أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد بركات - التفسير الصوفي الفلسفي للقرآن الكريم (1)















المزيد.....

التفسير الصوفي الفلسفي للقرآن الكريم (1)


محمد بركات

الحوار المتمدن-العدد: 8329 - 2025 / 5 / 1 - 00:13
المحور: الادب والفن
    


سنقوم في هذه السلسلة باختيار أجمل ماورد في (التفسير الصوفي الفلسفي) للأستاذ محمد غازي عرابي رحمه الله تعالى.

(يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21))
[البقرة : 21]
الدعوة لعبادة الرب الخالق الذي هو أسّ الفكر وقواه ، وقوله : (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) دعوة أيضا لاتقاء أساليب الفكر المتضاربة والمتقلبة.
ـ (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22))
[البقرة : 22]
الأرض بمثابة النفس ، ولذلك وصفها سبحانه بالفراش أي ما فرش ، والنفس فرشت ليقوم بناء السماء أي الروح ، والتسوية قلب ابن آدم ، أنزل الله من سماء الروح ماء العلم اللدني ، فأخرج ثمرات تلك العلوم الوهبية رزقا للقلب اليتيم ، وحذر سبحانه من أن يجعل الإنسان له ، أي لله ، ندا ، والند في هذا الظهور هو المظهر ، أي الإنسان نفسه شريك الربوبية في الملك باعتباره الاسم الظاهر.
25 ـ (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ (25))
[البقرة : 25]
الكلام موجه لأصحاب القلوب المؤهلة لتلقي العلوم الوهبية التي هي ثمار إلهية لا نظير لها في عالم الطبائع ، وقولهم هذا الذي رزقنا من قبل يعني أن أصحاب هذه القلوب يوهبون العلم المركوز فيهم والمضمر ، فهم يستشعرونه بالفطرة
28 ـ (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28))
[البقرة : 28]
الموت كون الوجود في حال العدم قبل الإحياء ، وكل ما في الحياة من حي قائم باسمه الحي ، إذ أن حياته ليست منه ، والموت الثاني موت الاسم ، وفيه يرى المكاشف نفسه مسلوبا من ادعائه ، وإن كل لما جميع لدى الله محضرون ، وإليه راجعون ، وهذا الرجوع هو ما تسميه الصوفية البقاء بعد الفناء وهو بقاء بالله
31 ، 33 ـ (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (31) قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلاَّ ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33))
[البقرة : 31 ، 33]
آدم الجمعية الأسمائية في حالي الطي والنشر ، فلهذا جمع لهذا المخلوق النوعي ، والمخلوق على صورة الرحمن ، ما لم يجمع لأي مخلوق نوعي آخر في حال الطي ، إذ أن خروج المعقولات من القوة إلى الفعل يعني تفتق قوى الأسماء ، فالأسماء ذاتية ، مرتقة ، لا حول لها ولا قوة ، وآدم مفتقها ومخرجها من الطي إلى النشر ، والمعقول ما لم يفتق لا دور له ولا حكم بل ولا وجود فهو والعدم سيان ، فقولك أنا كريم ، دون أن يتعدى قولك إلى فعلك لا معنى له ، ولهذا تجد الناس إذا سمعوا المدعي يدعى ترجحوا بين الشك واليقين ، أما إذا رأوا فعله زال الشك وبقي اليقين.
34 ـ (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (34))
[البقرة : 34]
إبليس شق من الاسم المزدوج ، فله الخفض ، فهو الحجاب المسدل بين الحق والخلق.
35 ، 36 ـ (وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (36))
[البقرة : 35 ، 36]
في حديث للنبي صلى‌الله‌عليه‌ وآله وسلم أن الشجرة الحنطة ، والحنطة رمز الحياة ، والحياة العالم الحي ، أي العيان ، فالآية تضع آدم وزوجه بين العدم والوجود ، ولما كان سبحانه الحي القيوم ، كان آدم وزوجه في أحضان الألوهية ، أي في الجنة ، ومفارقة الألوهية هي الحجاب الذي أسدله إبليس بين آدم وزوجه من جهة وبين الله من جهة أخرى ، فالنفي إبعاد ، والإبعاد لحكمة ، لأنه من غير الإبعاد لا تقريب ، وبالتالي لا علم ، والقصد من خلق ابن آدم التعلم ومعرفة الله.
37 ـ (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37))
[البقرة : 37]
الكلمات نور الهدى الذي يتم به إنارة القلب بعد هبوطه إلى عالم الحس ، والتوبة ، كما قال الإمام الغزالي : واقعة تحت الوجوب ، فما من تائب إلا وتوبته فضل من الله تعالى لا بعمله هو ..
51 ، 53 ـ (وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (51) ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52) وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53))
[البقرة : 51 ، 53]
الأربعون ليلة مدة الخلوة التي يدخلها المعتكف فيخرج منها عارفا بالله ، وفيها تلقى موسى ألواح المعرفة الإلهية والحكمة.
54 ـ (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54))
[البقرة : 54]
حذر موسى عليه‌السلام قومه من اتخاذ العجل إلها يعبد ، وذكرهم بالبارئ الذي يبرئ الإنسان مما يضله ، وقال سبحانه في موضع آخر : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ)
[التوبة :111] ، فهذه اللطيفة هي الوديعة التي استودعها الله الإنسان ، وهي العارية التي أعاره إياها ، فنفسك ليست لك ، وإن بدت أنها لك ، وأنت لست لها ، وإنما أنت مخلوق لتعبد الله وتعرفه من خلال نفسك.
57 ـ (وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57))
[البقرة : 57]
الغمام إشارة إلى العالم الظاهري المادي الذي هو عالم الذر ، أو الذرة ، والتظليل للإظهار ، فلو لا الظل لبرز حكم الصعق السابق ، أما المن والسلوى فهما غذاء إلهي يمد به القلب من قبل الروح الأمين من العلوم والمعارف.
وذكر في قصص الأنبياء أن المؤرخ قال : السلوى العسل بلغة كنانة ، قال شاعرهم :
وقاسمها بالله جهدا لأنتم ألذ من السلوى إذا ما نشورها ، ومعلوم أن العسل رمز الحكمة في تأويل الأحاديث وتعبير الأحلام.
58 ـ (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58))
[البقرة : 58]
القرية البدن ، والدخول للقوى ، فالقوى بحاجة إلى محل تمارس فيه عملها ، وإلا لظلت معطلة عاطلة عن العمل ، والباب القلب الذي هو مستودع الحق وعرش فعله ، والسجود معرفة أن القلب عبد من عباد الرحمن.
59 ـ (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (59))
[البقرة : 59]
تبديل القول حمل الأمر على غير محمله الحقيقي الذي أشارت الأنبياء إليه ، فجميع الرسالات دعت إلى التوحيد ، لكن أهل الظاهر أخذوا القشور وتركوا اللباب ، فإذا الأديان مجموعة من الطقوس ، إن نظر إليها من حد هذا المنظار عدت وثنية.
60 ـ (وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60))
[البقرة : 60]
العصا القدرة ، وهي من الصفات الإلهية السبع ، والحجر الحجاب .. والعيون الاثنتا عشرة الحواس الظاهرة والباطنة إضافة إلى الروح والقلب ، فهذه كلها من عطاءات الله الذي شاء أن يخرج ما لديه من علوم للمتعلمين العابدين.
61 ـ (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (61))
[البقرة : 61]
الطعام الواحد الطعام الإلهي ، وهو مثل المائدة التي أنزلها الله سبحانه على الحواريين ، والطعام الإلهي قانون ودستور وحكم لكن القوم طالبوا بطعام آخر ، وهو طعام أري ، والطعام الأرضي هو ما تطعمه الحواس ، فهو إذن محسوسات ، وهنا يلتقي بنو إسرائيل عبدة العجل بالفلاسفة والمفكرين الحسيين الذين لا يؤمنون بغير ما يرد من باب المحسوسات ، وهم كثير ، وترى منذ بدء الخليقة انقسام الناس بين مؤمنين بالطعام الإلهي وبين ملحدين ومشركين.
62 ـ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62))
[البقرة : 62]
استثنى سبحانه من أهل الظاهر المؤمنين واليهود والنصارى والصابئين الذين آمنوا بالعالمين الظاهر والباطن ، بالعيان والعين ، بالمادة والروح ، فهؤلاء يأكلون كل طعام.
63 ، 64 ـ (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (64))
[البقرة : 63 ، 64]
الطور إشارة إلى التجلي الإلهي بالقهر ، إذ لما تجلى سبحانه للجبل خر موسى صعقا ، فالجبل إشارة إلى الفكر ، إذ الفكر يشع عن الدماغ في الرأس ، والجبل ما علا من الأرض ، والأخذ بالقوة الأخذ عن الفكر ، على ألا يغفل القلب عن أن الفكر هو من خلق الرحمن ، سبحانه ميز الإنسان بالفكر ، فشرفه وفضله على بقية المخلوقات.
65 ، 66 ـ (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (65) فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (66))
[البقرة : 65 ، 66]
السبت بمثابة الجمعة عند المسلمين ، فهو إشارة إلى الجمع ، والوصول إلى الجمع يقينا بالكشف يعني كشف الفاعل الحقيقي في الوجود ، ولهذا لا يعمل اليهود عملا يوم السبت ، ولهذا رمز ، ورمزه الإيمان والتسليم بصاحب الأمر والفعل ، أما إذا ظل الإنسان مؤمنا بأنه هو الفاعل ، لا الروح فيه ، فهو بمثابة القرد لا يعي حقيقة أمره.
فالإنسان يتصرف في ملك ليس هو صاحبه ، وإن بدا الأمر ظاهرا كذلك.
67 ـ (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (67))
[البقرة : 67]
البقرة كناية عن النفس ، والآية تتمة لما سبقتها من حديث عن رفع الطور ، فالنفس دابة منقادة لله ، وهي القلب الذي هو في قبضة الرحمن ، وذبحها ، أي نحرها ، أي التضحية بها ، أي الخلاص من قولك أنا ، ضرورة لكشف الحقيقة.
68 ، 69 ـ (قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ (68) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69))
[البقرة : 68 ، 69]
النفس خالدة لأنها إلهية ، فلا يشملها زمان ، فهي من قبل الزمان ، والزمان من صنعها ، ولهذا وصفت بأنها ليست مسنة ولا صغيرة ، بل هي بين بين ، وهذا البين هو تأرجح النفس بعد التعيين بين قوسي الزمن.
والنفس صفراء ، والصفرة من ألوان الطيف ، فالإشارة إلى شفافية النفس ولطفها.
70 ، 71 ـ (قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ (70) قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ (71))
[البقرة : 70 ، 71]
النفس لم تخلق لتكون مطية للمادة ، بل المادة مطية لها ، ولهذا وصفها سبحانه بأنها غير ذلول ... والخروج على الذل هذا هو من تعظيم الحق لهذا الخلق الإلهي الذي لا يدرج في فعل كن الوجودي ، لأن النفس صورته سبحانه ووجهه الظاهر.
74 ـ (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74))
[البقرة : 74]
قسوة القلب تغلفه بالمحسوسات والشهوات وحجاب الأنا ، والنفس من جهة التعيين إن حبست في حدود التعيين انقطع موردها من الروح فأصيبت بالقسوة ... أما إذا ظل ضياء الروح يمدها فإن أنهار العلوم تتفجر منها ، وما خلق الله هذا الوجه المتعين إلا ليعرض على شاشته علومه.
86 ـ (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (86))
[البقرة : 86]
شراء الحياة الدنيا بالآخرة شراء عالم الحس والعيان بعالم الآخرة والروح ، وشتان ما بين العالمين ، فعالم الحس يحكمه التناقض والتبدل ولا ثبات له على حال ، وعالم الآخرة والروح يسوده السّلام والطمأنينة ، وهو الآن كما كان.
87 ـ (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (87))
[البقرة : 87]
روح القدس روح الحياة ، وهو اسمه تعالى الحي ، وتأييده عيسى هو الذي مكنه من إتيان المعجزات كشفاء المرضى وإحياء الموتى.



#محمد_بركات (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المختار من كتاب (علم الأديان) للدكتور خزعل الماجدي (5)
- المختار من كتاب (علم الأديان) للسيد خزعل الماجدي (4)
- المختار من كتاب (علم الأديان) للسيد خزعل الماجدي (3)
- المختار من كتاب (علم الأديان) للسيد خزعل الماجدي (2)
- المختار من كتاب (علم الأديان) للسيد خزعل الماجدي (1)
- المختار من كتاب (القصص القرآني ومتوازياته التوراتية) للسيد ف ...
- المختار من كتاب (القصص القرآني ومتوازياته التوراتية) للسيد ف ...
- المختار من كتاب (مغامرة العقل الأولى) للسيد فراس السواح (6)
- المختار من كتاب (مغامرة العقل الأولى) للسيد فراس السواح (5)
- المختار من كتاب (مغامرة العقل الأولى) للسيد فراس السواح (4)
- المختار من كتاب (مغامرة العقل الأولى) للسيد فراس السواح (3)
- المختار من كتاب (مغامرة العقل الأولى) للسيد فراس السواح (2)
- المختار من كتاب (مغامرة العقل الأولى) للسيد فراس السواح (1)
- محادثات مع الله - الجزء الثالث (52) نيل دونالد والش
- الفلسفة أنواعها ومشكلاتها (5)
- الفلسفة أنواعها ومشكلاتها (4)
- الفلسفة أنواعها ومشكلاتها (3)
- الفلسفة أنواعها ومشكلاتها (2)
- الفلسفة أنواعها ومشكلاتها (1)


المزيد.....




- من قال إن الفكر لا يقتل؟ قصة عبد الرحمن الكواكبي صاحب -طبائع ...
- أروى صالح.. صوت انتحر حين صمت الجميع
- السعودية تخطط لشراء 48 فدانا في مصر لإقامة مدينة ترفيهية
- هل يشهد العالم -انحسار القوة الأميركية-؟ تحليل فالرشتاين يكش ...
- التمثيل النقابي والبحث عن دور مفقود
- الفنان التونسي محمد علي بالحارث.. صوت درامي امتد نصف قرن
- تسمية مصارعة جديدة باسم نجمة أفلام إباحية عن طريق الخطأ يثير ...
- سفارة روسيا في باكو تؤكد إجلاء المخرج بوندارتشوك وطاقمه السي ...
- كتاب -رخصة بالقتل-.. الإبادة الجماعية والإنكار الغربي تحت مج ...
- ضربة معلم من هواوي Huawei Pura 80 Pro.. موبايل أنيق بكاميرات ...


المزيد.....

- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد بركات - التفسير الصوفي الفلسفي للقرآن الكريم (1)