كامل الدلفي
الحوار المتمدن-العدد: 8416 - 2025 / 7 / 27 - 18:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ أن فصلتها بريطانيا عن الدولة العثمانية وولاية البصرة في عام 1899، شُكّلت الكويت بوصفها كيانًا وظيفيًا يخدم الاستراتيجية البريطانية في تفتيت المشرق العربي، واحتواء القوة العراقية الصاعدة. وقد استمر هذا الدور، بأشكال متعددة، إلى أن تسلّمت الولايات المتحدة زمام الهيمنة بعد الحرب العالمية الثانية، لتُعيد إنتاج الدور الكويتي تحت مظلة جديدة، لا تقل خطورة عن سابقاتها.
لقد رُسم للكويت أن تكون خنجرًا مسمومًا في خاصرة العراق، وظل هذا الموقع الجغرافي–السياسي يُستثمر بأقصى طاقاته لتقويض كل محاولة عراقية للنهوض. وما بين اتفاقية الحماية البريطانية عام 1899، واستدعاء القوات الأميركية في حرب الخليج الثانية، إلى التواطؤ في فرض الحصار بعد 1991، ثم دعم الاحتلال الأميركي في 2003، ظلّ السلوك الكويتي يتماهى تمامًا مع المشاريع الخارجية التي تستهدف وحدة العراق وسيادته.
إن أخطر ما يواجه العراق اليوم ليس فقط استمرار اللعبة، بل قبول بعض النخب العراقية بها، من موقع الخضوع والتطبيع، فيما يمكن تسميته ﺑ"أيديولوجيا التنفيذ": حالة ذهنية وسلوكية تجعل من القرار العراقي تابعًا، وتُعيد تشكيل هوية الحاكم بعيدًا عن الجذور الوطنية، تحت شعارات براغماتية جوفاء. وهي ليست مجرد خضوع سياسي، بل تحوُّلٌ عميق في بنية التفكير الوطني، يسهّل تنفيذ المخططات الخارجية من داخل البنية العراقية ذاتها.
وفي هذا السياق، تتجلى ممارسات الكويت كنموذج فاضح للتدخل المنهجي والمتواصل، في تعارض صارخ مع حقائق التاريخ والمنطق الجغرافي. من فرض الهيمنة على خور عبد الله، إلى العرقلة المنظمة لمشروع ميناء الفاو الكبير، مرورًا بالتغلغل الاقتصادي والإعلامي بعد 2003، باتت الكويت تمارس دورًا يتجاوز قدراتها الطبيعية، ويستند إلى دعم قوى خارجية وداخلية متماهية مع الخارج.
وهنا تبرز الحقيقة المؤلمة: أن هذا الدور الكويتي لم يكن ليبلغ هذا المدى لولا الغياب العراقي الرسمي عن التصدي الحازم، وتفشي منطق التراخي والمسايرة. إن ما يجري ليس مجرد خلاف حدود، بل تهديد وجودي يمس مستقبل الدولة العراقية ووحدة قرارها واستقلالها الاقتصادي والسياسي.
ولذلك، فإن الضرورة التاريخية تفرض اليوم وقفة وطنية واعية وصادقة، تضع حدًا لهذا الاستنزاف، وتعيد بناء المشروع الوطني العراقي على أسس الاستقلال والسيادة والكرامة، بعيدًا عن منطق التبعية أو وهم المصالح المشتركة الذي طالما استُخدم غطاءً لتكريس الهيمنة.
#كامل_الدلفي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟