كامل الدلفي
الحوار المتمدن-العدد: 8383 - 2025 / 6 / 24 - 14:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بالرغم من أن الحرب الأخيرة بين إيران وإسرائيل لم تتجاوز في مدّتها الزمنية اثني عشر يومًا، إلا أن تأثيراتها الرمزية والسياسية بدت أعمق من عمرها القصير. هذه الحرب، بوصفها لحظة صدام بين قوى إقليمية ذات امتدادات دولية، سلّطت الضوء على خلل بنيوي في النظام العالمي القائم منذ نهاية الحرب الباردة. لقد ظهر بجلاء أن النظام الأحادي القطبية الذي تقوده الولايات المتحدة لم يحقق الشروط الطبيعية اللازمة لترسيخ هيمنته، خصوصًا مع تصاعد مظاهر الاعتراض من داخل المنظومات الغربية نفسها، سواء في الكونغرس الأمريكي أو في الشارع الأوروبي، على شكل انتقادات متزايدة للسياسات الدينية المتطرفة التي تتبناها حكومة الكيان الصهيوني، والتي غالبًا ما تحظى بدعم غير مشروط من الغرب. إن الحرب – على قِصَرها – كشفت هشاشة المنظومة الأخلاقية التي طالما سوّقت لها الدول الغربية كغطاء لتدخلاتها في الشرق الأوسط. فبدلًا من الوقوف مع القانون الدولي أو حقوق الإنسان، وقفت هذه القوى في صف كيان يضرب بكل المواثيق عرض الحائط. لكن الأهم أن هذه الحرب قد فتحت المجال لظهور لحظة تحوّل في وعي الشعوب ودول الإقليم، لحظة تشجّع على إعادة التفكير في أنماط التبعية السياسية والاقتصادية التي تشكلت بعد 2003.
ففي ظل هذا السياق الجديد، تبدو المنطقة – وربما لأول مرة منذ سنوات طويلة – أمام فرصة لبناء بيئة سياسية أكثر تحررًا، تتجرأ فيها الدول على رفض الوصاية الغربية وإعادة تعريف علاقاتها الخارجية على أساس المصالح المتبادلة والكرامة الوطنية. وبالنسبة للعراق، فإن هذا التحول قد يكون حاسمًا في بلورة موقف سيادي أكثر صرامة تجاه الملفات الإقليمية الشائكة، وعلى رأسها ملف خور عبد الله. إذ إن ترسيم الحدود البحرية مع الكويت، والذي جرى تحت ضغط الاحتلال الأمريكي وبمباركة من مجلس الأمن، فتح الباب أمام تجاوزات كويتية خطيرة على السيادة العراقية، مدعومة من قبل مجلس التعاون الخليجي. ولذلك، فإن لحظة ما بعد الحرب قد تتيح للعراق فرصة تاريخية لإعادة فتح هذا الملف من زاوية وطنية، بعيدًا عن منطق الترضيات الدبلوماسية. فالتغير في المزاج الدولي، والتحول التدريجي نحو التعددية القطبية، وتراجع الرغبة الغربية في خوض حروب غير محسوبة، كلها عوامل تصب في مصلحة القوى الوطنية في العراق والمنطقة إن أحسنت استثمارها. ويعني ذلك أيضًا أن النضال من أجل السيادة لم يعد حكرًا على البندقية، بل يشمل أدوات القانون الدولي، وتشكيل الرأي العام، والاستفادة من التناقضات البنيوية في النظام الدولي.
#كامل_الدلفي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟