محمد بركات
الحوار المتمدن-العدد: 8335 - 2025 / 5 / 7 - 20:15
المحور:
الادب والفن
254 ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254))
[البقرة : 254]
الدعوة إلى الإنفاق دعوة إلى بذل ذات اليد من العلوم التي حصلها القلب لرفع الأستار المضروبة دون الغيب، وبالوصول إلى الهدف يعرف الإنسان نفسه ثم ربه، فيعبده حق عبادته، أما إذا استمر الإنسان في جهله من هو، ومن ربه، فإن النهاية يوم يتوقف فيه تبادل المعلومات بين العبد والرب، فلا عبد في حال رفع الحجاب ولا رب، بل هو واحد أحد، ويكون الظالمون، أي المحجوبون، يومذاك ظالمين، أي ظالمي أنفسهم بعد أن منعوها العبادة الحقيقة أي المعرفة الإلهية.
256 ـ (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لا انْفِصامَ لَها وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256))
[البقرة : 256]
الدين الصفة والصراط، فالمؤمن مؤمن بنور جعله الله في قلبه، فإن لم يكن للقلب نور فلا إيمان له، ولهذا قال سبحانه : (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ،) لأن الدين عطاء جواني إن فقد لا يمكن تعويضه، والطاغوت كل ما يصد عن سبيل الله، وإن لم يعرف الإنسان ربه، وأين ربه، فهو عبد الطاغوت.
257 ـ (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (257))
[البقرة : 257]
الظلمة البعد عن الله والحجاب القائم بين الإنسان وربه، والنور انفجار أشعة الحق التي تهدي القلب سواء السبيل، والسبيل ما يؤدي إلى الحق ومعرفته.
258 ـ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258))
[البقرة : 258]
المحاجة التي قامت بين إبراهيم عليهالسلام والنمرود وموضوعها المشيئة والقدرة وبقية الصفات، فهل هي إلهية أم بشرية، وتفيد الآية أن الأمارات الكونية لا حيلة للإنسان أمامها، فلقد أحضر النمروذ مثلا رجلين متهمين فعفا عن أحدهما، وقال إنه بعفوه عنه أحياه، وحكم على الآخر بالموت، وقال إنه بقتله إياه أماته، فهو إذن يحيي ويميت، فكان تحدي إبراهيم بأن الله يأتي
بالشمس من المشرق فليأت النمروذ بها من المغرب، والطلب معجز إذ لا طاقة للإنسان على الوصول إلى أبعد مما تطاله يداه وقواه، والحياة بحد ذاتها إعجاز إذ بكونه سبحانه الحي يعني أنه واهب الحياة، والإنسان لكونه مخلوقا لا يستطيع أن يكون خالقا مانحا الحياة، فبين الواجب الوجود والممكن الوجود هناك صفة الحياة، وهي التي يكون بها الأول أولا، والواجب الوجود مكتفيا بذاته، متجوهرا بذاته، مبتدئا بذاته، فهو الأول لكل أول، ونظام الكون كله ظاهرا وباطنا يكشف عن وجود نظام واحد على جميع الأصعدة المادية والنفسية والروحية، فبين الله والإنسان تقف الحياة بكل ما فيها، وهي إما أن ترد إلى خالق، أو أن تجعل هي الخالقة على حد زعم الكافرين.
259 ـ (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259))
[البقرة : 259]
القرية إشارة إلى البدن وقواه، وكونها خاوية على عروشها بروز الحقيقة لصاحب الكشف عند ما لا يرى من الإنسان بعد الكشف إلا ما يراه المرء من قرية كانت عامرة فهجرت فإذا هي خراب يباب، والمكاشف بعد أن يرى فعل الله في العبد يرى العبد وقد جرد من قواه وإمكاناته.
وقصة الذي مر على القرية مثل للقلب الذي أحيي بالعلم، بعد أن كان ميتا موت الجهل، فرأى الله وآثاره. والمائة عام التي مرت على موت عزير الذي مر على بيت المقدس راكبا على حمار فوجدها خرابا بعد أن دمرها بختنصر، والمغزى وصول المراد إلى أفق الروح الفاعل، وهو أفق خارج على الزمان والمكان لأن الأخيرين نسبيان متغيران، وعلاقتهما ببعضهما بعضا وهمية، إذ لا وجود حقيقيا إلا للروح الخالد. وعند ما رجع المكاشف من المحو الزماني إلى الصحو رأى بدنه روحا حيوانيا رمز إليه بالحمار، وهو دابة طيعة ذلول تحمل الإنسان. والقصد كون البدن حامل القلب، أو على الأصح حامل الروح، وأنه آلة لهما. ويتبين بعد الكشف كون الروح الحيواني قوة إلهية سارية في المخلوقات، وهي الفاعلة في العالم الطبيعي.
ـ (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (261))
[البقرة : 261]
الإنفاق في سبيل الله، أي إنفاق العلوم المحصلة عن طريق الحواس والفكر في سبيل الله، أي في سبيل معرفته والوصول إليه. وعند ما يتم جمع هذا المحصول من العلوم يأتي الروح القدس ويعيد نظم الكليات التي حصلها الفكر بالتجديد، فتكون النتيجة الكشف عن وجود الله في الكون ظاهرا وباطنا.
262، 263 ـ (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (262) قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263))
[البقرة : 262، 263]
عدم اتباع الإنفاق بالمن والأذى الخروج عن الأنية التي تكون في حال التلوين ذات وجود أي دعوى الوجود، فإذا وصل العارف مقام التحقق انتفى وجود أنيته، أي انكشف بطلان الدعوى الشخصية فما عاد قادرا على أن يثبت لنفسه وجودا، إذ معنى الأنية كون الشيء
موجودا، وما دام الإنسان قد أتى عليه حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا، فإنه يكون قد اكتسب وجوده اكتسابا، ووجوده هذا هبة، وهو مضاف إلى وجود أصيل أزلي موجود بذاته، كما أن العلم المحصل عن طريق الحواس والفكر هو علم موهوب أصلا، لأنه من حصيلة فعل الأنية المضافة ونشاطها، والنتيجة أن المكاشف ينخلع من الوجود ومن الحول والطول، ويرث من ثم الوراثة المحمدية وهي الظفر بروح القدس.
264 ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (264))
[البقرة : 264]
إتباع الصدقات بالمن والأذى الإيمان بالله ثم القول يا أنا، والأنا أعظم حجاب، وقد بينا السبب، والأنا هي ما ضرب الله لها مثلا الحجر الأملس الذي يقوم حاجزا بين الله والعبد، فيبقى العبد مستورا عن الله.
265 ـ (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265))
[البقرة : 265]
بذل المال الاعتراف بأن كل علم حصله الإنسان هو بفضل من الله ولله، وما الإنسان إلا واسطة ظهور، وجسر بين العالمين الظاهري والباطني، وإيمان كهذا هو الذي يؤتي أكله، إذ برد الفضل إلى صاحبه يضاعف صاحب الفضل الأجر، ويجزل العطاء والثواب، فتثمر جنة الفكر، ويبلغ الفكر كماله وتمامه.
266 ـ (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266))
[البقرة : 266]
الذرية الضعفاء مثل القلب وحواسه، أي آلاته التي تصله بالعالم الخارجي والعالم الداخلي، والنخيل والأعناب المعقولات التي جردها الفكر بالنظر والتحليل والاستنتاج، فإذا هي جنة علمية تسر صاحبها والناظرين، والإعصار الذي فيه نار حدوث الكشف الذوقي الذي لا يبقى ولا يذر، فيجرد الفكر من قواه، ويجرد الحواس من إمكاناتها ويحرق الجميع حرقا بنار التوحيد التي رآها موسى عليهالسلام، فلما جاءها نودي (إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) [القصص : 30].
#محمد_بركات (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟