مصطفى حجي
كاتب وناقِد
(Mustafa Hajee / Mustafa Alhaji)
الحوار المتمدن-العدد: 8421 - 2025 / 8 / 1 - 02:21
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
سؤال بسيط راودني كثيرًا:
هل الإنسان يؤمن فعلًا لأن الأدلة أوصلته إلى إيمان معيّن؟
أم لأنه ببساطة لا يحتمل فكرة أن يكون كل هذا... بلا معنى؟
هل نؤمن لأننا اقتنعنا بالإيمان؟
أم لأن البديل عنه مُقلق؟
أم لأن الحقيقة تُفزعنا أكثر مما تُقنعنا؟
مثلًا، لو قلتُ لك إنك ستموت، ولن تشعر بشيء بعدها، ولن ترى أهلك، ولن تُحاسَب، ولن تُكافأ، ولن تُعذَّب، ولن يكون هناك أي شيء بعد اللحظة الأخيرة...
هل ستتقبل هذه الفكرة بهدوء؟
أم سترفضها فورًا وتبحث عن أي شيء، أي دين، أي وعد، أي وهم، لتُطفئ به هذا القلق؟
الإيمان في كثير من الأحيان لا يبدو استنتاجًا عقلانيًّا.
بل رد فعل عاطفي تجاه فكرة قاسية: ألا وهي (العدم)
نحن لا نحب فكرة أن الظالم قد يُفلِت دون عقاب.
ولا أن الموت هو النهاية.
ولا أن لا أحد في السماء يراقب أفعالنا.
فنخترع مَن يراقب، ومن يُعوِّض، ومن ينتقم، ومن يعيد التوازن بعد أن اختل.
نحن نسميه «الله»، وغيرنا سمّاه «يهوه»، «براهما»، «رع»، أو «زيوس»...
وأسقطنا عليه كل ما نحتاجه، لا ما يثبت وجوده.
نحن لا نؤمن بالجنة لأن الأدلّة عليها دامغة،
بل لأننا نريد إنصافًا لا نجده في هذه الحياة.
ولا نؤمن بالعدل الإلهي لأن الواقع يشير إليه،
بل لأن الواقع ضده.
نؤمن لأننا نحتاج أن نؤمن.
لا لأن الإيمان حل منطقي،
بل لأنه مُسكّن عقلي لأعراض وجودنا.
أصعب سؤال ليس: "هل الله موجود؟"
بل: "هل تحتمل فكرة أنه غير موجود؟"
هل تحتمل أن كل هذا مجرد صدفة؟
أنك ستموت ولن تدري، ولن تلتقي، ولن تُحاسَب، ولن يكون لوجودك أثر؟
أن لا أحد كتب هذا السيناريو، ولا أحد سيصفّق له بعد انتهائه؟
هل يمكنك أن تتقبّل أن كل ما قيل لك
كان مجرد محاولة بشرية بائسة لتقليل قسوة الحياة؟
الإيمان كما أراه ليس قفزة من العقل إلى الغيب،
بل هروب من الغيب إلى رواية مريحة تلائم هشاشتنا النفسية.
لكن الحقيقة لا تكترث بمشاعرك.
ولا تهمها راحتك النفسية.
ولا تعنيها حاجتك إلى عدالة مؤجّلة.
الحقيقة على الأرجح، بلا مشاعر.
مثل الموت
بسيطة، قاسية، ومباشرة.
#مصطفى_حجي (هاشتاغ)
Mustafa_Hajee_/_Mustafa_Alhaji#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟