أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد بركات - ما هي العبادة المظلمة التي لا يبالي الله بها














المزيد.....

ما هي العبادة المظلمة التي لا يبالي الله بها


محمد بركات

الحوار المتمدن-العدد: 8397 - 2025 / 7 / 8 - 00:41
المحور: الادب والفن
    


قال الشيخ عبد العزيز الدباغ رضي الله عنه: إنما طوّل الله أعمارنا حتى صرنا نعيش الستين والسبعين عاما لعلنا ندرك في العمر الطويل ساعة من ساعات القبول، وذلك لاستيلاء النفس والشهوة علينا حتى لا يكاد يصفو لنا فعل ولا يخلص لنا عمل.
فسأله سائل، فقال: يا سيدي، أخبرنا كيف يكون عملنا من صدقة وغيرها خالصا لوجه الله تعالى.
فقال رضي الله عنه: كل ما عملته بقصد الأجور والحسنات فهو عمل لغير الله تعالى. وإنما معنى العمل لله خالصا عند أهله هو أن يعلموا ما ربهم عليه من أوصاف الجلال والكمال والكبرياء والعظمة، وما له عليهم من النعم التي لا تعد ولا تحصى، فيرونه أهلا لأن يخضع له، ومستحقا لأن يخشع منه، ولا يخطر ببالهم حظ من حظوظ نفوسهم قط فضلا عن أن يكون علمهم لأجله، بل يرون أنهم لو عبدوا ربهم أبدا وأطاعوه سرمدا بأشق عبادة تصور وأثقل تكليف يفرض مع تطاول الأعمار واستمراره عليه ما دامت الأعصار، ما قاموا بشيء من الحق الواجب للرب سبحانه على المربوب.
قال رضي الله عنه: وإذا دخل أهل الجنة الجنة وازدادوا معرفة في خالقهم سبحانه ندموا كلهم على ما قصروا في جنب الله.
قال رضي الله عنه: وإذا تأملت ما قلناه علمت أن العمل للأجور قاطع عن الله تعالى وعن القيام بحقوقه، ولهذا كان لا يزيد صاحبه إلا بعدا من الله عز وجل.
فقلت: يا سيدي، فإذا كان المتصدق يرى حين إخراج الصدقة أن المال لله لا له، وذاته هي لله لا له، وذات المسكين المتصدق عليه به، فهو يرى أن الكل لله فيخرج صدقته على هذه النية ولا يرى لنفسه شيئا أصلا، فكيف تكون صدقة من هذه صفته؟
فقال رضي الله عنه: من أحسن ما يكون.
ثم حكى لنا حكاية وقعت له مع رجل بهلول، وحاصله أنه قال رضي الله عنه: كنت أعرف رجلا بهلولا وهو من الصالحين، وليس عنده في فصل البرد الكسوة التي تقيه من البرد، فكان يهمني أمره وتدخلني الرحمة والرقة عليه كثيرا. قال: وربما تصدق عليه بعض الناس بكسوة تقيه من البرد فيجيء من لا يخاف من الله عز وجل فيزيلها عنه ويذهب بها. قال: فجئته بكسوة تقيه من البرد، وكان يبيت في بعض الأرحية متى يطحن فيها، فجئت ذلك المكان فوجدته فيه فكلمته فأجابني، فقلت: أتيتك بكسوة لتلبسها، فقال: لا أقبلها ولا ألبسها. وكنت تصدقت بها عليه بنية أن يرزقني الله حاجة كذا، ولم يعلم بذلك أحد إلا الله سبحانه، فلما سمعت منه الإباية أعدت عليه القول وكررته مرارا، فعند ذلك قال: إني لا ألبس الكسوة التي أخرجت لحاجة كذا، وذكر الحاجة يعينها، وإنما ألبس ما هو لله خالصا، فذهبت وتركتها بقربه ووصيت أهل الرحى عليها وأن يلبسوها له، فبقيت هناك أياما وما لبسها قط، فإذا كان هذا مخلوقا وأبى من قبول ما هو لغير الله فكيف بالخالق سبحانه، والله تعالى أعلم.
قال رضي الله عنه: وعبادة العارفين بالله تعالى إنما هي لأجل وجوده الكريم وذاته الرفيعة، فيفعلونها إجلالا وتعظيما ومهابة وتوقيرا، ويعلمون أنهم لو عبدوا طول عمرهم ونطحوا الصخور بجباههم دائما سرمدا ما وفوا بشيء من حقوق الربوبية، فكيف يطلبون لأنفسهم أجورا، لأنه لا يطلب الأجر إلا من رأى أنه قام بالحق وأدى الواجب عليه، وهم رضي الله عنهم يرون أنفسهم مقصرين ما قاموا لله بشيء مع أنهم يشاهدون الفعل الصادر منهم إنما هو منه تعالى لا منهم، فكيف يطلبون الأجر على ما فعله غيرهم.
قال رضي الله عنه: وأيضا فإن العبادات بأسرها والطاعات كلها والشرائع بجملتها إنما نصبها الله تعالى لعباده لتقام كلمة التوحيد وتحصل المعرفة في قلوب الخلق بربهم، فإذا حصلت هذه المعرفة حصل المقصود، وإذا لم تحصل فلا عبرة بالوسيلة عند فوات المقصود.
قال: والمعاصي إنما حرمت لأن فيها قطعا للعبد عن الله عز وجل، فإذا كانت الطاعات تقطع العبد كانت معاصي، والله تعالى أعلم.
وسمعته رضي الله عنه يقول: إنما أخذ العبد الضعيف وكان تدميره في تدبيره حيث عزل ذاته عن الله تعالى، وجعل ينظر في أمرها بالتدبير والقيام عليها، ويبذل مجهوده في تحصيل مطالبها، وهو في ذلك كله غافل عن الله تعالى، فوكله الله تعالى إلى نفسه، وجعله يشعر بالأغيار. قال: ولأجل الغفلة عن الله سبحانه عظم الحمل على العبد وجاءته التكاليف، وأرسلت إليه الرسل بالشرائع ليردوه عن الغفلة إلى الله سبحانه، ولولا الغفلة عن الله تعالى لكان البشر مثل الملائكة ولم يحتاجوا إلى تحمل هذه التكاليف الشاقة، والله تعالى أعلم.
وقد سمعت الشيخ رضي الله عنه يقول: إني أنظر أحيانا إلى أنوار الإيمان الخارجة من الذوات حتى تتصل بالبرزخ، وهي أنوار مختلفة بالرقة والغلظ، والرقة تدل على ضعف الإيمان، والغلظ على قوته، ثم ننظر إلى العباد الذين في الكهوف والفلوات فنرى الرقة غالبة على أنوراهم إلا من قلَّ منهم، وننظر إلى العامة فنرى أنوارهم أحسن من أولئك المنقطعين، لاعتماد العوام على فضل الله سبحانه واعتماد العباد غالبا على عبادتهم.
قال رضي الله عنه: والعابد لا ينجو من عبادته إلا إذا كان يراها من ربه باطنا، ويدوم ذلك على فكره، فإن غاب ذلك عن فكره وجعل يراها منه فهو إلى العطب أقرب منه إلى السلامة.
فهذا وفقك الله ما ظهر لنا أن نكتبه من كلام الشيخ رضي الله عنه في هذا الباب، وهو باب دخول الظلام على العباد وأفعالهم ودخول الأنوار عليهم،
من كتاب (الإبريز من كلام سيدي عبد العزيز) للشيخ أحمد المبارك



#محمد_بركات (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- روض الرياحين من حكايات الصالحين (1)
- تعلم فن الكتابة (1)
- التفسير الصوفي الفلسفي للقرآن الكريم (6)
- التفسير الصوفي الفلسفي للقرآن الكريم (5)
- التفسير الصوفي الفلسفي للقرآن الكريم (4)
- التفسير الصوفي الفلسفي للقرآن الكريم (3)
- التفسير الصوفي الفلسفي للقرآن الكريم (2)
- التفسير الصوفي الفلسفي للقرآن الكريم (1)
- المختار من كتاب (علم الأديان) للدكتور خزعل الماجدي (5)
- المختار من كتاب (علم الأديان) للسيد خزعل الماجدي (4)
- المختار من كتاب (علم الأديان) للسيد خزعل الماجدي (3)
- المختار من كتاب (علم الأديان) للسيد خزعل الماجدي (2)
- المختار من كتاب (علم الأديان) للسيد خزعل الماجدي (1)
- المختار من كتاب (القصص القرآني ومتوازياته التوراتية) للسيد ف ...
- المختار من كتاب (القصص القرآني ومتوازياته التوراتية) للسيد ف ...
- المختار من كتاب (مغامرة العقل الأولى) للسيد فراس السواح (6)
- المختار من كتاب (مغامرة العقل الأولى) للسيد فراس السواح (5)
- المختار من كتاب (مغامرة العقل الأولى) للسيد فراس السواح (4)
- المختار من كتاب (مغامرة العقل الأولى) للسيد فراس السواح (3)
- المختار من كتاب (مغامرة العقل الأولى) للسيد فراس السواح (2)


المزيد.....




- دنيا سمير غانم تعود من جديد في فيلم روكي الغلابة بجميع ادوار ...
- تنسيق الجامعات لطلاب الدبلومات الفنية في جميع التخصصات 2025 ...
- -خماسية النهر-.. صراع أفريقيا بين النهب والاستبداد
- لهذا السبب ..استخبارات الاحتلال تجبر قواتها على تعلم اللغة ا ...
- حي باب سريجة الدمشقي.. مصابيح الذاكرة وسروج الجراح المفتوحة ...
- التشكيلية ريم طه محمد تعرض -ذكرياتها- مرة أخرى
- “رابط رسمي” نتيجة الدبلومات الفنية جميع التخصصات برقم الجلوس ...
- الكشف رسميًا عن سبب وفاة الممثل جوليان مكماهون
- أفريقيا تُعزّز حضورها في قائمة التراث العالمي بموقعين جديدين ...
- 75 مجلدا من يافا إلى عمان.. إعادة نشر أرشيف -جريدة فلسطين- ا ...


المزيد.....

- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد بركات - ما هي العبادة المظلمة التي لا يبالي الله بها