كامل الدلفي
الحوار المتمدن-العدد: 8386 - 2025 / 6 / 27 - 22:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
على درب عاشوراء:
من الحسين إلى العراق: قراءة في انحراف السلطة ونداء الإصلاح
مثّلت الدولة الأموية في عصرها رأس النظام العالمي، حيث اتّسعت رقعتها من آسيا إلى إفريقيا، وتوغلت في حدود أوروبا، لكنها في جوهرها كانت انحرافًا عن المنهج الإسلامي الذي أرسته الخلافة الراشدة. نظر الإمام الحسين عليه السلام إلى هذا التحول من موقع العارف ببواطن الرسالة، فشهد بأمّ عينه كيف بدّل معاوية نظام الشورى إلى مُلكٍ عضوض، وقطع مسار تطوّر الأمة الطبيعي بانقلابٍ على ثوابتها. فقد تمرّد والي الشام معاوية بن أبي سفيان على خليفة المسلمين الإمام علي عليه السلام، صاحب البيعة بالإجماع، وجهّز جيوشه لمواجهة المسلمين في صفّين. ولما تكشّفت هشاشة موقفه العسكري، لجأ إلى الحيلة، وقد أحاط به دُهاة العرب أمثال عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة. فكانت خدعة رفع المصاحف على أسنّة الرماح تمهيدًا لتحكيمٍ صوريّ، أسقط هيبة المنهج المحمدي واستُبدلت المبادئ المصالح. كان الإمام الحسين يقرأ أبجديات الانحراف السفياني، فقرةً تلو أخرى، ويستشرف الخطر القادم، لكن الانحراف كان قد استحكم قبضته على مقاليد السلطة، فطوّق الأمة بالترهيب والترغيب. داس معاوية على بنود صلحه مع الإمام الحسن، وسعى إلى تصفيته عبر دسّ السمّ إليه بواسطة زوجته جعدة بنت الأشعث، فخلا له وجه السلطة. في تلك اللحظة الحرجة، انحصر صوت الرفض في الحسين، لأنه كان البقيّة الواعية من بيت النبوة، الأعرف بالمنهج، والأشجع في المواجهة، والأصدق في تحمل المسؤولية الكلية كما عهد بها إليه أبوه الإمام علي عليه السلام. وفي حاضرنا اليوم، يُطلّ علينا العام الهجري الجديد، والعراق في هشاشة مكشوفة، تُستباح أجواؤه علنا في مجريات الحرب الإيرانية – الإسرائيلية، من دون احترام لسيادته الوطنية. وما أشبه الليلة بالبارحة: حين تُكمم الأصوات، وتُغتال القيم، ويتصدّع الولاء الوطني تحت أقدام المصالح الضيقة. ما أحوجنا اليوم إلى موقفٍ حسينيّ صريح، لا يُجامل في الحق، ولا يساوم على الكرامة، يمتدّ إلى كل مفاصل الدولة: القضاء، والبرلمان، والحكومة، والإقليم، ويمتدّ إلى المرجعيات الدينية، والقوى المدنية، والمثقفين والكتاب. موقف حسيني حقيقي آهل بالمكاشفة والإصلاح. فالحسين لم يكن ثائرًا من أجل الماضي، بل صوتًا للمستقبل.. ومنهجه لا يزال بوصلة النجاة.
#كامل_الدلفي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟