أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - مكسيم العراقي - مابين النظام الملكي ونظام المماليك في العراق: في ذكرى ثورة 14 تموز 1958 -5















المزيد.....



مابين النظام الملكي ونظام المماليك في العراق: في ذكرى ثورة 14 تموز 1958 -5


مكسيم العراقي
كاتب وباحث يومن بعراق واحد عظيم متطور مسالم ديمقراطي علماني قوي

(Maxim Al-iraqi)


الحوار المتمدن-العدد: 8406 - 2025 / 7 / 17 - 20:54
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


20—عدم القدرة على الاتفاق والتفاهم لدى العراقيين!
21—اسس ازمات العراق المختلفة
22- واخيرا- مقتل العائلة الحاكمة


(20)
إن وصف التحديات التي يواجهها العراقيون في عدم الاتفاق على قيادة سياسية مستقرة ومقبولة على نطاق واسع هو تعبير ومبسط لظاهرة معقدة ومتجذرة في التاريخ والجغرافيا والسياسة والمجتمع العراقي. انها أزمة تاريخية متجذرة في بناء الدولة، الشرعية السياسية، والوحدة الوطنية.

يمكن تحليل هذه الظاهرة في سياق تاريخ الهزائم والتحديات التي مر بها العراق، خاصة بعد سقوط الدولة العباسية:

1. تاريخ الهزائم والتحديات بعد سقوط الدولة العباسية:
سقوط بغداد والمرحلة المظلمة (1258 وما بعدها):
كان سقوط بغداد على يد المغول عام 1258 كارثة حضارية، لم تدمر العاصمة فحسب، بل قضت على مركز الخلافة العباسية الذي كان يمثل رمزاً للوحدة الإسلامية ومركزاً للسلطة السياسية.
كان الفساد والظلم والاستئثار بالسلطة والمال وعما كتب عن خيانة ابن العلقمي والطوسي وغيرهما اسباب الهزيمة التي تتكرر عبر التاريخ!
(قارن بين ابن العلقمي وجوبارو قائد الجيش البابلي!)
لقد دخلت بلاد الرافدين في فترة طويلة من التدهور والإهمال والاضطراب مما أدى إلى تراجع الوعي الوطني و المدني وتأخر في التنمية مقارنة بفترات سابقة.
كان ابن العلقمي وزيرا للخليفة العباسي المستعصم بالله وقد تولى شؤون الدولة في فترة ضعفها وانقسامها وكان معروفا بذكائه وحنكته السياسية وكانت الروايات التي جاءت بعد سقوط بغداد تتهمه بأنه تآمر مع المغول وسهّل لهم دخول المدينة من خلال إضعاف الجيش وتقليل عدده وخداع الخليفة بأن لا خطر في الأفق وقيل إنه راسل هولاكو سرا واتفق معه على أن يدخل بغداد مقابل أن يكون له مكان في الحكم بعد سقوط الخلافة وكان بعض المؤرخين يرون أن هذه الرواية مشكوك فيها وأنها ظهرت في سياق طائفي متأخر يريد تحميل الطائفة الشيعية مسؤولية سقوط الخلافة ( كانت هناك جولات وصولات وصراع على السلطة بين الطرفين) بينما الحقيقة أن الدولة العباسية كانت تعاني من الضعف والفساد والتفكك قبل دخول المغول بزمن طويل ولم يكن ابن العلقمي سوى جزء من هذا الواقع المتهاوي الذي كانت فيه الدولة غير قادرة على صد أي قوة عسكرية منظمة كالتي جاء بها هولاكو.
أما نصير الدين الطوسي فقد كان عالما وفيلسوفا وفلكيا عاش في زمن اجتياح المغول وكان في بداية الأمر محتجزا لدى أحد قادة المغول ثم أطلق سراحه وصار من مستشاري هولاكو وقد رافقه في حملته على بغداد وكان له دور بعد السقوط في تأسيس مرصد مراغة والحفاظ على التراث العلمي والفكري وقيل إنه أنقذ آلاف الكتب من الحرق والضياع وبعض الناس اتهموه بأنه خان الإسلام بمرافقته للمغول بينما يرى آخرون أنه حاول النجاة بنفسه وبما تبقى من العلم في وقت لم يكن فيه للدولة الإسلامية قوة تذكر وكان التتار يدمرون المدن بلا رحمة

كان نصير الدين الطوسي يتبع المذهب الشيعي الاثني عشري وقد ذكر في مؤلفاته عقائد الشيعة ودافع عنها في بعض المواضع لذلك يُعتبر من العلماء الشيعة الكبار في القرون الوسطى لكن يجب التنبه إلى أنه لم يكن فقيها على النمط الحوزوي المعروف اليوم بل كان أكثر انشغالا بالعلوم العقلية مثل الفلك والفلسفة والمنطق وله كتب كثيرة في هذه المجالات.

أما بالنسبة إلى تأسيس المرجعية الشيعية في النجف فهذا موضوع آخر مرتبط بعالم مختلف هو الشيخ الطوسي المعروف أيضا بشيخ الطائفة وهو محمد بن الحسن الطوسي وقد عاش قبل نصير الدين الطوسي بثلاثة قرون تقريبا حيث توفي سنة 401 للهجرة 1010 للميلاد تقريبا وقد جاء إلى النجف بعد اضطرابات في بغداد وانتقل بالحوزة العلمية إلى جوار مرقد الإمام علي بن أبي طالب وهناك أسس تقاليد الدراسة والبحث والفتوى التي تطورت لاحقا إلى ما يُعرف بالمرجعية الدينية في النجف.
الشيخ الطوسي هو الذي أسس النواة الأولى لما يُعرف اليوم بالحوزة العلمية والمرجعية الكبرى في النجف.

في النهاية فإن دور ابن العلقمي والطوسي يبقى مثار جدل بين من يراه خيانة ومن يراه تصرفا سياسيا في وقت كارثي سقطت فيه بغداد ليس بسبب شخص بعينه بل بسبب نظام سياسي كامل كان قد انتهى من داخله قبل أن ينقض عليه التتار من خارجه!


2. صراع الإمبراطوريات (العثمانية والصفوية):
أصبح العراق ساحة صراع بين إمبراطوريتين كبيرتين: العثمانية السنية في الغرب والصفوية الشيعية في الشرق. هذا الصراع أدى إلى:
-غياب الاستقرار: تناوب السيطرة بين القوتين، مما أدى إلى حروب متكررة وعدم استقرار سياسي واقتصادي.
--تأجيج الانقسامات الطائفية لاسباب ومصادر مختلفة : ساهم هذا الصناعة في تعميق الانقسامات بين المكونات السنية والشيعية في العراق، حيث كانت كل قوة تحاول استمالة المذهب الذي تمثله.
وبعد الاحتلال البريطاني... كان الوضع بين الطائفتين اكثر سلمية وتفاهما وتعاونا!
وهناك قصة تروي تبين سهولة اثارة الطرفين على بعض من قبل متامرين ماديين او ممن ينبش في قبور التاريخ لياجج الفتنة وهم في الحقيقة ليسوا سوى جواسيس لجهات مختلفة لتدمير العراق وغيره واكثر تلك الجهات هي من العمائم الماسونية الموسادية وان جائت قبل وبعد نشوء الموساد!!!...تقول القصة!
في أحد الأيام قام جندي بريطاني بإلقاء سمكة جري في خزان ماء يستخدمه الناس للشرب وكانت سمكة الجري تعتبر من المحرمات عند الشيعة لأنها لا تحمل الفلس فثار غضبهم واعتبروه اعتداء متعمدا على معتقداتهم ولم تمر الحادثة دون رد فعل إذ بدأ الخلاف يحتد بين الطائفتين, بعضهم رأى في الحادثة أمرا خطيرا يمس كرامتهم الدينية والبعض الآخر اعتبرها أمرا بسيطا لا يستحق كل هذا الغضب وتحول النقاش إلى صراع طائفي بين من يحرم أكل الجري ومن لا يحرمه وقد اتخذ الأمر بعدا رمزيا يتجاوز الفعل نفسه ليعكس حالة الاحتقان والانقسام السائدة في المجتمع
المصدر:
علي الوردي
لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث
الجزء الخامس
(تحديدًا في سياق تحليله للصراع الطائفي والتعصب المذهبي في العراق)

-غياب تجربة الحكم الذاتي: لم يطور العراقيون تجربة حقيقية في بناء الدولة الوطنية الحديثة أو الحكم الذاتي الجماعي تحت هذه الإمبراطوريات البعيدة.

3. العزلة والتهميش:
فقد العراق مكانته كمركز عالمي، وتحول إلى ولاية نائية ضمن الإمبراطورية العثمانية، مما أدى إلى إهمال البنية التحتية، وتراجع التعليم، وضعف مؤسسات الدولة.
مصدر:
تصور افلام ومنها في موقع عبد الله الرجي افلام عن فترة نهاية العهد العثماني والعهد الانكليزي وكيف كان اغلب الناس حفاة وبوساء على الرغم من ثراء البلد الذي كتبت عنه مس بيل في مذكراتها!

-تحديات القيادة والوحدة في العصر الحديث:
هذه الخلفية التاريخية الطويلة من عدم الاستقرار، والتبعية الخارجية، والانقسامات الداخلية، ألقت بظلالها على محاولات بناء الدولة العراقية الحديثة في القرن العشرين والواحد والعشرين:

النظام الملكي (1921-1958):
فرض خارجي: تأسس النظام الملكي تحت الانتداب البريطاني، ورأى الكثيرون في الملك فيصل الأول (ومن بعده) ونخبته الحاكمة امتداداً للنفوذ الأجنبي، مما أثر على شرعيته الوطنية بعض الشيء وسارع شاب صغير استولى على قيادة الحزب الشيوعي برفع شعار اسقاط النظام الملكي!!!.
ولد بهاء الدين نوري عام 1927 في السليمانية. انضم إلى الحزب الشيوعي العراقي في أواخر عام 1945.
أصبح بهاء الدين نوري سكرتيرًا للحزب الشيوعي العراقي بين عامي 1949 و1953( بعمر 22 سنة!! ورفع شعار اسقاط النظام الملكي والحزب كان مدعوسا ومدمرا!!). تولى هذا المنصب في فترة عصيبة للحزب، جاءت بعد إعدام عدد من القادة التاريخيين للحزب، أبرزهم المؤسس يوسف سلمان يوسف (فهد) ورفاقه. لعب نوري دورًا فعالًا في إعادة بناء الحزب والحفاظ عليه خلال هذه الفترة الصعبة.
بعد ثورة 14 تموز 1958 والإفراج عن المعتقلين السياسيين، عاد بهاء الدين نوري إلى قيادة الحزب كعضو في اللجنة المركزية ثم في المكتب السياسي [2]. وقد برزت له آراء ووجهات نظر مختلفة داخل الحزب، خاصة فيما يتعلق بسياسة الحزب تجاه حكم عبد الكريم قاسم، حيث عارض سياسة التشدد والصدام التي كان يتبناها سكرتير الحزب حينها سلام عادل.
يُعرف بهاء الدين نوري بكونه أحد القادة المخضرمين في الحركة الشيوعية العراقية، وله مذكرات وكتابات توثق تجربته. توفي في ديسمبر 2020 عن عمر يناهز 93 عامًا.
تحميل وقراءة كتاب مذكرات بهاء الدين نوري PDF - كتابلينك
https://www.ketablink.com/%D9%85%D8%B0%D9%83%D8%B1%D8%A7%D8%AA%20%D8%A8%D9%87%D8%A7%D8%A1%20%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86%20%D9%86%D9%88%D8%B1%D9%8A
هل كانت دعوته الفردية لاسقاط النظام الملكي تنبع من ظروف ذاتية وموضوعية ملائمة اما انها كانت تحمل مصلحة كردية بعد سحق التمرد الكردي بقيادة المله مصطفى البرزاني!
تمرده وقع في الفترة بين عامي 1943 و1945، وكان جزءًا من سلسلة من الحركات الكردية المسلحة التي قادها ضد السلطات العراقية.
هذا التمرد جاء بعد محاولات مستمرة للبرزاني وعشيرته في مقاومة السيطرة المركزية العراقية، وتميز بمحاولات تنظيمية عسكرية وسياسية قوية لكن انتهى بتراجع القوات الكردية نتيجة لضغوط الحكومة العراقية والدعم الذي تلقتها من بعض الدول الإقليمية.
اصدر بهاء الدين نوري كتابا بعد قيام (الجبحة) الوطنية ونشرفي العراق وهو "ايام عصيبة".

-الاستقطاب: رغم محاولات الوحدة، لم يتمكن النظام من تجاوز الانقسامات العميقة بين القوميين العرب والشيوعيين والليبراليين والقبائل والمكونات العرقية/الدينية المختلفة، والتي كانت تتنازع على هوية الدولة الوليدة.

-القمع: قمع النظام للمعارضة، بدلاً من استيعابها، دفع إلى التغيير الثوري.

النظام الجمهوري (بعد 1958):

دورة الانقلابات: منذ الإطاحة بالملكية، دخل العراق في دوامة من الانقلابات العسكرية (1963، 1968)، مما منع ترسيخ أي قيادة شرعية مستقرة أو مؤسسات ديمقراطية. كل انقلاب كان يلغي إنجازات السابق ويزيد من الشرخ الداخلي.

-غياب التوافق الوطني: لم يتمكن أي نظام جمهوري من الحصول على إجماع وطني حقيقي على شكل الحكم أو القيادة. فعبد الكريم قاسم، الذي حاول بناء هوية "العراق أولاً"، اصطدم بالقوميين. وحزب البعث، الذي فرض سلطته بالقوة، أقصى وقمع قوى والوان أساسية في المجتمع (الأكراد، الشيعة، الشيوعيين).

-الديكتاتورية والقمع: وصل العراق ذروة عدم القبول تحت حكم صدام حسين، الذي فرض حكماً شمولياً اعتمد على القمع الوحشي والإرهاب والحروب، مما أدى إلى تدمير النسيج الاجتماعي والسياسي، وجعل أي قبول بالقيادة قائماً على الخوف لا الشرعية.

-ما بعد 2003: النظام الحالي، القائم على المحاصصة الطائفية، ورغم أنه شكلياً ديمقراطي، إلا أنه يعاني من أزمة شرعية عميقة، وفساد مستشر، وفشل في تقديم الخدمات، وتدخلات خارجية. هذا يؤدي إلى استمرار عدم الثقة بالقيادات السياسية المنتخبة، ويدفع إلى الاحتجاجات المستمرة، والفشل في الاتفاق على قيادة وطنية جامعة تتجاوز الولاءات الطائفية والحزبية.

(21)
ان العراق في الحقيقة امام ازمات مختلفة:
-أزمة بناء الدولة الوطنية (Nation-State Building Crisis): فشل تاريخي في صياغة هوية وطنية جامعة تتجاوز الانتماءات الفرعية (الطائفية، العرقية، القبلية) في إطار دولة حديثة قوية وشرعية ويجب اعادة فرض تلك الدولة الوطنية لانها الحل الوحيد لمشاكل العراقيين بالطرق العلمية وليس القسرية مع اتخاذ اقصى العقوبات ضد الفاسدين والمجرمين والجواسيس والارهابيين الماجورين ومن اي جهة كانت واي لون!
كمثال:
((تواترت إعلامياً كلمات منسوبة للمرحوم الملك فيصل الأول ملك العراق تعود لعام 1921 تحديداً حيث وصف الملك الذي تسلم عرش العراق آنذاك حالة المجتمع العراقي بطريقة ربما كنا في يوم ما ننكرها ونعتبرها قاسية وجارحة ومهينة ولكن بعد مرور 9 عقود نرى أننا نقترب من ذلك الوصف بشكل أو بآخر وكأن العراقيين عادوا إلى النقطة التي بدأوا منها!))
(أقول وقلبي ملآن أسىً إنه في اعتقادي لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد بل توجد تكتلات بشرية خيالية خالية من أي فكرة وطنية متشبعة بتقاليد وأباطيل دينية لا تجمع بينهم جامعة سمّاعون للسوء ميالون للفوضى مستعدون دائماً للانتفاض على أي حكومة فنحن نريد أن نشكل شعبا نهذبه وندرّبه ونعلمه ومن يعلم صعوبة تشكيل شعب في مثل هذه الظروف يجب أن يعلم عظم الجهود التي يجب صرفها لإتمام هذا التكوين وهذا التشكيل هذا هو الشعب الذي أخذت مهمة تكوينه على عاتقي)!

المصدر: دنيا الوطن د اكرم المشهداني في اب 2021
قراءة سوسيولوجية لمقولة فيصل الأول عن العراقيين بقلم:د.أكرم عبدالرزاق المشهداني | دنيا الرأي
https://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2012/08/06/267618.html

-أزمة الشرعية السياسية (Crisis of Political Legitimacy): صعوبة تاريخية في إرساء أنظمة حكم أو قيادات تحظى بقبول واسع وطوعي من مختلف مكونات الشعب، مما يؤدي إلى اللجوء المتكرر إلى القوة أو التوافقات الهشة.

-الانقسام السياسي المزمن (Chronic Political Fragmentation): استمرار الصراعات بين النخب السياسية والمكونات الاجتماعية على السلطة والهوية، دون القدرة على إيجاد آليات فعالة للتعايش والتنافس السلمي.

-إرث الاستبداد والتدخل الخارجي: قرون من الحكم الأجنبي، ثم عقود من الديكتاتورية العسكرية، بالإضافة إلى التدخلات الخارجية المستمرة، منعت تطور ثقافة سياسية قائمة على التوافق والاحترام المتبادل.

(22)
كان مقتل الملك فيصل الثاني وعائلته في صباح يوم 14 تموز 1958، حدثًا صادمًا ومأساويًا لا يزال يثير الجدل حول دوافعه وملابساته الدقيقة حتى اليوم. لم يكن هناك دافع واحد بسيط وراء هذا العمل، بل هو نتاج تضافر عوامل سياسية واجتماعية ونفسية معقدة، بالإضافة إلى طبيعة الثورة نفسها.
-السياق العام ودوافع الثورة
قبل الخوض في دوافع مقتل العائلة المالكة تحديدًا، لا بد من فهم السياق الأوسع الذي أدى إلى الثورة, اكرر مرة اخرى :
الاستياء الشعبي من النظام الملكي: على الرغم من بعض مظاهر التحديث والإصلاح التي شهدها العراق في العهد الملكي، إلا أن هناك استياءً شعبيًا واسعًا كان يتصاعد. كان هذا الاستياء يعود لأسباب متعددة، منها:
-النفوذ الأجنبي: كان يُنظر إلى النظام الملكي، وخاصة رئيس الوزراء نوري السعيد، على أنه موالٍ بشكل كبير لبريطانيا والولايات المتحدة، وهو ما يتعارض مع تطلعات الاستقلال والسيادة الوطنية.
-حلف بغداد (1955): أثار انضمام العراق إلى حلف بغداد (حلف عسكري موجه ضد الاتحاد السوفيتي) سخطًا شعبيًا وعسكريًا كبيرًا، حيث اعتبره الكثيرون تكريسًا للتبعية الغربية وإقحامًا للعراق في صراعات إقليمية ودولية لا تخدم مصالحه.
-الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية: رغم الثروة النفطية، لم يشعر كثير من العراقيين بتحسن كبير في مستوى معيشتهم، وكانت هناك فجوة كبيرة بين الطبقات الغنية والفقيرة.
-الفساد: كان الفساد في الإدارة منتشرًا، مما زاد من سخط الجماهير.
-تطلعات قومية وعربية: في ظل المد القومي العربي الذي كان يقوده جمال عبد الناصر في مصر، كانت هناك رغبة عارمة في الوحدة العربية والتحرر من النفوذ الأجنبي، وهو ما كان يُنظر إلى النظام الملكي على أنه يقف في طريقه.
-تنظيم الضباط الأحرار: في الجيش العراقي، تشكل تنظيم سري من الضباط الوطنيين والقوميين (الضباط الأحرار) يهدف إلى إسقاط النظام الملكي وإقامة نظام جمهوري. هذا التنظيم وبالتحديد عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف لوحدهما بعد ان بان برود الضباط الاحرار وترددهم، خطط للثورة مستغلًا الفرصة التي أتيحت له بتحرك القوات العراقية إلى الأردن.

-دوافع وملابسات مقتل العائلة المالكة
مقتل الملك فيصل الثاني، والوصي على العرش الأمير عبد الإله، ووالدة الملك الملكة نفيسة، والأميرة هيا، والأميرة عابدية (والدة عبد الإله)، وبعض الخدم، كان حدثًا فصليًا في الثورة. تباينت الروايات حول الدوافع المباشرة للقتل:
عدم وجود قرار مسبق بالقتل من قيادة الثورة:
تشير العديد من المصادر والمقابلات مع بعض الضباط الأحرار الذين شاركوا في الثورة إلى أن اللجنة العليا للضباط الأحرار لم تتخذ قرارًا مسبقًا بإعدام العائلة المالكة. بل كانت الخطة الأولية هي محاصرة قصر الرحاب واعتقال الملك والوصي وكبار رجال الحكم، مثل نوري السعيد، وإحالتهم للمحاكمة، على غرار ما حدث في ثورة يوليو بمصر مع الملك فاروق.
بينما يقول عبد الحسن الزبيدي في كتابه ثورة 14 تموز في العراق انه جرى اتخاذ قرار بقتل الوصي ونوري السعيد وترك امر الملك معلقا!
والرواية الأكثر شيوعًا والأكثر قبولًا بين المؤرخين والشهود العيان (مثل فالح حنظل في كتابه "أسرار مقتل العائلة المالكة في العراق") تشير إلى أن عملية القتل كانت مبادرة فردية من النقيب عبد الستار سبع العبوسي، قائد السرية التي حاصرت القصر. عندما خرجت العائلة المالكة من القصر صباح يوم 14 تموز، بأمر من عبد السلام عارف لتسليم أنفسهم، يُقال إن النقيب العبوسي، الذي كان يحمل كراهية شخصية للأمير عبد الإله لأسباب غير واضحة تمامًا (بعض الروايات تشير إلى حقد شخصي أو مظالم سابقة)، أطلق النار عليهم بشكل مفاجئ وغير متوقع من قبل قيادة الثورة.
التحريض اللحظي والمخاوف:
يُقال إن العقيد عبد السلام عارف، الذي كان يقود العملية في الميدان، أذاع بيانًا من الإذاعة يدعو الجماهير للتوجه إلى قصر الرحاب مما قد يكون قد شجع على العنف!.
كان هناك أيضًا خوف لدى بعض الضباط من أن تتمكن العائلة المالكة ورموز النظام من الهروب، أو أن يعودوا للسلطة لاحقًا (كما حدث في ثورة رشيد عالي الكيلاني عام 1941)، مما قد يدفعهم لاتخاذ إجراءات متطرفة لإنهاء حكمهم بشكل نهائي.
تأييد شعبي لاحق (أو عدم استنكار):
على الرغم من أن القتل لم يكن مخططًا له على مستوى القيادة العليا، إلا أن قيادات الثورة (مثل عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف) لم تستنكر الحادث علنًا ولم تحاكم القاتل (عبد الستار العبوسي). بل على العكس، يُقال إن العبوسي حصل على ترقيات وعُين في مناصب لاحقة، مما أعطى انطباعًا بأن قيادة الثورة رضيت بما حدث أو على الأقل لم تعارضه. وهذا يشير إلى أن مقتل العائلة المالكة، وإن لم يكن مخططاً له في البداية، قد لاقى نوعًا من "التأييد الضمني" أو "القبول" من قبل الثوريين، وربما من قطاعات شعبية رأت فيه نهاية حاسمة للعهد الملكي.

على مايبدو اذن ان قتل الملك فيصل الثاني وعائلته لم يكن مدفوعًا بقرار مسبق من قيادة ثورة 14 تموز، بل كان على الأرجح نتيجة مبادرة فردية من النقيب عبد الستار العبوسي في لحظة توتر عالية، مدعومة بتصرفات عبد السلام عارف في الميدان، وعدم وجود نية واضحة لحماية العائلة المالكة من قبل قادة الثورة، بالإضافة إلى جو عام من الغضب الشعبي ضد النظام السابق. إن عدم محاسبة القاتل أو استنكار الفعل يشير إلى أن قيادة الثورة قبلت بالنتائج، واعتبرتها نهاية حاسمة للعهد الملكي.

المصادر:
[1] مجزرة قصر الرحاب - ويكيبيديا. (يقدم نظرة عامة على دوافع الثورة وملابسات المقتل).
مجزرة قصر الرحاب - ويكيبيديا
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D8%AC%D8%B2%D8%B1%D8%A9_%D9%82%D8%B5%D8%B1_%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%AD%D8%A7%D8%A8#:~:text=%D9%85%D8%AC%D8%B2%D8%B1%D8%A9%20%D9%82%D8%B5%D8%B1%20%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%AD%D8%A7%D8%A8%20%28%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%86%D8%AC%D9%84%D9%8A%D8%B2%D9%8A%D8%A9%3A%20Al-Rihab%20Palace%20Massacre%29%20%D9%87%D9%8A,%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B8%D8%A7%D9%85%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D9%83%D9%8A%20%D9%88%D8%A3%D8%B9%D9%84%D9%86%D9%88%D8%A7%20%D9%82%D9%8A%D8%A7%D9%85%20%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%85%D9%87%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%D9%8A%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84%D9%89.%20123

[2] الجزيرة نت - "في ذكرى مجزرة قصر الرحاب عام 1958.. العائلة المالكة في العراق خرجت للتفاوض فقتلت بطريقة بشعة". (يتناول السياق العام، ودور قاسم وعارف، والتأييد الشعبي).
في ذكرى مجزرة قصر الرحاب عام 1958.. العائلة المالكة في العراق خرجت للتفاوض فقتلت بطريقة بشعة | سياسة | الجزيرة نت
https://www.aljazeera.net/politics/2021/7/15/%D9%81%D9%8A-%D8%B0%D9%83%D8%B1%D9%89-%D9%85%D8%AC%D8%B2%D8%B1%D8%A9-%D9%82%D8%B5%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%AD%D8%A7%D8%A8-%D8%B9%D8%A7%D9%85-1958-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D8%A6%D9%84%D8%A9

[3] صحيفة الخليج - "طبعة ثالثة من “أسرار مقتل العائلة المالكة في العراق”". (يشير إلى كتاب فالح حنظل ودوره في توضيح تفاصيل المقتل ودور عبد الستار العبوسي).
طبعة ثالثة من “أسرار مقتل العائلة المالكة في العراق” | صحيفة الخليج
https://www.alkhaleej.ae/%D9%85%D9%84%D8%AD%D9%82/%D8%B7%D8%A8%D8%B9%D8%A9-%D8%AB%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A9-%D9%85%D9%86-%E2%80%9C%D8%A3%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%B1-%D9%85%D9%82%D8%AA%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D8%A6%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%E2%80%9D#:~:text=%D8%AA%D8%AD%D9%85%D9%84%20%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A8%D8%B9%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A9%20%D9%85%D9%86%20%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%20%D8%A3%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%B1%20%D9%85%D9%82%D8%AA%D9%84%20%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D8%A6%D9%84%D8%A9,%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AC%D9%8A%D8%B9%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%8A%20%D8%AD%D9%84%D8%AA%20%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%B1%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%A9%20%D9%81%D9%8A%20%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82.

[4] جريدة الزمان - "لا علاقة لعبد السلام عارف في مقتل الملك فيصل والعائلة المالكة". (يقدم وجهة نظر حول عدم وجود قرار مسبق بالقتل من اللجنة العليا للضباط الأحرار، ويشير إلى مخاوف الضباط).
الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة - لا علاقة لعبد السلام عارف في مقتل الملك فيصل والعائلة المالكة
https://azzaman-iraq.com/content.php?id=92884

[5] قناة اليوتيوب - "قصة مقتل العائلة المالكة في العراق في انقلاب 14 تموز عام 1958 بيد عبد الستار العبوسي والعسكر". (يقدم روايات مفصلة عن دور عبد الستار العبوسي).
قصة مقتل العائلة المالكة في العراق في انقلاب 14 تموز عام 1958 بيد عبد الستار العبوسي والعسكر
https://www.youtube.com/watch?v=umnY1Ek6qBE



#مكسيم_العراقي (هاشتاغ)       Maxim_Al-iraqi#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مابين النظام الملكي ونظام المماليك في العراق: في ذكرى ثورة 1 ...
- مابين النظام الملكي ونظام المماليك في العراق: في ذكرى ثورة 1 ...
- مابين النظام الملكي ونظام المماليك في العراق: في ذكرى ثورة 1 ...
- مابين النظام الملكي ونظام المماليك في العراق: في الذكرى 67 ل ...
- العوامل التي تصوغ الإيمان والإلحاد: تحليل نقدي لتدخلات القوى ...
- فضائحية مقتل هشام الهاشمي: في جمهورية الاغتيالات والإفلات من ...
- المازوشية والسادية الدينية: مفارقة الانقياد والهيمنة
- الهيمنة عبر الافتراء: تحليل سيكولوجي لسلوك التلفيق الديني ضد ...
- جراثيم العفن (العراقية) لفرانز فانون... النفط والديون والانف ...
- العصاب الجماعي للملالي في مسرحهم الكوميدي...ولاشرقية ولاغربي ...
- رفسات البغل الايراني المحتضر ضد العراق وستراتيجية الالهاء!
- ماالعمل للعراق وقواته المسلحة امام دروس الحرب الحديثة المفزع ...
- سودانيات هادفة 14- حكومة انفاس الحرائق والعطاب والخراب والدي ...
- الحشد الثوري الايراني: بين الفساد والإرهاب والعمالة، ودعوات ...
- رادارت العراق الشهيدة بكربلاء الجديدة- توقعات صحف عالمية حول ...
- ايران تبدا بتدمير قدرات العراق العسكرية الهزيلة اصلا بعد الا ...
- ملاحظات حول الحرب الايرانية الاسرائيلية الاولى ودروس للعراق ...
- متلازمة النجف (ستوكهولم) والارتباط الاحتلالي الصدمي عند طغم ...
- امتيازات شولتز وامتيازات مماليك الطغم الاجنبية الجاثمة على ص ...
- الميليشياوي المصنّع و صناعة المليشيات في المشروع الايراني ال ...


المزيد.....




- يوم عالمي لنيلسون مانديلا الذي قال -حريتنا منقوصة بدون حرية ...
- أعياد دينية وأحزاب يسارية
- جورج عبد الله يشيد بالدعم الذي أدى للإفراج عنه
- الصحراء الغربية: هل تراجع جنوب إفريقيا دعمها التقليدي للبولي ...
- بعد اعتقال لـ41 عاما.. فرنسا تعلن الإفراج عن الناشط البارز ج ...
- وفد عن حزب التقدم والاشتراكية بآيت بوكماز
- ملابسات تجريم الإجهاض، قضية أدريانا سمث نموذجا!
- محكمة فرنسية تقرر الإفراج عن جورج عبد الله وتعتبره -رمزا من ...
- القضاء الفرنسي يأمر بالإفراج عن اللبناني جورج عبد الله أقدم ...
- بيان المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي بشأن فاجعة حريق -ه ...


المزيد.....

- ثورة تشرين / مظاهر ريسان
- كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - مكسيم العراقي - مابين النظام الملكي ونظام المماليك في العراق: في ذكرى ثورة 14 تموز 1958 -5