محمد بركات
الحوار المتمدن-العدد: 8411 - 2025 / 7 / 22 - 16:14
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
• فما من عبادة شرعها الله تعالى لعباده إلا وهي مرتبطة باسم إلهي أو حقيقة إلهية من ذلك الاسم يعطيه في عبادته تلك ما يعطيه في الدنيا في قلبه من منازله وعلومه ومعارفه وفي أحواله من كراماته وآياته وفي آخرته في جناته في درجاته ورؤية خالقه في الكثيب في جنة عدن خاصة في مراتبه وقد قال الله عز وجل في المصلي إنه يناجيه وهو نور
فيناجيه الله تعالى من اسمه النور لا من اسم آخر فكما أن النور ينفر كل ظلمة كذلك الصلاة تقطع كل شغل بخلاف سائر الأعمال فإنها لا نعم ترك كل ما سواها مثل الصلاة فلهذا كانت نورا يبشره الله بذلك أنه إذا ناجاه من اسمه النور انفرد به وأزال كل كون بشهوده عند مناجاته ثم شرعها في المناجاة سرا وجهرا ليجمع له فيها بين الذكرين ذكر السر وهو الذكر في نفسه وذكر العلانية وهو الذكر في الملإ العبد في صلاته يذكر الله في ملأ الملائكة ومن حضر من الموجودات السامعين وهو ما يجهر به من القراءة في الصلاة
قال الله تعالى في الخبر الثابت عنه إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه
قد يريد بذلك الملائكة المقربين الكروبيين خاصة الذين اختصهم لحضرته فلهذا الفضل شرع لهم في الصلاة الجهر بالقراءة والسر فكل عبد صلى ولم تزل عنه صلاته كل شيء دونها فما صلى وما هي نور في حقه وكل من أسر القراءة في نفسه ولم يشاهد ذكر الله له في نفسه فما أسر فإنه وإن أسر في الظاهر وأحضر في نفسه ما أحضره من الأكوان من أهل وولد وأصحاب من عالم الدنيا وعالم الآخرة وأحضر الملائكة في خاطره فما أسر في قراءته ولا كان ممن ذكر الله في نفسه لعدم المناسبة فإن الله إذا ذكر العبد في نفسه لم يطلع أحد من المخلوقين على ما في نفس الباري من ذكره عبده كذلك ينبغي أن يكون العبد فيما أسره فإنه ما يناجي في صلاته إلا ربه في حال قراءته وتسبيحاته ودعائه وكذلك إذا ذكره في ملأ في ظاهره وفي باطنه فأما في ظاهره فبين وأما في باطنه فما يحضر معه في نفسه من المخلوقين وهو ما يجهر به من القراءة في الصلاة والتسبيحات والدعاء
[نسبة النورية في الصلاة ومقامات المقربين]
ثم إنه ليس في العبادات ما يلحق العبد بمقامات المقربين وهو أعلى مقام أولياء الله من ملك ورسول ونبي وولي ومؤمن إلا الصلاة قال تعالى واسْجُدْ واقْتَرِبْ فإن الله في هذه الحالة يباهي به المقربين من ملائكته وذلك أنه يقول لهم يا ملائكتي أنا قربتكم ابتداء وجعلتكم من خواص ملائكتي وهذا عبدي جعلت بينه وبين مقام القربة حجبا كثيرة وموانع عظيمة من أغراض نفسية وشهوات حسية وتدبير أهل ومال وولد وخدم وأصحاب وأهوال عظام فقطع كل ذلك وجاهد حتى سجد واقترب فكان من المقربين فانظروا ما خصصتكم به يا ملائكتي من شرف المقام حيث ما ابتليتكم بهذه الموانع ولا كلفتكم مشاقها فاعرفوا قدر هذا العبد وراعوا له حق ما قاساه في طريقه من أجلي فيقول الملائكة يا ربنا لو كنا ممن يتنعم بالجنان وتكون محلا لإقامتنا ألست كنت تعين لنا فيه منازل تقتضيها أعمالنا ربنا نحن نسألك أن تهبها لهذا العبد فيعطيه الله ما سألته فيه الملائكة فانظروا ما أشرف الصلاة وأفضل ما فيها ذكر الله من الأقوال والسجود من الأفعال ومن أقوالها سمع الله لمن حمده فإنه من أفضل أحوال العبد في الصلاة للنيابة عن الحق.
• [ذكر الله بالأذكار الواردة في القرآن]
وينبغي للمحقق أنه لا يذكر الله إلا بالأذكار الواردة في القرآن حتى يكون في ذكره تاليا فيجمع بين الذكر والتلاوة معا في لفظ واحد فيحصل على أجر التالين والذاكرين أعني الفضيلة فيكون فتحه في ذلك من ذلك القبيل وعلمه وسره وحاله ومقامه ومنزله.
وإذا ذكره من غير أن يقصد الذكر الوارد في القرآن فهو ذاكر لا غير فينقصه من الفضيلة على قدر ما نقصه من القصد ولو كان ذلك الذكر من القرآن غير أنه لم يقصده وقد ثبت أن الأعمال بالنيات وإنما لامرئ ما نوى
فينبغي لك إذا قلت لا إله إلا الله أن تقصد بذلك التهليل الوارد في القرآن مثل قوله تعالى فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الله وكذلك التسبيح والتكبير والتحميد وأنت تعلم أن أنفاس الإنسان نفيسة والنفس إذا مضى لا يعود فينبغي لك أن تخرجه في الأنفس والأعز.
• [يسر اقتران البرهان بالصدقة، والضياء بالصبر]
وأما اقتران البرهان بالصدقة فهو إن الله تعالى جبل الإنسان على الشح وقال إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً يعني في أصل نشأته إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً وقال ومن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فنسب الشح لنفس الإنسان وأصل ذلك إنه استفاد وجوده من الله ففطر على الاستفادة لا على الإفادة فما تعطي حقيقته أن يتصدق فإذا تصدق كانت صدقته برهانا على أنه قد وقى شح نفسه الذي جبله الله عليه فلذلك قال الصدقة برهان ولما كانت الشمس ضياء يكشف به كل ما تنبسط عليه لمن كان له بصر فإن الكشف إنما يكون بضياء النور لا بالنور فإن النور ما له سوى تنفير الظلمة وبالضياء يقع الكشف وإن النور حجاب كما هي الظلمة حجاب
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حق ربه تعالى حجابه النور
وقال إن لله سبعين حجابا من نور وظلمة أو سبعين ألفا
وقيل له صلى الله عليه وسلم أرأيت ربك فقال صلى الله عليه وسلم نور إني أراه. فجعل الصبر الذي هو الصوم والحج ضياء أي يكشف به إذا كنت متلبسا به ما تعطيه حقيقة الضوء من إدراك الأشياء
[الصوم صفة صمدانية: فهو لله وهو الذي يجزى به]
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه تعالى إنه قال كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به
وقال صلى الله عليه وسلم لرجل عليك بالصوم فإنه لا مثل له
وقال تعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شيء فالصوم صفة صمدانية وهو التنزه عن التغذي وحقيقة المخلوق التغذي فلما أراد العبد أن يتصف مما ليس من حقيقته أن يتصف به وكان اتصافه به شرعا لقوله تعالى كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ من قَبْلِكُمْ قال الله له الصوم لي لا لك أي أنا هو الذي لا ينبغي لي أن أطعم وأشرب وإذا كان بهذه المثابة وكان سبب دخولك فيه كوني شرعته لك فأنا أجزي به كأنه يقول وأنا جزاؤه لأن صفة التنزه عن الطعام والشراب تطلبني وقد تلبست بها وما هي حقيقتك وما هي لك وأنت متصف بها في حال صومك فهي تدخلك علي فإن الصبر حبس النفس وقد حبستها بأمري عما تعطيه حقيقتها من الطعام والشراب فلهذا
قال للصائم فرحتان فرحة عند فطره وتلك الفرحة لروحه الحيواني لا غير وفرحة عند لقاء ربه
وتلك الفرحة لنفسه الناطقة أي لطيفته الربانية فأورثه الصوم لقاء الله وهو المشاهدة
[الصوم مشاهدة والصلاة مناجاة]
فكان الصوم أتم من الصلاة لأنه أنتج لقاء الله ومشاهدته والصلاة مناجاة لا مشاهدة والحجاب يصحبها فإن الله يقول وما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ الله إِلَّا وَحْياً أَوْ من وَراءِ حِجابٍ وكذلك كلم الله موسى ولذلك طلب الرؤية فقرن الكلام بالحجاب والمناجاة مكالمة
يقول الله قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين نصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل
يقول العبد الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ يقول الله حمدني عبدي والصوم لا ينقسم فهو لله لا للعبد أجره من حيث ما هو لله.
• إنما أمرت الملائكة والخلق أجمعون بالسجود وجعل معه القربة فقال واسْجُدْ واقْتَرِبْ وقال صلى الله عليه وسلم أقرب ما يكون العبد من الله في سجوده
ليعلموا أن الحق في نسبة الفوق إليه من قوله وهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ ويَخافُونَ رَبَّهُمْ من فَوْقِهِمْ كنسبة التحت إليه فإن السجود طلب السفل بوجهه كما إن القيام يطلب الفوق إذا رفع وجهه بالدعاء ويديه وقد جعل الله السجود حالة القرب من الله فلم يقيده سبحانه الفوق عن التحت ولا التحت عن الفوق فإنه خالق الفوق والتحت. كما لم يقيده الاستواء على العرش عن النزول إلى السماء الدنيا ولم يقيده النزول إلى السماء الدنيا عن الاستواء على العرش كما لم يقيده سبحانه الاستواء والنزول عن أن يكون معنا أينما كنا كما قال تعالى وهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ بالمعنى الذي يليق به وعلى الوجه الذي أراده كما
قال أيضا ما وسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي
كما قال عنه هود عليه السلام ما من دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها وقال تعالى أيضا في حق الميت ونَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ ولكِنْ لا تُبْصِرُونَ فنسب القرب إليه من الميت وقال أيضا عز وجل ونَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ من حَبْلِ الْوَرِيدِ يعني الإنسان مع قوله لَيْسَ كَمِثْلِهِ شيء وهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.
#محمد_بركات (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟