8424 - 2025 / 8 / 4 - 00:50
المحور: الادب والفن
    


لا تكتمل زيارتك إلى مدينة لوس أنجلِس، على الساحل الغربي للولايات المتحدة، دون أن تعقد مقارنات ذهنية بين أحيائها وذاكرتك المعمارية والزراعية ، فحي سانتا مونيكا، بجمال أبنيته وكثافة نخيله، يستدعي فورًا مشهد الجادرية في بغداد فجرًا، حين تتشابك زرقة الماء مع خضرة الضفاف، سواء على نهر دجلة أو على ساحل المحيط الهادئ.

تركتُ سانتا مونيكا متوجهًا إلى حي هوليوود، وإذا بي ألمح لافتةً مكتوبًا عليها “زورخانة” تعلو إحدى البنايات الهادئة.
سألت سائق الحافلة عنها، فأخبرني أنها قاعة مخصصة لرياضة تقليدية فارسية ، اذ كانت شائعة حتى في بلادنا قبل عقود مضت.
أضاف أن الجالية الإيرانية في لوس أنجلِس، ومعظمها من الأثرياء، تحتفظ بعاداتها وتقاليدها. فقلت في سري ، ان هذه المدينة كما يبدو تحتضن صنفين من المهاجرين : الأغنياء والفقراء، لكنها تظل ملاذًا للباحثين عن سعادةٍ ما مهما كانت ضبابية الملامح.
واصل السائق حديثه وهو يشير إلى قصور المشاهير في حي “بيفرلي هيلز”، من ممثلين أعرفهم وآخرين لا أعرفهم ، وفجأة ظهر أمامنا مبنى ضخم كُتب عليه “فوكس للقرن العشرين”، فمرّت بي ذكريات أفلام رافقتنا في دور السينما ببغداد، وكانت جزءًا من تكويننا الثقافي والوجداني، في زمنٍ نهضت فيه البلاد ثقافيًا وفنيًا، حين كانت الثقافة تزدهر على إيقاع الحداثة والتنوير.
دخلنا مركز هوليوود، وترجلتُ عند الشارع الرئيس، حيث يمتد “رصيف الشهرة” ببلاطاته الرخامية التي نقشت عليها أسماء كبار الفنانين وبصمات أقدامهم. بدا المشهد كأنه شريط سينمائي لا ينتهي، يستعرض عقودًا من الإبداع، استقرت في ذاكرتنا أيام المراهقة والشباب، حين كانت دور السينما محطة أسبوعية للثقافة والابداع .
سرتُ على الرصيف، لم أترك أثرًا يُذكر، سوى ما اختزنته ذاكرتي من تفاعل الماضي بالحاضر، بين بغداد وهوليوود، وما جمعتهما من شاشات السينما خلال خمسينيات وستينيات القرن العشرين، حين كانت السينما فنًا حيًّا وضروريًا، لا ترفًا عابرًا.

وبعد وجبة خفيفة من “الهمبرغر”، اصطحبني مرافقي إلى مبنى توزيع جوائز الأوسكار — قاعة “كوداك” الشهيرة — التي كانت تحيط بها متاجر من أفخم الماركات العالمية. تسلقتُ السلم الداخلي ووقفتُ أمام قاعة مغلقة ، شعرت أنني وصلت خارج موسم الحصاد ، استوقفني الاسم “كوداك” وتذكرت كيف تلاشى من عالم التصوير بعد أن ابتلعته التكنولوجيا الرقمية. وراودتني تلك العبارة التي أصبحت قانونًا صارمًا في عصر الثورة الصناعية الرابعة: “السريع يبتلع البطيء.”

عدتُ إلى الشارع، فإذا بالمشهد يزدحم بهواة التمثيل من الشباب، يؤدون مقاطع كوميدية أو درامية على الأرصفة، علّ أحدهم يلفت انتباه كشاف مواهب في مدينةٍ تحيك الفن بخيوط ناعمة، لا تتوقف ألوانها عن التدفق ، منذ تأسيسها الفعلي لعالم السينما في العام 1910, يوم جرى تصوير أول فيلم سينمائي في هذه البقعة من جغرافية لوس انجلس ،
حيث كان فيلمًا قصيرًا من إنتاج شركة “Biograph” بعنوان :في كالفورنيا القديمةً In Old California، أخرجه ديفيد وورك غريفيث (D.W. Griffith)
وعُّد الفلم السينمائي الاول الذي تم تصويره بالكامل في هوليوود.
هنا اغلقت ذاكرتي وانا في
طريق العودة إلى الفندق، قال لي السائق مبتسمًا: غدًا ستسافرون من مطار الممثل الكوميدي الشهير بوب هوب” ضحكنا ، لكن ما لبث أن أشار إلى قبة شامخة قرب جامعة لوس أنجلِس، وقال: “هناك مستشفى الجامعة، وفيه توفي مايكل جاكسون.” خيّم صمت ثقيل. شعرت بحزن داخلي، كأنما مات زمنٌ بكامله، لا مجرد فنان.
تذكرتُ كيف اختفى مايكل جاكسون واسم “كوداك” في لحظة واحدة..!! قمةٌ ثم انطفاء ، إنها مفارقة هذا العصر: الموت لا يفرّق بين جسد فنان وكيان تكنولوجي.

عدتُ إلى فندقي لأقضي ليلتي الأخيرة، محاطًا بصور مشاهير الفن السابع الذين أقاموا فيه منذ افتتاحه في مطلع العام 1920 وحتى زيارتي له في العام 2015. فبين تلك الصور ودور السينما البغدادية، تمتد سلسلة زمنية كثيفة، تحمل في طياتها ازدهار الفن وتعاقب الأجيال.
تذكرتُ حينها أن السينما لم تكن يومًا مجرد ترف، بل كانت مرآةً للزمن وللوجدان، تجتمع فيها الفنون الزمنية (كالموسيقى) والفنون المكانية (كالرسم والنحت)
ولهذا استحقت أن تُدعى بالفن السابع، بعد العمارة والنحت والرسم والموسيقى والأدب، كما وصفها الفيلسوف والناقد الإيطالي ريكّيوتو كانودو (Ricciotto Canudo) في مقاله الشهير عام 1911: “بيان الفن السابع” وما زال ذلك البيان يُشعل جذوة السينما فينا حتى يومنا هذا ، نحن الجيل الذي على وشك الانتهاء .



#مظهر_محمد_صالح (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحادي والعشرون من ديسمبر… النور الذي يسبق العاصفة
- المثقف المشرقي على مصفوفة الوحدة : بين ألتوسير وفوكو ودريدا
- الصين وحساسية الدولة العظمى: قوة ناعمة على مائدة الدولة
- شحاذ رقمي تحت الراية الحمراء
- أمُّ العراق… الكوت والجنة تحت قدميها!
- توازن السوق بإشارة سالبة؟ مشادة أكاديمية صامتة!!
- من عصر الفوانيس إلى الطاقة الشمسية: جدل لا ينتهي
- الكرسي المكسور: ذكريات في عالم البيروقراطية الإدارية
- الرهان على الخير في زمن اللايقين
- تدوير النفايات: بين هموم العلماء ومعاناة الفقراء
- ما بين مطرقة الحياة وسندان الغربة: عواطف تحت الثلج
- من تماثيل بوذا إلى رايات هتلر: الصليب المعكوف بين النور والظ ...
- كربلاء: فلسفة التضحية ومنهج الإصلاح في مواجهة الاستبداد
- في تظافر العلوم… تنهض الأمم
- سيدة الجنوب الاولى ومحراب الحسين: دموع لا تموت…!
- في بلد نفطي : أمة تغفو… وسحلية تستيقظ
- الجغرافيا السياسية تحسم الانتصار: من حروب الأرض إلى معركة ال ...
- حوار الطالب وعامل النظافة : كرامة تلامس البحر
- الحي 798: ركيزة العاصمة بكين في الاقتصاد البنفسجي
- وضعت الحرب أوزارها على سجادةٍ إيرانيةٍ شديدةِ التوهج : سردية ...


المزيد.....




- محمد حلمي الريشة وتشكيل الجغرافيا الشعرية في عمل جديد متناغم ...
- شاهد رد فعل هيلاري كلينتون على إقالة الكوميدي جيمي كيميل
- موسم أصيلة الثقافي 46 . برنامج حافل بالسياسة والأدب والفنون ...
- إندبندنت: غزة تلاحق إسرائيل في ساحات الرياضة والثقافة العالم ...
- إندبندنت: غزة تلاحق إسرائيل في ساحات الرياضة والثقافة العالم ...
- مسرح الحرية.. حين يتجسد النزوح في أعمال فنية
- مسرح الحرية.. حين يتجسد النزوح في أعمال فنية
- أبحث عن الشعر: مروان ياسين الدليمي وصوت الشعر في ذروته
- ما قصة السوار الفرعوني الذي اختفى إلى الأبد من المتحف المصري ...
- الوزير الفلسطيني أحمد عساف: حريصون على نقل الرواية الفلسطيني ...


المزيد.....

- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مظهر محمد صالح - في الطريق إلى هوليوود: مفارقات لا تنتهي