أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كامل الدلفي - من صفّين إلى كربلاء: جدلية الدهاء الأموي ومأساة الانقلاب على الخلافة.














المزيد.....

من صفّين إلى كربلاء: جدلية الدهاء الأموي ومأساة الانقلاب على الخلافة.


كامل الدلفي

الحوار المتمدن-العدد: 8395 - 2025 / 7 / 6 - 08:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يُلمْلم بالدّها شُعبة وسَهْمي
أُميّة يُفرهد بحقي وسهْمي
يَدريني جِلد وأصبر وسهْمي
يتحاشى الناس ترتد بين إيديه"
مقدمة
تُفتتح هذه المقاربة الشعرية السياسية باستدعاء كثيف لمأساة صفّين، تلك المعركة التي دارت رحاها سنة 37 للهجرة بين الإمام علي بن أبي طالب، الخليفة الشرعي للمسلمين، ومعاوية بن أبي سفيان والي الشام المتمرد على الخلافة. استخدم جيش معاوية الحيلة والدهاء لرفع المصاحف على أسنّة الرماح، في محاولة لإيقاف اندفاع جيش الإمام علي الذي كان قاب قوسين أو أدنى من الانتصار، فكانت تلك الخدعة من أخطر المنعطفات في التاريخ الإسلامي المبكر.
"بالدها" هنا تشير إلى "الدهاء السياسي" الذي جسّده المغيرة بن شعبة، أحد أبرز رجالات التحايل في البلاط الأموي، فيما يشير "سهمي" إلى عمرو بن العاص السهمي، العقل المدبّر لمؤامرة التحكيم. أما "أميّة" فهي إشارة إلى معاوية نفسه، الذي استثمر في دهاء هؤلاء ليعيد تشكيل السلطة السياسية على نحو يتنافى مع مبادئ الإسلام النبوي والراشدي.
شكّلت معركة صفّين ثم مأساة كربلاء محطتين محوريتين في مسار الانقلاب على مبادئ الحكم الإسلامي التي أرساها النبي محمد (ص) وسار عليها الخلفاء الراشدون. لم تكن هذه الأحداث مجرد صراعات سياسية أو مواجهات عسكرية، بل مثلت في جوهرها صراعًا حادًا بين مشروع الدولة العادلة وبين منطق الملك القائم على الدهاء والوراثة والاستبداد.
دهاء التحالف الأموي في صفّين:
اندلعت معركة صفّين سنة 37 هـ بين جيش الخلافة بقيادة الإمام علي بن أبي طالب (ع)، ووالي الشام الخارج على الطاعة، معاوية بن أبي سفيان. وقد استعان معاوية، إلى جانبه السياسي والعسكري، بمنظومة دهاء مركبة، كان من أبرز أركانها: المغيرة بن شعبة وعمرو بن العاص السهمي.
لجأ هذا التحالف، بعد أن بدأت الهزيمة تلوح، إلى حيلة رفع المصاحف، في خطوة براغماتية تهدف إلى خلط الأوراق والاحتماء بقناع ديني ظاهري، وهي ما عُرفت في التاريخ بكلمة حق أُريد بها باطل. وكان لهذه الخدعة أثرٌ بالغ، إذ تراجع جيش الإمام علي عن الحسم العسكري، ورضخ لمطلب التحكيم، الذي سيُثبت لاحقًا أنه مجرد آلية لشرعنة الهزيمة وتحويل الخاسر إلى شريك في القرار.
نتائج التحكيم وتداعيات الانشقاق السياسي:
أفضى التحكيم إلى نتائج كارثية على وحدة الأمة والخلافة الإسلامية، منها:
1. خسائر بشرية فادحة: أكثر من 25 ألف شهيد من جيش الإمام مقابل 45 ألفًا من جيش معاوية، في حرب عبثية.
2. انفصال الشام عن المركز السياسي للخلافة، وظهور أول كيان سياسي متمرد ذي طابع سلطوي.
3. التمهيد لاغتيال الإمام علي (ع)، من خلال تشتيت قاعدته الشعبية وتصعيد حالة الرفض بين من تبنوا خطاب الخوارج.
4. اغتيال الإمام الحسن (ع) بالسم، عبر مؤامرة مشتركة شاركت فيها زوجته جعدة بنت الأشعث، بإيعاز من معاوية. بعد أن داس معاوية مبادئ الصلح المعقود بينه وبين الإمام الحسن الذي يقر انتقال الخلافة الي الحسن بعد موت معاوية.
5. الانقلاب على الشورى الإسلامية: إذ حول معاوية نظام الحكم إلى ملك عضوض، وجعل السلطة وراثية في ذريته.
6. فرض بيعة يزيد، وهو شاب طائش لا يتمتع بمقومات شرعية أو أخلاقية، ما دفع الإمام الحسين إلى رفض البيعة، قائلاً ببلاغة ثورية: "من مثلي لا يبايع مثله."
الإعلام الأموي وتشويه ثورة الحسين
لم يكتف النظام الأموي بالهيمنة السياسية والعسكرية، بل أسّس لمنظومة إعلامية دعائية، سعت إلى تشويه الدوافع الحقيقية لثورة الحسين (ع). فقد صوّرت خروجه إلى العراق على أنه تمرد سياسي أو رغبة في الحكم، متجاهلة عمق المشروع الإصلاحي الذي حمله.
ويُروّج بعض المؤرخين التابعين للسلطة – حتى اليوم – عبارات مثل: "سيدنا يزيد قتل سيدنا الحسين"! في تماهٍ فجّ مع منطق التبرير السياسي للمذبحة. لكن الواقع أن الحسين (ع) واجه مشروعًا متماديًا في تصفية الإسلام من روحه الرسالية، وانقلابًا سافرًا على منظومة العدل والمساواة والشورى.
مقدمات الانهيار من مقتل عمر إلى قتل عثمان
لا يمكن فهم كربلاء دون تفكيك المقدمات البنيوية للانهيار السياسي الإسلامي، ومن أبرزها:
مقتل الخليفة عمر بن الخطاب في المدينة، في ظروف غامضة، على يد أبي لؤلؤة، رغم وجوده تحت كفالة المغيرة بن شعبة، المعروف بصلاته الوثيقة ببني أمية.
موقف ولاة بني أمية من حصار عثمان بن عفّان، إذ تقاعسوا عن جدته وهو ابن عمهم ، لغايات سياسية، ثم تذرعوا بدمه لإشعال حرب الجمل وصفّين، وتحقيق مكاسب سياسية ضد الإمام علي.
لقد كانت كل تلك الأحداث مقدمات مبرمجة لإجهاض الخلافة الراشدة، وتسليم زمام الأمور إلى "الطلقاء"، أي أولئك الذين دخلوا الإسلام بعد فتح مكة دون اقتناع، ثم عادوا ليمسكوا مفاصل الدولة.
كربلاء: لحظة استشهاد وولادة
في ظل هذا الانقلاب العميق، جاءت كربلاء لتكون لحظة الحقيقة. رفض الحسين (ع) مبايعة يزيد، فكانت النتيجة أن قُتل هو وأهل بيته وأصحابه، في مأساة دامية لا تمثل فقط جريمة سياسية، بل جريمة حضارية ضد القيم الإسلامية والإنسانية.
لقد شكلت كربلاء ثلمة في ضمير الأمة، وتحوّلت إلى حدث رمزي يتجدد كل عام، يجدد الوعي بالمظلومية، ويرسم ملامح المقاومة، ويؤسس لفهم نقدي لمسار التاريخ الإسلامي السياسي.
خاتمة
من صفّين إلى كربلاء، يُمكن تتبّع خريطة الانحراف السياسي عن نهج النبوة والخلافة الراشدة. لم تكن المشكلة في شخص معاوية أو يزيد فحسب، بل في تحوّل الدولة من رسالة إلى سلطة، ومن خلافة إلى ملك، ومن الشورى إلى الوراثة.
وإذا كان الإمام علي (ع) قد واجه الخداع السياسي بجلد المؤمن، فإن الحسين (ع) واجهه بدم الشهيد، لتبقى رسالته حيّة: إن كان دين محمد لا يستقيم إلا بقتلي، فيا سيوف خذيني.



#كامل_الدلفي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- موجة الخطاب اللاوطني الصاعدة في العراق: خطر يفوق موجة الخطاب ...
- على درب عاشوراء: من الحسين إلى العراق: قراءة في انحراف السلط ...
- على ضفاف الحرب: تحولات الجيوبوليتيك الدولي وفرص التحرر في ال ...
- برامج الهيمنة في الشرق الأوسط: من الاستعمار الكلاسيكي إلى ال ...
- على طريق الحل: أسئلة قبل فوات الاوان عن البداية ومأزق التغيي ...
- بيان حركة الأمة المدنية العراقية حول اتفاقية خور عبد الله ال ...
- التجربة الديمقراطية في العراق بين حداثة هشة وتقليدية مهيمنة.
- رؤية معاصرة في مرجعية الإمام علي ع للمدنية والحضارة العراقية
- حساسية الأزمات المستمرة بين العراق والكويت في صورتها الراهنة ...
- ثمة ما يُقال في تصحيح سرديات الهوية العراقية
- نواح الساحل القتيل - نص شعري
- سنديانةُ الساحل السوري
- كرسي هزاز - نص شعري
- كاريكاتير محلي / قصة قصيرة جدا
- قرار العفو العام تهديد للاستقرار السياسي والأمني في العراق.
- شعور الخوف من -عزرائيل-عند النخبة اوالعامة
- الموجة الترامبية الجديدة والعشرة المبشرون بالسلطة في العراق.
- كابينة الضحك - قصة بصيرة
- قراءة واقعية في المشروع السياسي السوري الجديد.
- 2 آب 1990 الاسود: فوهة لهجوم الشياطين والافاعي والدبابير على ...


المزيد.....




- اعتقدوا أنه زلزال.. شاحنة تصطدم بمبنى وتتسبب بدوي عال واهتزا ...
- الكرملين يُعرب عن أمله بعقد جولة مفاوضات جديدة مع أوكرانيا
- لندن تصعد لهجتها ضد إسرائيل
- تريندات... ابن الأصول في مصر والعالم العربي
- البرازيل: بولسونارو يواجه خطر السجن -فورا- ولولا ينتقد العقو ...
- محكمة مصرية تأمر بشطب اسم علاء عبد الفتاح من قائمة الكيانات ...
- سوريا: إجلاء عائلات بدوية من السويداء مع استمرار هدنة يشوبها ...
- جامعة هارفارد تطالب إدارة ترامب بإعادة نحو 2.5 مليار دولار م ...
- حزب المساواة وديمقراطية الشعوب التركي
- البعث من الرماد.. تقنية الحاسة السادسة تحيل المقاتلات العادي ...


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كامل الدلفي - من صفّين إلى كربلاء: جدلية الدهاء الأموي ومأساة الانقلاب على الخلافة.