أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مصطفى حجي - نَشِيْد العبث














المزيد.....

نَشِيْد العبث


مصطفى حجي
كاتب وناقِد

(Mustafa Hajee / Mustafa Alhaji)


الحوار المتمدن-العدد: 8178 - 2024 / 12 / 1 - 10:49
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الحياة، بوجود إله أو دون وجودِه، هي أشبه بنغمٍ ضائع يتردد في أرجاء الكون بلا قائد، بلا هدف. كل ما نراه عبارةٌ عن فوضى، صراع، وأَلَم، وكأنَّ العالم رقصة على حافة الهاوية، بلا يدٍ تمتد لتُصلح أو تُنقذ.
هنا، في هذا الوجود الذي يَلفُّه السواد، تتراقص الأرواح بين الألم واللامعنى، كما تتراقص الرياح بين الأشجار الجافة. الحروب تقتات على الأحلام، الكوارث تطحن القلوب، والظلم يُخيّم كغيمة سوداء لا تعرف النور.

يقولون إن الله يختبرنا، وإن صمته هو حكمةٌ لا نفهمها. ولكن أيّ حكمةٍ هذه التي تترك الأمهات تبكي أبناءها في معمعةِ الحروب؟ أيّ حكمة تترك الأطفال جياعًا، والشعوب تُسحق تحت أقدام الطغاة؟ لو كان هناك إله، حنون كما يدّعون، لما سمح أن تُصبح الأرض جرحًا مفتوحًا ينزف مع كل يومٍ جديد.

لكنَّ الحقيقة التي تقف أمام أعيننا هي أنَّ الحياة تسير بلا يد خفيّة تُنقذها. لا إله هنا ليوقف عجلة الألم، ولا شياطين ليُلاموا على شرورنا، فقط نحنُ، نتخبّط في بحرٍ من العدم. في هذا العالم المكسور، لا نجد سوى صدى صمتٍ عميق، يُردد أوجاعنا وما مِنْ مُجيب.

المؤمنون يلتصقون بكتبهم، ينظرون إليها كما لو كانت حُبلى بالمعجزات، ولكنّ تلك الكتب، بصفحاتها المتهالكة، لا تحمل إلا قصصًا عن العبودية والكراهية. تُحدثنا عن إله يَطلب الطاعة ويُشرّع الحرب، فهل هذه هي كلمات الخالق الذي يَدّعون رحمته؟ هل هذا هو النور الذي يُضيء الدرب؟

وحين تَسأل عن الحكمة في تلك المآسي التي لا تُعدّ، تَسمع همساتٍ مبهمة، تفرّ هاربة في الريح كما يفرّ الوقت من بين أيدينا. ما الحكمة من هذا الألم الذي يَسكن وجوه الجياع، وما الفائدة من هذا الخراب الذي يبتلع أرواح الأبرياء؟ إنهم يَتحدثون عن حكمة لا تُدرك، وكأنها سِرٌ لا يَراه إلا المُختارون، ولكن ماذا عنا نحن الذين نرى الحياة تسقط من بين أصابعنا؟

وما غايتك أنت؟ أأنت مثلهم تُفتش عن معنى بين سطور الكتب البالية؟ أم أنك كالكثيرين، تَسعى خلف الخلود في صفحات التاريخ؟ ربما تَحلم بأن تَترك بصمة في العالَم، أن تُصبح أحد الذين يتردد اسمهم في ذاكرة الزمن، ولكن حتى هذه الأحلام، حتى هذه الطموحات، تذوب في النهاية مثل رماد تذروه الرياح. فما قيمة أي إنجاز في هذا العالم حين نعلم أن النهاية واحدة؟... عتمة بلا رجعة.

أحيانًا، يبدو الحديث عن المعنى وكأنه سراب، لا يُسمِن ولا يُغْنِي.

يقولون إنَّ العِلم هو الحل، ولكن حين نسأل العلم عن المعنى يمنحنا معادلات باردة كالصقيعِ مُجرَّدة مِنَ العاطفة، نتساءل عن الهدف، فيُخبرنا عن قوانين الطبيعة التي تعمل بلا رحمة! وكأنّها تعزف سيمفونية بلا جمهور.

ولكن السؤال الحقيقي، السؤال الذي يستحق أن نطرحه على أنفسنا: "هل ينبغي علينا أن نعيش؟ أم أنّ الرحيل الهادئ هو الجواب؟" في لحظات السكون، حين ينفرد بك الليل، يبدو النوم الأبدي دعوةً للسلام، للهروب من هذا العالم الذي لا يَعرف معنى للرحمة.

الناس يَخترعون آلهة ليُرضوا جوعهم للمعنى، يَتخيّلون أبًا سماويًا يُرشدهم، لكن في الحقيقة... أين هذا الإله حين تَجتاح الحروب العالَم، وتهتز الأرض بالبراكين، وتَجرفنا الفيضانات؟ أين هو حين نحتاج إليه؟

أمّا أنا... فقد اخترت أنْ أواجه الحقيقة، مهما كانت قاسية. نحن لسنا سوى نتاجٍ لعمليّة تطوريّة عشوائيّة، أجسادٌ تتحرك في عالم لا يُبالي بمصائرنا.
الروح؟ المشاعر؟ كلّها ليست سوى خيالات، كيمياء تتكرّر في عقولنا كي نشعر بأنّ هناك ما يستحق أن نُقاتل من أجله. ولكن في النهاية، كل شيء هو نمط. كل فكرة، كل إحساس، كلّ شيء يُمكن تتبعه وتحليله، ولا فرق بين المادي واللامادي إلّا في طريقتهما في التشكُّل.

سيقولون: "الموت، والحياة ما بعد الموت، الإله سيُحاسبنا." سيقولون الكثير، وسيتحدثون عن الجحيم وعن الحساب، ولكن في النهاية، كلّ ما يَتحدثون عنه يَبدو وكأنه جزء من مسرحية عبثية طويلة.

وفي نهاية المطاف، يبقى السؤال: هل علينا أنْ نستمِر في هذه اللعبة المُسمّاة "الحياة" أم يَجِب علينا أنْ نُسدِل الستار ثمّ نَخلُد إلى النوم الأبدي ونترك هذا العبث خلفنا؟



#مصطفى_حجي (هاشتاغ)       Mustafa_Hajee_/_Mustafa_Alhaji#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل للكون غاية؟ 2. -بين التساؤل والعبث-
- هل للكون غاية؟
- المُعضِلة بين الاحترام والإساءة
- ماذا بعد الموت؟
- بين فيروز ونزار «ليست لنزار»
- نزار قبّاني ... والمرأة
- {البيضة} ... قصة قصيرة ل -آندي وير-
- عدمِيَّة ... (وقليل مِنَ التفاؤل)
- الملحد العربي ... الاتِّهام والحقيقة
- حياة عدميّة ... بإله أو بغير إله
- إبليس يَشكُو مأساتَه ويُدافِع عن نَفسِه
- توضيح لمقولة آينشتاين -إنَّ الله لا يلعب بالنرد- وما شابهها
- حول - رِهان باسكال -
- الدنيا دار اختبار، لكَ فيها حرِّيّة الاختيار
- الإلحاد: مُسَوِّغ نبذ الله .. الجزء الثّاني
- الإلحاد: مُسَوِّغ نبذ الله .. الجزء الأوَّل
- عندما قرَّر الله أن يخلق الكون
- كنصيحة منّي أنا الإنسانُ الفقير إلى العلم
- مِنْ أجلِ أنْ تَرى الواقع
- ردًّا على السؤال المتكرِّر : -لماذا أنتقد الإسلام دون بقيَّة ...


المزيد.....




- هل خدع الذكاء الاصطناعي الإعلام بفيديو سجن إيفين؟
- محكمة إسرائيلية ترفض طلب نتانياهو تأجيل محاكمته في قضايا فسا ...
- قمة الاتحاد الأوروبي: نواصل الضغط على روسيا بفرض عقوبات جديد ...
- حريق متعمد في مترو سول.. والسلطات الكورية توجه 160 تهمة لسبع ...
- مقتل 29 طالبا إثر تدافع في عاصمة أفريقيا الوسطى
- كيف حافظ النظام الإيراني على نفسه من السقوط؟
- سرايا القدس تبث فيديو تفجير آلية إسرائيلية شرقي جباليا
- صحف عالمية: حرب إسرائيل وإيران تغير المنطقة وتعيد ترتيبها در ...
- أطباء بلا حدود تطالب بوقف نشاط -مصيدة الموت- باسم المساعدات ...
- دعم القضية الفلسطينية ساحة تنافس داخل الحكومة الإسبانية


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مصطفى حجي - نَشِيْد العبث